شفقة الآباء على الأبناء

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخوة الإيمان والعقيدة ... لا شك أن الإنسان العاقل يهمه صلاح أولاده واستقامتهم ، ويتمنى سلامة فطرهم ، ويسُرُّه تمسكهم بالحق وسيرهم على الصراط السوي ، وتخلُقِهم بمعالي الأخلاق وفضائل الأعمال ، وعملِهم بتعاليم الدين الصحيح ، ويستاء ويشق عليه متى رآهم منحرفين ضالين قد خالفوا سنة الله تعالى وشرعه ، وتنكبوا الطريق السوي ، وارتكبوا المآثم وفعلوا الجرائم.
ولقد جبل الله الوالدين على محبة الأولاد والشفقة عليهم والرحمة بهم ، وإيثارهم بالمصالح والملذات في هذه الحياة الدنيا ، والخوف عليهم من أسباب العطب والهلاك ، فقد حكى الله تعالى عن نوح عليه السلام نداءه لابنه الذي عصى عليه ( وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلاَ تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ ) وبعد أن خرج الابن عن طاعة أبيه وتمرد عليه ، لم يغفل عنه بل دعا ربه أن ينجيه ( رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ ) فهو يتذكر أن ربه تعالى وعده بنجاة أهله ( قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ) فظن أن ابنه من أهله الذين وعد الله بنجاتهم، ولكن الله تعالى عاتبه بقوله ( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) أي: الذين وعدناك بنجاتهم . فعُرِف من هذا شفقة الوالد على ولده ولو كان عاصيًا له وخارجًا عن طواعيته. وهكذا ما حكى الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام مما يدل على شفقته وخوفه على ولده، ففي مقام الطلب والرجاء لما قال الله تعالى له ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) فلم يغفل عن ذريته لما منحه الله هذه الإمامة التي هي جعله قدوة وأسوة لمن بعده من الناس الذين هداهم الله للإسلام ، فلما وعده ربه بهذه الإمامة لم يغفل عن ذريته؛ لحرصه على صلاحهم ، وأهليتهم لأن يكونوا قدوة للناس في أمر الدين الصحيح. وهكذا حكى الله تعالى عنه دعاءه لربه ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) فما غفل عن ذريته بل أشركهم مع نفسه في هذه الدعوة الصالحة، بأن يجعله مقيما للصلاة ، محافظًا عليها ، وكذا ذريتَه؛ لما لها من أثر بليغ في صلاح الذرية واستقامتهم. وكل هذا دليل كمال الشفقة والرقة والرحمة للولد ، ورجاء أن يستقيموا على الخير ، ويسلكوا الصراط السوي المتمثل في إقامة الصلاة ، وما تؤثره من ثمرات وأعمال صالحة.
وهكذا في مقام الخوف ، فقد حكى الله تعالى عنه عليه السلام في قوله ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ ) فلم يقتصر في طلب النجاة من الشرك على نفسه، بل أشرك بنيه ، فطلب نجاتهم من عبادة الأصنام؛ لما رأى من ضلال الكثير- كأبيه وقومه- بعبادة تلك الأخشاب والأحجار التي ينحتونها ، ثم يظلون لها عاكفين ، تقليدا لآبائهم وأسلافهم . وهكذا مدح الله تعالى إسماعيل عليه السلام بقوله ( وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ ) والأمر منه يستدعي الطلب والحرص على التطبيق منهم للصلاة التي هي عماد الدين ، والتي ذكر أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ، والزكاة وهي حق المال.
وقال الله تعالى ( وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ ) إلى قوله ( أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي ) فهذا كله من تمام الحرص والشفقة على القريب الأدنى قبل البعيد من أنبياء الله تعالى ورسله، وهم القدوة والأسوة لمن بعدهم، فالأمر لهم يعم كل من دان بدينهم من أتباعهم. وقد ذكر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يوقظ أهله لصلاة التهجد بالليل، ويتلو قولَ الله تعالى ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ) فإن ظاهرها يعم صلاة الفرض والنفل. ويدخل في الأهل: الأولاد والخدم والزوجات ومن تحت كفالة الإنسان ، كما ذكروا ذلك في تفسير قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) يعني: أنقذوهم وخلصوهم من الكفر والبدع وكبائر الذنوب وصغائرها، مما يسبب العقوبة الأخروية بدخول النار التي وقودها الناس والحجارة . فوقايتهم تستدعي الحرص على تربيتهم ، وتهذيب أخلاقهم ، وتلقينهم في الصغر ما يعرفون به ربهم ودينهم ونبيهم وما يلزمهم أن يدينوا به في هذه الحياة ، وبيان الحسنة والسيئة ، وأسباب كل منهما . فالوالد الناصح يبذل جهده في تقويم ولده ، وفي نصحه وإرشاده ، وتحريضه على الخير ، وتحذيره من العاقبة السيئة؛ ليكون سببًا في نجاته وفلاحه.
كما أن الله تعالى قذف في قلب الوالدين الرحمة التي تستجلب الرقة والشفقة في الدنيا ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قبّل الحسن، فقال الأقرع بن حابس : إن لي عشرة من الولد ما قبّلت واحدًا منهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنه من لا يرحم لا يرحم ) وعن عائشة -رضي الله عنها قالت: قدم ناس من الأعراب فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟ لكنا والله ما نقبل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أوَ أملِكُ أن كان الله نزع منكم الرحمة ) وفي لفظ ( أوَ أملِكُ أن نزع الله من قلبك الرحمة ) وعن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رفع إليه ابن بنته ، ونفسه تقعقع ، ففاضت عيناه صلى الله عليه وسلم وقال ( هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ) فهذه الرحمة التي جعلها الله تعالى في قلوب الآباء يكون من آثارها الشفقة عليهم، والحرص على إيصال الخير إليهم ، ودفع الشر عنهم ، سيما وقت الطفولية والحاجة ، وتستمر حتى الموت غالبا . فمتى كان يحب لهم الصحة والسلامة والبعد عن العطب والضرر فإن عليه أن يحرص على تقويم أولاده وتهذيب أخلاقهم، وإرشادهم إلى ما ينفعهم في الدار الآخرة ويوصلهم إلى رضوان ربهم سبحانه وتعالى.
أسأل الله تعالى أن يهدي شباب وفتيات المسلمين، اللهم اهد ابناءنا وبناتنا، اللهم حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكرِّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان، واجعلهم من الراشدين.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين ... يقول الله تعالى قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: علموهم وأدبوهم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اعدلوا بين أولادكم ) فوصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم، فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً ولم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كبارا!
كما عاتب بعضهم ولده على العقوق، فقال: يا أبت إنك عققتني صغيرا فعققتك كبيرا! وأضعتني وليدا فأضعتك شيخا!!
فيا عباد الله ... ما أفسد الأبناء مثل غفلة الآباء وإهمالهم واستسهالهم شرر النار بين الثياب!! فأكثر الآباء يعتمدون مع أولادهم أعظم ما يعتمد العدو الشديد العداوة مع عدوه وهم لا يشعرون!! فكم من والد حرم ولده خير الدنيا والآخرة، وعرضه لهلاك الدنيا والآخرة، وكل هذا عواقب تفريط الآباء في حقوق الله وإضاعتهم لها، وإعراضهم عما أوجب الله عليهم من العلم النافع والعمل الصالح، حرمهم الانتفاع بأولادهم وحرم الأولاد خيرهم ونفعهم لهم وهو من عقوبة الآباء.
بهذا يبرز الأخطار الكثيرة التي يتردى فيها الولد حين يهمله والداه فيتسببان في الإضرار به إضرارا بليغا وهم لا يشعرون، ولاسيما إهمال تعليمه أمور دينه وأخلاقه وحقوق غيره.
فاتقوا الله أيها الآباء في أبنائكم ... واسألوا الله العون والسداد في حسن تربيتهم. وهو من أهم مما استرعاهما الله عليه،قال النبي صلى الله عليه وسلم ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها )
المشاهدات 2169 | التعليقات 0