شعبان شهر الزرع
ناصر بن علي القطامي
1437/08/07 - 2016/05/14 12:24PM
شعبان شهر الزرع
الخطبة الأولى
عباد الله:
أيام معدودات ويستقبل المسلمون ضيفا عزيزا، شهر تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتصفد فيه الشياطين، ولقد كان من حرص السلف الصالح على شهر القرآن، أنهم كانوا يستعدون له بأنواع من الطاعات، وأصناف من القربات، ولقد كان لهم في شهر شعبان أحوال مخصوصة، وعناية مزيدة، حيث روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استهل شهر شعبان أكبوا على المصاحف فقرءوها وأخذوا في زكاة أموالهم فقووا بها الضعيف والمسكين على صيام شهر رمضان، ودعا المسلمون مملوكيهم فحطوا عنهم ضرائب شهر رمضان، ودعت الولاة أهل السجون فمن كان عليه حد أقاموا عليه، وإلا خلوا سبيله".
وقال أبو بكر البلخي: "شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع".
وقال أيضا: "مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر"، ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان" ؟!
قال سلمة بن كهيل: كان يقال: "شهر شعبان شهر القراء".
وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: "هذا شهر القرّاء" .
وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان "أغلق حانوته، وتفرّغ لقراءة القرآن" .
أيها المؤمنون:
وقد كان نبيينا صلى الله عليه وسلم يكثر الصيام في شهر شعبان ختى لا يكاد يفطر منه شيئا .
فعند النسائي من حديث أسامة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: لم أراك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم في شعبان ، قال : "ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال لرب العالمين ، وأُحب أَنْ يرفع عملي وأنا صائم" .
قال الإمام ابن رجب الحنبلى "رحمه الله" وفي هذا الحديث فؤائد:
أحدهما: أنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان الشهر الحرام وشهر الصيام اشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولاً عنه.
والطاعة ياعباد الله في الأزمنة والأمكنة التي يغفل الناس فيها، أو ينصرفون فيها إلى شهواتهم وملذاتهم تكون عند الله "جل وعلا" أعظم أجرا، وأرفع قدرا .
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: "واعلم أن الأوقات التي يغفل الناس عنها معظمة القدر لاشتغال الناس بالعادات والشهوات، فإذا ثابر عليها طالب الفضل دل على حرصه على الخير، ولهذا فُضل شهود الفجر في جماعة لغفلة كثير من الناس عن ذلك الوقت ، وفُضل ما بين العشاءين وفُضل قيام نصف الليل ووقت السحر" .
ومما ورد في فضيلة صيام شعبان ماثبت عند الإمام مسلم من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول : لا يفطر، ويفطر حتى نقول : لا يصوم ، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان " أخرجه مسلم
قال الإمام ابن حجر رحمه الله: "وفي الحديث دليل على فضل الصوم في شعبان" (فتح الباري: جـ4صـ253 )
وقال الإمام ابن رجب الحنبلى رحمه الله: "وأما صيام النبي صلى الله عليه وسلم من أشهر السنة فكان يصوم من شعبان ما لا يصوم من غيره من الشهور" (لطائف المعارف : صـ186 ) .
وقال الإمام الصنعاني رحمه الله: "وفيه دليل على أنه يخصُّ شعبان بالصوم أكثر من غيره"( سبل السلام : جـ2صـ342)
أيها المؤمنون :
ومن المقاصد الشرعية من إكثار الصيام في شهر شعبان تمرين النفس وتعويدها على عبادة الصيام، حتى تألفها وتعتادها .
قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله: "قيل في صوم شعبان أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط، ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن".
وقال الإمام ابن القيم -رحمه الله- وفي صومه -صلى الله عليه وسلم- لشعبان أكثر من غيره ثلاث معان:
أحدها: أنه كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، فربما شُغِل عن الصيام أشهراً، فجمع ذلك في شعبان؛ ليدركه قبل الصيام الفرض.
الثاني: أنه فعل ذلك تعظيماً لرمضان، وهذا الصوم يشبه سنة فرض الصلاة قبلها تعظيماً لحقها.
الثالث: أنه شهر ترفع فيه الأعمال؛ فأحب النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُرفعَ عملُه وهو صائم .
بارك الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية
أيها المؤمنون :
ومما يحسن التنبيه إليه في شهر شعبان، أهمية تعجيل قضاء الصيام لمن كان عليه قضاء، إذ أن العمر قصير، والأمر لا يحتمل التأجيل والتأخير .
وقد اتفق الأئمة على أنه يجب على من أفطر أياماً من رمضان أن يقضي تلك الأيام قبل مجيء رمضان التالي .
واستدلوا على ذلك بما رواه البخاري (1950) ومسلم (1146) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت : ( كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلا فِي شَعْبَانَ ، وَذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .
قال الحافظ :
وَيُؤْخَذ مِنْ حِرْصهَا عَلَى ذَلِكَ فِي شَعْبَان أَنَّهُ لا يَجُوز تَأْخِير الْقَضَاء حَتَّى يَدْخُلَ رَمَضَان آخَرُ اهـ
فإن أخر القضاء حتى دخل رمضان التالي وكان لعذر فعليه القضاء، أما من أخر قضاء رمضان من غير عذر فالراجح من أقوال أهل العلم وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين أن عليه القضاء دون كفارة، لكنه يأثم وعليه التوبة والاستغفار .
وإذا احتاط الإنسان وأطعم عن كل يوم مسكيناً كان ذلك حسناً .
لم يرد في فضل رجب حديثٌ صحيح، وأجود ما فيه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية أجود ما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا دخل رجب: ( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان ) على أن الحديث هذا متكلم فيه، وقد ضعفه النووي في "الأذكار" (ص189) ، وابن رجب في "لطائف المعارف"(ص121) وكذا ضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (4395)
وأما إذا دعا المسلم دعاء مطلقا أن يبلغه الله رمضان، وأن يوفقه لصيامه وقيامه، وأن يوفقه لإدراك ليلة القدر، لا بأس به "إن شاء الله "
ثم صلوا وسلموا ..
الخطبة الأولى
عباد الله:
أيام معدودات ويستقبل المسلمون ضيفا عزيزا، شهر تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتصفد فيه الشياطين، ولقد كان من حرص السلف الصالح على شهر القرآن، أنهم كانوا يستعدون له بأنواع من الطاعات، وأصناف من القربات، ولقد كان لهم في شهر شعبان أحوال مخصوصة، وعناية مزيدة، حيث روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استهل شهر شعبان أكبوا على المصاحف فقرءوها وأخذوا في زكاة أموالهم فقووا بها الضعيف والمسكين على صيام شهر رمضان، ودعا المسلمون مملوكيهم فحطوا عنهم ضرائب شهر رمضان، ودعت الولاة أهل السجون فمن كان عليه حد أقاموا عليه، وإلا خلوا سبيله".
وقال أبو بكر البلخي: "شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع".
وقال أيضا: "مثل شهر رجب كالريح، ومثل شعبان مثل الغيم، ومثل رمضان مثل المطر"، ومن لم يزرع ويغرس في رجب، ولم يسق في شعبان فكيف يريد أن يحصد في رمضان" ؟!
قال سلمة بن كهيل: كان يقال: "شهر شعبان شهر القراء".
وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: "هذا شهر القرّاء" .
وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان "أغلق حانوته، وتفرّغ لقراءة القرآن" .
أيها المؤمنون:
وقد كان نبيينا صلى الله عليه وسلم يكثر الصيام في شهر شعبان ختى لا يكاد يفطر منه شيئا .
فعند النسائي من حديث أسامة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: لم أراك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم في شعبان ، قال : "ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان ، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال لرب العالمين ، وأُحب أَنْ يرفع عملي وأنا صائم" .
قال الإمام ابن رجب الحنبلى "رحمه الله" وفي هذا الحديث فؤائد:
أحدهما: أنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان الشهر الحرام وشهر الصيام اشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولاً عنه.
والطاعة ياعباد الله في الأزمنة والأمكنة التي يغفل الناس فيها، أو ينصرفون فيها إلى شهواتهم وملذاتهم تكون عند الله "جل وعلا" أعظم أجرا، وأرفع قدرا .
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: "واعلم أن الأوقات التي يغفل الناس عنها معظمة القدر لاشتغال الناس بالعادات والشهوات، فإذا ثابر عليها طالب الفضل دل على حرصه على الخير، ولهذا فُضل شهود الفجر في جماعة لغفلة كثير من الناس عن ذلك الوقت ، وفُضل ما بين العشاءين وفُضل قيام نصف الليل ووقت السحر" .
ومما ورد في فضيلة صيام شعبان ماثبت عند الإمام مسلم من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول : لا يفطر، ويفطر حتى نقول : لا يصوم ، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان " أخرجه مسلم
قال الإمام ابن حجر رحمه الله: "وفي الحديث دليل على فضل الصوم في شعبان" (فتح الباري: جـ4صـ253 )
وقال الإمام ابن رجب الحنبلى رحمه الله: "وأما صيام النبي صلى الله عليه وسلم من أشهر السنة فكان يصوم من شعبان ما لا يصوم من غيره من الشهور" (لطائف المعارف : صـ186 ) .
وقال الإمام الصنعاني رحمه الله: "وفيه دليل على أنه يخصُّ شعبان بالصوم أكثر من غيره"( سبل السلام : جـ2صـ342)
أيها المؤمنون :
ومن المقاصد الشرعية من إكثار الصيام في شهر شعبان تمرين النفس وتعويدها على عبادة الصيام، حتى تألفها وتعتادها .
قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله: "قيل في صوم شعبان أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط، ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن".
وقال الإمام ابن القيم -رحمه الله- وفي صومه -صلى الله عليه وسلم- لشعبان أكثر من غيره ثلاث معان:
أحدها: أنه كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، فربما شُغِل عن الصيام أشهراً، فجمع ذلك في شعبان؛ ليدركه قبل الصيام الفرض.
الثاني: أنه فعل ذلك تعظيماً لرمضان، وهذا الصوم يشبه سنة فرض الصلاة قبلها تعظيماً لحقها.
الثالث: أنه شهر ترفع فيه الأعمال؛ فأحب النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُرفعَ عملُه وهو صائم .
بارك الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية
أيها المؤمنون :
ومما يحسن التنبيه إليه في شهر شعبان، أهمية تعجيل قضاء الصيام لمن كان عليه قضاء، إذ أن العمر قصير، والأمر لا يحتمل التأجيل والتأخير .
وقد اتفق الأئمة على أنه يجب على من أفطر أياماً من رمضان أن يقضي تلك الأيام قبل مجيء رمضان التالي .
واستدلوا على ذلك بما رواه البخاري (1950) ومسلم (1146) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت : ( كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلا فِي شَعْبَانَ ، وَذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .
قال الحافظ :
وَيُؤْخَذ مِنْ حِرْصهَا عَلَى ذَلِكَ فِي شَعْبَان أَنَّهُ لا يَجُوز تَأْخِير الْقَضَاء حَتَّى يَدْخُلَ رَمَضَان آخَرُ اهـ
فإن أخر القضاء حتى دخل رمضان التالي وكان لعذر فعليه القضاء، أما من أخر قضاء رمضان من غير عذر فالراجح من أقوال أهل العلم وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين أن عليه القضاء دون كفارة، لكنه يأثم وعليه التوبة والاستغفار .
وإذا احتاط الإنسان وأطعم عن كل يوم مسكيناً كان ذلك حسناً .
لم يرد في فضل رجب حديثٌ صحيح، وأجود ما فيه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية أجود ما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا دخل رجب: ( اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان ) على أن الحديث هذا متكلم فيه، وقد ضعفه النووي في "الأذكار" (ص189) ، وابن رجب في "لطائف المعارف"(ص121) وكذا ضعفه الألباني في "ضعيف الجامع" (4395)
وأما إذا دعا المسلم دعاء مطلقا أن يبلغه الله رمضان، وأن يوفقه لصيامه وقيامه، وأن يوفقه لإدراك ليلة القدر، لا بأس به "إن شاء الله "
ثم صلوا وسلموا ..
المرفقات
1057.zip