صبر الأنبياء على الأذى
الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل
صَبْرُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْأَذَى
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ أَرْسَلَ الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، وَأَقَامَ حُجَّتَهُ عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، فَمَنْ آمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَ رُسُلَهُ، كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّعِيمِ، وَمَنْ كَفَرَ بِهِ فَلَهُ عَذَابُ الْجَحِيمِ، نَحْمَدُهُ عَلَى هِدَايَتِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى عِنَايَتِهِ وَرِعَايَتِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ مَا أَحَدٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنَه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، يَدَّعُونَ لَهُ الوَلَدَ، ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَرْسَلَهُ اللهُ تَعَالَى لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَجَعَلَهُ سِرَاجًا مُنِيرًا، فَأَوُذِيَ فِي اللهِ تَعَالَى أَذًى شَدِيدًا، فَمَا وَهَنَتْ عَزِيمَتُهُ، وَلَا لَانَتْ شَكِيمَتُهُ، وَلَا تَخَلَّى عَنْ دَعْوَتِهِ، حَتَّى نَصَرَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى عَدُوِّهِ، وَأَظْهَرَ دِينَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهُ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاحْفَظُوهُ يَحْفَظْكُمْ، وَانْصُرُوهُ يَنْصُرْكُمْ، وَأَعِزُّوا دِينَهُ يُعِزَّكُمْ، وَتَمَسَّكُوا بِحَبْلِهِ يُنْجِكُمْ، وَاصْبِرُوا عَلَى الْأَذَى فِي سَبِيلِهِ يَرْفَعْكُمْ، وَاسْتَعِينُوا عَلَى أَذَى الْمُؤْذِينَ مِنَ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَالْفَاسِقِينَ بِذِكْرِهِ سُبْحَانَهُ وَعِبَادَتِهِ وَتَسْبِيحِهِ؛ [فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا]{الإنسان:24-26}.
أَيُّهَا النَّاسُ: مَا مِنْ عَاقِلٍ إِلَّا وَيَعِيشُ لِهَدَفٍ يُرِيدُ تَحْقِيقَهُ، وَغَايَةٍ يَسْعَى لِبُلُوغِهَا، وَيَخْتَلِفُ النَّاسُ فِي أَهْدَافِهِمْ وَغَايَاتِهِمْ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ هِمَّتُهُ تَرْبُو عَلَى السَّحَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ هِمَّتُهُ فِي أَسْفَلِ الْقَاعِ.
مِنَ النَّاسِ مَنْ غَايَتُهُ بُلُوغُ شَهْوَةٍ زَائِلَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ غَايَتُهُ رِضَا الرَّحْمَنِ.
مِنْهُمْ مَنْ يَرْضَى أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِعَبِيدٍ مِثْلِهِ، يُسَخِّرُ قَلْبَهُ وَمَبْدَأَهُ لِرَاحَةِ جَسَدِهِ، وَمِلْءِ بَطْنِهِ، وَإِشْبَاعِ شَهْوَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُسْتَعْبَدُ لِغَيْرِ اللهِ تَعَالَى، وَلَا يُذَلُّ وَلَا يَخْنَعُ لِسِوَاهُ سُبْحَانَهُ، وَلَوْ مُشِّطَ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ، وَنُشِرَتْ أَعْضَاؤُهُ بِالْمَنَاشِيرِ، يَبْذُلُ جَسَدَهُ لِغَايَتِهِ وَهَدَفِهِ، وَلَا يَحِيدُ عَنْ ذَلِكَ مَهْمَا كَلَّفَهُ الأَمْرُ.
وَالدَّعْوَةُ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَالاحْتِسَابُ فِي نَشْرِ دِينِهِ هَدَفٌ هُوَ أَسْمَى الْأَهْدَافِ، وَغَايَةٌ هِيَ أَعْلَى الْغَايَاتِ؛ لِأَنَّ فِيهَا تَعَامُلًا مَعَ خَالِقِ الْخَلْقِ، وَمُدَبِّرِ الْأَمْرِ، وَفِيهَا سُمُوٌّ عَنْ دَنَايَا الدُّنْيَا إِلَى الْمَلَكُوتِ الْأَعْلَى، وَحَقِيقٌ بِمَنْ كَانَ هَذَا هُوَ هَدَفَهُ فِي الدُّنْيَا، وَغَايَتَهُ الَّتِي تَقْصُرُ دَونَهَا كُلُّ الْغَايَاتِ، أَنْ يَنَالَ رِضَا اللهِ تَعَالَى، وَيَبْلُغَ أَعْلَى الْمَنَازِلِ وَالدَّرَجَاتِ.
وَلَكِنَّ هَذِهِ الْغَايَةَ لَا يَنَالُهَا كُلُّ أَحَدٍ؛ لِأَنَّ طُرُقَهَا مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ، مَحْجُوبَةٌ عَنِ الشَّهَوَاتِ، مَمْنُوعٌ أَهْلُهَا مِنَ الرَّاحَةِ؛ فَلَا تَصْبِرُ عَلَيْهَا إِلَّا نُفُوسٌ أَبِيَّةٌ، تَحْمِلُ قُلُوبًا بِالْحَقِّ مُوقِنَةً، وَهِيَ عَلَى الْأَذَى مُصْطَبِرَةٌ، فَأَهْلُ الْمَصَالِحِ الدَّنِيئَةِ، وَالْحُظُوظِ الرَّخِيصَةِ، وَالْهِمَمِ الْمُنْحَطَّةِ لَا يَتْرُكُونَ دُعَاةَ الْحَقِّ يَدْعُونَ إِلَيْهِ؛ لِيَقْطَعُوا عَنْهُمْ شَهَوَاتِهِمْ، وَلِيَحُولُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ امْتِيَازَاتِهِمْ؛ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقِفُوا فِي وُجُوهِهِمْ، وَيُؤْذُوهُمْ وَيُعَذِّبُوهُمْ، وَيُبَارِزُوهُمْ بِالْبَغْضَاءِ وَالْعَدَاوَةِ، وَيَقْذِفُوهُمْ بِالْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ.
إِنَّ الْأَذَى بِسَبَبِ الدَّعْوَةِ وَالْحِسْبَةِ هُوَ طَرِيقُ الْمُرْسَلِينَ، وَبِصَبْرِهِمْ وَيَقِينِهْمِ نَصَرَهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا، وَرَفَعَ ذِكْرَهُمْ فِي النَّاسِ، وَأَعْلَى دَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ، فَنَحْنُ نَذْكُرُهُمْ بِخَيْرِ مَا يُذْكَرُونَ بِهِ، كَمَا قَدْ ذَكَرَهُمْ بِذَلِكَ مَنْ كَانُوا قَبْلَنَا، وَسَيَذْكُرُهُمْ بِهِ مَنْ كَانُوا بَعْدَنَا، وَاللهُ لَا يُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا.
أُرْسِلَ نُوحٌ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِلَى قَوْمِهِ؛ فَآذَوْهُ أَذًى شَدِيدًا، فَصَبَرَ عَلَى أَذَاهُمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا، اتَّهَمُوهُ بِالضَّلَالِ، وَهُوَ الْمُحِقُّ،وَقَالُوا: [إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ]{الأعراف:60}، وَآذَوْهُ فِي صُحْبَتِهِ وَأَتْبَاعِهِ، وَرَمَوهُ بِالْكَذِبِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ أَعْسَرَ عَلَى الْصَّادِقِ أَنْ يُرْمَى بِالْكَذِبِ، قَالُوا:[مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ] {هود:27}،وَلِأَنَّهُمْ عَدُّوا مَنْ آمَنَ مَعَهُ مِنَ الْأَرَاذِلِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَوَرَّعُوا عَنِ السُّخْرِيَةِ مِنْ نُوحٍ وَمَنْ مَعَهُ؛ [وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ]{هود:38}، وَرَمْوهُ بِالْجُنُونِ وَهُوَ أَكْمَلُهُمْ عَقْلًا، وَأَسَدُّهُمْ رَأْيًا، وَأَكْثَرُهُمْ حِلْمًا؛ فَقَالُوا: [إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ]{المؤمنون:25}، وَهَدَّدُوهُ إِنِ اسْتَمَرَّ فِي دَعْوَتِهِ بِالرَّجْمِ؛ [قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ المَرْجُومِينَ] {الشعراء:116}.
وَلَكِنْ رَغْمَ طُولِ أَمَدِ دَعْوَتِهِ، وَقِلَّةِ الْمُسْتَجِيبِ لَهُ، وَشِدَّةِ الْأَذَى عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ صَبَرَ فَظَفَرَ.
وَإِذَا تَفَكَّرَ الدَّاعِيَةُ الْمُحْتَسِبُ فِي صَبْرِ نُوحٍ عَلَى أَذَى قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا، هَانَ عَلَيْهِ مَا يُصِيبُهُ مِنْ أَذًى فِي أَرْبَعِينَ سَنَةً فَقَطْ، أَوْ خَمْسِينَ أَوْ سِتِّينَ.
وَأُوذِيَ هُودٌ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي اللهِ تَعَالَى، وَاتَّهَمَهُ قَوْمُهُ بِالسَّفَهِ فِي عَقْلِهِ، وَالْكَذِبِ فِي قَوْلِهِ؛ فَقَالُوا: [إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكَاذِبِينَ]{الأعراف:66}، وَادَّعَوْا أَنَّ آلِهَتَهُمْ مَسَّتْهُ بِهَذَا الْجُنُونِ؛ [إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آَلِهَتِنَا بِسُوءٍ]{هود:54}.
وَأُوذِيَ صَالِحٌ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي اللهِ تَعَالَى؛ فَرَمَاهُ قَوْمُهُ بِالْكَذِبِ فَقَالُوا:[إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى الله كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ]{المؤمنون:38}، وَزَعَمُوا أَنَّهُ مَسْحُورٌ؛ [قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ المُسَحَّرِينَ]{الشعراء:153}، وَأَجْمَعُوا قَتْلَهَ وَأَهْلَهُ فِي لَيْلٍ مُظْلِمٍ، وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى نَجَّاهُ؛ [قَالُوا تَقَاسَمُوا بِالله لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ]{النمل:49}.
وَأُوذِيَ الْخَلِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي اللهِ تَعَالَى، فَهَجَرَهُ أَبُوهُ، وَهَدَّدَ بِرَجْمِهِ؛ [قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا]{مريم:46}، وَعَزَمَ قَوْمُهُ عَلَى قَتْلِهِ وَحَرْقِهِ؛ [فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ]{العنكبوت:24}.
وَأُوذِيَ لُوطٌ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي اللهِ تَعَالَى، فَتَوَاصَى قَوْمُهُ عَلَى طَرْدِهِ وَتَشْرِيدِهِ بِسَبَبِ طَهَارَتِهِ مِن فَوَاحِشِهِمْ؛ [قَالُوا أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ] {النمل:56}، وَآذَوْهُ فِي ضَيْفِهِ بِمُحَاوَلَةِ الاعْتِدَاءِ السَّافِرِ القَذِرِ عَلَيْهِمْ، حَتَّى عَلاَهُ الهَمُّ، وَرَكِبَهُ الكَرْبُ؛ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُمْ بَشَرٌ وَهُمْ مَلائِكَةٌ، وَخَشِيَ عَلَيْهِمْ فُحْشَ قَوْمِهِ؛[وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ * وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ * قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ]{هود:79}، وَبَلَغَ مِنْ هَمِّهِ وَكَرْبِهِ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- أَنْ قَالَ: [لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ]{هود:80}.
وَأُوذِيَ شُعَيْبٌ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فِي اللهِ تَعَالَى؛ فَرَمَاهُ قَوْمُهُ بِالكَذِبِ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ مَسْحُورٌ؛ [قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ المُسَحَّرِينَ * وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الكَاذِبِينَ] {الشعراء:185-186}، وَعَزَمُوا عَلَى إِخْرَاجِهِ وَمَنْ مَعَهُ، وَهَدَّدُوهُ بِالرَّجْمِ لَوْلاَ تَقْدِيرُهُمْ لِعَشِيرَتِهِ؛ [قَالَ المَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمه لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا] {الأعراف:88}، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: [قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ]{هود:91}.
وَأُوذِيَ كَلِيمُ اللهِ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فِي اللهِ تَعَالَى أَعْظَمَ الأَذَى؛ فَاتَّهَمَهُ فِرْعَوْنُ بِالسِّحْرِ لَمَّا جَاءَهُ بِالآيَاتِ، وَقَالَ:[إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ]{الشعراء:34}، وَرَمَاهُ بِالجُنُونِ لَمَّا عَرَّفَهُ بِاللهِ تَعَالَى، وَقَالَ: [إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ]{الشعراء:27}، وَادَّعَى أَنَّهُ مَسْحُورٌ فقَالَ: [إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا]{الإسراء:101}، وَزَعَمَ أَنَّهُ فِي دَعْوَتِهِ كَذَّابٌ؛ [وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا المَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الكَاذِبِينَ]{القصص:38}، وَاسْتَصْغَرَ فِرْعَوْنُ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- وَحَقَّرَ شَأْنَهُ وَعَيَّرَهُ فقَالَ: [أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ]{الزُّخرف:52}.
وَبَلَغَ الأَذَى بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ مُنْتَهَاهُ حِينَ تَوَعَّدَهُمْ فِرْعَوْنُ قَائِلًا: [سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ] {الأعراف:127}وَمُوسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- يُثَبِّتُهُمْ وَيُصَبِّرُهُمْ وَيَعِدُهُمْ بِنَصْرِ اللهِ تَعَالَى فَيَقُولُ: [اسْتَعِينُوا بِالله وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ] {الأعراف:128-129}، وَتَآمَرُوا عَلَى قَتْلِهِ قَبْلَ هِجْرَتِهِ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- إِلَى مَدْيَنَ وَبَعْدَ عَوْدَتِهِ مِنْهَا؛ بِحُجَّةِ أَنَّهُ مُفْسِدٌ؛[وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الفَسَادَ]{غافر:26}.
وَرَحِمَ اللهُ مُوسَى فَقَدِ اسْتَمَرَّ أَذَى قَوْمِهِ لَهُ حَتَّى بَعْدَ هَلاَكِ فِرْعَوْنَ، بِتَعَنُّتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ، وَبُطْئِهِمْ فِي الامْتِثَالِ، وَعِبَادَتِهِمْ لِلْعِجْلِ، وَرَمْيِهِمْ مُوسَى بِالسُّخْرِيَةِ فَقَالُوا: [أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِالله أَنْ أَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ]{البقرة:67}، وَعَصَوْهُ فِي الجِهَادِ، وَقَالُوا: [فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ]{المائدة:24}، وَمِنْ صُوَرِ أَذَاهُمْ لِمُوسَىمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَوْلِهِ:«إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا، لاَ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ، فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالُوا: مَا يَسْتَتِرُ هَذَا التَّسَتُّرَ، إِلَّا مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ: إِمَّا بَرَصٌ وَإِمَّا أُدْرَةٌ: وَإِمَّا آفَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا لِمُوسَى، فَخَلاَ يَوْمًا وَحْدَهُ، فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى الحَجَرِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ إِلَى ثِيَابِهِ لِيَأْخُذَهَا، وَإِنَّ الحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ، فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ وَطَلَبَ الحَجَرَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: ثَوْبِي حَجَرُ، ثَوْبِي حَجَرُ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللهُ، وَأَبْرَأَهُ مِمَّا يَقُولُونَ... فَذَلِكَ قَوْلُهُ: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ الله وَجِيهًا]{الأحزاب:69}؛ رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
وَلاَ عَجَبَ مَعَ كَثْرَةِ الأَذَى الَّذِي نَالَهُ وَقْتُ فِرْعَوْنَ وَبَعْدَهُ أَنْ يَقُولَ لِقَوْمِهِ: [يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ]{الصَّف:5}، وَلاَ عَجَبَ أَنْ يَتَمَثَّلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمُوسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- لَمَّا آذَاهُ الأَعْرَابِيُّ وَاتَّهَمَهُ بأَنَّهُ لَمْ يَعْدِلْ فِي قِسْمَةِ الغَنَائِمِ فقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:«رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى، قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ»؛ رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
وَأُوذِيَ المَسِيحُ -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- فِي اللهِ تَعَالَى فَصَبَرَ، أُوذِيَ فِي أُمِّهِ وَعِرْضِهَا، وَمَا أَشَدَّ ذَلِكَ عَلَى النُّفُوسِ؛ [وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا]{النساء:156}، وَسَعَى اليَهُودُ فِي قَتْلِهِ، فَاخْتَبَأ وَطُورِدَ وَأُوذِيَ حَتَّى رَفَعَهُ اللهُ تَعَالَى إِلَيْهِ، وَنَجَّاهُ مِنْ مَكْرِهِمْ.
تِلْكَ هِيَ مَوَاقِفُ المُرْسَلِينَ، وَصُوَرٌ مِنْ صَبْرِهِمْ عَلَى أَذَى المُؤْذِينَ؛ [أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ]{الأنعام:90},
وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا...
الحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى،وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ [وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ]{البقرة:281}.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: أُوذِيَ مُحَمَّدُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا أُوذِيَ الرُّسُلُ مِنْ قَبْلِهِ؛ فَطُورِدَ وَحُورِبَ وَهُجِّرَ، وَضُرِبَ وَخُنِقَ وَجُرِحَ، وَوُضِعَ الأَذَى عَلَى ظَهْرِهِ وَفِي طَرِيقِهِ، وَأَجْمَعَتْ قُرَيْشٌ قَتْلَهُ؛ [وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ]{الأنفال:30}، وَرَمَوْهُ بِالشِّعْرِ وَالجُنُونِ؛ [وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ]{الصَّفات:36}، وَزَعَمُوا أَنَّهُ مَسْحُورٌ؛ [وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا]{الفرقان:8}.
إِنَّهَا سُنَّةُ اللهِ تَعَالَى فِي المُرْسَلِينَ، وَسُنَّتُهُ سُبْحَانَهُ فِي وَرَثَتِهِمْ مِنَ المُصْلِحِينَ؛ [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ المُجْرِمِينَ]{الفرقان:31}، وَلاَ سِلاَحَ لَهُمْ إِلاَّ الصَّبْرُ عَلَى أَذَى المُؤْذِينَ، وَاليَقِينُ بِأَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ؛ [وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ الله وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ المُرْسَلِينَ] {الأنعام:34}.
وَفِي زَمَنِنَا هَذَا يَشْتَدُّ الأَذَى عَلَى أَتْبَاعِ الرُّسُلِ مِنَ الدُّعَاةِ وَالمُصْلِحِينَ، فَيَمْكُرُ بِهِمُ الكُفَّارُ وَالمُنَافِقُونَ، وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ، وَيَتَّهِمُونَهُمْ بِالجُنُونِ وَالكَذِبِ كَمَا اتُّهِمَ الرُّسُلُ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَيُصَوِّرُونَ لِلنَّاسِ أَنَّ المُصْلِحِينَ لَهُمْ مَآرِبُ فِي إِصْلاحِهِمْ غَيْرَ هِدَايَةِ النَّاسِ، كَمَا قَدِ اتُّهِمَ الرُّسُلُ بِذَلِكَ؛ [قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ]{يونس:78}.
وَوَاجِبٌ عَلَى الدُّعَاةِ وَالمُحْتَسِبِينَ التَّحَلِّي بِالصَّبْرِ، وَالثَّبَاتُ عَلَى الحَقِّ مَهْمَا كَلَّفَ الأَمْرُ، وَكَثْرَةُ العِبَادَةِ وَالذِّكْرِ؛ فَإِنَّ لِذَلِكَ تَأْثِيرًا عَجِيبًا عَلَى ثَبَاتِ القَلْبِ وَقُوَّتِهِ فِي الحَقِّ؛ وَلِذَا أَمَرَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- بِذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الآيَاتِ: [فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى] {طه:130}[فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ]{غافر:55}[فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ]{الأحقاف:35}.
فَصَبْرًا عَلَى الحَقِّ يَا أَهْلَ الحَقِّ، فَإِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ، وَمَهْمَا اشْتَدَّ الأَذَى وَعَظُمَ الكَرْبُ؛ فَإِنَّ نَصْرَ اللهِ تَعَالَى قَرِيبٌ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا...
المرفقات
الحسبة والمحتسبون (5).doc
الحسبة والمحتسبون (5).doc
الحسبة والمحتسبون 5.doc
الحسبة والمحتسبون 5.doc
المشاهدات 6355 | التعليقات 6
بارك الله فيك شيخنا
عجيب وصف المحتسبين بالمغتصبين
يامعالي الوزير هل الانبياء مغتصبون
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
بارك الله فيك ونفع بك..
الحمد لله ..
فمنذ يومين وأنا أتأمل المصائب والفتن التي أحاطب بنا وبأمتنا من الداخل والخارج ..
وأقول لنفسي :
تكاثرت الظباء على خراش ** فما يدري خراش ما يصيد
ولو كان سهما واحد لاتقيته ** ولكنه سهم وثان (وعاشر)
وتأملت ما أرسل الله من النذر في الاعوام الأخيرة .. فإذا هي كثيرة ومتنوعة ..
وإذا معها شي من العقوبات ..
والشي المخيف المرعب أن الفتن تزداد .. ويزداد معها الصد والإعراض والعناد ..
{وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} سورة الأنعام
{وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} سورة المؤمنون
{أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ} سورة التوبة
ومما أتذكر من تلك النذر والعقوبات ..
الأمراض المتنوعة ..
الإنهيارات الاقتصادية .. وغلاء الاسعار ..
الزلازل والبراكين .. والفيضانات .. والأعاصير ..
الحروب والهرج والمرج ..
تكالب الأعداء من الداخل والخارج ..
تفرق لحمة المجتمع وتشتت اهتماماتهم ..
إضعاف شعيرة الاحتساب ومحاربتها بكل شراسة ..
ظهور أنواع من المنكرات التي لم تكن مألوفة ..
الاستعلان بالإلحاد والزندقة .. وسب الدين ..
التكالب على الدنيا .. وضعف الغيرة ..
الخ .. ففي النفس أشياء وفيك فطانة ..
ثم أجد هذه الخطبة الرائعة لتدلني على الحل الشامل ..
[فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا]{الإنسان}.
شيخنا الحبيب .. وفيت وكفيت .. جزاك الله أحسن الجزاء وأوفاه ..
دمت مسددأ .. موفقاً .. مبدعاً ..
محبكم في الله / عبدالله الطوالة
إخوتي الأكارم
شكر الله تعالى لكم مروركم وتعليقكم على الخطبة وأسأل الله تعالى أن ينفع بكم ويجيب دعاءكم ويرفع قدركم.. آمين.
أبو اليسر
جزاك الله خير على هذه الخطبة الشافية والكافية
تعديل التعليق