شهر ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم وواقع الأمة

زراك زراك
1433/03/04 - 2012/01/27 15:23PM
لسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه
خطبة الجمعة من المسجد الكبير بأولاد برحيل المغرب
موضوع الخطبة: شهر ولادة المصطفى وواقع الأمة
ربيع الأول 1433 / 27 يناير 2012 3
الحمد لله الذي من علينا بسيرة خير البرايا، فجعلها للأمة أكرم النعم وأجل الهدايا، نحمده سبحانه ونشكره ونسأله الثبات على السنة والسلامة من المحن والرزايا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عالم السر والخفايا، والمطلع على مكنون الضمائر والنوايا، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله كريم الخصال وشريف السجايا، جاهد في سبيل الله ضد الكفر والفتن والبلايا، عليه من الله أفضل الصلوات وأزكى التسليمات وأشرف التحايا، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم تكشف فيه النفوس عما فيها من الأسرار والخبايا.
أما بعد فيا أيها الاخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله وطاعته.
ها هو ذا شهر ربيع الأول قد أقبل من جديد، وهو شهر سيرة رسول الله ، ففي شهر ربيع الأول ولد الرسول، وفيه بدأ الوحي بالرؤيا المنامية، وفيه هاجر من مكة إلى المدينة، وفيه وقعت غزوة بني النضير، وفيه نزلت الآية التي حرمت الخمور، وفيه وقعت غزوة دومة الجندل، وغزوة الغابة، وسرية خالد بن الوليد، التي أسلم بسببها قبيلة بني الحارث المسيحية بنجران على بَكرة أبيهم، وفيه توفي إبراهيم بن النبي وفيه توفي النبي فالتحق بالرفيق الأعلى.
وهاهم المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يعيشون في هذا الشهر ذكرى ولادة حبيبنا محمد (صلى الله عليه وسلم)،
وهنا تساؤل بسيط: ما هي العلاقة بين هذه الذكرى المتكررة الذي نسعد بها في كل عام؟ وبين واقع الأمة الإسلامية المعرضة عن معظم ما قد جاء به محمد  فواقعنا: يا عباد الله لا يقربنا إلى الله عز وجل، بل إنه ليفرض علينا الخجل من رسول الله .. إنه ليفرض علينا أن نغرق في الاستحياء من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لأننا بعيدون عن سنته.
إنكم لتعلمون أنه (صلى الله عليه وسلم) وَضَعَنَا أمام جملة من الوصايا والمبادئ، الأوامر والنواهي، وأكد لنا أننا إن أخذنا أنفسنا بهذه الوصايا والأوامر فلن يتخلى الله عز وجل عنا ولسوف تتحقق مصالحنا الدنيوية ولسوف يضمن الله لنا مصالح الدنيا وسعادة الآخرة أيضاً. ولكن بعد أن رحل المصطفى (صلى الله عليه وسلم) ورحل الرعيل الأول ثم الثاني ثم الثالث ثم جاء الرابع ماذا وقع: قال تعالى (فخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ) أي نسوا أو تناسوا معظم تلك الوصايا، نسوا أو تناسوا معظم تلك الأوامر والنواهي. وإنكم تعلمون أنه  قال فيما صح عنه في حديث طويل:(ألا لَيُذَادنَّ رجال عن حوضي) أي ليُطردن رجال عن حوضي (كما يذاد البعير الضال فأقول: ألا هلموا ألا هلموا فيقال إنك لا تدري كم بدلوا من بعدك، فأقول: فسحقاً فسحقاً فسحقاً).
لذلك نستغل هذه المناسبة في الرجوع إلى أحضان سيرة رسول الله  والخلفاء من بعده، نستكشف أسرارها، نصلح مشاكل مجتمعنا بفقهها، نحارب بالوقوف على أحداثها جهلنا بها،
أيها الأخوة الكرامُ، لمَّا نتحدَّث عن سيَرِ المنحرفين و الظالمين والكفار والفاسقين يتعكَّر القلبُ، أما جرِّبْ الحديثَ عن رسول الله، يمتلأ القلب سعادة وإيمانا وإليكم بعض القصص من السيرة النبوية العطرة :
لما كان النبي  في طريقه إلى غزوة بدر ،كانت المراكب قليلة مقارنة مع افراد الجيش، فقال النبي  :كل ثلاثة رجال يتناوبون على بعير واحد... بل إنه كان يتناوب مع اثنين من أصحابه على بعير!!! ما هذا؟؟ !! قائد الجيش و رئيس الدولة و نبيُّ هذه الأمةِ وسيّد الخلق و حبيبُ الحقِّ رسولٌ الله، ركب النبي و سار صاحباه، فلما جاء دورُه في المشيِ توسَّلا إليه أن يبقى راكبا فقال عليه الصلاة والسلام: ما أنتما بالأقوى مني على السير و لا أنا بأغنى منكما عن الأجر، هذا رسول الله،
وفي مرة أخرى كان النبي  في سفر مع أصحابه، فأرادوا أن يأكلوا شاةً، فقال أحدُهم: عليَّ ذبحُها و قال آخرُ عليَّ سلخُها و قال آخرُ عليَّ طبخُها فقال عليه  و عليَّ جمعُ الحطبِ، اختار أشقَّ الأعمالِ، قالوا نكفيك يا رسولَ اللهِ، قال أعلم أنكم تكفونني و لكن اللهَ يكرهُ أن يرى عبدَه متمَيِّزا عن أقرانه،
وفي احد الأيام جاء ضيوف إلى رسول الله ، فقال  لعائشةَ اصنعي لنا طعاما، فاسرعت ضرتها صفية وأحضرت الطعام، أمنا عائشة أصابتْها غِيرةُ النساء، فأمسكتْ الطبقَ و رمتْه أرضًا و كسرتْه أمام النبيِّ وأمام الضيوف، ماذا فعل النبيُّ؟ هل خاصمها؟؟ هل عنفها؟؟ هل ضربها؟؟ هل طردها إلى بيت أبيها؟ لا وألف لا، فجمع أشتاتَ الطبقِ والطعام فقال: غضبتْ أمُّكم غضبتْ أمُّكم.." هكذا كان في بيته، الان في واقعنا، لو تجرأت زوجة من الزوجات وفعلت مثل هذا الفعل، كيف سيكون الرد من من الزوج،؟؟ سيسحقها ستُخلَع رقبتُها سيلغي وجودها، لذلك قلت لكم في بداية هذه الخطبة نحن بعيدون كليا عن سيرة رسول الله
هذا هو النبي عليه الصلاة والسلام ؛ البيت الذي لا يحوي كُتب السيرة لا خيْرَ فيه، سيّدُ الخَلْق الذي جعلهُ مُشَرِّعا وقُدْوَة، ابْحَث كيف كان ينام ؟ وكيف كان يُعامِل الناس ؟
كلكم تعرفون عِكْرِمَة بن أبي جهل وكان أبوه أعْدى أعداء رسول الله ؛ أبو جَهْل، لما أسْلَم جَمَعَ النبي  أصْحابَهُ وقال: جاءَكم عِكْرِمَة مسْلِمًا فلا تسُبُّوا أباه، لأنَّ سب الميِّت يؤْذي الحي، ولا يبْلُغ الميِّت ! ما هذه الأخلاق ؟؟!
وهذا ابن أبي سلول وكان سيِّد المنافقين، رأس الفتنة، أعدى عدو لرسول الله  ، طلبَ قبل مَوْتِهِ قَميص النبي عليه الصلاة والسلام، فألْبسَهُ القميص بِنَفْسِهِ وهو على فِراش الموت !! فهو صلى الله عليه وسلَّم ترفَّقَ به مِن أجل ابنِهِ، ووفاءً معه. أيها الإخوة، نحن شِعارنا في هذا الشهر قراءة ومطالعة سيرة النبي ؛ كي نعرفَ مَن هو رسول الله ، شعارنا الرجوع إلى سيرة المصطفى بالفهم والتفقه! شعارنا الرجوع إلى سيرة المصطفى بالاتباع والاقتداء! نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبحديث سيد المرسلين...أقول قولي..
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين...
أيها المؤمنون! مُلَخَّص هذه الخطبة وهذا هو مِحْوَرُها ؛ جميلٌ جدًا أن نَمْدَحَ النبي عليه الصلاة والسلام، وجميل جدًا أن نَطْرَبَ بِسَجاياه، وأن نُثني عليه، ولكنَّ الأجْمَل من ذلك أن نتَّبِعَ سُنَّتَهُ ونُطَبِّقَها في بُيوتِنا، وأن يكون عملنا إسلامِيًّا، وتَرْبِيَةُ أولادنا إسلاميَّة، وأن تكون فتياتنا وأزواجنا مُحَجَّبات وصالحات، وأن نتعامل وِفْق منهَج الله، عندها لا يُعَذِّبُنا الله عز وجل، قال تعالى: وما كان الله ليعذِّبهم وأنت فيهم..." فلما مات النبي  وانتَقَل إلى الرفيق الأعلى، تغير معنى الآية الكريمة، فأصبح معناها وما كان الله ليعذبهم ما دامتْ يا محمَّد سُنَّتُك فيهم هُم في بَحْبوحة من العذاب، وفي مَأمَنٍ منه.
المَفْروض أن نُراجِع أنفسَنا، إذا دخل النبي إلى بيْتِهِ ماذا يَفْعَل ؟ وكيف يُعامِل زَوْجته ؟ وكيف يُرَبِّي أولاده ؟ وكيف يبيعُ ويَشْتري ؟ وكيف يَمْزَح ؟ وكيف يَحْزَن ؟ وكيف يُسافر ويُقيم ؟
ومرَّةً ثانِيَة أقول: جميل جدًا أن نخصص شهر ولادة النبي لمعرفة شمائله لأنَّ الله عز وجل يقول:[ أم لن يعرفوا رسوله فهم له منكرون ] يَحُضُّنا على معرفة رسول الله ، المهمّ أن نعْرِف رسول الله صلى الله عليه وسلَّم. هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على سيد المرسلين...
اللهم وفق أمير المؤمنين محمدا السادس لكل خير، ونسألك اللهم أن تجري الخير على يديه، اللهم متعه بالصحة والعافية، وأعنه على أداء رسالته، وتحقيق كل خير لشعبه وبلده. واحفظه في كافة أسرته الشريفة يارب العالمين،
اللهمّ اهدنا فيمن هديت......اللهمّ أعطنا ولا تحرمنا...اللهمّ اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمَّن سواك ، اللهمّ لا تؤمنَّا مكرك ، ولا تهتِك عنَّا سترَك ، ولا تنسنا ذكرك ، يا رب العالمين ، اللهمّ إنَّا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الذلّ إلا لك ، ومن الفقر إلا إليك ،
محمد زراك إمام وخطيب مسجد أولاد برحيل المغرب
المشاهدات 4977 | التعليقات 1

هذه الخطبة جمعتها واقتبستها من خطب شيوخنا الأجلاء وجزاكم الله خيرا