شعبان بين السُّنة والبِدعة (الجمعة: 11-8-1428هـ)

أ.د عبدالله الطيار
1439/08/01 - 2018/04/17 19:40PM

الخطبة الأولى :

إنّ الحمد للّه نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد: فاتقوا الله عباد الله: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ](آل عمران:102).

عباد الله:  

روى أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت يارسول الله: لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان، فقال صلى الله عليه وسلم:(ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم)(رواه النسائي).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت:(لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهراً أكثر من شعبان، وكان يصوم شعبان كله)(رواه البخاري).

وعنها رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم)(رواه مسلم).

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (أتصوم النهار وتقوم الليل؟ قال: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لكني أصم وأفطر، وأصلي وأنام، وأمس النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)(رواه البخاري ومسلم).

وروي أن نفراً من الصحابة تبتلوا فجلسوا في البيوت واعتزلوا النساء، وحرموا طيبات الطعام واللباس، وهمّوا بالاختصاء، وأجمعوا لقيام الليل وصيام النهار، فنزلت فيهم:[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ](المائدة).

عباد الله:  

وكان نبيكم صلى الله عليه وسلم يتوسط في إعطاء نفسه حقها، ويعدل فيها غاية العدل، فيصوم ويفطر، ويقوم وينام، وينكح النساء، ويأكل كل ما يجد من الطيبات، وتارة يجوع ويربط على بطنه الحجر.

وروي عنه أنه قال: (عرض عليَّ ربي أن يجعل لي بطحاء مكة ذهباً، فقلت: لا يارب، ولكن أجوع يوماً وأشبع يوماً، فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك، فاختار صلى الله عليه وسلم لنفسه أفضل الأحوال ليجمع بين مقامي الشكر والصبر والرضا.

وكان صلى الله عليه وسلم يخص شعبان بمزيد من الصيام لكنه لا يصومه كله، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة حتى الصباح ولا صام شهراً متتابعاً إلا رمضان)(رواه مسلم).

وقد جاء في بعض الأحاديث الإشارة إلى الحكمة من كثرة الصيام فيه (ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان).

ففي ذلك إشارة إلى أنه شهر اكتنفه شهران عظيمان، شهر رمضان، وشهر الله الحرام رجب، وهنا يظن كثير من الناس أن صيام رجب أفضل من صيام شعبان لأن شهر رجب شهر حرام، فجاء النص على أن صيام شعبان أفضل.

وفي ذلك دلالة صريحة على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة والعبادة، وأن ذلك محبوب لله تعالى لأن فيه إخفاء الطاعة، وهذا أحد أسرار قبولها وفضلها، وفيه أيضاً مشقة على النفس لأن العمل مع الناس أسهل وأيسر.

عباد الله:  

وهكذا ينبغي للمسلم أن يحرص على اتباع هدي محمد صلى الله عليه وسلم لأن فيه الخير والصلاح، وهو الطريق الموصل إلى مرضات الرب جل وعلا، وصدق الله العظيم [لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ](الأحزاب).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فاعلموا أيها المؤمنون أن هناك بدعاً يحييها بعض الناس في شهر شعبان، ومن ذلك:

(1) صلاة البراءة، وهي تخصيص قيام ليلة النصف من شعبان، وهي مائة ركعة.

(2) صلاة ست ركعات بنية دفع البلاء، وطول العمر، والاستغناء عن الناس.

(3) قراءة سورة (يس) والدعاء في هذه الليلة بدعاء مخصوص بقولهم:(اللهم يا ذا المن ولا يُمنُّ عليه يا ذا الجلال والإكرام..).

(4) اعتقادهم أن ليلة النصف من شعبان هي ليلة القدر، وكل ذلك باطل لا أصل له، فليلة القدر باتفاق أهل العلم في رمضان لأنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن، وهذا صريح الدلالة في كتاب الله، قال تعالى:[ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ](القدر)، وقال تعالى:[شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن](البقرة).

والذي أوقع بعض الناس في هذه البدع أحاديث ضعيفة أو موضوعة لا يعتمد عليها، وقد سئل سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله عن حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان وهل لها صلاة خاصة؟ فأجاب بقوله:(ليلة النصف من شعبان ليس فيها حديث صحيح، كل الأحاديث الواردة فيها موضوعة وضعيفة لا أصل لها، وهي ليلة ليس لها خصوصية، لا قراءة ولا صلاة خاصة ولا جماعة، وما قاله بعض العلماء أن لها خصوصية فهو قول ضعيف، فلا يجوز أن تخص بشيء، هذا هو الصواب وبالله التوفيق)(انتهى كلامه رحمه الله).

عباد الله:  

اعلموا رحمكم الله أن الخير كل الخير في اتباع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن حاد عن طريقه فعمله مردود عليه، قال صلى الله عليه وسلم:(من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وفي رواية:(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)(رواه مسلم).

وقال تعالى:[ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ](آل عمران).

فاحرصوا بارك الله فيكم على اتباع هد رسول الله صلى الله عليه وسلم في سائر أحوالكم، وسيروا على نهجه لتصلوا إلى مرضات ربكم، وتحشروا في زمرة نبيكم صلى الله عليه وسلم.

اللهم أوردنا حوضه، واحشرنا في زمرته، وثبتنا على هديه حتى نلقاك يا ربنا.

هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً](الأحزاب:٥٦).                                               

                                                                                                     الجمعة: 11/8/1428هـ                                                                                     

المشاهدات 1521 | التعليقات 0