شر غائب ينتظر.

عاصم بن محمد الغامدي
1438/04/08 - 2017/01/06 04:57AM
[align=justify]الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمدُ للهِ الذي فَصَمَ عُرَى الجَبَابِرَةِ وَفَكَّ، وَقَصَمَ أَعْنَاقَ القَيَاصِرَةِ وَبَكَّ، وَرَفَعَ بِاليَقِينِ مَا اعْتَرَضَ فِي القَلْبِ وَحَكَّ، وَتَجَلَّى بِهَيْبَتِهِ لِلْجَبَلِ فَسَاخَ وَانْدَكَّ، ابْتَلَى العِبَادَ لَا لِيَكُونَ مَا لَمْ يُكْتَبْ فِي الصَّكِّ، {إلاَّ لِنعلَمَ مَن يُؤمِنُ باِلآخِرةِ مِمَّن هُو مِنْها فِي شَكٍّ}، وَأصلي وأسلمُ على النبي الأمي الذي بعثه الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلِّه، وأرسله بين يدي الساعةِ بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنهِ وسِراجًا مُنيرًا، وعلى آلهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تسليمًا كثيرًا، أما بعدُ عِبادَ اللهِ:
فأوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ تعالى في السِرِّ وَالعَلَنِ.
السعيدُ منْ وُعِظَ بِحَالِ أَبِيهِ آدَمَ فَتَابَ وَاسْتَغْفَرَ، وَالشَّقِيُّ مَنْ دَعَاهُ إِبْلِيسُ فَأَصَرَّ وَاسْتَكْبَرَ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
عِبَادَ اللهِ:
لا تزالُ الفتنُ تحيطُ بالمسلمِ، وتؤثرُ على المجتمعِ، حتى يَنْسَلِخَ البَعْضُ مِنْ دِينِهِ، أوْ يَضْعُفَ عِنَدَهُ دَاعِي المراقبةِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، ولذا حذَّرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الفِتَنِ فَقَالَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا». [رواه مسلم].
وإن أَكْبرَ فتنةٍ منذُ خَلَقَ اللهُ تَعالى آدمَ عليهِ السلامُ إلى قيامِ الساعةِ، هي فتنةُ المسيحِ الدجَّالِ، قَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ خَلْقٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ». [رواه مسلم].
ولهذَا أكْثَرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التَّنْبِيهِ عَلَى خَطَرِهِ، حتى جَاء إليه أصحابه رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ مَرَّةً، فقالوا: يَا رَسُولَ اللهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً، فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ، حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، أي: فِي النَّخْلِ القَرِيبِ مِنْهُمْ، فَقَالَ: «غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ، إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ، فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ». [رواه مسلم].
وكان السلفُ رحمهم الله يوصونَ بالتحذيرِ منه، وبثِّ صفتِه بينَ الناس لمعرفةِ فتنتِه واتقائِها.
فَمَنْ هُوَ المَسِيحُ الدَّجَّالُ، وَمَا هِي فتنتُه، ومتى سوفَ يخرجُ؟
المسيحُ الدَّجالُ من بني آدمَ، وله صفاتٌ كثيرةٌ أخبرَ عنها النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليعرفه الناسُ، فهوَ شابٌّ أحمرُ قصيرٌ، فيه انحناءٌ، عريضُ النحرِ، شعرُه كَثِيرٌ مُجَعَّدٌ مُفَلْفَلٌ منْحَسِرٌ عن جبهتِه، وبيْن ساقيْه بُعدٌ، وعينُه اليُمنى مطموسةٌ، كأنَّها عِنبةٌ طافيةٌ، أمَّا عينُه التي يرى بها فخضراءُ كالزجاجةِ، وعليها ظُفْرَةٌ غَلِيظَةٌ، فكلتا عينيه معيبة.
وهو عقيمٌ ليس له ولدٌ، مكتوبٌ بين عينيهِ "كافر" يقرؤها كلُّ مؤمنٍ حتى لو كان أُمِّيًّا.
أما فتنتُه فهي أعظمُ فتنة، ولشدَّةِ خَطَرِهَا حَذَّرَ مِنْها كلُّ الأنبياءِ عليهمُ السَّلامُ، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأَعْوَرَ الكَذَّابَ، أَلاَ إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ». [رواه البخاري].
وإذا خرَج ادَّعى الربوبيةَ، ويسوقُ اللهُ معَه بعضَ الخوارقِ التي يُلبِّس على الناسِ بِها، قال صلى الله عليه وسلم عنه: «يَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ، فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ،-أي: بهائمُهم- أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ، -أي: أنها تشْبَعُ وتَمْتَلِئُ بطُونُها-، ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ، فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ، فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ، فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا، فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ، يَضْحَكُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ، بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ -والمَهْرُودَتَان من أنواع اللباس- وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ، فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ، فَيَقْتُلُهُ، ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللهُ مِنْهُ، فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ». [رواه مسلم].
وقال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ مَعَ الدَّجَّالِ إِذَا خَرَجَ مَاءً وَنَارًا، فَأَمَّا الَّذِي يَرَى النَّاسُ أَنَّهَا النَّارُ فَمَاءٌ بَارِدٌ، وَأَمَّا الَّذِي يَرَى النَّاسُ أَنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ فَنَارٌ تُحْرِقُ، فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ فَلْيَقَعْ فِي الَّذِي يَرَى أَنَّهَا نَارٌ، فَإِنَّهُ عَذْبٌ بَارِدٌ». [رواه البخاري].
وقال عليه الصلاة والسلام: "وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يَقُولَ لِأَعْرَابِيٍّ: أَرَأَيْتَ إِنْ بَعَثْتُ لَكَ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، أَتَشْهَدُ أَنِّي رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَتَمَثَّلُ لَهُ شَيْطَانَانِ فِي صُورَةِ أَبِيهِ، وَأُمِّهِ، فَيَقُولَانِ: يَا بُنَيَّ، اتَّبِعْهُ، فَإِنَّهُ رَبُّكَ". [رواه ابن ماجه وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير].
هذا أبرزُ ما يسوقه الله معه، وقد أكثرَ بعضُ الناس في خَوارِقِه، حتى ذكرَ أمورًا لم تثبت، أو نفاها النبي صلى الله عليه وسلم، عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: مَا سَأَلَ أَحَدٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدَّجَّالِ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْتُ، قَالَ: «وَمَا يُنْصِبُكَ مِنْهُ؟ إِنَّهُ لَا يَضُرُّكَ» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ مَعَهُ الطَّعَامَ وَالْأَنْهَارَ، قَالَ: «هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ ذَلِكَ». [رواه البخاري ومسلم].
أمَّا وقتُ خُروجِه فقد قال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ شِدَادٍ، يُصِيبُ النَّاسَ فِيهَا جُوعٌ شَدِيدٌ فَلَا تَبْقَى ذَاتُ ظِلْفٍ إِلَّا هَلَكَتْ، إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ». [رواه ابن ماجه وصححه الألباني في الجامع الصغير].
ولا يكون خروجه إلا إذا ذهبَ ماء عَيْنِ زُغَرَ، حتى لم يزرع به أهلُها، وهي بلدة في الشام، وذهب ماء بحيرةِ طَبَرِيَّة، ولم يُثمر نَخْلُ بَيْسَانَ، وهي موضع في فلسطين.
وخروجه كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم سَوْفَ يَكُونُ مِنْ أَرْضٍ بِالمَشْرِقِ يُقَالُ لَهَا: خُرَاسَانُ، يَتْبَعُهُ أَقْوَامٌ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ. [رواه الترمذي وصححه الألباني].
وعن أمِّ المؤمنينَ حفصةَ رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدجال: «إِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ غَضْبَةٍ يَغْضَبُهَا». [رواه مسلم].
وفهِمَ بعضُ العلماءِ من مجموعِ الأحاديثِ أنهُ سيعيشُ بينَ الناسِ فترةً قبلَ خُروجِه، فَإذَا خَرَجَ تَبِعَهُ «مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ، سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمُ الطَّيَالِسَةُ». [رواه مسلم].
فإذا خرجَ فهوَ يجوب الأرضَ بسرعة كبيرة، كالغيثِ استدبرته الريحُ، ولا يبقى موضع إلا دخله، ما عدا أربعةِ مواضعٍ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ، إِلَّا مَكَّةَ، وَالمَدِينَةَ، لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ، إِلَّا عَلَيْهِ المَلاَئِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا، ثُمَّ تَرْجُفُ المَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلاَثَ رَجَفَاتٍ، فَيُخْرِجُ اللَّهُ كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ». [رواه البخاري ومسلم]. وفي حديثٍ آخرَ رواهُ الإمام أحمدُ بإسنادٍ صحيحٍ، أضاف عليه الصلاة والسلام الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى، وَالطُّورَ.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يبقى في الأرض أربعين يومًا، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة، وسائر أيامه كسائر أيامنا، وأن صلاة يوم واحدٍ لا تكفي من أدركه في اليوم الذي كسنة بل يقدر لها قدرها.
عباد الله:
من طرقِ توقِّي هذهِ الفتنةِ العظيمةِ، التمسكُ بالإسلامِ، ومعرفةُ أسماءِ الله تعالى وصفاتِه، فالدجالُ بشرٌ أعورُ يأكلُ ويشربُ، وربنا تبارك وتعالى منزَّهٌ عن ذلكَ، ولن يرى أحدٌ ربه في الدنيا والدجالُ يراه الناس عند خروجه مؤمنُهم وكافرُهم.
ومن طرق الوقاية الاستعاذةُ منه، فقد كَانَ النبي عليه الصلاة والسلام يَدْعُو فِي الصَّلاَةِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا، وَفِتْنَةِ المَمَاتِ. [رواه البخاري ومسلم].
ومن سُبُلِ الوِقَايةِ، حِفْظُ أوائلِ سورةِ الكهفِ وتلاوتُها عليهِ، والفرارُ منه، والابتعادُ عنه، وسكنَى مكةَ والمدينةَ.
جعلنا الله ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ووقانا الفتنَ ما ظهرَ مِنْهَا وما بَطَنْ.
الخطبة الثانية:
الحمدلله وحده، نصر عبدَه، وأعزَّ جندَه، وهزمَ الأحزابَ وحدَه، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين أما بعد عباد الله:
فإنَّ مما يساعدُ على فهمِ دورِ الدجالِ وحقيقتِه، تأملُ حالِ الدجَّالينَ قبلَه، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، يَأْتُونَكُمْ مِنَ الْأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ، وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ، لَا يُضِلُّونَكُمْ، وَلَا يَفْتِنُونَكُمْ». [رواه مسلم].
ومن تأملَ الواقعَ، رأي في المجتمعاتِ ووسائلِ الإعلامِ المختلفةِ كثيرًا من الدجَّالين، الذين يَلْبِسَون الحقَّ بالباطلِ، ويدسُّون السُمَّ في العسل، ويفسدون في الأرضِ ولا يصلحون، فمنهُم من ينكرُ حديثَ المصطفى صلَّى الله عليهِ وسلَّم، جُمْلَةً وَتَفْصِيلاً، ومنهم من يقولُ أنَّ لِنُصُوصِ الشريعة تفسيرًا عصريًّا، وأنَّ لَهَا ظاهرًا وباطنًا، وأنَّ ألفاظَهُمَا قديمةٌ تصلحُ للزمانِ الذي نَزَلَتْ فِيهِ، ولا تَصْلُحُ لما بَعْدَهُ، ويَعْجَبَ العاقلُ حِينَ يَرَى لهُمْ أتباعًا، مَعَ أنَّ بِضاعتهم الكلامُ، وبعضُ حيلِ وَسَائلِ الإعلامِ، فكَيْفَ بِأَتْباعِ الدجَّالِ الأكبرِ، الذي مَعَهُ خوارقُ ليستْ معَ هؤلاءِ.
عن حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ رضي الله عنه قال: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ»، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: «قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي، وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ»، فَقُلْتُ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: «نَعَمْ، قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ»، فَقُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ». [رواه البخاري ومسلم].
فكونوا يا عباد الله من الذينَ يستمعونَ القولَ فيتَّبِعونَ أحْسنَه، واتقوا الله -رحمكم الله-، وقوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة؛ ثم صلُّوا وسلِّموا على خيرِ البرايا، فقد أمركم الله تعالى بذلك فقال عز من قائل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
فاللهم صل وسلم على عبدك ونبيك محمد، وارض اللهم عن أصحابه الأربعة، أصحاب السنة المتبعة، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الآل والصحابة أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.
[/align]
المشاهدات 1078 | التعليقات 0