شارل ديغول يحذر من اغتيال قوة الخليج !! / عادل الماجد
احمد ابوبكر
1436/07/23 - 2015/05/12 02:53AM
[align=justify]بعد سبتمبر 2001م في خليجنا الواحد يمنع عرض أفلام ومسلسلات عن الفتوحات الإسلامية , وعند الحديث عن السيرة النبوية تقفز الغزوات في المناهج.. اختفت مصطلحات العدو.. الحرب.. القتال.. المعارك.. الجهاد من كل المنابر وأدخلت في العنابر..!.
الأجواء الفكرية الخليجية تؤكد أن الحرب والقتال هو جزء من ماض انتهى, متغافلة ومتجاهلة كل النقاط الساخنة حولنا ,وكأن أعداد القتلى أرقام في أفلام هليوود.
معالجة مفاهيم القوة ما لم يكن البحث يؤكد ضرورة تمزيق هذه المفاهيم.
وعلى المستوى السياسي في كل قطر أو المؤتمرات الخليجية تصر أنها ليست منحازة لأحد ولا تنصر أحدا وأنها تقف على مسافة واحدة من الظالم والمظلوم.. لذا طالما قلنا هذا الدولة تهددنا وهذا الحزب خطر علينا, وكأننا أيتام نرتجي عطفا لا نهدد أحدا ولسنا خطرا على أحد.
هذه الأجواء المتخمة بالخوف والوجل تصنع شعبا قلقا غير مستعد للتضحية ولا يتعايش مع الظروف الاستثنائية التي تأتي فجأة وبغير استئذان أحد..!.
ليست كل الحروب مبدؤها كلام, هناك حروب كثيرة مبدؤها رصاص , تُفرض عليك في ليلة ظلماء من عدو ظالم ,عندها لا وقت لحشد الشعوب وراء جيوشها ما لم تكن مشبعة بروح القوة والتضحية ,وأن الموت في ساحات الدفاع عن الوطن ومكتسباته شرف وعزة, كل هذه المفاهيم ليست كأس عصير يشرب ولا قرص دواء يجرع.
لذلك الحضارات والدول المؤثر والقائدة لا تنفك عنها مفاهيم القوة ,الحرب.. العدو.. الجندي المجهول.. المحاربون القدماء.. وبعضها يصنع له عدوا وهميا لتجييش الشعب ضده, رغم أن بعض الحضارات والدول المتفوقة لم تكن حضارات ودول معتدية, ولكنها تعلم أن السلام بحاجة لقوة تحميه والاستعداد الدائم للردع هو الأمان الحقيقي, وأن منجزاتها الحضارية وثرواتها مهددة من طامع في الخارج ومتربص في الداخل ينتظر لحظة ضعف أو ثغرة إهمال.
خلال الثلاثينات ساد في فرنسا أن الحب أقوى من الحرب وأن الورود يسبق الرصاص وحينما تولى " أودلوف هتلر" زمام الأمور في ألمانيا كانت الحالة السائدة في فرنسا أن لا خطر يهددنا وأن "هتلر" يبني جيشا استعراضيا , وأن الحوار يحل المشكلات العالقة, وحتى تهديداته العنصرية اعتبرت نوعا من الدعاية, ولكن "شارل ديغول(أحد قادة الجيش الفرنسي) كان يكرر أننا في خطر ,وأن الحب والورد ما هي إلا مشاعر شاعر لن تقف أمام جيش "هتلر", وكثير من السياسيين والمفكرين ,بل وقادة الجيش كانوا يرون آراء "ديغول" وكتاباته هي عودة لظلام الحروب وتفسد على الفرنسيين استمتاعهم بالحياة الفرنسية الراقية, بل قال مفكر: إن شارل ديغول يريد أن يفسد جبنة فرنسا التي لا يستغني عنها "هتلر" ولا "موسوليني"..!.
وتحتل القوات الألمانية بولندا ,وتفسره أجواء الضعف الفرنسي إعلاميا وسياسيا أنه حق عودة الأرض البولندية لألمانيا ,وأن "هتلر" سيكتفي بذلك.
ثم ينقل "هتلر" جيوشه للغرب نحو فرنسا على خط الحرب المسمى"سيجفريد".. ومازالت النخب الإعلامية والفكرية والسياسية ترى التحرك من أجل إسكات الإعلام الفرنسي من إدانة ابتلاع بولندا وعنصرية الخطاب النازي , ويصدر قرار فرنسي بالتوقف عن إدانة الخطاب النازي أو أي خطاب يعبر عن الكراهية لـ"هتلر" أو ممارساته, ويتدخل مرة أخرى "ديغول" ومجموعة من ضباط الجيش الفرنسي بأن الأجواء هي حرب حقيقية , وأن سياسة الورود لن تجلب لنا إلا العار وأن الضعف سيزيد الألمان طمعا ,وأن لا حل دون القوة والحرب والهجوم المباغت من خلال خط "ماجينو".. ومرة أخرى تكرر مجموعة الخذلان الفرنسي لن نغامر بمكتسبات الشعب الفرنسي من أجل حماسة "ديغول" ورفاقه..!.
ودخلت قولت "هتلر" بلجيكا.. واستسلمت الحكومة وجيشها ,وحماة الورود والحب الفرنسيين لازالوا في سكرة الحوار الذي يغلب الجيوش.. وتصبَح القوات الألمانية فرنسا 18 مايو1940م ,وتتصدى لهم الفرقة الرابعة مدرعات بقيادة "ديغول" ولكن بقية الجيش مضطرب وشعب هلع وإعلام ينتظر الورود ,وحكومة تدعو للحوار الحضاري ,ويقتنع رئيس الوزراء "بول رينو" بصمود "ديغول" ومواصلة القتال ,ولكن القيادات المرتجفة تجبره على الاستقالة ,وتأتي بالعجوز "فيليب بيتان" ليوقع مذكر الاستسلام للألمان بعد شهر واحد فقط وينسحب الفرنسيون لحكم إقليم جنوب البلاد عاصمته "فيشي" ويرفض "ديغول" ورفاقه , ويحاول الرئيس "بيتان" إقناعهم بأن مواصلة الحرب لا جدوى منها , وأن الجيش الألماني يتفوق نوعيا وعدديا وأن مواصلة القتال سيقضي على الشعب الفرنسي , ويقول "ديغول" قولته الشهيرة :" ليفنى الشعب الفرنسي وليقل التاريخ أنه كان هناك شعب فرنسي فني ولم يرض بالاحتلال" , ومع إصراره على رفض الاستسلام حكم عليه بالإعدام بتهمة العصيان العسكري والخيانة, ليفر لبريطانيا ويشكل حكومة منفى ويعلن سعيه لتحرير بلاده, ولأن الضعف يجني الضعف والذل لا نهاية له فقد أعلن الرئيس الإيطالي "موسوليني" طرد الفرنسيين حتى من إقليمهم الصغير بمساعدة الألمان بعد عام فقط.
ويحكي القرآن الكريم لنا قصة شعب هزيل يحذرنا من ذله وضعفه ويصف حياتهم في مصر, وكيف كانت ذليلة يستضعف طائفة منهم, يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم ,بل جعل الطاغية تعبيد هذا الشعب منّة عليهم يأكلون ويشربون حتى قال موسى –عليه السلام- "وتلك منة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل", ويبعث لهم نبيا لينقذهم من الذل والقتل ويقف في وجه الطاغية ويطلب منه إرسال قومه حيث يشاءون وينجو هذا الشعب ,ولكن أكثره اعتاد على الضعف وحياة الذل فوصفهم القرآن الكريم بـأنهم "أحرص الناس على حياة" ,وجاءت بالنكرة لأنه يريدون أي حياة مهما كانت من الذل والضعف والمهانة , ثم أنهم أعلنوا الهزيمة في حرب لم تبدأ "لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده" ,وأنهم في حالة الحرب لن يقفوا مع قيادتهم "اذهب أنت وربك فقاتلا إننا هاهنا قاعدون", ورغم ذلك يريدون نصرا دون تكاليف.. "إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون" , هذا الشعب يتكرر كلما تكررت أسباب وجوده.
إن مصطلحات القوة والصمود والجهاد والعدو..عندما تخلى عنها خليجنا الواحد استغلها أعداؤهم من الدول القومية والبعثية والدول الشعوبية الكريهة والأحزاب المنحرفة عقديا أو سلوكيا ومنهجيا ,وأخذوا زمام المبادرة فيها وذقنا ويلات فهمهم المحرف لمفاهيم القوة.
فمفهوم "الجهاد" هو مفهوم ثابت لا شك فيه بنص الوحيين والآيات فيه عديدة وكثيرة والأحاديث الصحيحة أكثر, ولم ينفك هذا المفهوم علميا وعمليا عن الأمة آحادا وجماعات, فإهماله وتناسيه والـتأكيد على فصله من مفهوم الحياة في الإعلام والتعليم والسياسة والخطابة لا يعني أنه لا وجود له بالضبط كالمغمض الذي ينكر الشمس..! الذي حدث في مفهوم "الجهاد" أن دولا عدوة منافقة وأحزابا عميلة باطنية وجماعات ضالة جاهلة استغلت إهمال المصطلح وسيطرت عليه وأضلت الأمة به, وحين تبحث عن كلمة "جهاد" في محركات البحث لا تجد غير تعريفاتهم وتأصيلاتهم المحرفة, وكيف لنا أن نعتب أو نصحح وهذا المفهوم مُغيب مع سبق الإصرار والترصد..؟ وكيف تفهم الشعوب مصطلحا وهي لم تسمع به عند من يرون أنفسهم حماة المفهوم الصحيح له..؟.
وهكذا مصطلحات القوة المغيبة الذي يملك تفسيرها وتسييرها من يتحدث عنها لا من يتغافل عنها ويدعي أنه أفهم الناس بها.
شعوب الخليج هي الشعوب الوحيدة في المنطقة التي لا تجنيد فيها إجباريا ولا اختياريا ,ولا يكاد الكثير منهم يعرف شيئا عن أجواء الحروب والتعامل مع السلاح والأوامر العسكرية والتحركات الجماعية ماعدا طائفة منهم يتدربون جيدا في دول مجاورة..!.
ولا أذكر أني رأيت أو سمعت أو قرأت أن شعوبنا في الخليج تقوم بتدريبات للإخلاء أو استخدام الملاجىء أو التعامل مع أسلحة الدمار التي تحيط بنا.
والبعض يظن أن الإنفاق الباهظ على الأسلحة وتورم ميزانيات الدفاع في دولنا دلالة قوة ,وينسى أن هذه الأسلحة أسرارها عند غيرنا وأنها تصلنا بعد أن يصل للآخرين ما يتفوق عليها ,وأن لها أعباء الصيانة الدقيقة التي لا نتقن كثيرا منها وأنها أسيرة لقطع غيار لا نملكها تحولها إلى قطعة حديد عالة علينا ,وأنها لا تفكر ولا تخطط بفردها وأنها لا تغير في القلوب الهلعة عند مفاجأة الحروب..!.
حتى الاتفاقات الأمنية والحمايات العسكرية والتحالف مع القوى العالمية غير مأمونة العواقب فالمواقف تتبدل والمصالح تتغير وفي المعاهدات ثغرات لا نهاية لها وفي دولنا الخليجية ملفات عالقة في الحريات وحقوق الأقليات والديمقراطية ما يجعلنا عرضة للتنصل من هذه الإتفاقيات, فمصر خلال حكم الرئيس حسني مبارك لثلاثين عاما كان رجل السلام وجزءا من محور الخير ويتمتع بعلاقات فريدة مع أمريكا والأوربيين شخصية ورسمية وبعد الثورة تدعوه هذه الدول تكرارا وبإلحاح بالتخلي عن السلطة لصالح ما يتوقع أنهم أعداء الغرب من إسلاميين وقوميين وشباب الثورة في حين يستمر بشار الأسد نحو ثلاث سنين بقتلى يقترب من المئة ألف وهو مع أبيه من محور الشر الداعم للإرهاب بتصنيفهم, ثم يراعى كأنه حامي السلام ويطلب من المعارضة التفكير الجاد في إكمال ولايته, فلا ثقة في دعم الدول الغربية ولا حمايتهم وسط تقلب حساباتهم وتغير مواقفهم وتبدل المصالح معهم.
ويضعف القوة أن يمضي "مجلس التعاون" لأكثر من ثلاثين عاما.. دون نتائج حقيقية على الأرض بل اتفاقات ومذكرات تفاهم وتعهدات عامة لا ترتقي لأدنى الطموح لا سياسيا ولا عسكريا ولا اقتصاديا.. رغم وحدة المنطقة والتاريخ والدين واللغة والتداخل الاجتماعي الشعبي , بل لازالت خلافات كثيرة تنفجر كل فترة وقليل منها يحل داخل دول المجلس..!
في أحداث سوريا الجلية في قيادة طائفية تقتل شعبها بأبشع الصور ينقسم المجلس بين داعم للثورة وداعم للنظام وصامت ومتردد ,فكيف تهاب دول مجلس واحد له آراء متباينة في قضية فاضحة واضحة.
إن دولنا الخليجية هي مركز طمع عالمي لأنها دول تملك الثروة دون القوة فالدول دون ثروة لا مطمع فيها والدول القوية لا يجرؤ أحد أن يطمع بها, والدول من حولنا شعب جياع وأنظمة ظالمة تزحف نحونا والدول البعيدة تحمينا ما لم تكن حمايتنا أكثر تكلفة من أكلنا.
المصدر: المثقف الجديد[/align]
الأجواء الفكرية الخليجية تؤكد أن الحرب والقتال هو جزء من ماض انتهى, متغافلة ومتجاهلة كل النقاط الساخنة حولنا ,وكأن أعداد القتلى أرقام في أفلام هليوود.
معالجة مفاهيم القوة ما لم يكن البحث يؤكد ضرورة تمزيق هذه المفاهيم.
وعلى المستوى السياسي في كل قطر أو المؤتمرات الخليجية تصر أنها ليست منحازة لأحد ولا تنصر أحدا وأنها تقف على مسافة واحدة من الظالم والمظلوم.. لذا طالما قلنا هذا الدولة تهددنا وهذا الحزب خطر علينا, وكأننا أيتام نرتجي عطفا لا نهدد أحدا ولسنا خطرا على أحد.
هذه الأجواء المتخمة بالخوف والوجل تصنع شعبا قلقا غير مستعد للتضحية ولا يتعايش مع الظروف الاستثنائية التي تأتي فجأة وبغير استئذان أحد..!.
ليست كل الحروب مبدؤها كلام, هناك حروب كثيرة مبدؤها رصاص , تُفرض عليك في ليلة ظلماء من عدو ظالم ,عندها لا وقت لحشد الشعوب وراء جيوشها ما لم تكن مشبعة بروح القوة والتضحية ,وأن الموت في ساحات الدفاع عن الوطن ومكتسباته شرف وعزة, كل هذه المفاهيم ليست كأس عصير يشرب ولا قرص دواء يجرع.
لذلك الحضارات والدول المؤثر والقائدة لا تنفك عنها مفاهيم القوة ,الحرب.. العدو.. الجندي المجهول.. المحاربون القدماء.. وبعضها يصنع له عدوا وهميا لتجييش الشعب ضده, رغم أن بعض الحضارات والدول المتفوقة لم تكن حضارات ودول معتدية, ولكنها تعلم أن السلام بحاجة لقوة تحميه والاستعداد الدائم للردع هو الأمان الحقيقي, وأن منجزاتها الحضارية وثرواتها مهددة من طامع في الخارج ومتربص في الداخل ينتظر لحظة ضعف أو ثغرة إهمال.
خلال الثلاثينات ساد في فرنسا أن الحب أقوى من الحرب وأن الورود يسبق الرصاص وحينما تولى " أودلوف هتلر" زمام الأمور في ألمانيا كانت الحالة السائدة في فرنسا أن لا خطر يهددنا وأن "هتلر" يبني جيشا استعراضيا , وأن الحوار يحل المشكلات العالقة, وحتى تهديداته العنصرية اعتبرت نوعا من الدعاية, ولكن "شارل ديغول(أحد قادة الجيش الفرنسي) كان يكرر أننا في خطر ,وأن الحب والورد ما هي إلا مشاعر شاعر لن تقف أمام جيش "هتلر", وكثير من السياسيين والمفكرين ,بل وقادة الجيش كانوا يرون آراء "ديغول" وكتاباته هي عودة لظلام الحروب وتفسد على الفرنسيين استمتاعهم بالحياة الفرنسية الراقية, بل قال مفكر: إن شارل ديغول يريد أن يفسد جبنة فرنسا التي لا يستغني عنها "هتلر" ولا "موسوليني"..!.
وتحتل القوات الألمانية بولندا ,وتفسره أجواء الضعف الفرنسي إعلاميا وسياسيا أنه حق عودة الأرض البولندية لألمانيا ,وأن "هتلر" سيكتفي بذلك.
ثم ينقل "هتلر" جيوشه للغرب نحو فرنسا على خط الحرب المسمى"سيجفريد".. ومازالت النخب الإعلامية والفكرية والسياسية ترى التحرك من أجل إسكات الإعلام الفرنسي من إدانة ابتلاع بولندا وعنصرية الخطاب النازي , ويصدر قرار فرنسي بالتوقف عن إدانة الخطاب النازي أو أي خطاب يعبر عن الكراهية لـ"هتلر" أو ممارساته, ويتدخل مرة أخرى "ديغول" ومجموعة من ضباط الجيش الفرنسي بأن الأجواء هي حرب حقيقية , وأن سياسة الورود لن تجلب لنا إلا العار وأن الضعف سيزيد الألمان طمعا ,وأن لا حل دون القوة والحرب والهجوم المباغت من خلال خط "ماجينو".. ومرة أخرى تكرر مجموعة الخذلان الفرنسي لن نغامر بمكتسبات الشعب الفرنسي من أجل حماسة "ديغول" ورفاقه..!.
ودخلت قولت "هتلر" بلجيكا.. واستسلمت الحكومة وجيشها ,وحماة الورود والحب الفرنسيين لازالوا في سكرة الحوار الذي يغلب الجيوش.. وتصبَح القوات الألمانية فرنسا 18 مايو1940م ,وتتصدى لهم الفرقة الرابعة مدرعات بقيادة "ديغول" ولكن بقية الجيش مضطرب وشعب هلع وإعلام ينتظر الورود ,وحكومة تدعو للحوار الحضاري ,ويقتنع رئيس الوزراء "بول رينو" بصمود "ديغول" ومواصلة القتال ,ولكن القيادات المرتجفة تجبره على الاستقالة ,وتأتي بالعجوز "فيليب بيتان" ليوقع مذكر الاستسلام للألمان بعد شهر واحد فقط وينسحب الفرنسيون لحكم إقليم جنوب البلاد عاصمته "فيشي" ويرفض "ديغول" ورفاقه , ويحاول الرئيس "بيتان" إقناعهم بأن مواصلة الحرب لا جدوى منها , وأن الجيش الألماني يتفوق نوعيا وعدديا وأن مواصلة القتال سيقضي على الشعب الفرنسي , ويقول "ديغول" قولته الشهيرة :" ليفنى الشعب الفرنسي وليقل التاريخ أنه كان هناك شعب فرنسي فني ولم يرض بالاحتلال" , ومع إصراره على رفض الاستسلام حكم عليه بالإعدام بتهمة العصيان العسكري والخيانة, ليفر لبريطانيا ويشكل حكومة منفى ويعلن سعيه لتحرير بلاده, ولأن الضعف يجني الضعف والذل لا نهاية له فقد أعلن الرئيس الإيطالي "موسوليني" طرد الفرنسيين حتى من إقليمهم الصغير بمساعدة الألمان بعد عام فقط.
ويحكي القرآن الكريم لنا قصة شعب هزيل يحذرنا من ذله وضعفه ويصف حياتهم في مصر, وكيف كانت ذليلة يستضعف طائفة منهم, يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم ,بل جعل الطاغية تعبيد هذا الشعب منّة عليهم يأكلون ويشربون حتى قال موسى –عليه السلام- "وتلك منة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل", ويبعث لهم نبيا لينقذهم من الذل والقتل ويقف في وجه الطاغية ويطلب منه إرسال قومه حيث يشاءون وينجو هذا الشعب ,ولكن أكثره اعتاد على الضعف وحياة الذل فوصفهم القرآن الكريم بـأنهم "أحرص الناس على حياة" ,وجاءت بالنكرة لأنه يريدون أي حياة مهما كانت من الذل والضعف والمهانة , ثم أنهم أعلنوا الهزيمة في حرب لم تبدأ "لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده" ,وأنهم في حالة الحرب لن يقفوا مع قيادتهم "اذهب أنت وربك فقاتلا إننا هاهنا قاعدون", ورغم ذلك يريدون نصرا دون تكاليف.. "إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون" , هذا الشعب يتكرر كلما تكررت أسباب وجوده.
إن مصطلحات القوة والصمود والجهاد والعدو..عندما تخلى عنها خليجنا الواحد استغلها أعداؤهم من الدول القومية والبعثية والدول الشعوبية الكريهة والأحزاب المنحرفة عقديا أو سلوكيا ومنهجيا ,وأخذوا زمام المبادرة فيها وذقنا ويلات فهمهم المحرف لمفاهيم القوة.
فمفهوم "الجهاد" هو مفهوم ثابت لا شك فيه بنص الوحيين والآيات فيه عديدة وكثيرة والأحاديث الصحيحة أكثر, ولم ينفك هذا المفهوم علميا وعمليا عن الأمة آحادا وجماعات, فإهماله وتناسيه والـتأكيد على فصله من مفهوم الحياة في الإعلام والتعليم والسياسة والخطابة لا يعني أنه لا وجود له بالضبط كالمغمض الذي ينكر الشمس..! الذي حدث في مفهوم "الجهاد" أن دولا عدوة منافقة وأحزابا عميلة باطنية وجماعات ضالة جاهلة استغلت إهمال المصطلح وسيطرت عليه وأضلت الأمة به, وحين تبحث عن كلمة "جهاد" في محركات البحث لا تجد غير تعريفاتهم وتأصيلاتهم المحرفة, وكيف لنا أن نعتب أو نصحح وهذا المفهوم مُغيب مع سبق الإصرار والترصد..؟ وكيف تفهم الشعوب مصطلحا وهي لم تسمع به عند من يرون أنفسهم حماة المفهوم الصحيح له..؟.
وهكذا مصطلحات القوة المغيبة الذي يملك تفسيرها وتسييرها من يتحدث عنها لا من يتغافل عنها ويدعي أنه أفهم الناس بها.
شعوب الخليج هي الشعوب الوحيدة في المنطقة التي لا تجنيد فيها إجباريا ولا اختياريا ,ولا يكاد الكثير منهم يعرف شيئا عن أجواء الحروب والتعامل مع السلاح والأوامر العسكرية والتحركات الجماعية ماعدا طائفة منهم يتدربون جيدا في دول مجاورة..!.
ولا أذكر أني رأيت أو سمعت أو قرأت أن شعوبنا في الخليج تقوم بتدريبات للإخلاء أو استخدام الملاجىء أو التعامل مع أسلحة الدمار التي تحيط بنا.
والبعض يظن أن الإنفاق الباهظ على الأسلحة وتورم ميزانيات الدفاع في دولنا دلالة قوة ,وينسى أن هذه الأسلحة أسرارها عند غيرنا وأنها تصلنا بعد أن يصل للآخرين ما يتفوق عليها ,وأن لها أعباء الصيانة الدقيقة التي لا نتقن كثيرا منها وأنها أسيرة لقطع غيار لا نملكها تحولها إلى قطعة حديد عالة علينا ,وأنها لا تفكر ولا تخطط بفردها وأنها لا تغير في القلوب الهلعة عند مفاجأة الحروب..!.
حتى الاتفاقات الأمنية والحمايات العسكرية والتحالف مع القوى العالمية غير مأمونة العواقب فالمواقف تتبدل والمصالح تتغير وفي المعاهدات ثغرات لا نهاية لها وفي دولنا الخليجية ملفات عالقة في الحريات وحقوق الأقليات والديمقراطية ما يجعلنا عرضة للتنصل من هذه الإتفاقيات, فمصر خلال حكم الرئيس حسني مبارك لثلاثين عاما كان رجل السلام وجزءا من محور الخير ويتمتع بعلاقات فريدة مع أمريكا والأوربيين شخصية ورسمية وبعد الثورة تدعوه هذه الدول تكرارا وبإلحاح بالتخلي عن السلطة لصالح ما يتوقع أنهم أعداء الغرب من إسلاميين وقوميين وشباب الثورة في حين يستمر بشار الأسد نحو ثلاث سنين بقتلى يقترب من المئة ألف وهو مع أبيه من محور الشر الداعم للإرهاب بتصنيفهم, ثم يراعى كأنه حامي السلام ويطلب من المعارضة التفكير الجاد في إكمال ولايته, فلا ثقة في دعم الدول الغربية ولا حمايتهم وسط تقلب حساباتهم وتغير مواقفهم وتبدل المصالح معهم.
ويضعف القوة أن يمضي "مجلس التعاون" لأكثر من ثلاثين عاما.. دون نتائج حقيقية على الأرض بل اتفاقات ومذكرات تفاهم وتعهدات عامة لا ترتقي لأدنى الطموح لا سياسيا ولا عسكريا ولا اقتصاديا.. رغم وحدة المنطقة والتاريخ والدين واللغة والتداخل الاجتماعي الشعبي , بل لازالت خلافات كثيرة تنفجر كل فترة وقليل منها يحل داخل دول المجلس..!
في أحداث سوريا الجلية في قيادة طائفية تقتل شعبها بأبشع الصور ينقسم المجلس بين داعم للثورة وداعم للنظام وصامت ومتردد ,فكيف تهاب دول مجلس واحد له آراء متباينة في قضية فاضحة واضحة.
إن دولنا الخليجية هي مركز طمع عالمي لأنها دول تملك الثروة دون القوة فالدول دون ثروة لا مطمع فيها والدول القوية لا يجرؤ أحد أن يطمع بها, والدول من حولنا شعب جياع وأنظمة ظالمة تزحف نحونا والدول البعيدة تحمينا ما لم تكن حمايتنا أكثر تكلفة من أكلنا.
المصدر: المثقف الجديد[/align]