شوق الصادقين إلى المشاعر المقدسة يذيب القلوب

كامل الضبع زيدان
1436/08/19 - 2015/06/06 14:01PM
شوق الصادقين إلى المشاعر المقدسة يذيب القلوب
والله إن القلب ليشتاق غاية الشوق أن يكون هنالك مع وفد الله عزو جل وزواره الذين اختارهم لقربه وحق حقا على نفسه أن يكرمهم غاية الكرم كيف لا وهو أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين وأجود الأجودين جل جلاله ربنا العظيم.
ورأيت أن أتشوق وأشوق إخواني وأحبابي بذكر ما أستطيع مع ضيق الوقت من أعمالهم العظيمة الجليلة في هذه الأيام المباركة كي نعيش معهم بقلوبنا وأرواحنا لعل الله أن يفيض علينا مما أفاض عليهم من معين الرحمات ومغفرة الذنوب والعتق من النيران اللهم آمين.
في اليوم الثامن من ذي الحجة (يوم التروية) يحرم المتمتعون بالحج من أماكنهم المقيمين فيها يقولون لبيك اللهم حجا وهذه التلبية نية الدخول في النسك ركن من أركان الحج والأركان لابد منها ولا تجبر ومن ترك ركنا حجه ناقص غير تام في صبيحة هذا اليوم يذهبون إلى منى للمبيت بها ليلة عرفة وهذا المبيت سنة من سنن الحج ويصلون بها خمس صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر يقصرون الصلاة الرباعية بلا جمع.
اليوم المشهود (يوم عرفة) عندما تشرق شمسه يسير الحجيج من منى إلى عرفة قبيل الظهر ليصلون بها الظهر والعصر جمعا وقصرا في أول وقت الظهر ليتفرغوا بعد ذلك في بقية النهار للدعاء والذكر والعبادة في هذا اليوم العظيم، وهذا الوقوف بعرفة ركن الحج الأعظم قال الحبيب صلى الله عليه وسلم {الحج عرفة}، ووقف الحبيب صلى الله عليه وسلم عند جبل عرفة عند الصخرات ولم يصعد عليه بل قال العلماء الصعود على الجبل من البدع وقال صلى الله عليه وسلم وقفت ها هنا وعرفة كلها موقف ليرفع الحرج عن أمته حتى لا تتقاتل على مكان وقوف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو اليوم العظيم الذي أكمل الله عزو جل فيه الدين وأتم فيه النعمة على عباده بالحج وبمغفرة الذنوب والعتق من النيران كما قال سيدنا عمر رضي الله عنه لليهودي لما سأله عن قول الله عزو جل {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} قال لو نزلت علينا معشر يهود لاتخذنا ذلك اليوم عيدا فقال سيدنا عمر إني والله لأعلم اليوم الذي نزلت فيه نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة يوم الجمعة وكلاهما لنا عيد والحمد لله على إنعامه، وهو يوم الدعاء كما أخبر الحبيب صلى الله عليه وسلم{خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير} رواه الترمذي، وهو يوم العتق من النيران قال الحبيب صلى الله عليه وسلم{ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة } رواه مسلم لذلك وجب علينا ألا نغفل عن هذا اليوم وندعو الله تعالى ونتضرع إليه علنا نكون من عتقائه من النار في هذا اليوم العظيم ولا ننسى إخواننا المستضعفين والمقهورين والمظلومين في مشارق الأرض ومغاربها أن يفرج الله كرباتهم ويكشف همهم وغمهم وأن ينتقم ممن ظلمهم عاجلا غير آجل، وما رؤي الشيطان أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه في يوم عرفة لكثرة ما يرى من مغفرة الله عزو جل لعباده في هذا اليوم العظيم، يقف الحجيج بعرفة إلى غروب الشمس ثم يدفعون منها إلى مزدلفة بعد الغروب وهذا من واجبات الحج.
وأفاض الحبيب صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى مزدلفة وهو يقول لأصحابه السكينة السكينة فإن البر ليس بالإيضاع أي ليس بالإسراع وبمجرد وصوله إلى مزدلفة صلى بأصحابه المغرب والعشاء جمعا وقصرا بأذان وإقامتين وهذه السنة ثم استراح النبي صلى الله عليه وسلم ليستعد لأعمال يوم العيد الشاقة ولكنها مشقة في غاية السعادة بقرب الحبيب الأعظم جل جلال الله، ورخص الحبيب صلى الله عليه وسلم للضعفة والنساء والصغار أن يدفعوا إلى منى بعد منتصف الليل وبقي هو صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى أن صلى فجر يوم العيد بمزدلفة ثم وقف عند المشعر الحرام ودعا وذكر واستغفر الله كثيرا وقال وقفت ها هنا وجمع أي مزدلفة كلها موقف ليرفع الحرج عن أمته لكي لا تتقاتل على موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دفع منها إلى منى قبل أن تشرق الشمس.
أعمال يوم العيد
أول ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم تحية منى وهي رمي جمرة العقبة بسبع حصيات كل حصاة أكبر من الحمصة بقليل يكبر مع كل حصاة ويرفع يده ويقول باسم الله والله أكبر اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا، ثم ذهب إلى المنحر ونحر هديه صلى الله عليه وسلم ثلاثا وستين بدنة نحرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة ونحر سيدنا علي رضي الله عنه باقي المئة، ثم حلق رأسه والحلق أفضل من التقصير لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثا قالوا والمقصرين يا رسول الله قال والمقصرين، وبذلك يتحلل الحاج التحلل الأول ويحل له كل شيء حرم عليه إلا النساء ثم أفاض النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فطاف طواف الإفاضة وهو ركن من أركان الحج ولم يسع بين الصفا والمروة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنا فليس عليه إلا سعي واحد سعاه بعد طواف القدوم ولكن المتمتع عليه سعيين سعي للعمرة وسعي للحج وكلاهما ركن بالنسبة للمتمتع وبذلك يكون قد تحلل التحلل كله ويحل له كل شيء.
أيام التشريق
بعد ذلك يذهب الحجيج إلى منى للمبيت بها ليالي أيام التشريق الثلاثة وليلتين للمتعجل ولا حرج في ذلك لقول الله عزو جل {واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون} وهذا المبيت بمني واجب من واجبات الحج من تركه وجب عليه دم ويرمون في صبيحة هذه الأيام المباركات الجمار الثلاث على الترتيب (الصغرى ثم الوسطى ثم العقبة) يقفون عند الصغرى والوسطى للدعاء ولا يقفون عند العقبة لفعله صلى الله عليه وسلم ورمي الجمار على الترتيب المذكور واجب من واجبات الحج وقد قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم {إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله تعالى}.
طواف الوداع
طواف الوداع واجب من واجبات الحج لم يرخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا للمرأة الحائض والنفساء وأمر أصحابه أن يكون آخر عهدهم بالبيت الحرام ويستحب أن يدعوا بهذا الدعاء إن استطاع حفظ وإن لم يستطع دعا بما أحب لنفسه ولمن أحبهم وللمسلمين والمسلمات في كل مكان [اللهم هذا بيتك وأنا عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك وسيرتني في بلادك حتى بلغتني بفضلك إلى بيتك فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضا وإلا فمن الآن من قبل أن تنأى عن بيتك داري وهذا أوان انصرافي إن أنت أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغب عنك ولا عن بيتك اللهم فاصحبني العافية في بدني والصحة في جسمي والعصمة في ديني وأحسن منقلبي وأعني على طاعتك ما أبقيتن واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير] ويقول اللهم لا تجعل هذا آخر عهدي ببيتك حتى يعود مرات ومرات طالما في العمر بقية أسأل الله أن يكرمنا جميعا وأن نكون من أهل فضله ورحمته وزيادته اللهم آمين والحمد لله رب العالمين.
أخوكم / كامل الضبع محمد زيدان
المشاهدات 1243 | التعليقات 0