شمائل الحبيب المصطفى والتحذير من بدعة الاحتفال بمولده
أ. د عبدالعزيز بن أحمد العليوي
شمائل الحبيب المصطفى والتحذير من بدعة الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم
الحمد لله الذي هدانا لاتباع سيد المرسلين، وأيدنا بالهداية إلى دعائم الدين، ويسر لنا اقتفاء أثر السلف الصالحين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد الأولين والآخرين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، صلاة دائمة إلى يوم الدين. أما بعد:
فأوصيكم - أيها الناس - ونفسي بوصية الله للأولين (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: 131] فاتقوا الله - رحمكم الله - فإن في تقواه السعادة والفلاح في الدارين.
أيها المسلمون: من رحمة الله بنا أن بعث فينا محمدًا صلى الله عليه وسلم وأمرنا بالإيمان به وتصديقه، واتباعه والاقتداء به، والانتصار له ومحبته، وتقديمه على النفس والمال والولد، فعلى يديه كَمُلَ الدين، وبه خُتمت الرسالات، وأُرسل إليه أفضل الشرائع، وأُنزل إليه أحكم الكتب.
فهو خليل الله، وهو صفيه، وهو رسوله وحبيبه، وقد امتن الله به على الثقَلَين؛ الإنس والجن، وأرسله إليهما معًا، ففتح الله به أعينًا عميًا وآذانًا صُمًّا وقلوبا غُلفًا، وأخرج به الناس من الضلالة إلى الهدى.
إنه محمد صلى الله عليه وسلم بلغ الرسالة أحسن بلاغ، وأدى الأمانة أحسن أداء، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده. محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أعز الناس نسبًا، وأشرفهم مكانة، أظهر الله على يديه من المعجزات ما أبهر العقول، ففلق له القمر فِلْقَتين، وتكلمت الحيوانات بحضرته، وسبح الطعام وتكاثر بين يديه، وسلم عليه الحجر والشجر، وأخبر بالمغيبات، فما زالت تتحقق في حياته وبعد وفاته.
إنه محمد صلى الله عليه وسلم الذي اختصه الله من بين إخوانه المرسلين بخصائص تفوق العد، فله الوسيلة والفضيلة، والمقام المحمود، ولواء الحمد.
محمد صلى الله عليه وسلم أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، وهو أول شافع وأول مشفع، وهو سيد ولد آدم أجمعين.
محمد صلى الله عليه وسلم الذي زكاه ربه تزكية ما عُرفت لأحد من المخلوقين، محمد صلى الله عليه وسلم الذي لا تحصى فضائله ولا تعد مزاياه، فما من صفة كمال إلا واتصف بها، ولا خصلة خير إلا وتحلى بها، جمع الله له أجل المقامات وأسمى المراتب وأكمل المناقب، إذا ذُكر العباد فهو إمامهم، وإذا أشير إلى العلماء فهو معلمهم، وإذا أشيد بالشجعان فهو قائدهم، وإذا مدح الدعاة فهو قدوتهم، بلغ في الدنيا يوم المعراج مبلغًا ما بلغه مخلوق غيره.
محمد صلى الله عليه وسلم أرسله الله شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، شرح الله له صدره، ووضع عنه وِزره، ورفع له ذكره، وأعلى في العالمين قدره، ما رآه أحد إلا هابه، ولا عاشره أحد إلا أحبه، صاحب الوجه الوضاء والطهر والصفاء، دائم الابتسامة، مليح الوجه، أكحل العينين، كالقمر ليلة البدر استنارة وضياء، أشد حياء من العذراء في خدرها.
يقول أنس رضي الله عنه : (ما مسست حريرًا ولا ديباجًا ألين من كف النبي صلى الله عليه وسلم)[1].
محمد صلى الله عليه وسلم كان يُعرف بريح الطِّيب إذا أقبل، أحسن الناس خَلقًا وخُلُقا، وأتقاهم لله وأخشاهم وأكرمهم، أعظم الناس تواضعًا، يخالط الفقير والمسكين ويمشي معهم، يزور كبيرهم ويسلم على صغيرهم، يأتي ضعفاءهم ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم، يجلس على الأرض ويأكل عليها، يعقل الشاة ويحلبها، يخصف نعله ويخيط ثوبه ويخدم أهله، يبيت الليالي طاويًا بلا عشاء، يعصب الحجر والحجرين على بطنه من شدة الجوع، يقبل الهدية ولا يأخذ الصدقة، أشجع الناس وأرحمهم، وصدق الله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[الأنبياء: 107] فما أجله من نبي وما أعزه من رسول صلى الله عليه وسلم وحُقَّ لنا - معشر المسلمين - الفخر بهذا النبي الكريم ومباهاة الأمم به.
عباد الله: لن يكتمل الإيمان الحقيقي في قلوبنا حتى نحب النبي صلى الله عليه وسلم حبًّا أكثر من أنفسنا وأهلينا وأموالنا وكل الدنيا.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين»[2].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما السبب في وجوب محبته صلى الله عليه وسلم وتعظيمه أكثر من أي شخص، فلأن أعظم الخير في الدنيا والآخرة لا يحصل لنا إلا على يد النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان به واتباعه، وذلك أنه
لا نجاة لأحد من عذاب الله ولا وصول له إلى رحمة الله إلا بواسطة الرسول بالإيمان به ومحبته وموالاته واتباعه[3]. انتهى كلامه رحمه الله.
عباد الله: وإن من مقتضيات هذا الحب أيضًا أن يكثر المسلم من ذكره والصلاة والسلام عليه، وأن يتمنى رؤيته والشوق إلى لقائه، وسؤال الله اللحاق به على الإيمان، وأن يجمع بينه وبين حبيبه في مستقر رحمته، جمعنا الله وإياكم مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في مستقر رحمته، إنه على كل شيء قدير.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) [النساء: 69].
الخطبة الثانية:-
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فاتقوا الله - عباد الله - حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى.
أيها المسلمون: إن البرهان الصادق لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم هو تعظيمه وإجلاله وطاعته، والتحاكم إلى شريعته، واتباع هديه وسنته، والدفاع عنه، ونصرته حيًّا وميتًا، والثناء عليه بما هو أهله، وكذا تعظيم ما جاء به من الشريعة السمحة من غير غلو ولا جفاء، كما فهم سلف هذه الأمة وطبقوها في واقع حياتهم.
قال سبحانه: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ). [آل عمران: 31].
عباد الله: إن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ليست مجرد كلمات ومدائح تلقى من فترة لأخرى، أو في إحياء ليلة من الليالي في كل عام، تُنشَد فيها المدائح النبوية والأوراد الصوفية، وتقام فيها الحفلات والرقصات، وقد يقترن بذلك بعض الشركيات؛ من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به، وقد يحدث الاختلاط بين الرجال والنساء وغير ذلك من المفاسد، كما هو مُشاهَد في بعض البلاد الإسلامية، بل محبته صلى الله عليه وسلم في جميع العام وعلى كل حال.
قال العلامة ابن باز رحمه الله: (لم يرد في الشرع ما يدل على الاحتفال بالمولد، لا بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ولا مولد غيره، فالذي نعلمه من الشرع المطهر، وقرره المحققون من أهل العلم، أن الاحتفالات بالموالد بدعة لا شك في ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أنصح الناس وأعلمهم بشرع الله والمبلغ عن الله، لم يحتفل بمولده صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا خلفاؤه الراشدون ولا غيرهم، فلو كان حقًّا وخيرًا وسنة لبادروا إليه، ولما تركه النبي صلى الله عليه وسلم ولعلمه أمته)[4]. انتهى كلامه رحمه الله.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:( إن بدعة عيد المولد التي تُقام في شهر ربيع الأول، في الليلة الثانية عشرة منه، ليس لها أساس من التاريخ؛ لأنه لم يثبت أن ولادة النبي صلى الله عليه وسلم كانت تلك الليلة، وقد اختلفت أقوال المؤرخين في ذلك؛ فبعضهم جعله في الثاني من الشهر، وبعضهم في الثامن من ربيع الأول، أو التاسع أو السابع عشر، وبعضهم في الثاني والعشرين، وليس من قول لديه دليل يرجحه، إلا أن بعض المعاصرين حقق أنه في اليوم التاسع)[5]. انتهى كلامه رحمه الله.
وعلى هذا يقال للمحتفلين بالمولد النبوي: إن احتفالكم في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول إساءة أدب وجفوة للنبي صلى الله عليه وسلم لأنهم في الحقيقة يحتفلون بموته صلى الله عليه وسلم وصاحب العقل السليم يدرك أن الفرح في تلك الليلة بمولده ليس بأولى من الحزن على وفاته صلى الله عليه وسلم فإن الأمة ما أصيبت بأعظم من فقده صلى الله عليه وسلم.
فاللهم اجعلنا من أتباع نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وممن يقتدون بسنته ولا يخالفون أمره، إنك على كل شيء قدير.
ثم صلوا وسلموا على الحبيب المصطفى والرسول المرتضى كما أمركم ربكم جل وعلا بقوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
فاللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد.
اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وأمهات المؤمنين، والصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين.
اللهم اكتب السلام والأمن للعالم الإسلامي في كل ربوعه، واجعل العزة والرفعة للإسلام وجموعه.
اللهم أدم على بلاد الحرمين أمنها وإيمانها وعزها ورخاءها يا رب العالمين.
اللهم من أرادنا أو أراد بلادنا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوء اللهم فاشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا قوي يا عزيز.
اللهم احفظنا بحفظك، واكلأنا برعايتك، واحرسنا بعينك التي لا تنام.
اللهم احفظ أبطال الصحة والأمن المرابطين في الداخل وعلى الحدود يا رب العالمين.
اللهم احفظ ووفق إمامنا وولي أمرنا خادم الحرمين لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وألبسه لباس الصحة والعافية، وأمد في عمره على طاعتك، واجزه عنا وعن المسلمين خير الجزاء.
اللهم أعن ولي عهده على أداء ما أسند إليه من مهام، اللهم أعن ولي عهده على ما أسند إليه من مهام، اللهم وفقه وسدده، واكفه شر الحاقدين والحاسدين، واجعله عزًّا لديننا وبلادنا وذخرًا للإسلام والمسلمين يا رب العالمين.
اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصافات: 180-182].
أعدها
أ. د عبدالعزيز بن أحمد العليوي
خطيب جامع الغنام بالزلفي
التلجرام: https://t.me/aa_3zz
تويتر: @aa_3zz
اليوتيوب
https://2u.pw/FVu15
[1] أخرجه البخاري (رقم 3561).
[2] أخرجه البخاري (رقم 15) ومسلم (رقم 44).
[3] مجموع الفتاوى (27/426).
[4] فتاوى نور على الدرب لابن باز (3/87).
[5] مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (6/200).
المرفقات
1665062186_شمائل الحبيب المصطفى والتحذير من بدعة الاحتفال بمولده.pdf