شذا الريحان في عدل النبي العدنان

اللؤلؤ والمرجان في عدل النبي العدنان
للشيخ أبوزيد السيد عبد السلام رزق

الْحَمْدُ للَّهِ الْوَاحِدِ الْمَاجِدِ الْعَظِيمِ ، الْقَدِيرِ الْبَصِيرِ النَّصِيرِ الْحَلِيمِ ، الْقَوِيِّ الْعَلِيِّ الْغَنِيِّ الْحَكِيمِ ، قَضَى فَأَسْقَمَ الصَّحِيحَ وَعَافَى السَّقِيمَ قَسَمَ عِبَادَهُ قِسْمَيْنِ : طَائِعٌ وَأَثِيمٌ ، وَجَعَلَ مَآلَهُمْ إِلَى دَارَيْنِ : دَارِ النَّعِيمِ وَدَارِ الْجَحِيمِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ عَصَمَهُ مِنَ الْخَطَايَا كَأَنَّهُ فِي حَريِمٍ ، ومِنْهُمْ مَنْ قَضَى لَهُ أَنْ يَبْقَى عَلَى الذُّنُوبِ وَيُقِيمَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ وَالْعَمَلُ بِالْخَوَاتِيمِ ، خَرَجَ مُوسَى رَاعِيًا فعاد وَهُوَ الْكَلِيمُ ، وَذَهَبَ ذُو النُّونِ مُغَاضِبًا فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مليِم ، وَكَانَ مُحَمَّدٌ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَتِيمًا فَكَانَ الْكَوْنُ لِذَلِكَ الْيَتِيمِ ، وَعَصَى آدَمُ وَإِبْلِيسُ فَهَذَا مَرْحُومٌ وَهَذَا رَجِيمٌ ، فَإِذَا سَمِعْتَ بِنَيْلِ الْمَمَالِكِ أَوْ رَأَيْتَ وُقُوعَ الْمَهَالِكِ ، فَقُلْ : ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [فصلت آية 12] وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَ اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ ولا شيء مثلُه، ولا شيء يعجزُه، ولا إلهَ غيرُه ، أولٌ بلاَ ابتداء دائمٌ بلا َانتهاء لايفنى ولا يبيدُ،ولا يكونُ إلا ما يريد ، لا تبلغُه الأوهامُ ولا تدركُه الأفهامُ، ولا يشبهُ الأنامَ، حيٌّ لا يموت، قيومٌ لا ينامُ ، وأشهدُ أنَ محمداً عبدهُ ورسولهُ وصفيهُ منْ خلقهِ وحبيبهُ وخليِلُه صلىَ عليهِ صلَّى عليه بارئُ العباد، ما جرت الأقلام بالمداد، وأمطرت سحبٌ وسال وادِ وآله وصحبه ومن سلك سبيلهم ما دار نجم في فلك ثُمَ أمَا بعد :

 نعيش أيها الأحبة مع عدل النبي صلى الله عليه وسلم مع ربه ومع نسائه ومع أصحابه ومع أعدائه ، لقد عدل النبي صلوات الله تعالى عليه في الغضب والرضا ولم يظلم يوما أحدا إنه عدل من بعثه الله تعالى ليخرج العباد من ظلم الأديان إلى عدل الإسلام ومن عبادة الأوثان إلى عبادة الواحد الديان ، إنه عدل من نصر المظلومين قبل بعثته فشهد حلف الفضول في نصرة المظلومين وأخذ يثنى عليه بعد النبوة ويقول لقد شهدت في دار ابن جدعان حلف الفضول في نصرة المظلوم لو دعيت إلي مثله في الإسلام لأجبت فعن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “شهدت مع عمومتي حلف المطيبين ، فما أحب أن أنكثه، وأن لي حُمر النعم”.[[1] ]

 ، إنه عدل من أقسم أن يطبق العدل مع أبنائه إن هم فرطوا في حق الله  فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا » [[2]]، إنه عدل من قام بالعدل بين الناس جميعا فلم يظلم أحدا ولم يوالي ظالما  ولم يشهد يوما على ظلم وجور فلما خص النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ أحد أبنائه بهبة وعطية دون إخوته وأراد أن يشهد النبى علي ذلك . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا ». قَالَ نَعَمْ. فَقَالَ « أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا ». قَالَ لاَ. قَالَ « فَلاَ تُشْهِدْنِى إِذًا فَإِنِّى لاَ أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ »[[3] ].ثم أطلقها رسول الله صريحة ” اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلادِكُمْ “، إنه عدل من أخبرنا وهو الصادق الذي لا ينطق عن الهوى كما فى صحيح مسلم من حَدِيثِ زُهَيْرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِى حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا » []

 عدل النبي صلى الله عليه وسلم  في حق ربه  لقد عدل النبي في حق ربه فقام بمقام العبودية لله كما ينبغي يقوم على خدمة أهله حتى إذا جاء وقت الصلاة مضى وكأنه لا يعرفهم هو القائل صلى الله عليه وسلم «وجُعِلَتْ قرة عيني في الصلاة» [[4]] ،  ما نام النبي عن صلاة الفجر في حياته إلا ليلة واحده أمر بلالاً أن يكلأ لهم الفجر فناموا فَمَا أَيْقَظَهُمْ إِلاَّ حَرُّ الشَّمْسِ ، ما تخلف عن صلاة الجماعة إلا في مرض الموت ،تنام عينه وقلبه يقظان متعلق بربه ، يتابع الصيام في الأيام الحارة القائظه وهو على سفر  عَنْ أَبِى الدر داء رضي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ حَتَّى يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ النَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنِ رَوَاحَةَ ” [[5]]، كان يواصل الصيام اليومين والثلاثة وينهى عن الوصال، وبيَّن أنه – صلى الله عليه وسلم – ليس كأمته؛ فإنه يبيت عند ربه يطعمه ويسقيه ” [[6]] . والمعلوم أن المحب يُشغل بحبيبه عن الطعام والشراب، كما قال بعضهم:

لَهَا أَحَادِيثُ مِنْ ذِكْرَاكَ تَشْغَلُهَا ♦♦♦ عَنِ  الطَّعَامِ  وَتُلْهِيهَا  عَنِ  الزَّادِ

ويختلي صلى الله عليه وسلم بربه في ظلمات الليالي مناجيا ربه  باكيا من خشيته منتصبا قائما حتى تتورم قدماه  ثبت في صحيح بن حبان عن عطاء قال دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة قال بن عمير أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فسكتت ثم قالت لما كان ليلة من الليالي قال يا عائشة ذر يني أتعبد الليلة لربي قلت والله إني لأحب قربك وأحب ما سرك قالت فقام فتطهر ثم قام يصلى قالت فلم يزل يبكي حتى بل حجره قالت ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل لحيته قالت ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض فجاء بلال يؤذنه بالصلاة فلما رآه يبكي قال يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر قال أفلا أكون عبدا شكورا لقد نزلت عليَ الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها ” إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الألْبَابِ”[ [7] ] [آل عمران : 190]. و كان ورده من الصلاة كل يوم وليلة أكثر من أربعين ركعة منها الفرائض سبع عشر ركعة [8].

وجاهد – صلى الله عليه وسلم – في جميع ميادين الجهاد: جهاد النفس وله أربع مراتب: جهادها على تعلم أمور الدين، والعمل به، والدعوة إليه على بصيرة، والصبر على مشا ق الدعوة، وجهاد الشيطان وله مرتبتان: جهاده على دفع ما يلقي من الشبهات، ودفع ما يلقي من الشهوات، وجهاد الكفار وله أربع مراتب: بالقلب، واللسان، والمال، واليد. وجهاد أصحاب الظلم وله ثلاث مراتب: باليد، ثم باللسان، ثم بالقلب. فهذه ثلاث عشرة مرتبة من الجهاد، وأكمل الناس فيها محمد – صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه كمَّل مراتب الجهاد كلها، فكانت ساعاته موقوفة على الجهاد: بقلبه، ولسانه، ويده، وماله؛ ولهذا كان أرفع العالمين ذكراً وأعظمهم عند الله قدرا [[9]] ، ًقام مجاهدا في سبيل الله وأوذى في الله وأبتلى وتحمل مالا يتحمله بشر ولسان حاله يارب إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالى ، نشر الدين في الجزيرة العربية وأخذ يقاتل في سبيل الله من كفر به حتى لا يعبد أحد في الأرض غير الله تعالى صلى عليه ربنا وسلم ما زينت النجوم وجه السماء .

 عدل النبي صلى الله عليه وسلم  مع الناس  أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالعدل بين الناس كما قال جل جلاله: ﴿ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ﴾ [الشورى: 15]، فبالعدل تصلح أمور الناس وتستقيم أمورهم وتطيب نفوسهم وتزول ضغائنهم صحح الألبانى في السلسلة الصحيحة أن النبى عليه الصلاة والسلام وقف في بدر بين الصفوف يعدِلها بقضيب في يده، فمرّ بِسَوَادِ بنِ غَزِية حليف بني النجار وهو خارج من الصف، فضربه بالقضيب في بطنه وقالَ: «استقم يا سَوَادْ»، فقال أوجعتنى يا رسول الله وقد بُعثتَ بالحق والعدل فَأَقِدْنى من نفسك. فكشف الرسول عليه الصلاة والسلام عن بطنه، وقال: «استقد يا سواد»، فاعتنقه سواد وقبَّل بطنه. فقال عليه الصلاة والسلام: «ما حملك على ذلك؟» فقال يا رسول الله قد حضر ما ترى من الجهاد  فأردتُ أن يكون أخر العهد أن يمسّ جِلْدِي جِلدَك، فدعا له بخير ” [[10]] ! و في عام الفتح سنة ثمان من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، تعلوه السكينة، عزيز منتصراً، وهو يردد قول الباري جل شأنه: { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } [ الإسراء : 81 ] دخل صلوات الله وسلامه عليه المسجد الحرام، ثم أخذ مفتاح الكعبة من عثمان بن طلحة ، ثم جلس في المسجد، فقام إليه ابن عمه على بن أبى طالب رضى الله عنه، ومفتاح الكعبة في يده فقال: يا رسول الله! اجمع لنا الحجابة مع السقاية،ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ظالما حتى ينتزع مفتاح الكعبة من قوم توارثوه ليعطيه لأهل بيته مع أن عثمان بن طلحة منع النبى من الصلاة بالكعبة لما كان مهاجرا إلى المدينة فقال النبي لعثمان لعلك أن ترى هذا المفتاح في يدي أضعه حيث شئت  فقال صلى الله عليه وسلم: أين عثمان بن طلحة؟ فدعي له، فقال له صلى الله عليه وسلم: هاك مفتاحك يا عثمان ! هذا مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم برّ ووفاء»[ [11]]  فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو قول البارى جل شأنه:” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (النساء : أية 58) فنزلت هذه الآية في شأن عثمان بن طلحة رضي الله تعالى عنه.

ولما غلا السعر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وطلب الناس منه أن يحدد الأسعار خاف أن يقع ظلم على التجار فيبخسهم أموالهم  فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ سَعَّرْتَ، فَقَالَ: ” إِنَّ اللهَ هُوَ الْخَالِقُ الْقَابِضُ ، الْبَاسِطُ الرَّازِقُ،الْمُسَعِّرُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللهَ وَلَا يَطْلُبُنِي أَحَدٌ بِمَظْلَمَةٍ ظَلَمْتُهَا إِيَّاهُ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ ” [[12]] .

 بل ومن روائع عدله صلى الله عليه وسلم أنه ضرب أحد الناس في غزوة حنين بسوط في يده فأعطاه النبي ثمانين نعجة بهذه الضربة  عن  عَبْد اللَّهِ بْن أَبِى بَكْرٍ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْعَرَبِ قَالَ زَحَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ وَفِى رِجْلِي نَعْلٌ كَثِيفَةٌ فَوَطِئْتُ بِهَا عَلَى رِجْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَفَحَنِي نَفْحَةً بِسَوْطٍ فِى يَدِهِ وَقَالَ « بِسْمِ اللَّهِ أَوْجَعْتَنِي » . قَالَ فَبِتُّ لِنَفْسِى لاَئِماً أَقُولُ أَوْجَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( . قَالَ فَبِتُّ بِلَيْلَةٍ كَمَا يَعْلَمُ اللَّهُ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذَا رَجُلٌ يَقُولُ أَيْنَ فُلاَنٌ قَالَ قُلْتُ هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي كَانَ مِنِّى بِالأَمْسِ – قَالَ – فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مُتَخَوِّفٌ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ( « إِنَّكَ وَطِئْتَ بِنَعْلِكَ عَلَى رِجْلِي بِالأَمْسِ فَأَوْجَعْتَنِي فَنَفَحْتُكَ نَفْحَةً بِالسَّوْطِ فَهَذِهِ ثَمَانُونَ نَعْجَةً فَخُذْهَا بِهَا » [[13]] .

وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن العدل هو أساس الملك وأن الدول إنما ينصرها الله بالعدل عَنِ ابْنِ بُرَيْدَه عَنْ أَبِيهِ قَالَ : لَمَّا قَدِمَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِى طَالِبٍ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ لَقِيَهُ النبي -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ :« أَخْبِرْنِي بِأَعْجَبِ شيء رَأَيْتَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ». قَالَ : مَرَّتِ امْرَأَةٌ عَلَى رَأْسِهَا مِكْتَلٌ فِيهِ طَعَامٌ فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ فَأَصَابَهَا فَرَمَى بِهِ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا وَهِى تُعِيدُهُ فِي مِكْتَلِهَا وَهِىَ تَقُولُ : وَيْلٌ لَكَ يَوْمَ يَضَعُ الْمَلِكُ كُرْسِيَّهُ فَيَأْخُذُ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ فَضَحِكَ النبي -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ فَقَالَ :« كَيْفَ تُقَدَّسُ أَمَّةٌ لاَ تَأْخُذُ لِضَعِيفِهَا مِنْ شَدِ يدِهَا حَقَّهُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعْتَعٍ »[ [14]] .

عدله صلى الله عليه وسلم  مع أهله ونسائه يبيت عند كل واحدة ليله مع أن الله وكل ذلك له وأستأذنهن أن يمرض في بيت عائشة فأذن له رضوان الله عليهن .

 كَانَ النَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ عَاَئِشَةَ وقدْ صَنَعَ طَعَاَمَاً لِأَصْحَاَبِهِ فَأَرْسَلَتْ أُمُ سلمه إِلَى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا فِي قَصْعَةٍ فَغَاَرَتْ أُمُنَاَ عَاَئِشَةُ وَظَنْتْ أَنَ أُمَ سلمه تُرِيِدُ أَنْ تَسْتَعْرِضْ مَهَارَتَهَاَ فِيِ طهي الْطَعَامِ فَضَرَبَتْ عَائِشَةُ الْقَصْعَةَ بِيَدِهَا فَأَلْقَتْ مَا فِيهَا فَانْفَلَقَتْ فَجَمَعَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَةِ ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ وَيَقُولُ غَارَتْ أُمُّكُمْ ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِى بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ عَاَئِشةَ وَدَفَعَ بِهاَ إِلى أم سَلَمَةَ  وَهُوَ يَقُوُلْ طَعَامٌ بِطَعَامٍ وَإِنَاءٌ بِإِنَاءٍ ” في صحيح البخارى عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ فَضَرَبَتْ التي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ فَسَقَطَتْ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ فَجَمَعَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَةِ ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ وَيَقُولُ غَارَتْ أُمُّكُمْ ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِىَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ التي هُوَ فِي بَيْتِهَا فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى التي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ ” [  ]

عدله صلى الله عليه وسلم مع أعدائه  قام النبي صلى الله عليه سلم بالعدل حتى مع من ناصبوه العداء وأرادوا حبسه وأخرجوه من بلده مكة وحاولوا قتله مرات ومرات لكنه ما انتقم لنفسه قط صلى عليه ربنا وسلم ما دار في السماء فلك وما سبح فى الملكوت ملك ، عَنْ ابْنِ أَبِي حَدْ رَدٍ  أَنَّهُ كَانَ ليهودي عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ رَسُولَ اللهِ ? فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ إنَّ لي عَلَى هَذَا أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ وَقَدْ غلبني عَلَيْهَا ، فَقَالَ : « أَعْطِهِ حَقَّهُ » . قَالَ : وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهَا . قَالَ : « أَعْطِهِ حَقَّهُ » . قَالَ : والذي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهَا ، قَدْ أَخْبَرْتُهُ أَنَّكَ تَبْعَثُنَا إلَى خَيْبَرَ ، فَأَرْجُو أَنْ يُغَنِّمنَا الله شَيْئًا فَأَرْجِعُ فَأَقْضِيَهُ ، قَالَ : « أُعْطِهِ حَقَّهُ » . قَالَ : وَكَانَ النبي? إذَا قَالَ ثَلاثًا لَمْ يُرَاجَعْ ، فَخَرَجَ بِهِ ابْنُ أَبى حَدْ رَدٍ إلَى السُّوقِ وَعَلَى رَأْسِهِ عِصَابَةٌ وَهُوَ مُتَّزِرٌ بِبُرْدَةٍ ، فَنَزَعَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِهِ فَاتَّزَرَ بِهَا ، وَنَزَعَ الْبُرْدَةَ ثُمَّ قَالَ : اشْتَرِ مِنِّى هَذِهِ الْبُرْدَةَ ، فَبَاعَهَا مِنْهُ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ ، فَمَرَّتْ عَجُوزٌ فَقَالَتْ : مَا لَكَ يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ ? فَأَخْبَرَهَا ، فَقَالَتْ : هَا دُونَكَ هَذَا الْبُرْدَ عَلَيْهَا طَرَحَتْهُ عَلَيْهِ ..” [ [15] ] .

وتأملوا هذا الإنصاف النبوي في القول، حينما أعلن النبي صلى الله عليه وسلم حكمه على كلمة قالها شاعر حال كفره، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ وَكَادَ أُمَيَّةُ  أَنْ يُسْلِمَ ” [ [16] ] . فتكلم النبي بكلمة الحق والعدل في هذه المقولة التي قالها كافر وذلك امتثالا لقول الله تعالى{ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } [ الأنعام : 152] ثم هاهو عثمان بن مظعون رضى الله عنه صاحب النبى صلى الله عليه وسلم يسمع البيت كاملاً، فيترتب النهج المحمدي نفسه بالتقويم والعدل، فيحق الحق ويقول القسط، فقال في شقه الأول: [ صدقت، ولما قال الشطر الثاني: وكل نعيم لا محالة زائل. قال: كذبت، نعيم الجنة ليس بزائل “

ووصى النبي بالمعاهدين في بلاد المسلمين من اليهود والنصارى وحذر من ظلمهم  في سنن أبي داود بسند صححه الألبانى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ” أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ” [17]  وهو القائل « أَلاَ وَمَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ رِيحَ الْجَنَّةِ وَإِنْ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ خَرِيفًا » [18]

 

الخطبة الثانية

عباد الله لقد عدل النبى صلى الله علية وسلم في جميع أموره حتى في قضاءه فمن عدل النبى صلى الله عليه وسلم في القضاء  فعن عَنْ أُمِّ سَلَمَه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ ” [19]

 عباد الله لقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن  العدل  هو ميزان الأرض وأساس الملك، والظلم والجور ليس لهما إلا معول هدمٍ وخرابٍ لكل دابة تدب على وجه الأرض ، و علمنا أن الإمام العادل سابع سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.وعلمنا أن الله لا ينصر الدولة المسلمة إن كانت ظالمه ولا يقيم لها وزنا بين الأمم ، وعلمنا أن نحسن لغير المسلمين الذين يعيشون في بلادنا علي اختلاف أديانهم مما أعطيناهم العهد والأمان وأن الإسلام هو دين الحق والعدل وبالعدل قامت السماوات والأرض ، وعلمنا رسول الله صلي الله عليه وسلم أن نتقي الله ونعدل بين أولادنا وأن لا نخص أحد الأبناء بعطية دون أخر لأن هذا من الظلم والجور وأن لا نحرم النساء والضعفاء من الميراث الذي هو حق الله لهم ، وعلمنا أن من قضى بين الناس لابد أن يعدل وتوعد من ظلم الناس وأكل حقوقهم وأستباح دمائهم  لذا قال خليفته من بعده  أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالي عنه ويل لقاضي الأرض من قاضي السماء إن لم يعدل ، وعلمنا رسول الله أن نعدل بين النساء إلا في المودة القلبية التي لا يملكها أحد ، وعلمنا أن من والى ظالما سلطه الله تعالى عليه ، وعلمنا أن نتحلل من المظالم قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله .والبغي مهما طال عدوانه فالله من عدوانه أكبر …

هذا وصلى الله وسلم علي الهادي البشير والسراج المنير

[1] ـ صحيح الأدب المفرد للألباني الجزء 1 صفحة رقم 223. 

[2] ـ صحيح البخاري الجزء 4 حديث رقم 3475.

[3] ـ صحيح مسلم الجزء 5 حديث رقم 4269

[4] ـ  النسائي 7/61، وأحمد 3/128، وانظر: صحيح النسائي 3/827.

[5] ـ صحيح البخاري الجزء 3 حديث رقم 1945 .

[6] ـ  البخاري برقم 1961 – 1964 ومسلم برقم 1102 – 1103.

[7] ـ  حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب حديث رقم 1468 .

[8] ـ  كتاب الصلاة لابن القيم ص 140.

[9] ـ  زاد المعاد 3/5، 10، 12.

[10] ـ  حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة الجزء 6 حديث رقم 2835 .

[11] ـ السيرة الحلبية الجزء 5 صفحة رقم  308 .

[12] ـ صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير الجزء 1 حديث رقم 1846 .

[13] ـ صححه الألباني في السلسلة الصحيحة في الجزء 7 حديث رقم 3043 .

[14] ـ سنن البيهقي الكبري الجزء6 حديث رقم 11294.

[15] ـ  مسند أحمد ط الرسالة الجزء 24 حديث رقم 15489،

[16] ـ  صحيح البخاري الجزء 5 حديث رقم 3841 .

[17] ـ  صححه الألباني في السلسلة الصحيحة في الجزء 1 حديث رقم 445 . 

[18] ـ  حسنه الألباني في غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام الجزء 1 حدث رقم  471 .

[19] ـ  صحيح البخاري الجزء 9 حديث رقم 6967 .

المشاهدات 1060 | التعليقات 0