شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وَيَومُ عَاشُورَاءَ
مبارك العشوان 1
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى - أَيُّهَا النَّاسُ - حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون.
عِبَادَ اللهِ: يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } التوبة 36 وَيَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ، الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
شَهْرُنَا هَذَا أَحَدُ الْأَشْهُرِ الحُرُمِ؛ وَعَنْ صَومِهِ يَقُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ ...) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
أَمَّا عَنِ العَاشِرِ مِنْ مُحَرَّمَ؛ فَيَومُ عَاشُورَاءَ؛ وَفِيهِ أَعْلَى اللهُ الحَقَّ وَأظْهَرَهُ، وَأَزْهَقَ البَاطِلَ وَدَحَرَهُ، نَصَرَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ، عَلَى عَدُوِّهِ فِرْعَونَ وَجُنُودِهِ.
وَقِصَّةُ مُوسَى وَفِرْعَونَ مِنْ أَشْهَرِ قَصَصِ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ؛ وَفِي قَصَصِهِمْ: { عِبْرَةٌ لأولِي الألْبَـابِ }. يوسف 111
وَرَدَتْ قِصَّةُ مُوسَى عِلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي القُرْآنِ الكَرِيْمِ كَثِيرًا؛ مَبْسُوطَةً مُفَصَّلَةً؛ وَمُخْتَصَرَةً مُجْمَلَةً؛ وَمِنْ أَخْصَرِهَا قُولُهُ تَعَالَى: { وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ، فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ، فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ }الذاريات 38 – 40
وَلَعَلَّنَا نَقِفُ اليَومَ عَلَى شَيءٍ مِنَ العِبَرِ فِي هَذِهِ القِصَّةِ العَظِيْمَةِ.
فَمِنْ ذَلِكَ: بَيَانُ كَمَالِ قُدْرَةِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا؛ فَقَدْ جَعَلَ البَحْرَ لِمُوسَى طَرِيقًا يَبَسًا، ولِفِرْعَونَ هَلَاكًا وغَرَقًا؛ فَسُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ: { إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }آل عمران 47
وَمِنَ الْعِبَرِ: أنَّ النَّصْرَ بِيَدِ اللهِ تَعَالَى؛ وَمِنْهُ تَعَالَى يُطْلَبُ النَّصْرُ؛ قَالَ تَعَالَى: { وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }آل عمران 126 وَقَالَ تَعَالَى: { إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } آل عمران 160
عِبَادَ اللهِ: وَقَدْ يَتَخَلَّفُ النَّصْرُ لِأَسْبَابٍ مِنَ العِبَادِ؛ كَالعُجْبِ وَالاغْتِرَارِ بِالقُوَّةِ، أَوِ التَّقْصِيرِ فِي الوَاجِبَاتِ وَارْتِكَابِ المُحَرَّمَاتِ، أَوْتَرْكِ الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنكَرِ؛ قَالَ تَعَالَى: { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } الحج 40 -41
فَقُومُوا لِلَّهِ تَعَالَى بِمَا أَمَرَكُمْ؛ يُنْجِزْ لَكُمْ مَا وَعَدَكُمْ؛ قَالَ تَعَالَى: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } النور 55 يَقُولُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: فَهَذَا مِنْ آيَاتِ اللهِ العَجِيبَةِ البَاهِرَةِ، وَلَا يَزَالُ الأمْرُ إِلى قِيَامِ السَّاعَةِ، مَهْمَا قَامُوا بِالإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، فَلَا بُدَّ أنْ يُوجَدَ مَا وَعَدَهُم اللهُ، وَإِنَّمَا يُسَلِّطُ عَلَيْهِمُ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ، وَيُدِيْلُهُمْ فِي بَعْضِ الأَحْيَانِ، بِسَبَبِ إِخْلَالِ المُسْلِمِينَ بِالإِيْمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِح. ا هـ
عِبَادَ اللهِ: وَقَدْ يَتَخَلَّفُ النَّصْرُ عَنِ المُؤْمِنِينَ زَمَنًا يُقَدِّرُهُ اللهُ تَعَالَى؛ وَلِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ؛ قَالَ تَعَالَى: { وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ }آلِ عِمْرَانَ 140- 141
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمْ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاعْلَمُوا - وَفَّقَكُمُ اللهُ - أنَّ هُنَاكَ أُمُورًا تَتَعَلَّقُ بِيَومِ عَاشُورَاءَ: فَمِنْهَا: اسْتِحْبَابُ صِيَامِهِ، يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَمِنْهَا: أَنْ يُصَامَ التَّاسِعُ مَعَهُ، لِتَحْقِيقِ مُخَالَفَةِ اليَهُودِ؛ فَإِنْ لَمْ يُفْعَلْ فَالحَادِيَ عَشَرَ؛ لِقَولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَمِنْهَا: أنَّهُ لَا يُشرَعُ فِي عَاشُورَاءَ وَلَا فِي غَيرِهِ أيُّ عَمَلٍ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمِ؛ وَالَّذِي ثَبَتَ فِي هَذَا اليَومِ إنَّمَا هُوَ الصِّيَامُ.
وَمِنْهَا: تَعْوِيدُ الصِّبيَانِ صِيَامَ ذَلِكَ اليَومِ؛ تَقُولُ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: ( فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا وَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَمِنْهَا: أنْ يَفْرَحَ المُؤْمِنُ بِنَصْرِ الإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَخُذْلَانٍ الكُفْرِ وَأَهْلِهِ، يَفْرَحُ عِنْدَمَا يَرْتَفِعُ الحَقُّ وَيَظْهَرُ، وَعِنْدَمَا يُزْهَقُ البَاطِلُ وَيُدْحَرُ.
وَمِنْهَا: أَنَّ النِّعَمَ تُقَابَلُ بِالشُّكْرِ؛ شُكْرُ بَالقَلْبِ، وَشُكْرُ بِاللِّسَانِ وَشُكْرُ بَالعَمَلِ؛ وَالشُّكْرُ سَبَبٌ لِدَوَامِ النِّعَمِ وَلِلْمَزِيدِ؛ فَكُلَّمَا تَجَدَّدَتْ لَنَا نِعْمِةٌ، وَانْدَفَعَتْ عَنَّا نِقْمَةٌ؛ فَلْنُحْدِثْ لَهَا عِنْدَ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى شُكْرًا.
وَلَمَّا أَنْعَمَ اللهُ تَعَالَى عَلَى مُوسَى وَنَصَرَهُ؛ صَامَ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى.
جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ إِذَا أُعْطِيَ شَكَرَ وَإِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ وَإِذَا أَذْنَبَ اسْتَغْفَرَ.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56 اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيكَ بِأَعْدَائِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ يَا أَرْحَمَ الرَّحِمِيْنِ.
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
المرفقات
1628641068_شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ وَيَومُ عَاشُورَاءَ.pdf
1628641108_شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ وَيَومُ عَاشُورَاءَ.doc
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق