شرح الوصايا الخمس

زراك زراك
1433/05/03 - 2012/03/26 06:11AM
موضوع الخطبة: شرح الوصايا الخمس
الجمعة 23مارس , 2012 م الموافق ‏30/‏ربيع الثاني/‏1433هـ
محمد زراك بالمسجد الكبير بأولاد برحيل المغرب
الحمد لله الذي من علينا بسنة خير البرايا، فجعلها للأمة أكرم النعم وأجل الهدايا، نحمده سبحانه ونشكره ونسأله الثبات على السنة والسلامة من المحن والرزايا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عالم السر والخفايا، والمطلع على مكنون الضمائر والنوايا، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله كريم الخصال وشريف السجايا، جاهد في سبيل الله ضد الكفر والفتن والبلايا، عليه من الله أفضل الصلوات وأزكى التسليمات وأشرف التحايا، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم تكشف فيه النفوس عما فيها من الأسرار والخبايا.

أما بعد فيأيها الإخوة المؤمنون! اهتم ديننا الحنيف بالجانب التوجيهي، وبالوصايا خاصة، لإدراكه أهمية الوصية وأثرها في التربية والسلوك، فجاءت وصايا رسول الله r شاملة لجميع جوانب الحياة، وعلى الإنسان أن يكون حريصا على هذه الوصايا، وأن يعمل بها، وأن يجعلها نبراسا يهتدي به، لأنها توجيه سيد المرسلين وحبيب رب العالمين، وقد اخترت لكم في خطبة اليوم وصية من تلكم الوصايا النبوية، والله أسأل أن ننتفع بها جميعا، وأن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، آمين يارب العالمين.
روى الترمذي في سننه عن أبي هريرة t أن رسول الله قال يوما لأصحابه: ((من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يُعَلِّمُ من يعملُ بهن؟)) فقال أبو هريرة فقلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعد خمسًا وقال: ((اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنًا، وأحبَّ للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب)).
أيها الإخوة الكرام: لقد جمع النبي r في هذا الحديث وصايا عظيمة جليلة، من سار عليها نجا، ومن أهملها هلك والعياذ بالله.
الوصية الأولى! اتق المحارم تكن اعبد الناس: والمحارم هي جمع محرم وهو كل ما حرمه الله تعالى من الصغائر والكبائر ، كالغيبة والنميمة النظر والتبرج الحرام والزنا والربا والرشوة والظلم والسرقة إلى غير ذلك من المحرمات، فهو لفظ عام تدخل فيه المعاصي بجميع أنواعها

فعن ثوبان
tعن ـ النبى r قال: (لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمال أمثال جبال تهامة بيضاء ، فيجعلها الله هباء منثورا . قال ثوبان يا رسول الله صفهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم قال : ( أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما يأخذون ولكنهم قوم اذا خلو بمحارم الله انتهكوها).
لذلك قال عليه الصلاة والسلام: اتق المحارم تكن أعبد الناس... مبينا ان العبادة الحقيقية، ليست هي فقط أن تحضر الصلاة في المسجد، أو أن تقيم صلاة الضحى او ان تصلي صلاة الليل .. انما زد على ذلك أن تبتعد عن المحرمات ..ان يكون لله تعالى في قلبك من التعظيم والتبجيل و الخوف والخشية ما يمنعك من أن تقبل على المحرمات...أين اثر الصلاة إذا كانت هذه الصلاة لا تمنعك من إتيان الفواحش (ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)
لما ذكر الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى قصة يوسف عليه السلام ..وذكر كيف تعرضت له امراة العزيز وهي امراة قد بلغت من الحسن الغاية الكبرى ..وقد غلقت الأبواب وهيأت الفراش وتزينت وهو شاب حسن الوجه قد تشتاق النفوس إلى مثله ..ومع ذلك يقول لها معاذ الله ..انه ربي أحسن مثواي ....ويسجن في السجن اكثر من سبع سنين ...الخ
لما ذكر ابن الجوزي هذه القصة قال رحمه الله تعالى ..هنا تكون العبودية لله ..يعني باتقاء المحرم ..لما تُعرض الشهوة أمامك ثم تستطيع ان تمسك عنها ..شهوة مال .. شهوة نساء .. او ما شابه ذلك..قال هنا تظهر العبودية لله..لا في صلاة ركعتين..اذا أردت أن تزن إيمانك انظر اليه عندما تتصارع الشهوة في قلبك مع غيرها هنا تظهر العبودية لله .. اتق المحارم تكن اعبد الناس.
الوصية الثانية: وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ..يعني اقنع بما اعطاك الله تعالى .. لا تنظروا الى من هو فوقكم في امر الدنيا ..وانظروا الى من هو دونكم ..فانه أحرى ألا تزدروا نعمة الله عليكم" .. هكذا قال عليه الصلاة والسلام ،
اعلم أخي المؤمن انك مهما افتقرت فان هناك من هو افقر منك ..انك مهما فشلت في تحقيق ما تتمناه فان هناك من أفشل منك ..مهما دنا نسبك فان هناك من هو أدنى منك .. مهما اشتد بك المرض فان هناك من اشد مرضا منك ..اعلم انك بمقدار رضاك بما قسم الله تعالى لك تكن أغنى الناس .. يقول النبي عليه الصلاة والسلام فيما روى الشيخان "ليس الغنى بكثرة العَرَض ,ولكن الغنى غنى النفس " . كم من أناس ربما ركب أرفه السيارات وسكن أوسع البيوت ولبس أحسن الثياب وابهاها وربما ملك اموالا كثيرة ..ومع ذلك لايزال فقير النفس .. كلما راى من هو احسن منه سيارة بدأ يتحسر على حاله ..يقول آآه يا ليت عندي مثله ..واذا رأى من هو أحسن منه مسكنا بدأ يتقطع في قلبه ,فلا يمكن ان يسعد بما آتاه الله تعالى ..لانه يشعر دائما انه أقل وأحقر وأدنى من غيره لذلك
أيها الاحبة الكرام ..رب العالمين يقول جل وعلا (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ) قد يكون الله تعالى اعطاك علما لكنه انقصك في المال ..وربما زاد ذاك الشخص في المال لكنه جعله أميا ..ربما اعطى الله سبحانه الإنسان قوة في جسده لكنه جعله فقيرا.. ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا) وإن من الناس من لا يصلح إيمانه إلا بالفقر ولو أغناه لأفسده ذلك ، وإن من الناس من لا يصلح إيمانه إلا بالغنى ولو أفقره الله لأفسده ذلك
وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ..
الوصية الثالثة..احسن الى جارك تكن مؤمنا ..
وحق الجار معروف لدى الصغير منكم والكبير، ونحن لا ينقصنا الا التطبيق، واعلموا رحمكم الله ان الإحسان إلى الجار من أسباب دخول الجنة، وأن ايذاء الجار من اسباب دخول النار والعياذ بالله
سئل سيدنا رسول اللهr عن امرأة كثيرة الصيام والصدقة غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها فقال (هى فى النار). فقيل : أن فلانة،فذكروا قلة صلاتها وصيامها وصدقتها ولا تؤذي جيرانها بلسانها فقال : (هى في الجنة) قال الامام الغزالي رحمه الله (وجملة حق الجار ان يبدأه بالسلام ولا يطيل معه الكلام ويعوده في المرض ويعزيه في المصيبه ويقوم عنه في العزاء ويهنئه في الفرح ويصفح عن زلاته ولا يتطلع الى عوراته ولا يضايقه في وضع الجذع على جداره ولا يتبعه النظر فيما يحمله الى داره الى غير ذلك من الحقوق والواجبات الكثيرة ) . " احسن الى جارك تكن مؤمنا " حتى تحقق الايمان فعلا ..ويكون لك عند الله تعالى منزلة المؤمنين ,طبق مثل هذا الاحسان رغبة فيما عند الله تعالى وطمعا في ثوابه، لا طمعا فيما ينالك من نفع من جارك .
أسأل الله سبحانه وتعالى ان يهدينا واياكم لاحسن الاقوال والأعمال والأخلاق .. أقول ما تسمعون واستغفر الله الجليل العظيم....


أما بعد ايها الاحبة الكرام .. ثم قال عليه الصلاة والسلام في الوصية الرابعة :"
وأحبّ للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما" مادمت تحب ان يكون أولادك صالحين، أحب ذلك للناس .. ما دمت تحب أن يكون لك مال، أحب ذلك للناس... ما دمت تحب أن تتيسر أمورك بعيدا عن المشاكل أحب ذلك للناس، مادمت تحب أن تجد وظيفة محترمة أحب ذلك للناس.. مادمت تحب دخول الجنة أحب ذلك للناس..احب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما .
ثم قال عليه الصلاة والسلام في الوصية الأخيرة :" ولا تكثر الضحك فان كثرة الضحك تميت القلب " ,ليست القضية أيها الإخوة الكرام في الضحك وفي ذمه فان الضحك من الله عز وجل ..}وأنه هو أضحك وأبكى{ لكن القضية في كثرته .. وأن يصبح الانسان ربما أكثر وقته، يبحث عما يضحكه أكثر مما يبحث عما يرقق قلبه ..,قيل لسعيد بن المسيب ,اننا نجالس أقواما يخوفوننا بدل ان يفرحونا..يخوفوننا من الله ومن الدار الآخرة ويذكرون الجنة والنار.. فقال له سعيد بن المسيب : لأن تجلس مع من يخوفك لتدرك الأمن .. خير من ان تجلس مع من يؤمنك ثم تدرك الخوف. اجلس مع من يقول لك اذكر الله وخف الدار الآخرة ويرق قلبك بالجلوس معه، احسنمن أن تجلس مع من يملأ فمك ضحكا ..ثم اذا جئت بالدار الآخرة فاذا قلبك اقسى من الجبال الراسيات
قال ولا تكثر الضحك ليست القضية في الضحك..ضحك النبي عليه الصلاة والسلام وضحك اصحابه.. يقول جرير ما رآني رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الا تبسم في وجهي .. ليست القضية في الضحك وإنما القضية ، أن ينطلق الانسان بكثرة الضحك كلما نظر الى شاشة التلفاز يبحث عما يضحكه.. ان دخل الى شبكة الانترنت يبحث عما يضحكه ..ان جلس في مجالس حاول ان يقترب من الناس الذين يضحكونه .. ان اراد ان يسافر رافق من يضحكه .. ان نظرت في هاتفه وجدت انه يحمل فيها ما يضحكه .. بينما لا يحمل ما يرقق قلبه ..لا ينظر الى ما يزيد ايمانه .. " ولا تكثر الضحك فان كثرة الضحك تميت القلب " إذا مات القلب لم يتأثر بطاعة ..ولم يخف من معصية ..ولم يخشع في صلاة ولم يحقق خضوعا وماشابه ذلك.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا .. وأكثروا من الصلاة والسلام على سيد المرسلين...
اللهم وفق أمير المؤمنين محمدا السادس لكل خير، ونسألك اللهم أن تجري الخير على يديه، اللهم متعه بالصحة والعافية، وأعنه على أداء رسالته، وتحقيق كل خير لشعبه وبلده. واحفظه في كافة أسرته الشريفة يارب العالمين،
اللهمّ اهدنا فيمن هديت......اللهمّ أعطنا ولا تحرمنا...اللهمّ اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمَّن سواك ، اللهمّ لا تؤمنَّا مكرك ، ولا تهتِك عنَّا سترَك ، ولا تنسنا ذكرك ، يا رب العالمين ، اللهمّ إنَّا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الذلّ إلا لك ، ومن الفقر إلا إليك آمين يارب العالمين
محمد زراك إمام وخطيب المسجد الكبير بأولاد برحيل
المشاهدات 43455 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا