سيجعل الله بعد عسر يسرا-15-5-1441هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

محمد بن سامر
1441/05/14 - 2020/01/09 09:34AM
سيجعل الله بعد عسر يسرا-15-5-1441هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري
    الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وليُ الصالحينَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا رسولُه الأمينُ، عليه وآلهِ الصلاةُ وأتمُ التسليمِ.
"يا أيها الذينَ آمنوا اتقوا اللهَ حقَ تقاتِه ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون".
أما بعد: فيا إخواني الكرام: عندما تتلو كلامَ اللهِ، وتتأملُ في آياتِه، ستقرأُ قولَه-تعالى-: "يُريدُ اللهُ بكمُ اليسرَ ولا يُريدُ بكمُ العسرَ"، "سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا"، "فإنَّ معَ العسرِ يسرًا*إنَّ معَ العسرِ يسرًا "، يا اللهُ! إنَّه وعدُ الحقِّ من إلهٍ حقٍّ.
وقالَ النبيُ-عليه وآلِه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "وَأَنَّ مَعَ العُسرِ يُسرًا"، وقالَ عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ-رضيَ اللهُ عنه-: "والذي نَفسي بيدِه، لو كَانَ العُسرُ في جُحرٍ، لطَلبَهُ اليُسرُ حتى يَدخلَ عليه، ولن يَغلبَ عُسرٌ يُسرينِ".
إذا أحكمَ العُسرُ قبضتَه، ويئسَ العبدُ مِمَّا في أيدي الخلقِ، رفعَ رأسَه إلى السَّماءِ ونادى (يا اللهُ) إليكَ المشتكى، (يا اللهُ) أنتَ القادرُ على تغييرِ الحالِ وصُنعِ المُحالِ، عِندها يرى اليُسرَ والفرجَ، ويتحقَّقُ قولُه-تعالى-: "أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ".
إذا اشتملتْ على اليأْسِ القُلوبُ*وضَاقَ لما به الصَّدرُ الرَّحيبُ
وأوطأتِ المكارهُ واطمأنتْ*وأرستْ في أماكنِها الخُطوبُ
ولم ترَ لانكشافِ الضُرِّ وَجهًا*ولا أَغنى بحيلتِه الأَريبُ
أَتاكَ على قُنوطٍ مِنكَ غَوثٌ*يمنُّ به اللَّطيفُ المُستجيبُ
وكلُّ الحادثاتِ إذا تناهتْ* *فموصولٌ بها الفرجُ القريبُ
أيُّها الحبيبُ: هل شعرتَ يومًا بالحزنِ العميقِ؟ هل أحسستَ يومًا بيأسِ الغريقِ؟ هل كابدتَ يومًا ثقيلًا مع آلامِ الأمراضِ القاسيةِ؟ هل سَهِرْتَ ليلًا طويلًا مع همومٍ تَنْدَّكُ لها الجبالُ الرَّاسيةُ؟ هل أخفقتَ بعدَ محاولاتٍ فأحسستَ بالفشلِ الذَّريعِ؟ هل أخطأتَ مرةً أو مراتٍ فضاقَ بكَ الفضاءُ الوسيعُ؟ هل أحاطَ بكَ الكربُ فلم تجد لطريقِ الفرجِ بابًا؟ هل تغشَّاكَ العُسرُ فلا ترى في سماءِ اليُسرِ سحابًا؟ ألمَّا أصابكَ هذا، فتحتَ المُصحفَ، وقرأتَ: "سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا".
قامَ إبراهيمُ-عليه الصلاةُ والسَّلامُ-يُصلي، فعادتْ زوجتُه سارةُ من عِندِ الملكِ الكافرِ الظالمِ، شريفةً عفيفةً لم يمسسْها سوءٌ، ومعها هاجرُ، قد حفظَها القويُّ القَّهارُ، والتقى يوسفُ بأبيه يعقوبَ-عليهما الصلاةُ والسَّلامُ-بعدَ طُولِ زمانٍ، بعدما ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ، ورجعَ موسى عليه السَّلامُ إلى أمِّه بعدَ أن ألقتْه في اليَمِّ، لتَقرَّ عينُها ولا تحزنَ، بعدَ أن أصبحَ فؤادُها مشغولًا بولدِها فارغًا من كلِّ همٍ، لأنَّ اللهَ قد وعدَ فَقالَ: "سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا".
حُوصِرَ المسلمونَ يَومَ الخَندقِ حِصارًا شَديدًا، "إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِالله الظُّنُونَا*هُنَالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا"، فكانَ اليُسرُ معَ العُسرِ، "وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزًا".
وأحاطَ العُسرُ بالمؤمنينَ يومَ حُنَينٍ "وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ"، فكانَ اليُسرُ معَ العُسرِ، "ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ".
 غزا أبو عبيدةَ بنُ الجرَّاحِ-رَضيَ اللهُ عنهُ-الشَّامَ فأصابَهُم جَهْدٌ شديدٌ، فكتب بذلك إلى عُمرَ-رضيَ اللهُ عنهُ-، فكتب إليه عُمرُ: "سَلامٌ عَليكَ، أما بعد: فإنَّهَا لم تكُنْ شِدَّةٌ إلاَّ جعلَ اللهُ بعدَها مَخرجَا، ولنْ يَغْلِبَ عُسرٌ يُسْرَينِ"، قَالَ أبو وَاقدٍ اللَّيثيُّ-رَضيَ اللهُ عنهُ-: "رأيتُ الرَّجُلَ يومَ اليرموكِ من العَدُوِّ يَسقطُ فَيموتُ، فقُلْتُ في نفسي: لَوْ أَنِّي أَضْرِبُ أحَدَهُم بطَرَفِ رِدَائِي ظَنَنْتُ أنَّهُ يَموتُ"، وجَعلَ اللهُ للمُسلمينَ-بعدَ الغَمِّ الشَّدِيدِ الذي كان نَزَلَ بهم-فَرَجًا ومخرجًا، كما قال عمرُ-رَضيَ اللهُ عنهُ-.
تَصبَّرْ إنَّ عُقبَى الصَّبرِ خَيرٌ*ولا تَجـزعْ لِنَائبةٍ تَنـوبُ
فإنَّ اليُسرَ بَعدَ العُسرِ يَأتي*وعِندَ الضَّيقِ تَنكشفُ الكُروبُ
وكَم جَزعتْ نُفوسٌ من أُمورٍ*أَتى مِن دُونِها فَرجٌ قَريبٌ
أخبروا ظلامَ اللَّيلِ أنَّ نورَ النَّهارِ يُطاردُه على الجبالِ وفي الأوديةِ، فتُضيءُ منه الأرضُ والسَّماءُ، وأخبروا الصَّحراءَ القَاحلةَ أنَّها ستنقلبُ إلى جِنانٍ خَضراءَ، فإنَّ بعدَ الخوفِ أمنَا، وبعدَ القلقِ طُمأنينةً، وبعدَ الحُزنِ سعادةً، وبعدَ المرضِ عافيةً، وبعدَ السَّهرِ نَومًا، وبعدَ الغَمِّ سرورًا، وبعدَ الألمِ راحةً، وبعدَ الدَّمعةِ بسمةً، بحولِ اللهِ وقوتِه سوفَ يُشفى المريضُ، ويَهتدي الضَّالُ، ويعودُ الغائبُ، ويُفكُّ الأسيرُ، ويُقضى الدَّينُ، وينفرجُ الكربُ، بَشِّرْ المهمومَ بربٍّ عليمٍ رحيمٍ، وبشِّرْ المظلومَ بربِّ قويٍّ عظيمٍ، وبشِّرْ المُحتاجَ بربِّ قادرٍ كريمٍ، لأنَّ اللهَ قد وعدَ فَقالَ: "سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا".
أيها الموجوعُ صبرًا*إنَّ بعدَ العُسِرِ يُسرا
إن بعدَ الحُزنِ أمنًا*فاحتسبْ في الحُزنِ أَجْرا
لا يكونُ الدمعُ دومًا*سوفَ تجني السَعْدَ دهرا
أيها الباكي بليلٍ*سوفُ يأتي النورُ فجرا
أيها المكسورُ قل لي*هل يُديمُ اللهُ كسرا؟
إنَّ ربًا كان يدري*فيكَ عندَ الصبرِ أدرى
يا عزيزَ القلبِ مهلًا*لا تُضِعْ بالضيقِ عُمرا
قُمْ معي فالعجزُ عيبٌ*أنتَ بالإيمانِ أحرى
يا حبيبًا كان أغنى*لا تَرُم ضَنكًا وفقرا
ليستِ الدنيا بشيءٍ*كي يذوبَ القلبُ قهرا
لا تهُنْ فالدارُ دنيا*لا تضِقْ بَرًا وبحرا
خُذْ من الدنيا سرورًا*لا تَدَعْ في الصدرِ سِرا
اِمْشِ في دنياك هونًا*كلُ شيءٍ كانَ قدْرا
إنَّ من أبقاكَ ربٌ*كان يرضى أن تقَرَّا
ربُنا الرحمنُ ربٌ*راحمٌ قد كانَ بَرَّا
أيها الموجوعُ صبرًا*إنَّ بعدَ العُسِرِ يُسرا
أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فقد ينظرُ الغيورُ-اليومَ-إلى الواقعِ نظرةَ يأسٍ وقُنوطٍ، فيَرى شَعائرَ الإسلامِ تُلبسُ غيرَ لباسِها، وينظرُ إلى أحكامِ الشَّريعةِ تُشربُ من غيرِ كأسِها، ويُشاهدُ حالَ المسلمينَ في البلادِ، مُستضعفينَ مَغلوبينَ بينَ ظالمٍ وجلَّادٍ، أيها الغيورُ على دينِه وأمتِه: سلْ نفسَك: أليسَ لك في التَّاريخِ عِبرةٌ؟، ألم يجتحِ التَّتارُ والمغولُ بِلادَ الإسلامِ، حتى قالَ النَّاسُ لا إسلامَ بعدَ اليوم؟، ألم يُجبرِ المأمونُ النَّاسَ على أن يقولوا ببدعةِ خلقِ القرآنِ، حتى قالَ النَّاسُ لا سُنَّةَ بعدَ اليوم؟، ألم ينشرِ الاحتلالُ الأجنبيُ وأذنابُه الفواحشَ في بلادِ المُسلمينَ، حتى قالَ النَّاسُ لا صلاحَ بعدَ اليوم؟.
إذا الحادثاتُ بَلَغْنَ الْمَدَى*وكادتْ تَذوبُ لَهُنَّ الْمُهَج
وحَلَّ البلاءُ وقَلَّ العَزا*فعندَ التَّناهي يكونُ الفَرَج
 فأبشروا يا أهلَ الإسلامِ فإنَّ ربَّكم يسمعُ ويرى، ولا يرضى الظلمَ لنفسِه ولا لخلقِه، لم تحرقِ النَّارُ إبراهيمَ-عليه الصلاةُ والسَّلامُ-لأنَّه خليلُ اللهِ، ولم يبتلعِ الحوتُ يونسَ-عليه الصلاةُ والسَّلامُ-لأنَّه نبيُّ اللهِ، ولم يُغرقِ البحرُ موسى-عليه الصلاةُ والسَّلامُ-لأنَّه كليمُ اللهِ، ولم يرَ المشركونَ محمدًا-عليه وآلِه الصلاةُ والسَّلامُ-وصاحبَه-رضيَ اللهُ عنه-في الغارِ لأنَّ معهم اللهَ، وهكذا في كلِّ زمانٍ ومكانٍ لا يُهزمُ ولا يُذلُّ أولياءُ اللهِ، بل "سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا".
أَلاَ فَاصْبِرْ على الحَدَثِ الجَلِيْلِ*وَدَاوِ جِوَاكَ بالصَّبْرِ الجَميلِ
وَلاَ تَجْزَعْ وإِنْ أَعْسَرْتَ يومًا*فقد أيسرتَ في الزمنِ الطويلِ
ولا تَيْأَسْ فإِنَّ اليَأْسَ كُفْرٌ*لَعَلَّ اللَه يُغنِي مِنْ قليلِ
ولا تَظْنُنْ بِرَبِّكَ غيرَ خَيْرٍ*فَإِنَّ اللَه أَوْلَى بالجميلِ
وإِنَّ العُسرَ يَتْبَعُه يَسارٌ*وقولُ اللهِ أصدقُ كلِّ قيلِ
فكم مِنْ مُؤْمِنٍ قَدْ جَاعَ يَوْمًا*سَيُروى من رحيقٍ سلسبيلِ
اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا والمسلمينَ سيِئ الأخلاقِ والأعمالِ، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وولاةَ أُمورِ المسلمينِ، وارزقهمْ البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اغفرْ لنا ولوالدينا وللمسلمينَ، أسألُك لي ولهم من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأُعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهم عليك بأعداءِ المسلمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ.
المشاهدات 2480 | التعليقات 1

الخطبة على ملف وورد

المرفقات

https://khutabaa.com/forums/رد/354178/attachment/%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%a8%d8%b9%d8%af-%d8%b9%d8%b3%d8%b1-%d9%8a%d8%b3%d8%b1%d8%a7-15-5-1441%d9%87%d9%80-%d9%85%d8%b3%d8%aa%d9%81%d8%a7%d8%af%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d8%ae%d8%b7%d8%a8%d8%a9-%d8%a7