شكر الله تعالى على إدراك العشر
مبارك العشوان 1
الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى أيُّهَا النَّاسُ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
اُشْكُرُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - أَنْ بَلَّغَكُمْ هَذِهِ الأَيَّامَ المُبَارَكَةَ؛ اُشْكُرُوهُ جَلَّ وَعَلَا أَنْ بَلَّغَكُمْ أَيَّامًا لَيْسَ فِي العَامِ كُلِّهِ مِثْلُهَا؛ أَيَّامًا قَالَ عَنْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ ) يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ قَالَ: ( وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْء ) رواه أبو داود وصححه الألباني.
اُشْكُرُوا اللهَ جَلَّ وَعَلَا وَاعْمُرُوا بِالعَمَلِ الصَّالِحِ حَيَاتَكُمْ. اُشْكُرُوا اللهَ وَاعْرِفُوا قَدْرَ هَذِهِ المَوَاسِمِ.
عَظِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَشْرَكُمْ؛ { وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ } الحج 32.
لَا تُفَرِّطُوا فِي لَحْظَةٍ مِنْ هَذِهِ العَشْرِ.
كُلَّ عِبَادِةٍ أَمْكَنَكُمْ فِعْلُهَا فَسَارِعُوا وَسَابِقُوا وَلَا تَتَأَخَّرُوا. وَكُلَّ مَعْصِيَةٍ؛ فَاجْتَنِبُوهَا وَاحْذَرُوا وَلَا تَقْتَرِبُوا.
اجْتَهِدُوا في الطَّاعَاتِ فَرَائِضِهَا وَنَوَافِلِهَا، وَابْتَعِدُوا عَنَ المَنْهِيَّاتِ مُحَرَّمَاتِهَا وَمَكْرُوهَاتِهَا.
عَلَيكُمْ بِالصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالحَجِّ، وَالصَّدَقَاتِ.
عَلَيكُمْ بِبِرِّ الوَالِدَينِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِصْلَاحِ ذَاتِ البَينِ. عَلَيكُمْ بِذِكْرِ اللهِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ، وَالأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ.
عَلَيكُمْ بِحُسْنِ الخُلُقِ، وَالإِحْسَانِ إِلَى الجَارِ، وَإِكْرَامِ الضَّيفِ، وَعِيَادَةِ المَرْضَى، وَاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ،... وَغَيْرِ ذَلِكَ.
اِحْفَظُوا أَسْمَاعَكُمْ، وَأبْصَارَكُمْ، وَأَلْسِنَتَكُمْ، وَجَوَارِحَكُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْكُمْ؛ وَاعْلَمُوا أَنَّهُ تَعَالَى سَائِلُكُمْ عَنْ هَذَا كُلِّهِ؛ قَالَ تَعَالَى: { إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا }الإسراء 36
عِبَادَ اللهِ: ثُمَّ اعْلَمُوا أَنَّ هُنَاكَ مَا هُوَ أَسَاسُ هَذَا كُلِّهِ؛ وَيَنْبَغِي أَنْ نَعْتَنِي بِهِ أَشَدَّ العِنَايَةِ، وَنَتَوَاصَى بِهِ.
أَلَا وَهُوَ القُلُوبُ، وَأَعْمَالُ القُلُوبِ، وَمَا يُصْلِحُ القُلُوبَ وَمَا يُفْسِدُهَا؛ يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ ). رواه البخاري ومسلم.
يَقُولُ شَيخُ الإِسْلَامِ اِبنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ: [ ثُمَّ الْقَلْبُ هُوَ الْأَصْلُ فَإِذَا كَانَ فِيهِ مَعْرِفَةٌ وَإِرَادَةٌ؛ سَرَى ذَلِكَ إلَى الْبَدَنِ بِالضَّرُورَةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَخَلَّفَ الْبَدَنُ عَمَّا يُرِيدُهُ الْقَلْبُ....] فَلْنَتَعَاهَدْ ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ قُلُوبَنَا، وَلْنَحْرِصْ عَلَى صَلَاحِهَا وَصَفَائِهَا وَسَلَامَتِهَا؛ تَنْفَعُنَا: { يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيم } الشعراء88-89
لَا تَغْفَلْ أَخِي المُسْلِمُ عَنِ العِنَايَةِ بِقَلْبِكَ؛ فَصَلَاحُهُ تِجَارَةٌ رَابِحَةٌ؛ وَفَسَادُهُ خَسَارَةٌ فَادِحَةٌ.
اِجْتَهِدْ غَايَةَ جُهْدِكَ فِي كُلِّ عَمَلٍ يَعُودُ عَلَى قَلْبِكَ بِالطَّهَارَةِ وَالسَّلَامَةِ وَالصَّلَاحِ، وَاحْذَرْ أَشَدَّ الحَذَرِ كُلَّ عَمَلٍ يَعُودُ عَلَيهِ بِالرَّانِ وَالسَّوَادِ وَالفَسَادِ.
وَإِذَا وَقَعْتَ فِي شَيءٍ مِنْ ذَلِكَ فَبَادِرْ بِالاِسْتِغْفَارِ وَالتَّوبَةِ النَّصُوحِ؛ وَأَكْثِرْ مِنَ الطَّاعَاتِ؛ فَهِيَ سَبَبٌ لِسَلَامَةِ القُلُوبِ وَصَلَاحِهَا وَمَحْوِ السَّيِّئَاتِ.
أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُصْلِحَ قُلُوبَنَا وَيُنَقِّيْهَا مِنَ الذُّنُوبِ وَالخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوبُ الأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ.
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمْ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ أَمَّا بَعْدُ:
فَأَكْثِرُوا - وَفَّقَكُمُ اللهُ - مِنَ التَّكْبِيرِ فِي هَذِهِ العَشْرِ وَفِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَاجْهَرُوا بِهِ، وَأَحْيُوا هَذِهِ السُّنَّةَ.
عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ أَعْظَمِ القُرُبَاتِ فِي هَذِهِ العَشْرِ: الحَجُّ؛ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ أَتَى هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي الحَدِيثِ الآخَرِ: ( وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
عِبَادَ اللهِ: وَتَاسِعُ أَيَّامِ العَشْرِ؛ يَومُ عَرَفَةَ؛ يَومُ إِكْمَالِ الدِّينِ وَإِتْمَامِ النِّعْمَةِ؛ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (... صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ ) رواه مسلم.
صُومُوا ذَلِكَ اليَومَ، وتَوَاصَوا بِصِيَامِهِ؛ حُثُّوا عَلَى صِيَامِهِ الأَهْلَ وَالأَولَادَ وَالعُمَّالَ وَالخَدَمَ؛ يَكُنْ لَكُمْ مِثْلُ أُجُورِهِمْ.
عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ أفضَلِ القُرُبَاتِ: الأُضْحِيَةُ؛ فمَنْ كَانَ مُوسِراً، وَثَمَنُ الأُضْحِيةِ لَا يَشُقُّ عَلَيهِ، فَلَا يَحْرِمْ نَفْسَهُ هَذِهِ الشَّعِيرَةَ، بَلْ يَقُولُ الشيخُ ابنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَلَا حَرَجَ أنْ يَسْتَدِينَ المُسْلِمُ لِيُضَحِّي إِذَا كَانَ عِنْدَهُ قُدْرَةٌ عَلى الوَفَاءِ.
ويَقُولُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ يَدَعُ الأُضْحِيَةَ.
وَمَنْ أرَادَ أنْ يُضَحِّي فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ وَبَشَرَتِهِ؛ مِنْ دُخُولِ العَشْرِ حَتَّى يُضَحِّي، وَمَنْ نَوَى أثْنَاءَ العَشْرِ أمْسَكَ مِنْ حِينِ نِيَّتِهِ.
عِبَادَ اللهِ: هَذِهِ العَشْرُ ـ بَلِ الحَيَاةُ كُلُّهَا ـ أَيَّامٌ مَعْدُودَةٌ سُرْعَانَ مَا تَنْقَضِي؛ وَلَا يَدْرِي أَحَدُنَا مَا يَعْرِضُ لَه فِيهَا؛ فَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ مَا يَسُرُّكُمْ أَنْ تَرَوهُ فِي أُخْرَاكُم: { يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } النبأ 40
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ المُصْطَفَى؛ فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
المرفقات
1656602563_شُكْرُ اللهِ تَعَالَى عَلَى إِدْرَاكِ العَشْرِ 1443.pdf
1656602582_شُكْرُ اللهِ تَعَالَى عَلَى إِدْرَاكِ العَشْرِ 1443.docx