شهر التوبة أقبل للشيخ صلاح البدير

عبدالرحمن اللهيبي
1431/08/24 - 2010/08/05 22:03PM
هذه خطبة رائعة ومناسبة لفضيلة الشيخ صلاح البدير بعنوان شهر التوبة أقبل
بتصرف..

إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ, ونستغفرهُ, ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا, ومن سيِّئاتِ أعمالِنا, منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ, ومنْ يُضلل فلا هاديَ لـه . وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ لـه, وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله . (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ))
أما بعدُ : أيّها المسلمون، المؤمِن ليس معصومًا من الخطيئة، وليسَ في منأى عنِ الهَفوة، ليس في معزِل عن الوقوعِ في الذنب،فكل بني آدم خطاء فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((والّذي نفسِي بيَدِه، لو لم تذنِبوا لذَهَب الله بكم، ولجاءَ بقومٍ يذنِبون فيستغفِرون اللهَ فيغفِر لهم)) وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله : ((كلُّ بني آدَمَ خطّاء، وخيرُ الخطّائين التوّابون)) فيا لله كم من مذنبٍ طال أرقُه واشتدَّ قلقُه وتفطر قلبه وعظُم كمَدُه واكتوى كبِدُه، يَلفُّه غبار المعصية، وتعتصِره كآبَة الخطيئة ،يتلمَّس نسيمَ رجاءٍ، ويبحَث عن إشراقةِ أمَل، يشرِق بنورِ التوبةِ والاستقامةِ والهدايةِ والإنابة؛ ليذهب معها اليأسُ والقنوط، وتنجلِي بها وحشة القلب وظلمة الصدور .
ألا وإنَّ الشعورَ بوطأةِ الخطيئةِ ,والإحساسَ بألمِ الذنب والجريرةِ والتوجُّع للعَثرةِ والنّدمَ على سالف المعصية والكبيرة ,والتأسُّف على التفريط ,والاعترافَ بالذّنب, هو سبيلُ التصحيح والمراجعةِ وطريق العودَة والأوبة إلى الله تعالى.
وأمّا ركنُ التوبةِ الأعظم وشرطُها المقدَّم فهو الإقلاعُ عن المعصيةِ والنّزوع عن الخطيئةِ، والندم على ما فات , والعزم على عدم العودة , والتخلُّص من المظالم وإبراءِ الذمّة من حقوق الآخرين.
عباد الله : من شاء لنفسِه الخيرَ العظيم فَليُدخل بابِ التوبَة وطريق الإيمان، وليتخلَّص من كلِّ ذنب وخطيئة، وليُقلِع عن كلِّ صغيرة وكبيرة، فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُنْ خَيْرًا لَهُمْوَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
أيّها المسلمون، التّوبةُ خضوعٌ لله وانكسَار ,وتذلُّل للعظيم واستغفارٌ , واستِقالَة عن الذنب واعتِذار, وابتِعاد عن دواعِي المعصيةِ ونوازِع الشرِّ والبوار, ومجالس الفِتنة وسُبُل الفساد, وأصحابِ السّوء وقرَناء الهوى ومثيراتِ الشرِّ في النفوس.
التوبةُ صفحةٌ بيضاء ,وصفاءٌ للقلب ونقاء ,وخشيَة من الجبار وإشفاقٍ وبكاء , وتضرُّع وخشوع إلى الله ونداء , وسؤالٌ ودعاء وخوفٌ وحياء من الله.
إخواني :التوبة نجاةٌ من كلّ غمّ، وجُنّة من كلّ همّ، وظفَرٌ بكلِّ مطلوب، وسلامةٌ من كلّ مرهوب، بابُها مفتوح وخيرُها ممنوح ما لم تغرغِر الروح، فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ((لو أخطَأتم حتى تبلُغ خطاياكم السّماء ثم تُبتُم لتابَ الله عليكم)) وعن أبي ذر رضي الله عنه عن رسول الله : ((قال الله تعالى: يا عبادي، إنكم تخطِئون بالليل والنهار وأنا أغفِر الذنوبَ جميعًا فاستغفِروني أغفر لكم)) وعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله يقول: ((قال الله تعالى: يا ابنَ آدم، إنّك ما دعوتني ورجَوتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أُبالي. يا ابنَ آدم، لو بلغَت ذنوبك عَنانَ السماءِ ثم استغفرتني غفرتُ لك,يا ابنَ آدم، إنك لو أتيتني بقرابِ الأرض خطايا ثم لقيتَني لا تشرِك بي شيئًا لأتيتُك بقرابها مغفرةً)) فيا له من فضلٍ عظيم وعطاء جسيم من ربٍّ كريم وخالقٍ رحيم، أكرمنا بعفوِه، وغشَّانا بحِلمِه ومغفرتِه، وجلَّلنا بسِتره،وعمنا بفضله ,وكللنا بحفظه , وفتح لنا بابَ توبته. يعفو ويصفَح ويتلطَّف ويسمَح وبتوبةِ عبدِه يفرَح، هو سبحانه وتعالى غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِيَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنْ السَّيِّئَاتِوَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْوَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا
ما أعظمه من رب رحيم ((يبسُط يدَه بالليل ليتوب مسيءُ النّهارِ، ويبسُط يدَه بالنهار ليتوبَ مسيء الليل، حتى تطلعَ الشمس من مغربها))
فأكثروا ـ عبادَ الله ـ من التوبةِ والاستغفار، فقد كان رسولُ الله يكثِر من التّوبةِ والاستغفار، قال أبو هريرة t ما رأيتُ أكثرَ استغفارًا من رسول الله يقول r ((والله، إني لأستغفِر الله وأتوب إليه في اليومِ أكثرَ من سبعين مرة)،
يا مسلمون، هذه التوبةُ قد شُرِعت أبوابُها وحلَّ زمانها وحان أوانُها، فاقطعوا حبائلَ التسويف، وهُبّوا مِن نومَةِ الرّدى، امحوا سوابِقَ العِصيان بلواحِقِ الإحسان، حاذِروا غوائلَ الشيطان، لا تغترّوا يا مؤمنون بعيشٍ ناعم لا يدوم، وبصِّروا أنفسَكم بفواجِعِ الدّنيا ودواهِمِ الدهر ، توبوا إلى الله عزّ وجلّ من فاحشاتِ المحارم وفادحات الجرائم ، توبوا على الفورِ، أحدِثوا توبَةً لكلّ الذنوب التي وقعت، وتوبوا من المعاصِي ولو تكرَّرت، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ النبيَّ يقول: ((إنَّ عبدًا أصابَ ذنبًا فقال: ربِّ، أذنبتُ ذنبًا فاغفِر لي، فقال الله:علِمَ عبدي أنّ له ربًّا يغفِر الذنبَ ويأخُذ به؟ غفرتُ لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أصاب ذنبًا فقال: ربّ، أذنبتُ آخر فاغفِره، فقال: أعلِم عبدي أنّ له ربًّا يغفِر الذنبَ ويأخذ به؟ غفرتُ لعبدي، ثم مكثَ ما شاء الله، ثم أذنب ذنبًا فقال: ربِّ، أذنبتُ آخرَ فاغفِره لي، فقال: أعلِمَ عبدي أنّ له ربًّا يغفر الذنبَ ويأخذ به؟ غفرتُ لعبدي)) وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قالَ رسول الله : ((ما مِن عبدٍ يذنِب ذنبًا ثمّ يتوضّأ ثم يصلّي ركعتين ثم يستغفِر اللهَ لذلك الذنبِ إلاَّ غفَر الله له))
فيا عبدَ الله، لا تكن ممّن قال: أستغفِر اللهَ بلسانِه وقلبُه مصِرٌّ على المعصيةِ وهو دائمٌ على المخالفة، ليُقارِن الاستغفارَ باللسان موافقةُ الجَنان وإصلاحُ الجوارِحِ والأركان،وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ
أيّها المسلمون، توبوا من قريبٍ، وبادِروا ما دمتُم في زمنِ الإنظار، وسارِعوا قبلَ أن لا تُقالَ العِثار، فالعُمر منهدِم والدَّهر منصرِم، وكلُّ حيّ غايتُه الفَوت، وكلّ نفسٍ ذائقةُ المَوت، ومن حضَره الموتُ وغَمرَه النَّزع والشّرَق والغُصَص والسّكَرات لم تُقبَل منه توبةٌ ولم تنفَعه أوبة، وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وعن عبد الله بن عمَر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((إنّ اللهَ عزَ وجلَ يقبَل توبةَ العبدِ ما لم يغرغِر))
فيا عبدَ الله:
قدِّم لنفسِك توبـةً مرجوَّة قبل المماتِ وقبل حبسِ الألسن
بادِر بها غَلقَ النّفوس فإنها ذخرٌ وغُنـم للمنيـب المحسِنِ
أيّها المسلمون، إلى من يلجَأ المذنِبون؟! وعلى من يعوِّل المقصِّرون؟! وإلى أيِّ مهرَب يهربون؟!وإلى أين يفرون والمرجِع إلى الله يومَ المعادِ، يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌيَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ
فأقبِلوا على الله بتوبةٍ نصوح وإنابة صادقة وقلوبٍ منكسرة وجِباه خاضِعة ودموعٍ منسكِبة.
أيّها المسلمون، أتاكم شهرُ الغفران المرتجَى والعطاءِ والرّضا والرأفةِ والزُّلفى، أتاكم شهرُ الصّفح الجميلِ والعفوِ الجليل، شهرُ النّفَحات وإقالةِ العثرات وتكفيرِ السيّئات، فليكُن شهرُكم هذا بدايةَ مَولدِكم وانطلاقةَ رجوعِكم وتباشيرَ فجركم ، فبالله عليكم يا مسلمون من لم يتُب في زمنِ الخيرات والهبات فمتى يتوب؟! مَن لم يرجِع في زمَن النّفحات فمتى يؤوب؟!
صعدَ رسول الله المنبرَ فقال: ((آمين، آمين، آمين))، فقيل: يا رسولَ الله، إنك صعدتَ المنبرَ فقلت: ((آمين، آمين، آمين))! فقال رسول الله : ((إنّ جبريلَ عليه السلام أتاني فقال: من أدركَ شهرَ رمضان فلم يُغفر له فدخلَ النار فأبعَدَه الله، قل: آمين، قلتُ: آمين)) .
أنا العبد الذي كسب الذنوبا ××وصدتـه الأماني أن يتوبا
أنا العبد الذي أضحى حزينا *** علــى زلاتـه قلقاً كئيبــا
أنا العبد المسئ عصيت سراً ** فمـالي الآن لا أبدي النحيبـا
أنا العبد المفرط ضاع عمري ***فلـم أرع الشبيبـة والمشيبـا
أنا العبد الغريق بلـج بحـر *** أصيـح لربما ألقـى مجيبـا
أنا العبد السقيم من الخطايـا *** وقـد أقبلت ألتمـس الطبيبـا
أنا الغدّار كم عاهدت عهـداً *** وكنت على الوفاء به كذوبـا
فيا أسفي على عمر تقضـى *** ولم أكسـب به إلا الذنـوبـا
ويا حزناه من حشري ونشري *** بيـوم يجعل الولـدان شيبـا
ويا خجلاه من قبح اكتسابـي *** اذا مـا أبدت الصحف العيوبا
ويا حذراه من نـار تلظـى *** اذا زفـرت أقلقـت القلوبـا
فيا من مدّ في كسب الخطايا *** أما آن الأوان لأن تتوبا

اللهمّ بلِّغنا شهرَ رمضان، وارزُقنا فيه توبةً نصوحا، تمحَى بها الأوزار ونرتقي بها إلى منازلِ الأبرار، يا عزيز يا غفّار.
الحمدُ لله على إِحسانِه، والشّكرُ له على توفيقِه وامتِنانِه، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شَريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهَد أنّ نبيّنا وسيّدنا محمَّدًا عبده ورسوله الداعِي إلى رضوانِه، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابه وإخوانِه، وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعد: أيها المسلمون، الأيامُ صحائف الأعمار، والسعيد من خلِّدها بأحسن الأعمال، ومن نقله الله من ذلِّ المعاصي إلى عزِّ الطاعة أغناه بلا مال، وآنسه بلا أنيس، وراحة النفس في قلة الآثام، ومن عرف ربَّه اشتغل به عن هوى نفسه،
عباد الله : إلا إنه لكلّ موسم خاصب، وبعض الناس أرخص لياليَ رمضان الغُرر، أرهق فيها بصرَه مع الفضائيات، يعيش معها في أوهام، ويسرح فكره حولها في خيال، ويتطلَّع لها لعلّ له فيها سعادةَ السراب، فإذا انقضى شهر الصيام لا لِما فيه من الخير جمع، ولا للآخرة ارتفع، ولا من ربه اقترب , ربِح الناسُ وهو ممن خسر. قال عليه r (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله أن يدع طعامه وشرابه) .
أسألكم بالله يا مسلمون : هل صام رمضان من قلب بصره في الشاشات يتابع الأفلام والمسلسلات ويستمع إلى الأغاني والقينات
هل صام رمضان من أطلق لسانه في غيبة إخوانه المسلمين والوقيعة في أعراضهم
هل صام رمضان من يتكسب بالحرام ويأكل الحرام وغذى جسده بالحرام
هل صام رمضان من أسرف على نفسه بالشهوات وفعل المعاصي والموبقات . فتهيؤا يا مسلمون لهذا الشهر الكريم بالتوبة والاستغفار
أيّها المسلمون، إنّ ثمرةَ الاستماع الاتّباعُ، فكونوا من الذينَ يستمعون القولَ فيتّبعون أحسنه.
.....
المشاهدات 3814 | التعليقات 1

خطبة رائعه جدا ... بارك الله فيك شيخنا ابو معاذ على النقل الرائع