شهر يغفل الناس عنه
إبراهيم بن سلطان العريفان
1443/08/01 - 2022/03/04 05:06AM
إِنَّ الحَمدَ للهِ ..
إِخْوَةُ الْإِيمَانِ وَالْعَقِيدَةِ .. اعلموا أَنَّ كُلَّ يومٍ تُدْرِكُونَه في هذه الدنيا الفانيةِ غَنِيمَةٌ لَكُم، تَتَزَوَّدون فيهِ من الطاعاتِ، وتُحاسِبونَ فيهِ أنفُسَكُم، وتَسْتَدْرِكونَ فيه شيئاً مِمَّا فاتَكُم، خُصُوصاً عندما تُدْرِكونَ الأزمِنَةَ التي يكونُ للطاعةِ فيها مَزيَّةٌ عن غيرِها، فَفِي هَذَا الْيَومِ بَدَأَ دُخُولُ شَهْرُ شَعْبَانَ، فإنه بِمُجَرَّدِ دُخُولِه تَبْدأُ القُلُوبُ الحَيَّةُ تَتَحَرَّكُ شوقاً لِسَيِّدِ الشُهُورِ وأفضلِها، شهْرِ رمضان.
وكانت العربُ تُسَمِّي شهرَ شعبانَ بهذا الاسمِ ؛ لأنَّه يأتي بعدَ شهرِ رجبَ ، وشَهْرُ رجَبَ مِنَ الأشهُرِ الحُرُمِ ، حيثُ كانوا يَتَوَقَّفونَ فيه عن القتالِ، لأنَّ العربَ كانت تُعَظِّمُ الأشهُرَ الحُرُمَ فلا تُقاتلُ فيه، فإذا انقضى شهرُ رَجَبَ ، خرجُوا وتَشَعَّبُوا وتفرَّقُوا في القبائِل مِنْ أجْلِ الغاراتِ والقتالِ، فَمَنَّ اللهُ عليِهِم بهذا الدينِ، وبِبِعْثَةِ محمَّدٍ r، فتَغَيَّرتْ نَظْرَتُهُم لِهذا الشهرِ، حيثُ صارَ مَوْسِماً للعبادةِ والتزَوُّدِ من الطاعةِ والاستعداد لِشَهرِ الخيرِ والرحمةِ.
عِبَادُ الله .. فِي شهْرِ شعبانَ تُرْفَعُ أعمالُ العِبَادِ، قالَ رسولُ اللهِ r (ذلك شهرٌ يَغْفَلُ الناسُ عنه بينَ رجبَ ورمضانَ ، وهو شهرٌ تُرْفَعُ فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين).
وَلَقَدْ اعْتَنَى النَّبِيُّ ﷺ بالصيامِ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ، قَالَتْ عائشةُ رضي اللهُ عنها، أنَّ النبيَّ r (كان يصومُ شعبانَ كلَّه) وفي روايةٍ (كان يصوم شعبانَ إلا قليلا) ومعنى ذلك أنَّه كان تارةً يصومُ شعبانَ كُلَّه، وتارةً يصومُ أكثرَه، وفي حَدِيثِ عائشةَ رضي اللهُ عنها قالت: كان أحَبُّ الشهورِ إليه أن يصومَه شعبانَ، ثم يَصِلُهُ بِرمضانَ.
وَاعْلَمُوا .. أَنَّ مِنْ أسبابِ العنايَةِ بِصِيامِ شهرِ شعبانَ أَنَّه شهرٌ يغفلُ الناسُ فيه، وهذا يَدُلُّ على استحبابِ عِمارةِ أوقاتِ غَفْلَةِ الناسِ بالطاعةِ. فإِنَّ العملَ الصالحَ في أوقاتِ الغَفْلَةِ أشَقُّ على النُّفُوسِ، والسبَبُ في ذلك هو أن العملَ إذا كَثُرَ المشاركونَ فيه سَهُل، وإذا كَثُرَت الغَفَلاتُ شَقَّ ذلك على المُتَيَقِّظِين .
عِبَادُ الله .. لاَ يَجُوزُ صِيَامُ آخرِ يَوْمَيْنِ مِنْ شَعْبَانَ، إَلاَّ إِذَا كَانَ الشَّخْصُ قَدْ اعْتَادَ صَوْماً مُعَيَّناً فوافَقَ آخِرَ يومٍ أَوْ آخِرَ يَوْمَيْنِ، كَمَنْ اعْتَادَ صَوْمَ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ، فَوَافَقَ ذَلكَ آخِرَ شعبانَ، وكذلك مَنْ اعْتَادَ أَنْ يَصُومَ آخِرَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، أَوْ كَانَ عَلَيْه قَضَاءٌ مِنْ رَمَضَانَ الْفَائِتِ، وبِهَذِهِ المناسبةِ يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَى أَمْرٍ مُهِمٍّ، وَهُوَ أنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ يَتَسَاهَلُ فِي قِضَاءِ رَمَضَانَ، حَتَّى يَضِيقَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ ، فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ أَيَّامٍ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّه لاَ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُؤَخِّرَ الْقَضَاءَ إِلَى أنْ يُدْرِكَهُ رَمَضَانُ الْآخَرُ إِلَّا لِعُذْرٍ، فَإِنْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ بِلَا عُذْرٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مَعَ التَّوْبَةِ وَالْقَضَاءِ؛ أَنْ يُطْعِمَ عَن كُلِّ يومٍ أَخَّرَهُ مِسْكَيناً.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا.. وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
اَلْحَمْدُ للهِ عَلىَ إِحْسَانِهِ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلىَ تَوْفِيْقِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ اِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الدَّاعِي إِلىَ رِضْوَانِهِ.
مَعَاشِرُ الْمُؤْمِنِينَ ... اتَّقُوا اللهَ I وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَتَذَكَّرُوا -رَحِمَكُمْ اللهُ- حَدِيثَ النبيِّ r أنَّه قالَ (إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ) وَفِي رِوَايَةٍ قال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (إِذَا كَانَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ اطَّلَعَ اللهُ إِلَى خَلْقِهِ، فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ ويُمْلِي لِلْكَافِرِينَ، وَيَدَعُ أَهْلَ الحِقدِ بِحِقدِهِم حتى يَدَعُوه) فيجبُ على المسلمِ أنْ يحذَرَ من هذه الذنوبِ الثلاثةِ الخطيرةِ : الشركُ ، والشحناءُ ، والحِقدُ.
وَاعْلَمُوا ... أَنَّ مَا وَرَدَ مِنْ مَشروعيةِ صِيَامِ النَّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، أَوْ أَحْيَاءِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْهُ بِالْقِيَامِ وَالتِّلَاوَةِ وَالدُّعَاءِ؛ فَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ شَيْءٌ عَنْ النَّبِيِّ r.
اللَّهُمّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَأَيِّدْ بِالْحَقِّ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا خَادِمَ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيْفَيْنِ، وَوَفِّقْهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ وَوُزَرَاءَهُ وَأَعْوَانَهُ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَالْعَمَلِ بِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَهَيِّئْ لَهُمَا الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ الَّتِي تُعِينُهُما عَلَى الْخَيْرِ، يَا رَبَّ العَالَمِين.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِيْنَا وَلِجَمِيْعِ الـْمُسْلِمِيْنَ وَالْـمُسْلِمَاتِ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِيْ الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
المرفقات
1646370404_شهر يغفل الناس عنه.docx
1646370411_شهر يغفل الناس عنه.pdf