سيرة شيخ الإسلام ابن تيمية (2) (سعادته القلبية) - نقض الحوثي للمعاهدات 26/6/1438

أحمد بن ناصر الطيار
1438/06/23 - 2017/03/22 17:55PM
الحمد لله الذي لم يزل ولا يزال, وهو الكبير المتعال, خالق الأعيان والآثار, ومكور النهارَ على الليلِ والليلَ على النهار, العالم بالخفيات, وما تنطوي عليه الأرض والسماوات, سواء عنده الجهر والإسرار, ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى, وأمينه المرتضى, أرسله إلى كافة الورى, بشيراً ونذيراً, وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً, صلى الله عليه وعلى أهل بيته الطاهرين, وأصحابه المنتخبين, وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين, وسلم تسليماً.
أما بعد.
فاتقوا الله عباد الله, وخافوه وراقبوه, فالدنيا سريعة الزوال, قريبةُ الارتحال.
إخوة الإيمان: عاش شيخ الإسلام رحمه الله تعالى حياةً مليئةً بالبذل والتضحية, والجهاد والنضال, وكابد آلام السجن مرارًا وتكرارً, وقد يظنُ من يطّلعُ على حياتِه ومصائبِه رحمه الله أنَّ هذه الحياة التي عاشها فيها التعب والشقاء؛ لأنه كان يُجابه دولاً وممالك وحُكَّامًا, وأتباعًا ومتبوعين, وهو وحيدٌ قليل العضد والناصر.
ولكن الحقيقة تقول غير هذا, بل إن هذا الشقاء الظاهري, والتعب والعناء الجسدي, أكْسبَهُ أُنسًا ولذةً لا يعيشها من تنعّم بأحسن النعم الظاهرة, وتلذذ بالمتع الحسية.
فلك أن تتخيل أنه وهو محبوس في حَبْسِ الإسكندرية, أرسل رسالةً لأصحابه يقول فيها: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}, وَاَلَّذِي أُعَرِّفُ بِهِ الْجَمَاعَةَ أَحْسَنَ اللَّهُ إلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ, وَأَتَمَّ عَلَيْهِمْ نِعْمَتَهُ الظَّاهِرَةَ وَالْبَاطِنَةَ, فَإِنِّي - وَاَللَّهِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ - فِي نِعَمٍ مِن اللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَهَا فِي عُمْرِي كُلِّهِ, وَقَدْ فَتَحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ أَبْوَابِ فَضْلِهِ وَنِعْمَتِهِ وَخَزَائِنِ جُودِهِ وَرَحْمَتِهِ مَا لَمْ يَكُنْ بِالْبَالِ, وَلَا يَدُورُ فِي الْخَيَالِ.
وقال وهو في الحبس كذلك: أَنَا فِي نِعْمَةٍ مِن اللَّهِ سَابِغَةٍ وَرَحْمَةٍ عَظِيمَةٍ أَعْجِزُ عَنْ شُكْرِهَا. ا.ه
ونقل ابن القيم رحمه الله تعالى عن أحد تلاميذه أنه قال: خرج شيخ الإسلام ابن تيمية يومًا فخرجت خلفه, فلما انتهى إلى الصحراء وانفرد عن الناس بحيث لا يراه أحد, تنفَّس الصعداء ثم تمثَّل بقول الشاعر:
وأخرج مِن بين البيوت لعلني ... أُحدِّث عنك القلب بالسرِّ خاليًا
سبحان الله! يخرج وحيدًا إلى الصحراء؛ ليأنس بالله الواحد الأحد, وما ذاك إلا لؤنْسِه بربِّه, وشعورِه بحاجتِه إليه, واسْتغنائِه به عن الخلق كلهم.
ومن شدة تعلقه بالله وحبّه له أكثرُ وأعظمُ من الاجتماع مع الناس والأحباب: أنه كان يتمثل كثيرا:

عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى ... وصوت إنسان فكدت أطير

وكثيرٌ من الناس لا يُطيق الانفراد, دون أيِّ شيءٍ مِن الملهيات.

قال ابن القيم رحمه الله: سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه- يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة.
وقال لي مرة: ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة.
وكان يقول في محبسه في القلعة: لو بَذَلْتُ لهم مِلْءَ هذه القلعة ذهبًا ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير.

وقال لي مرة: المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى، والمأسور من أسره هواه.
ولما أدخل إلى القلعة وصار داخل السور نظر إليه وقال: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [13/57] .
وعلم الله ما رأيت أحدا أطيب عيشا منه قط مع ما كان فيه من ضيق العيش, وخلاف الرفاهية والنعيم، بل ضدها، ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشا وأشرحهم صدرا، وأقواهم قلبا، وأسرهم نفسا، تلوح نضرة النعيم على وجهه, وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه: فيذهب ذلك كله، وينقلب انشراحا، وقوة ويقينا وطمأنينة.
فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه، وفتح لهم أبوابها في دار العمل فأتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها. ا.ه

إنّ هذه السعادة التي يشعر بها شيخ الإسلام, واللذة والحلاوة والأنس, لم تكن لولا الإيمان الذي نور قلبه, والعلم الذي قوَّى عزمَه, وهما ركنا السعادة النعيم, الذي يُشبه نعبم الآخرة.
بل إنه صرح بذلك فقال: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا نَعِيمٌ يُشْبِهُ نَعِيمَ الْآخِرَةِ إلَّا نَعِيمَ الْإِيمَانِ وَالْمَعْرِفَةِ.
والشيخ حاز قصب السبق بإيمانِه, وفاق الكثيرين بعلمِه.
فلا حياة للإنسان بلا علم ولا إيمان, وإذا اجتمعا في قبل مؤمن: اجتمعت له أسباب الريادة والعلو والساعدة, ولا يُنزع منه الإيامن ولا يردت عن دينه أبدًا.
أما من كان عنده إيمان بلا علم يُبصره ويُجنّبُه حبائل الشيطان وخطواته: فهو معرض لخطر شبهاته ووساوسِه, التي قد ينقله من الإيمان إلى الكفر.

قال شيخ الإسلام: إِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُؤْتَى إيمَانًا مَعَ نَقْصِ عِلْمِهِ , فَمِثْلُ هَذَا الْإِيمَانِ قَدْ يُرْفَعُ مِنْ صَدْرِهِ.
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ الْعِلْمَ مَعَ الْإِيمَانِ فَهَذَا لَا يُرْفَعُ مِنْ صَدْرِهِ , وَمِثْلُ هَذَا لَا يَرْتَدُّ عَنْ الْإِسْلَامِ قَطُّ, بِخِلَافِ مُجَرَّدِ الْقُرْآنِ أَوْ مُجَرَّدِ الْإِيمَانِ فَإِنَّ هَذَا قَدْ يَرْتَفِعُ , فَهَذَا هُوَ الْوَاقِعُ. ا.ه
فالإيمان وحده لا يكفي لثبات الإنسان, بل لابد من العلم الشرعي المؤصل, وقد رأينا الكثير من أهل الصلاح والاستقامة انتكسوا, ولم نر عالِمًا أو طالب علم متمكن انتكس وتراجع والحمد لله.

نسأل الله تعالى الثبات على الدين, والاستقامة على الحق, إنه سميع قريب مجيب.



الحمد لله وكفى, والصلاة والسلام على نبيه المجتبى, وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى.
أما بعد:
معاشر المسلمين: لقد منّ الله تعالى على هذه البلاد المباركة, بأن حفظ أمنها واستقرارها, وقطع دابر كلّ من سعى في زعزعة أمن أهلها.

ولقد رأينا في هذه الأيام كيف مكّن الله رجال أمننا وفقهم الله, من قبض وقتل عددٍ من المجرمين, في عدة مناطق في الممكلة, في الشرقية والغربية وغيرها, وفي وقت قصير والحمد الله.

وإنها رسالة للعابثين بأمن بلادنا, بأنه لا مكان لكم في بلاد الحرمين.

معاشر المسلمين: لقد أجرم الحوثيون إجرامًا لا يجوز السكوت عنه, فلقد أجبروا الأطفال على حمل السلام والقتال, ونهبوا أموال الدولة, وأصروا على الوقوف في صف إيران الصفوية, ومنابذة العرب والمسلمين, ولم يرعوا حرمة الجوار.

وإنّ المملكة مدت يدها مرارًا للحوثيين, بهدف تخليهم عن العنف والإرهابِ وقتل الشعب اليمني, ولكنهم في كل هدنة يخونون ويغدرون وينقضون.

فلما رأت المملكة تكرار خيانتهم: عزمت ألا تعقد معهم هدنة ولا حوارًا.
وهاهي ماضيةٌ في طريقها نحو استقرار اليمن, وإعادته إلى حضنه العربي الإسلامي, بعد أن لوّثته يدُ الفرس المشركين.

نسأل الله تعالى أن يكفينا شرّ الأشرار, وكيد الفجار, إنه على كل شيء قدير.
المشاهدات 847 | التعليقات 0