شيء من حال السلف في رمضان 1440/09/12
عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري
1440/09/15 - 2019/05/20 13:37PM
شيء من حال السلف في رمضان[1]
الحمدلله الذي جعل رمضان موسماً من مواسم الخيرات, يتزود فيه العباد بكثرة الطاعات, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون, وافعلوا الخير تفلحوا وتفوزوا.
معاشر المسلمين: لقد مضت العشر الأولى من رمضان وها نحن في العشر الثانية, فماذا قدَّمتم من الصالحات فيها, فإنَّ ماضيَ أيامكم إنَّما هي مستودع أعمالكم, قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] لينظر كل امرئ إلى نفسه فإن كان أساء عملاً تاب إلى الله واستغفر وأناب, وإن كان عمل صالحاً حمد الله وشكره, وأكثر من الصالحات ليزداد من الأجور والحسنات, وينال رضا رب الأرض والسماوات.
عباد الله: إنَّ شهر رمضان هو شهر القرآن فاجعلوا لتلاوته نصيباً كبيراً من أوقاتكم {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185] وقد أنزله الله في ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر, قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان الجود والكرم, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ" (أخرجه الشيخان).
وكان من حال السلف في رمضان أنَّ عثمان بن عفان رضي الله عنه يختم القرآن فيه في كل ليلة, ولقد كان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال, وبعضهم في كل سبع, وبعضهم في كل عشر, وكان الإمام مالك رحمه الله إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ويُقبل على تلاوة القرآن من المصحف...وكان الإمام سفيان الثوري رحمه الله: إذا دخل رمضان يُقبل على قراءة القرآن وكان الإمام الشافعي رحمه الله يختم القرآن في شهر رمضان ستين ختمة, وكان قتادة رحمه الله يختم القرآن في كل سبع مرة، فإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة، فإذا دخلت العشر ختم في كل ليلة مرة, وكان النخعي رحمه الله يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة، وفي بقية الشهر في ثلاث.
عباد الله: قال ابن مسعود رضي الله عنه: "ينبغي لقارئ القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون, وبنهاره إذا الناس يفطرون, وببكائه إذا الناس يضحكون, وبورعه إذا الناس يخلطون, وبصمته إذا الناس يخوضون, وبخشوعه إذا الناس يختالون, وبحزنه إذا الناس يفرحون" (ينظر لطائف المعارف لابن رجب (ص: 172).
معاشر المسلمين: من الناس في رمضان من يمكث الساعة والساعتان ينظر إلى الشاشات وما فيها من برامج ومسلسلات, ولكنه يعجز أن يجعل وقتاً مماثلاً له في قيام الليل وتلاوة القرآن الكريم, بل يتضجر إن صلى التراويح مع الجماعة بأنَّ الإمام أطال, مع أنَّ صلاة التراويح لا تأخذ إلا أقل من ساعة, وكذلك حاله مع تلاوة القرآن ما إن يقرأ جزءً واحداً إلا ويمل القراءة بينما نظره إلى البرامج والمسلسلات ومواقع التواصل الالكتروني يأخذ منه ساعات متعددة بلا ملل ولا سآمة, وقد يسمع أو يشاهد فيها ما يأثم عليه, ومن كانت هذه حاله فليراجع نفسه, وليجعل أوقات رمضان أوقات عبادة وطاعة وذكر لله عزوجل, قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ" أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه وصححه الألباني.
وقَالَ جَابِرٌ رضي الله عنه: "إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وَبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَآثِمِ، وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ، وَلَا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَيَوْمَ صِيَامِكَ سَوَاءً".
عباد الله: من الناس من إذا جلس مجلساً يغتاب فيه ويكذب, فلا أخوه المسلم سلم من لسانه, ولا هو سلم من إثم غيبته وكذبه, عَنْ مُجَاهِدٍ رحمه الله قَالَ: "خَصْلَتَانِ مَنْ حَفِظَهُمَا سَلِمَ لَهُ صَوْمُهُ: الْغِيبَةُ، وَالْكَذِبُ".
ومما ينبغي على الصائم يا عباد الله أن لا يسترسل مع من سابَّه فيرفع صوته معه مخاصمة وسباباً, قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ" (أخرجه الشيخان). قال الإمام النووي رحمه الله: "اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ: فَقِيلَ: يَقُولُهُ بِلِسَانِهِ جَهْرًا يَسْمَعُهُ الشَّاتِمُ وَالْمُقَاتِلُ فَيَنْزَجِرَ غَالِبًا وَقِيلَ: لَا يَقُولُهُ بِلِسَانِهِ بَلْ يُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَهُ لِيَمْنَعَهَا مِنْ مُشَاتَمَتِهِ وَمُقَاتَلَتِهِ وَمُقَابَلَتِهِ وَيَحْرِصُ صَوْمَهُ عَنِ الْمُكَدِّرَاتِ...وَاعْلَمْ أَنَّ نَهْيَ الصائم عن الرَّفَثِ وَالْجَهْلِ وَالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهِ بَلْ كُلِّ أَحَدٍ مِثْلُهُ فِي أَصْلِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ لَكِنَّ الصَّائِمَ آكَدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ" (ينظر شرح النووي على مسلم (8/ 28-29).
أيها الشاب: اغتنم شبابك في طاعة الله, فإنما أنت في زهرة عمرك وأوج قوتك وصحتك فاجعل تلك القوة في طاعة الله بكثرة النوافل والمحافظة على الفرائض ولا تُضعف قوتك بالمعاصي والسيئات, ولا تصاحب إلا من يعينك على طاعة الله, واعلم أنَّ من أعظم الأعمال الصالحة طاعة الوالدين والبر بهما في حياتهما وبعد موتهما.
أيها الشاب: أمك أمك, أمك الزم رجلها فثمَّ الجنة ووالدك جاهد في بره, أرِ والديك ما يسرهما ولا تُحزنهما أو تُغضبهما, بل تلمَّس رضاهما وأحسن صحبتهما.
معاشر المسلمين: إنَّكم في شهر عظيم وموسم مبارك فلا تضيعوا أوقاته سبهللاً, بل أكثروا من أنواع العبادات فيه, من صدقة وإحسان وصلاة وذكر.
اللهم تقبل صيامنا وقيامنا وأعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
[1] 12/09/1440هـ جامع بلدة الداخلة في سدير, عمر المشاري.
المرفقات
من-حال-السلف-في-رمضان
من-حال-السلف-في-رمضان
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق