شكر الله على نعمة الطعام

شكر الله على نعمة الطعام

الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين ، وعد الشاكرين لنعمه بالمزيدَ ، وتوعَّدَ من كفر بها بالعذاب الشديد ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أعظمُ الخلق شكراً لله وطاعةً له ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً . أما بعدُ :-

فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون ) [الحشر:18] .

عباد الله : لقد أكرَمنَا ربُّنا جلَّ وعلا ومَنَّ علينا بنعمٍ ظاهرةٍ وباطنةٍ ، ومن تلكَ النِّعمِ : نعمةُ الطعامِ ، فهوَ قوامُ حياةِ الإنسانِ ، وغذاءُ بدنِه ومصدرُ قوتِه وطاقتِه . فنعمة الطعام من أعظم النعم التي تحفظ الجنس البشري من الانقراض ، فلا حياة للإنسان بدون طعام ، وأَمرَنا سبحانَه وتعالى أَنْ نتأمَّلَ في بديعِ إيجادِ هذا الطعامِ ومراحلِ تكوينِه ، فقالَ جلَّ وعلا : ( فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِه * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلاً * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُم ) [عبس:24ــ32] .

عباد الله : إذا جلس أحدنا على مائدة طعامه ، ونظر إلى سفرته ، وجد أصنافاً ممّا لذّ وطاب من مأكلٍ ومشرب ، قد جُلِبت إلينا من دول شتّى نعمة من الله وفضل ، وهذه النعمةُ نحنُ مسؤولونَ عنهَا ومحاسبونَ عليهَا ، وعلى تأديةِ الشكرِ لمسدِيها جلَّ وعلا  

وقدَ أمرَنا اللهُ جلَّ وعلا بالمحافظةِ على نعمةِ الطعامِ وعدمِ الإسرافِ فيهَا ، فقال تعالى : ( وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) [الأعراف:31] . وأوصَانَا نبيُّنا صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ باحترامِ النعمةِ ، وعدمِ الإسرافِ فيهَا وإهدارِها ، فعن أنسٍ رضي اللهُ عنه قال : مرّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ بتمرةٍ في الطريقِ فقالَ : " لولا أنِّي أخافُ أن تكونَ من الصدقةِ لأكلتُها " رواه البخاري ومسلم . وهذا مما يدل على اهتمامه صلى الله عليه وسلم بشأن النعمة ، وحفظها من الإهدار .

وكان من شدةِ حرصِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ على هذِه النعمةِ أَنَّه : " كانَ إذا أَكَلَ طَعامًا لَعِقَ أَصابِعَهُ الثَّلاثَ  – لأنه كان يأكل بثلاث أصابع – وَقالَ : إذا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْها الأذى وَلْيَأْكُلْها ، وَلا يَدَعْها لِلشَّيْطانِ ، وَأَمَرَنا أَنْ نَسْلُتَ القَصْعَةَ ، قالَ : فإنَّكُمْ لا تَدْرُونَ في أَيِّ طَعامِكُمُ البَرَكَةُ " . رواه مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه . كل هذا من حفظ النعمة من الضياع وشكرها وتوقيرها وابتعاداً عن التكبر .

ومن الناس من يخالف هذا الهدي النبوي ، فترى الطعام يتساقط من يده على السفرة أثناء الأكل ، وإذا انتهى من الأكل يأنف أن يأكل ما تساقط منه على السفرة ، ثم يذهب ليغسل يده ويأنف أن يلعقها قبل أن يغسلها . وقد قال صلى الله عليه وسلم :   " إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يمسح يده حتى يَلعَقها أو يُلعِقها " رواه مسلم عن ابن عباس .

عباد الله : إن بقاء النّعم التي أنعم الله بها علينا ، ومنها نعمة الطعام إنما يكون بشيء واحد ، هو شكر صاحب الفضل والإنعام سبحانه وتعالى القائل : ( وإذ تأذنّ ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إنّ عذابي لشديد ) والقائل سبحانه : ( كلوا من رزق ربكم واشكروا له ) ، والشكر يكون باللسان وبالقلب وبالجوارح .

واعلموا عباد الله أنَّ الشُّكرَ يحفظُ النِّعمةَ ويُنمِّيها ، ويجلبُ رضَا مُسدِيهَا ومُولِيها ، والنِّعمةُ إذَا شُكرتْ قرَّت وإذا كُفِرتْ فرَّت . وعلى الجميعِ توعيةُ الأهل بضرورةِ حفظِ النِّعمةِ ، وعدمِ الإسرافِ فيهَا أو امتهانِها أو إهدارِها . فاتقوا الله عباد الله واحترموا نعمة الله وشكروه عليها حتى تدوم لكم . اللهم أدِم علينا نعمك واحفظها من الزوال يا حي يا قيوم . اللهم أعنّا على شكرك وذكرك وحسن عبادتك . اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفُجاءة نقمتك وجميع سخطك . باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ ، ونفعني وإياكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ ، قلتُ ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

 

 

 

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله ذي الجلال والإكرام ، تفرد بالربوبية على الدوام ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملِكِ القدوس السلام ، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله قام بشكر ربه حق القيام ، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام ، وعلى آله وأصحابه البررة الكرام ، أما بعد :-

فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ ، واحرصوا على شكرِ نعمةِ الطعامِ وذلكَ بالمحافظةِ عليهَا ، وعدمِ الإسرافِ فيهَا ، وامتهانِها وإهدارِهَا ، وألَّا يُرمَى الزائدُ من الطعامِ في النفاياتِ ، فهذا تبذيرٌ ، وقد نهى اللهُ تعالى عنه .

عباد الله : لو نظرتم واقعِ بعضِ المسلمينَ اليومَ تجاهَ هذهِ النعمةِ ، نعمة الطعام ، لتعجبتم من إساءتِهم في استعمالِها ، وإسرافِهم فيهَا ، وإهدارِها ، والعياذُ باللهِ . ومِنْ صورِ الإسرافِ في نعمةِ الطعامِ وإهدارِها وامتهانِها ما يلي :-

1- الإسرافُ في الولائمِ في حفلاتِ الزواجِ وغيرها ، ثمَّ إذَا انتهتْ المناسبةُ فمنهم من يهدر الباقي ، إما برميه في النفايات والعياذ بالله ، وإما برمية في التراب ، وهذا ليس شكراً للنعمة ، فالواجب على مثل من هذه حاله ، ألاّ يسرف في هذه الحفلات ، وإن بقي شيء من الطعام فيتصرّف فيه التصرف السليم ، إما بتوزيعه على من يحتاجه ، وإما أن يطلب من الجمعية الخيرية أن تستلمه وتتولّى توزيعه ، مع الحرص على نظافة الطعام الباقي وعدم خلطه بمشروبات أوغيرها ، حتى يقبله المحتاج فيأكله ، وإن بقي شيء من الطعام الذي لا يصلح للأكل فيعطيه للحيوانات بالطريقة التي يراها صحيحة ، ولا يرمي به في النفايات .

2- ومن الإسراف أيضاً ما يحصل ممّن يأكلون في المطاعم ، فإن منهم من يطلب كميات زائدة عن حاجتهم  ، والزائد في الغالب يُرمى في النفايات ، فالواجب أن لا يطلبوا إلا قدر الحاجة ، حفاظاً للنعمة من الهدر واحتراماً لها ، وهذا من الشكر .

3- ومن الإسراف أيضاً طبخ الوجبات في البيوت بقدرٍ زائد عن الحاجة ، أو شراء مواد غذائية زائدة عن الحاجة مثل الخبز والوجبات الجاهزة وغيرها ، ثم رمي ما تبقّى مع النفايات ، وهذا تَصرّف غير سليم ، فالواجب أن يطبخ من الوجبة قدر الحاجة ، وأن يشترى من الطعام قدر الحاجة ، وما تبقّى يحفظ في الثلاجة حتى يؤكل منه بعد تسخينه ، أو يعطى لمن يحتاجه ، وهذا من شكر النعمة ، وإنك لتعجب من البعض يشتري كيس الخبز مثلاً فيأخذ منه حبة أو حبتين ثم يرمي الباقي في النفايات أو بجوار النفايات . علماً أنه جديد ويمكن أن يحفظه في الثلاجة ليأكله من الغد ، ولكنه والعياذ بالله يأنف وتشمئز نفسه من أكل الطعام الجيد البائت ، ولا تشمئز نفسه من رميه في النفايات أو بجوار النفايات .

وهنا أُشِيدُ بأولئكَ الرجالِ الأخيارِ الذين يَتَتبَّعونَ مواقعَ هذهِ النعمةِ في الشوارعِ وعلى الأرصفةِ ويأخذونَها لدوابِّهم ، فلْيبْشِرُوا بالخيرِ ، فهم في عبادةٍ ، وعملُهم من أرجى الأعمالِ مع النيِّةِ الصالحةِ ، لأنه حفظ للنعمة . وشكرٌ لله تعالى .. هذا وصلوا وسلّموا على نبيكم كما أمركم بذلك ربكم بقوله : " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " ، وقال عليه الصلاة والسلام : " من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً " رواه مسلم . اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة ، وبقية العشرة ، وعن باقي الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ، وانصر عبادك المؤمنين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، اللهم احفظ إمامنا وولي عهده بحفظك وأيدهم بتأييدك وأعز بهم دينك ياذا الجلال والإكرام . اللهم وفقْهُم لهُدَاكَ واجعلْ عمَلَهُم في رضاكَ ، اللهم وارزقْهُم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ التي تدلُهُم على الخيرِ وتعينهم عليه . اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن ، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين . اللهم أمّن حدودنا واحفظ جنودنا . اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين . { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } . وأقم الصلاة .

 

( خطبة الجمعة 13/11/1444هـ . جمع وتنسيق خطيب جامع العمار بمحافظة الرين / عبد الرحمن عبد الله الهويمل                          للتواصل جوال و واتساب /  0504750883  ) .

 

المرفقات

1722196821_شكر الله على نعمة الطعام.docx

المشاهدات 132 | التعليقات 0