شؤم المعاصي ونعمة المطر

صالح العويد
1433/03/24 - 2012/02/16 21:58PM
الحمد رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، نحمده ونستعينه ونستغفره .. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلن تجد له مضلاً أبداً ،ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداًأبدا،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهاً واحداً ،فرداً صمداً ،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الأتقى ، الأخشى لربه والأنقى ، صلوات ربي وسلامه عليه ، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ،وسلم تسليماً مزيدا
أمّا بعد: فيا أيها المسلمون، اتّقوا الله حق التقوى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].اتقوا الله الذي لا مانعَ لما أعطى، ولا معطيَ لما منع، ولا رافعَ لما خفَض، ولا خافضَ لما رفع،ولامضل لمن هدى ولاهادي لمن أضل
أيها المسلمون، من صفا مع الله صافاه، ومن أوى إلى الله آواه، ومن فوّض إليه أمرَه كفاه، ومن باع نفسَه من الله اشتراه، وجعل ثمنَه جنتَه ورضاه. وعدٌ من الله صادق، وعهدٌ منه سابق، ومن أوفى بعهده من الله؟!الإيمانُ والتّقوى سببُ النعم والخيراتِ، وبهما تفتَح بركات الأرض والسماء ويتحقَّق الأمن والرخاء، وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ والتّقوى خوف من الجليلِ وعمَلُ بالتنزيل والاستعداد ليوم الرحيل. نعم، الاستعداد للحياةِ الآخرة، والتي نسيها كثير من الناس في غمرةِ السعي اللاهِث وراءَ حُطام الدنيا والتنافس في زخرُفها الزائل، غافِلين عن الاستعداد ليومٍ لا ريبَ فيه، يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًافليسأل كل واحدمنانفسه ألم نقصِّر في تحقيق الإيمان والتقوى ما ميزان الصلاة عندكثيرمن الناس خصوصاصلاة الفجروالعصروهي ثاني أركان الإسلام، والفارق بين الكفر والإيمان؟! فلقد خفَّ مقدارها، وطاش ميزانها عند كثير من الناس إلا من رحم الله، وإذا سألت عن الزكاة المفروضة وإخراجها ترى العجب العجاب،من جهل بأحكامها ومن بخل بعض الناس وتقصيرهم في أدائهاوالظن بأن الزكاة لاتجب إلاعلى أصحاب الأموال الطائلة مما نزع البركة من الأموال، وكان سببًا كبيرًا في منع القطر من السماء، أخرج البيهقي والحاكم وصححه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: ((ولم ينقص قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا) لقد ظهرت المنكرات، وعمت المحرمات، في كثير من المجتمعات، فلم يتمعَّر منها وجه، ولم يشمئزّ منها قلب إلا من عصم الله، قتل وزنا، ظلم وربا، خمور ومسكرات، مجونٌ ومخدرات، وفي مجال المعاملات غش وتزوير، وبخس ومماطلة ورشاوي، في انتشار رهيب للمكاسب المحرمة، والمعاملات المشبوهة، وتساهل في حقوق العباد ساد كثير من القلوب الحسد والبغضاء، والحقد والضغينة والشحناء، وقل مثل ذلك في مظاهر التبرج والسفور والاختلاط، وما أفرزته موجات التغريب من مساوئ في النساء والشباب، مما يذكي الجريمة، ويثير الفتنة، ويشحذ الغريزة من مظاهر محرمة، وصور ماجنة، وأفلام خليعة، يتولى كبر ذلك كثير من الوسائل الإعلامية، والقنوات الفضائية، والشبكات المعلوماتية، حتى ضعفت الغيرة في النفوس، وقل التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر، مع أنه قوام هذا الدين، وبه نالت هذه الأمة الخيرية على العالمين،.إنناأصبحنافي زمن لا يزداد الخير فيه إلا قلَّة، ولا الشرّ فيه إلا كثرة، ولا الحقّ فيه إلا خفاءً، ولا الباطل إلا شيوعًا منكرات وعظائم ، وموبقات وجرائم ، لا تردع معها شريعة ، وصحف وفضائيات ومنتديات تتفنن وتتنافس للنيل من الدين وأهله ، في تعد لحدود الله لم يسبق لها مثيل ، كُتَّاب صُحفيون ، ضالون مضلون ، كتبوا وقالوا بما يسمى حرية الرأي ، وأي حرية يتم فيها الإستهزاء بالإله ولرسول الله وتحريم الحلال ، وتحليل الحرام ، والجرأة على شريعة الملك العلام ، والتجني على سنة سيدالأنام عليه الصلاة والسلام ، مما يغضب الرحمن، إن الرحمن رحيم ، وإن عذابه أليم ، لقد تجنى كثير من المسلمين على الثوابت الثابتة ، والأسس القويمة ،
ما أنتج تفرق وشقاق ، واختلاف وافتراق وتجدب الأرض وتمسك السماءالقطروترتفع الأسعاروتنتقص الأرزاق، وتنزع البركات، ويعم الفساد، وتفشو الأمراض، وتضطرب الأحوال وكل ذلك بما كسبت أيدي الناس من ظلم واضح ، وجرم فاضح ، في غفلة عن شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، شعيرة الاستجابة قال صلى الله عليه وسلم : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَاباً مِنْهُ ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ " [ رواه الترمذي وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ، قَبْلَ أَنْ تَدْعُوا فَلاَ يُسْتَجَابَ لَكُمْ " [ رواه ابن ماجة وحسنه الألباني ]
عبادالله إن ذنوبنا كثيرة، ومعاصينا عظيمة، وإن شؤم المعاصي جسيم وخطير، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: "وهل في الدنيا شرٌ وبلاء، إلا سببه الذنوب والمعاصي؟!". الذنوب ما حلت في ديار إلا أهلكتها، ولا في مجتمعات إلا دمرتها، ولا في نفوس إلا أفسدتها، ولا في قلوب إلا أعمتها، ولا في أجساد إلا عذبتها، ولا في أمة إلا أذلتها، ،فبالمعصية تبدّل إبليس بالإيمان كفرًا، وبالقُرب بُعدًا، وبالرحمة لعنة، وبالجنة نارًا تلظى، وبالمعصية عمّ قوم نوحٍ الغرق، وأُهلكت عادٌ بالريح العقيم، وأُخذت ثمود بالصيحة، وقُلِبت على اللوطية ديارهم، فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت: 40].
عباد الله إنَّ الله لا يبدِّل أمنَ الأمم قلَقًا ولا رخاءَها شِدّةً ولا عافيتَها سقما لأنه راغبٌ أن يذيقَ الناسَ المتاعبَ ويرميهم بالآلام. كلا، إنّه بَرٌّ بعبادِه، يغدِق عليهم فضلَه وسِتره، ويحيطهم بحفظِه، ويصبِّحهم ويُمَسّيهم برزقه، ولكنّ الناسَ يأخذون ولا يحسِنون الشكرَ، ويمرحون من النِّعَم ولا يقدِّرون ولِيَّها ومُسديها سبحانه أعوذبالله من الشيطان الرجيم وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة ، أقول ما سمعتم ، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وسوء ، فاستغفروه وتوبوا إليه ، إنه هو الغفور الرحيم
المشاهدات 2176 | التعليقات 1

الحمد لله كاشِفِ الغمِّ وفارِجِ الهمِّ، أحمده سبحانه يثيب الصابرين ويجزِي الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنّ سيّدنا ونبيَّنا محمّدًا عبد الله ورسوله قدوةُ الصالحين وإمام المخبِتين، اللّهمّ صلِّ وسلِّم عليه وعلى آله الطاهرين وصحبه الطيبين والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أمابعدفاتقوا الله عبادَ الله، واقتدوا بالصّفوةِ مِن عِباد الرحمن في كمالِ اللّجوء إلى اللهِ تعالى والتوكّلِ عليه وشدّةِ الضراعةِ والإنابة إليه،
إخوة الإسلام، نعمة من نعم الله، وآية من آياته، لا غنى للناس عنها، هي مادة حياتهم، وعنصر نمائهم، وسبب بقائهم، منها يشربون ويسقون، ويحرثون ويزرعون، ويرتوون ويأكلون، تلكم ـ يا رعاكم الله ـ هي نعمة الماء والمطر، وآية الغيث والقطر.إنه لا يقدر هذه النعمة قدرها إلا من حُرمها، تأمَّلوا في أحوال أهل الفقر والفاقة، التي تغلب على حياة من ابتلوا بالجدْب والقحط والجفاف والمجاعة، سائلوا أهل المزارع والمواشي، في أي حالة من الضر يعيشون، لقلة الأمطار، وغور المياه، وهي سبب خصب مزارعهم وحياة بهائمهم، أرأيتم يا من تنعمون بوفرة المياه، ماذا لو حبس الماء عنكم ومنعتم إياه؟ هل تصلح لكم حال؟! وهل يقر لكم قرار؟! وهل تدوم لكم حياة؟! قُلْ أَرَءيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَاء مَّعِينٍ [الملك: 30]، إنه لا منجأ ولا ملجأ من الله إلا إليه.
ومن حكمته تبارك وتعالى أن لا يديم عبادهُ على حالة واحدة، بل يبتليهم بالسراء والضراء، ويتعاهدهم بالشدة والرخاء، ويمتحنهم خيرًا وشرًا، نعمًا ونقمًا، محنًا ومنحا، وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [الأنبياء: 35]، وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ ٱلأمَوَالِ وَٱلأنفُسِ وَٱلثَّمَرٰتِ وَبَشّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ [البقرة: 155].
ومن ابتلاء الله لعباده حبسُ القطر عنهم، أو تأخيره عليهم، أو نزع بركته منهم، مع ما للمطر من المنافع العظيمة للناس والبهائم والزروع والثمار، وما في تأخيره من كثير من المضار.
لما اشتكى المسلمون في المدينة إلى الرسول قحوط المطر، خرج فصلى بهم، ثم دعا الله تعالى فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت، ثم أمطرت بإذن الله، فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكنّ ضحك حتى بدت نواجذه فقال: ((أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله)) إن هذه الألسن التي لهجت ليست كاذبة، والقلوب التي خشعت ليست غافلة، أغاثوا قلوبهم، وأصلحوا أحوالهم، فأغاث الله أرضهم وبلادهم. إن الله قريب مجيب، يستجيب لعباده إذا دعوه، إذا دعوه وقد غيروا أحوالهم، وزيّنوا بواطنهم، وطهّروا قلوبهم.
كان السلف الصالح إذا أجدبت الأرض وقحطت خرج المسلمون إلى الصلاة، شيوخاً وشباناً، تسمع التسبيح والتهليل، والاستغفار بأعين باكية، وجوارح ذليلة، وصدقات كثيرة، وخضوع وتواضع وسكينة، فيستجيب الله لهم، وقلَّ أن يعيدوا الصلاة في السنة الواحدة لكي يتفضل الله عليهم بالغيث، أما إذا استسقى العباد فلم يُسقوا، وسألوا فلم يعطوا، فإن ذلك يظهر حقيقتهم بعدم امتثالهم لأوامر ربهم، وكان أمارة على هبوط في الإيمان، وخلل في الأعمال، وإصابتهم بموانع إجابة الدعاء؛ولقددعا خادم الحرمين الشريفين حفظه الله لإقامة صلاة الإستسقاءيوم الإثنين القادم فاحرصوارعاكم الله على إقامتهاوعلى التوبة والإستغفارفمانزل بلاءإلابذنب ولارفع إلابتوبة هذاوَصَلُّوا وَسَلِّمُوا – رَحِمَنِي اللهُ وَإِيّاكُم – على مَنْ أَمَرَ اللهُ باِلصّلاةِ والسّلامِ عَلَيْهِ ، فَقَال في محكم التنزيل:} إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا{ [الأحزاب:56] وقال ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى الله ُعَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) اللّهم صَلّي وَسَلّم وبارك على عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحمّد ، وعلى آلِه وَصَحْبهِ أَجْمَعِينَ ، وارضَ اللّهُمَّ عن الخلفاء الراشدينَ وعن بقيةِ صحابة رسولِكَ أجْمَعينَ ، وعَنِ التابعينَ وتابعيـهم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّين ، وعنّا مَعَهُم بِرحمتـكَ يا أرْحم الراحمين .