شعبان مكانة وفضائل: 1442/8/6هـ
عبد الله بن علي الطريف
شعبان مكانة وفضائل: 1442/8/6هـ
أما بعد أيها الإخوة: وتدور الأيام دورتها، ويهلُ شهرُ شعبان بخيره وفضله.
نعم هَلَّ علينا شهرُ شعبانَ الذي كانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُعظمُه ويحبُ الصَّوْمَ فِيهِ أكثرَ من غيرِه من الشهورِ، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَصُومُ فَلَا يُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: مَا فِي نَفْسِ رَسُولِ اللهِ ﷺ أَنْ يُفْطِرَ الْعَامَ، ثُمَّ يُفْطِرُ فَلَا يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: مَا فِي نَفْسِهِ أَنْ يَصُومَ الْعَامَ، وَكَانَ أَحَبُّ الصَّوْمِ إِلَيْهِ فِي شَعْبَانَ» رواه أحمد والطبراني وقال الألباني حسن لغيره.
ومن خصائص هذا الشهر أنَّ أعْمَالَ الْعَامِ الْمَاضِي تُرْفَعُ وتُعرضُ فِيه عَلَى اللَّه تَعَالَى، كَمَا أَخْبَرَ بِذلك الصَّادِقُ الْمَصْدُوق ﷺ فقال: «هُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» رواه النسائي وأحمد عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وحسنه الألباني.
أما أَعْمَالُ الْأُسْبُوع فَتُعْرَضُ: يَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس، قَالَ أَبوُ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَكْثَرَ مَا يَصُومُ الِاثْنَيْنَ وَالْخَمِيسَ، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: «إِنَّ الْأَعْمَالَ تُعْرَضُ كُلَّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ -أَوْ: كُلَّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ- فَيَغْفِرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ -أَوْ: لِكُلِّ مُؤْمِنٍ- إِلَّا الْمُتَهَاجِرَيْنِ، فَيَقُولُ: أَخِّرْهُمَا» رواه أحمد وصححه أحمد شاكر،
أما َالأَعْمَالُ الْيَوْمِيةِ: فَتُرْفَع فِي آخِرِ كُلِ يومٍ قَبْل اللَّيْل، وَفِي آخِرِ كُلِ لَيْلٍ قَبْلَ النَّهَارِ.. فَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ ﷺ بِأَرْبَعٍ: «إِنَّ اللهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَرْفَعُ الْقِسْطَ وَيَخْفِضُهُ، وَيُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ النَّهَارِ بِاللَّيْلِ، وَعَمَلُ اللَّيْلِ بِالنَّهَارِ» رواه مسلم. وَقَالَ ﷺ: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ، مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ وَصَلاَةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ، كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْناهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ». متفق عليه عَن أَبِي هُرَيْرَة َ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. أَيْ: تَأْتِي طَائِفَةٌ مِنْ المَلاَئِكَةِ عَقِبَ طَائِفَةٍ، ثُمَّ تَعُودُ الْأُولَى عَقِبَ الثَّانِيَةِ وَمِنْ لُطْفِ اللهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ وَإِكْرَامِه لَهُمْ بِأَنْ جَعَلَ اِجْتِمَاعَ مَلَائِكَتِه فِي حَالِ طَاعَةِ عِبَادِه، لِتَكُونَ شَهَادَتُهمْ لَهُمْ بِأَحْسَنِ الشَّهَادَة. والمَلاَئِكَةُ هُنَا هُمْ الْحَفَظَة عَنْدَ الْجُمْهُور.
وما ذكرنا من تفصيلٍ دليلٌ على أن الأعمال لا ترفعُ آخر العام كما يظنُ بعضُ الناسِ..
وَإِذَا اِنْقَضَى الْأَجَل رُفِعَ عَمَلُ الْعُمْرِ كُلّه، وَطُوِيَتْ صَحِيفَةُ الْعَمَلِ، وانقطعَ العملُ إلا مما استثنى رسُولُ اللهِ ﷺ بقولِه: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ».. رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ..
ومن خصائصِ شهرِ شعبان: أنَّ اللهَ «يَطْلُعُ إِلَى خَلْقِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ» رواه ابن حبان عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وحسنه الألباني. والمشاحنُ: هو المخاصمُ للمسلمِ أو الهاجرُ له.. وَقَالَ ﷺ: «إِذَا كَانَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ اطَّلَعَ اللهُ إِلَى خَلْقِهِ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنينِ، وَيُمْلِي لِلْكَافِرِينَ، وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ» رواه البيهقي وقال الألباني صحيح لغيره عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
فينبغي لكلِ مسلمٍ يريدُ رضا الله سبحانَه وتعالى، والجنة أن يسعى للصلحِ مع كل من بينه وبينهم خُصومه، من الأقربين أو الأبعدين، من أهله، أو جيرانه أو غيرهم.
وهنا تنبيه مهم: أنَّ فضلَ هذه الليلة ومغفرةَ الذنوبِ فيها لا يعني تخصيص يومها بصيام، ولا ليلها بقيام، لأن رسول الله ﷺ لم يخصها ولا يومَها بذلك بل كان صيامُه في شعبانَ عموماً، ولم يثبتْ عنه ﷺ، ولا عن أصحابِه فيما نعلم شيء. وما رُوىَ في ذلك من حديثٍ منسوبٍ لعلي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبيِ ﷺ فهو حديث باطل مكذوب على رسول الله ﷺ، وفي الصحيح غُنية. وفقنا الله لفعل الخيرات وأنزل لنا البركات وبارك الله لي ولكم..
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة: أعود لأقف مع حديثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه وفيه قَالَ: قُلْتُ لِلنَبِيِ ﷺ: لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ قَالَ: «ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ». رواه أحمد وحسنه الألباني.
ففي شهرِ شعبانَ تُخْتَـتَمُ صحيفتُك وحَصَادُ عامِك المنصرم، فما الحال التي تحبُ أن يراكَ اللهُ عليها وأنت تَخْتَتِمُ عملَ عامِك، في وقتَ رفعِ الأعمالِ.؟
فهل تحبُ أن يُرفعَ عملُك وأنت في طاعةِ للهِ، وثباتٍ على دينه، وفي إخلاص وعملٍ وجهادٍ وتضحيةٍ..
أم تقبل أن يُرفعَ عملك وأنت في سكونٍ وراحةٍ وقعودٍ وضعف همة وقلةِ بذل للمحتاج، أو وأنت في أذى لعباده، وهجرٍ لذوي رحمك.. راجع نفسك وبادر بالأعمال الصالحة قبلَ رفعِها إلى مولاك في شهر رفع الأعمال..
ولقد حاز رسول الله ﷺ قمة الحياء من الله لما قال: "أُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ". ولنا فيه أسوةٌ حسنة كما قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب:21]
ومتى ما صار هَمُّ المسلم وشُغلُه الشاغلِ الحياء من نظر الله إليه أفلحَ وأنجح، فيستحي من أوقاتٍ قضاها في غيرِ ذكرِ لله..
ويستحي من أعمالٍ لم يردْ بها وجه الله..
ويستحي من طاقاتٍ وقُدراتٍ لم يستنفذها في طاعة الله..
ويستحي من كتابةٍ كتبها وصورةٍ أرسلَها عبرَ وسائلِ التواصل الاجتماعي فشرقت وغربت بشرها، تَحَمَّلَ هُوَ وزرَها، ووزرَ من ضل بها إلى يوم القيامة.. أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ..
ويستحي من وجودِ أموالٍ ونِعَمٍ بخل بها ولم ينفق منها في سبيل الله، وهو يرى المحتاجين من المسلمين في كل صقع من العالم..
ويستحي من كل ما كتبته الملائكة في صحيفته من تقاعس وتقصير..
ويستحي من كل ما يراه الله في صحيفته من سوءات وعورات..
كل ذلك وغيره يستوجب منا الحياء من الله وخشيته في الغيب والشهادة.. قبل أن يأتي يَوْمٌ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.. وَفي ذلك اليوم: (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الجاثية:28،29] فاللهم هون علينا الحساب ووفقنا لصالح الأعمال..