شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ ونهايةُ وبداية عام هجري .خطبة مـختصرة. 30/ 12 /1443هـ

شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ ونهاية وبداية عام هجري.خطبة مختصرة  30 / 12 / 1443 هـ

الخُطْبَةُ الأُولَى

إن الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آله وَصَحْبِهِ أجمعين وسَلَّمَ تَسْـلِيمًا كَــثِيْــرا، أمابعد:

فأوصيكم ونفسي- أيها المسلمون- بوصية الله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون َ﴾[ الحشر :18].
عبادالله:  نِعْمَةٌ وأيُّ نِعْمَة، أن يـَمُدَ اللهُ في عُمرِ العبدِ، فيعملُ فيه الأعمال الصالحات، وَيُـحْسِنُ العملَ، ثبتَ في الحديث الصحيح، عَنْ أَبِي بَكَرَةَ رضي الله عنه، "أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟  قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمْرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ» ، قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: "مَنْ طَالَ عُمْرُهُ، وَسَاءَ عَمَلُهُ" رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.

وثبت في الحديث أنَّ رجلينِ " ..أَسْلَمَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتُشْهِدَ أَحَدُهُمَا، وَأُخِّرَ الْآخَرُ سَنَةً، قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: فَأُرِيتُ الْجَنَّةَ، فَرَأَيْتُ الْمُؤَخَّرَ مِنْهُمَا، أُدْخِلَ قَبْلَ الشَّهِيدِ، فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَأَصْبَحْتُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَيْسَ قَدْ صَامَ بَعْدَهُ رَمَضَانَ، وَصَلَّى سِتَّةَ آلَافِ رَكْعَةٍ، أَوْ كَذَا وَكَذَا رَكْعَةً صَلَاةَ السَّنَةِ؟" .  رواه أحمد بسند صحيح

أيها المسلمون: إن مَنْ يَعْمَلْ الْعَمَلَ الصَّالِحُ ، ويداوم عليه ، إذا  نزل به عذر لمرض أو سفر ، فإن اللهَ سبحانهُ يكتبُ له أجرَ هذا العمل ،حتى ولو لم يعملهُ،  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا"    رواه البخاري

جاء في تفسير القرطبي عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما،  أنه قَالَ:  ( إِذَا كَانَ الْعَبْدُ فِي شَبَابِهِ كَثِيرَ الصَّلَاةِ،كَثِيرَ الصِّيَامِ، وَالصَّدَقَةِ، ثُمَّ ضَعُفَ عَمَّا كَانَ يَعْمَلُ فِي شَبَابِهِ، أَجْرَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي شَبَابِهِ ).

عبادالله: فَلنَسْتَكْثِرْ من عمل الصالحات، خاصة أننا لازلنا في الأشْهُرِ الْحُرُمُ ، والشهرُ الذي نستقبله ، هو أحد هذه الأشهر، التي عَظّمَها اللهُ سبحانه، فالعمل الصالح يُــــؤجرُ عليه المسلم في كل الأشْهُرِ، لكن في الأشْهُرِ الْحُرُمُ يَكُونُ أكثرُ أجرًا، ومن يعمل معصيًة في غيرِ الأشْهُرِ الْحُرُمُ ، يأثم -ولاشك في ذلك- لكن إن ارتكب هذه المعصية في الأشْهُرِ الْحُرُمُ فإثـمهُ أكبرُ وأعظمُ.

أيها المسلمون : وقد ورد الدليل بفضل الصيام في شَهْرِ مُـحَرَّم ، فمن أراد صيامه فلا يصمهُ لأنه بداية السنة الهجرية، إنـما يصومه لثبوت النص والدليل بفضل الصوم فيه، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
عبادالله : يُصَامُ هذا الشهر أو بعضه لِهَذَا الحَدِيثِ, لَا عَلَى أَنَّهُ أَوَّلُ العَامِ, ؛ وَمَنْ نَوَى صِيامَهُ لأنِّهُ مِنْ شَهْرِ اللهِ الْمُحَرَّمُ، ولأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حثّ أمتهُ على صيامه، فقَدْ أَصَابَ السُّنَّةَ.

ومِنْ أيامِ شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ ؛ يومُ عاشوراء، وهو اليومُ العاشر منهُ، صَامَهُ صلى الله عليه وسلم، وأخبرَ بأجرِ من يصومه فقال: "... وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ" رواه مسلم

 اللهم ارزقنا اتباع سُنّةِ نبيكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والِاقْتِدَاءَ به، وجَنِّبْنَا البِدعَ، اللَّهُمَّ أَعِذْنَاْ من الفتن، ما ظهر منها وما بطن.باركَ اللهُ لي ولكم في الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بـما فِــيهِ مِنَ الآيَاتِ والذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُوُلُ قَوْلِي هَذَا، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ ا الْجَلِيلَ لي ولكم ولِسَائرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. 

الخُطْبَةُ الثَانِيَةُ : الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وحدهُ لاشريك لهُ، تَعْظِيمًا لِشَأنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَأَتْبَاعِهِ، إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرا ، أمّا بعدُ:

فيا عبادالله : يَقُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ) رواهُ البخاريُّ ومُسْلِمٌ. فَالْاِبْتِدَاعُ إِحْدَاثٌ فِي دِينِ اللهِ؛ حتَّى ولَو كانتْ نيةُ مَنْ أَحْدَثَ الْبِدْعَةَ حَسَنَةً, فَحُسْنُ النِّيَّةِ لَا يُصَحِّحُ الْفِعْل وَلَا الْقَوْل.
أيها المسلمون : في مثل هذه الْأَيَّامِ تَجِدُ مَنْ يَرْسِلُ للناس عَبْرَ َشَبَكَاتِ التَّوَاصِلِ الْاِجْتِمَاعِيِّ، أو غير ذلك، رسائل تهنئة ببداية العام ، أو يدعو بدعاء يُخصّصُ فيه نهاية العام أو بدايته بدعاء غيرِ ثابٍت لا في كتاب الله ولا سُنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، والعمل الصالح – أيها المسلمون- مطلوب من المسلم في كل عام وفي كل وقت، وخصّ الله أيامًا بالفضل وخصّ أماكن بالفضل ومضاعفة الأجر، فما ثبت فليكن العمل فيه بحسب ماورد فيه النصُّ والدليلُ من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو كليهما، وما عدا ذلك،فَبِدَعٌ؛ نُهِينَا عنها

اللَّهُمّ اجْعَلْنَا هداة مهتدين، واهْدِنَا صِرَاطَكَ  الْمُسْتَقِيمَ، وَزِيِّنَا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ.

أيها المسلمون: التاريخ الهجري شِعَارٌ من شعارات أهل الإسلام، فإن اضطررنا لغيره  فلا ينبغي أن نهمله ونتركه، وليكن حاضرا ومُقَدَمًا في مواعيدنا وأعمالنا.

عبادالله: صَلُّوا وَسَلِّمُوا -رحمكم الله- على مَنْ أمركم الله بالصلاة عليه، فقال عَـــزّ مِنْ قائل:

 ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [ الأحزاب:56]

 اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ، وَأَصْحَاْبِهِ الطَّاهِرِينَ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَ اقْتَفَى أَثَرَهُ إلى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُم بكرمكَ وَمَنّكَ، يَاْ أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا.

عبادالله : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [ النحل:90] فَاذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ يَذْكُرَكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ على نِعَمهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.