شر غائب ينتظر

مبارك العشوان
1436/11/20 - 2015/09/04 03:18AM
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى أيها الناس حق تقاته ول تموتن إلا وأنتم مسلمون.
عباد الله: روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه قال اطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ فَقَالَ مَا تَذَاكَرُونَ قَالُوا نَذْكُرُ السَّاعَةَ قَالَ : ( إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ فَذَكَرَ الدُّخَانَ وَالدَّجَّالَ وَالدَّابَّةَ وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ ) .
عباد الله: فتنة الدجال وخروجه، من أعظم الفتن منذ خلق الله آدم إلى قيام الساعة، وذلك لما أعطاه الله من الخوارق العظيمة التي تبهر العقول وتُحير الألباب؛ فقد روى حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ مَعَهُ نَهْرَانِ يَجْرِيَانِ، أَحَدُهُمَا رَأْيَ الْعَيْنِ مَاءٌ أَبْيَضُ، وَالْآخَرُ رَأْيَ الْعَيْنِ نَارٌ تَأَجَّجُ، فَإِمَّا أَدْرَكَنَّ أَحَدٌ فَلْيَأْتِ النَّهْرَ الَّذِي يَرَاهُ نَارًا وَلْيُغَمِّضْ ثُمَّ لْيُطَأْطِئْ رَأْسَهُ فَيَشْرَبَ مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ، وَإِنَّ الدَّجَّالَ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ ) رواه مسلم
ومن خبرِ الدجال وفتنته: ما روى الإمام مسلم من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: ( ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا فَقَالَ مَا شَأْنُكُمْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَقَالَ: غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ، عَيْنُهُ طَافِئَةٌ كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا، يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا لَبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ لَا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ، فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذرًا وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا أَخْرِجِي كُنُوزَكِ فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ ... ) الحديث
ومن خبره ما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما حديثا طويلا عن الدجال فكان فيما حدثنا قال: ( يَأْتِي الدَّجَّالُ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ فَيَنْزِلُ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي تَلِي الْمَدِينَةَ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ وَهُوَ خَيْرُ النَّاسِ أَوْ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَهُ فَيَقُولُ الدَّجَّالُ أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ هَلْ تَشُكُّونَ فِي الْأَمْرِ فَيَقُولُونَ لَا فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ فَيَقُولُ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ فِيكَ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْيَوْمَ فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَلَا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ..) رواه البخاري.
قال ابن العربي رحمه الله: الذي يظهر على يد الدجال من الآيات من إنزال المطر والخصب على من يصدقه، والجدب على من يكذبه، واتباع كنوز الأرض له، وما معه من جنة ونار كل ذلك محنة من الله واختبار ليهلك المرتاب وينجو المتيقن وذلك كله أمر مخوف ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( وَاللهِ مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ أَمْرٌ أَعْظَمُ مِنَ الدَّجَّالِ ) رواه الإمام أحمد وقال شعيب الأرنؤوط : حديث صحيح
فاللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآي والذكر الحكيم، وأقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله... أما بعد: فإنه ما من نبي إلا أنذر أمته الأعور الدجال، وقد حذر منه المصطفى صلى الله عليه وسلم أشد تحذير، وبين كثيرا من صفاته وأنه قصير، أفحج، جعد، أعور العين اليسرى، أجلى الجبهة، كل ذلك لتكون الأمة منه على حذر، فإنه خارج في هذه الأمة لا محالة لأنها آخر الأمم ونبيها آخر الأنبياء. وكان من تحذيرِهِ عليه الصلاة والسلام لأمته ونُصحِهِ أن أرشدهم إلى ما يعصمُهم من فتنة الدجال؛ وأول ذلك: التمسك بالإسلام، والتسلح بسلاح الإيمان، فإن من حفظ الله حفظه الله، ومن اتقاه وقاه، ومن توكل عليه كفاه، والله تعالى يدافع عن الذين آمنوا، وقد تقدم في الحديث أنه مكتوب بين عينيه ( كافر ) يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب أما غير المؤمن فلا يقرؤه ولو كان من أفصحِ الناس لسانا وأعلمِهم بالقراءة والكتابة.
ثانيا: التعوذ بالله من فتنة الدجال، وخاصة في الصلاة؛ فقد صح في الحديث: ( إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ أَرْبَعٍ يَقُولُ: اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ) رواه مسلم.
ثالثا: حفظ عشرِ آيات من أول سورة الكهف لقوله صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْف عُصِمَ مِنْ الدَّجَّالِ ) رواه مسلم. وفي رواية: ( مِن آخرِ سورة الكهف ) فالذي ينبغي لكل مسلم أن يحرصَ على قراءة هذه السورة وحفظها وأن يعلمَها أولاده وأهل بيته. كما ينبغي أن يُذكرهم بأحاديث الدجال وفتنته، وصفاته، وأن يوجههم إلى أسباب العصمة من هذه الفتنة.
رابعا : الفرار من الدجال، والابتعاد منه، لما معه من الشبهات والخوارق العظيمة التي يجريها الله تعالى على يديه فتنة للناس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ، فَوَ اللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ، مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ )، أَوْ ( لِمَا يَبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ ) أخرجه أبو داود وقال الألباني : صحيح
ومن استطاع سكنى مكة والمدينة فإن الدجال لا يدخلهما.
أما هلاكُ الدجال فإنه إذا ظهر وكثر أتباعه وعمت فتنته عند ذلك ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام فيقتل الدجال، وتنتهي هذه الفتنة العظيمة.
فاللهم اعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا ونعوذ بك اللهم أن نُغتال من تحتنا.
اللهم أعز الإسلام ... اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا...
عباد الله: صلوا وسلموا ....
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ...اللهم أعز الإسلام ...
عباد الله اذكروا الله ...
المشاهدات 1806 | التعليقات 1

جزيت خيرا ونفع الله بك وزادك الله من فضله شيخ مبارك.