شكر النعم

محمد بن خالد الخضير
1436/04/14 - 2015/02/03 18:41PM
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله- حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.
أيها المسلمون: معرفةُ الله بأسمائه وصفاته وأفعاله تُوجِبُ محبَّتَه وتعظيمَه وإفرادَه، ومن أسمائِه: الوهَّاب، ومن صفاته: الكرَم، ومن كرمِه: ما امتنَّ به على عباده من النِّعَم، فأسبغَ عليهم منها ما لم يسألُوه إياها، ومنَحَ لهم منها ما سألُوه: (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ)
وفتحَ عليهم نِعَمًا من السماءِ والأرض: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)
وتذكُّرُ نعَمِ الله داعِيةٌ لشُكرِه وتوحيده وكثرةِ عبادته، وهي من أسبابِ الفَلاح؛ قال -جل وعلا-: (فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الأعراف: 69].
واللهُ أمرَ رُسُلَه بتذكُّر نعَمِه عليهم، فقال لعيسى ابن مريم -عليه السلام-: (اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ)
وقال لنبيِّنا محمد -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى) [الضحى: 6- 8].
والله سبحانه بفضله نوَّعَ النِّعَمَ لعباده؛ منها ما هو نازلٌ من السماء، ومنها ما هو خارجٌ من الأرض، ومنها ما هو في جوفِها، والبحارُ المُتلاطِمةُ الأمواجِ مُذلَّلةٌ للإنسان، والزمانُ خُلِق ودُبِّر؛ فلا نهار سرمَدٌ ولا ليل بَهِيم؛ بل هذا وذاك.
والأرض مدَّها فلا تضيقُ بالخلق، وبالجبال أرساها وأنبتَ فيها من كل زوجٍ بهيجٍ.
والإنسان خلقَه وركَّبَه وفي أحسن صُورةٍ صوَّرَه، وأمرَه بالتفكُّر بما في جسدِه من الآيات،
بل كل ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما فهي هبةٌ من الله للإنسان يستعينُ بها على طاعته، قال سبحانه: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ)
ولا تتمُّ على العبد النِّعَمُ إلا بالدين: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا) [المائدة: 3].
ومن المِنَّة على هذه الأمة أن بعَثَ فيها أفضلَ رُسُله، قال سبحانه: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ) [آل عمران: 164].
ومن رأى أن الله هداه وأدخَلَه الجنةَ، وأضلَّ غيرَه وأدخلَه النار، عظُمَت نعمةُ الله عليه في قلبه؛ قال تعالى إخبارًا عن المؤمن الذي رأى قرينَه في النار: (تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) [الصافات: 56، 57].
والعافيةُ أعظمُ نعمةٍ دُنيوية؛ قال عليه الصلاة والسلام: "سلُوا اللهَ العافِيَة" -أي: السلامةَ من الآفات والمصائب والشرور "فإنه لم يُعطَ عبدٌ شيئًا أفضلُ من العافِية" رواه أحمد.
وكرمُ الله وافِرٌ وعطاؤُه جَزيل، ونِعمُه تزيدُ بالشُّكر، ومن شُكرِها الإقرارُ بأنها منَ الله: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) [النحل: 53].
وكان -عليه الصلاة والسلام- يقول في صباحه ومسائه: "اللهم ما أصبحَ بي من نعمةٍ أو بأحدٍ من خلقِك فمنك وحدَكَ لا شريكَ لك، فلك الحمدُ ولك الشُّكرُ". رواه أبو داود.
ومن شُكرِها: حمدُ الله عليها؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "إن اللهَ ليرضَى عن العبد أن يأكلَ الأكلَةَ فيحمَده عليها، أو يشربَ الشربةَ فيحمدَه عليها". رواه مسلم.
والتحدُّثُ بها من شُكرها: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) [الضحى: 11]، فمن شُكر نعمة الهداية: الفرحُ بأن الله هداه وثبَّتَه، ومن شُكر نعمة المال: التحدُّثُ بفضل الله عليك به، والتواضُع لعباده والإنفاق مما أعطاك الله ابتغاءَ وجهه، والمُعافَى يتحدَّثُ بعافيةِ الله له، ويُعمِلُ جوارِحَه في طاعته.
وتذكُّر المحرومين من النِّعَم يزيدُ من قدرها، وكان -عليه الصلاة والسلام- إذا أوَى إلى فراشه يحمدُ ربَّه على النِّعَم، ويتذكَّرُ من حُرِمَها؛ قالت عائشة -رضي الله عنها-: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أوَى إلى فراشِه قال: "الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافِيَ له ولا مُؤوِي". رواه مسلم.
والنظرُ إلى من هو دونَه في الدنيا يفتَحُ بابَ القناعة؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "انظُروا إلى من هو أسفلَ منكم، ولا تنظُروا إلى من هو فوقَكم؛ فهو أجدرُ أن لا تزدَروا نعمةَ الله عليكم". متفق عليه.
والطاعةُ تحفظُ النعمةَ وتزيدُها، ومن أسباب دوامِها: دعاء الله ليُبقِيَها، ومن دُعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إني أعوذُ بك من زوال نعمَتك، وتحوُّل عافيتك، وفُجاءة نقمتِك، وجميع سخَطك". رواه مسلم.
وبقاءُ النعمةِ مقرونٌ بالشُّكر، فإن لم تُشكَر زالَت؛ قال سبحانه: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7].
والمعاصِي تدفَعُ حُلولَ نعمةٍ نازِلَة، أو ترفَعُ نعمةً حادِثة، وقد لا ترفَعُها ولكن تُنزَعُ البركةُ منها، أو تكون عذابًا لصاحبها، وما أذنبَ عبدٌ ذنبًا إلا زالَت عنه نعمةٌ بحسب ذلك الذنبِ
وإذا رأيتَ نعَمَه سابِغةً عليك وأنت تعصِيه، فاحذَره فقد يكون استِدراجًا لك؛ قال سبحانه: (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) [الأعراف: 182، 183]. قال -عليه الصلاة والسلام-: "إذا رأيتَ اللهَ يُعطِي العبدَ من الدنيا على معاصِيه ما يُحبُّ فإنما هو استِدراجٌ"، ثم تلا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) [الأنعام: 44]. رواه أحمد.

وكل نعمةٍ وإن كانت يسيرةً سيُسألُ عنها العبدُ هل شكرَها أم جحَدَها؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "إن أولَ ما يُسألُ عنه العبدُ يوم القيامةِ -أي: من النِّعَم-: أن يُقال له: ألم نُصِحَّ لك جسمَك ونرويكَ من الماء البارِد؟!". رواه الترمذي.
أيها المسلمون: فاللهُ وهَّابٌ كريمٌ يدُه ملأى سحَّاءُ الليل والنهار، وهو عليمٌ حكيمٌ يُعطِي كلَّ عبدٍ ما يُلائِمُه من النِّعَم؛ قال سبحانه: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ) [الشورى: 27].
وهو سبحانه لطيفٌ رحيمٌ قد يحرمُ العبدَ نعمةً يتمنَّاها، أو يُنزِلُ عليه نعمةً في لباسِ مُصيبةٍ ليرفَعَ درجتَه، والمؤمنُ يتقلَّبُ في حياته بين الشُّكرِ والرضا، والصبر والاستغفار.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أيها المسلمون: جُبِلَت القلوب على حبِّ من أحسنَ إليها، ولا أحدَ أعظمُ إحسانًا من الله؛ فالمخلوقُ يتقلَّبُ في جميع أحواله في نعَمِ الله، ومن استعانَ بها على معصية الله فقد جحدَها، ومع كثرة النِّعَم وتوارُدِها على العبادِ قلَّ من يشكُرُها؛ قال سبحانه: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ: 13].
والمُفلِحُ من تذكَّر نعَمَ الله عليه في القليل والكثير وشكرَها.
عباد الله ، إن من تمام النعمة أن نشكر الله جل وعلا على من به على هذه البلاد من وحدة الصف، في هذا الوقت الذي تلاطمت فيه الفتن في كثير من البلاد الأخرى، حفظ الله بلادنا ورد كيد أعدائنا في نحورهم.
ونحمد الله ونشكره على هذا التآلف، وهذه المحبة، واجتماع الكلمة، وتألف القلوب على الخير والتقوى بين الراعي والراعية، في هذه البلاد المباركة؛ وهذه القرارات التي صدرت -ولله الحمد- إنما هي قرارات خير ونعمة،
فاللهم لك الحمد وحدك, كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك, سبحانك ما كان هذه إلا بلطفك وإحسانِك
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا)
اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى. الْلَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الْشَّرِيِفَيْنِ الملكَ سلمانَ, اللهم احفظه بحفظك, واكْلأه برعايتك, اللهم جازه عنّا وعن المسلمين خير الجزاء.اللهم حبّبه إلى شعبِه, وحبّب شعبه له.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين،

اللهم واحفظ دماء المسلمين وأعراضهم في كل مكان، اللهم وارحم ضعفهم، واجبر كسرهم، ووحد صفهم، وبلغهم فيما يرضيك آمالهم واجمع كلمتهم على الحق والهدى وانصرهم على عدوك وعدوهم يا أرحم الراحمين ً
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين
المشاهدات 2336 | التعليقات 0