سوف تعلم يا غٌدَر

محسن الشامي
1435/10/25 - 2014/08/21 19:39PM
الحمد لله أمرنا بالعدل في كتابه المبين ونهى عن الجور والظلم و العدوان حتى في حق الكافرين وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين وأشهد أن محمدا عبده رسوله بعثه الله رحمة للعالمين وحجة على الخلق أجمعين صلى الله عليه وعلى آله أصحابه وسلم تسليما كثيرا أما بعد عباد الله اتقوا الله تعالى وأعلموا أن الله أمر بالعدل وجعله قوام الدنيا والدين وسبب صلاح العباد والبلاد و به قامت السموات والأرض روى ابنُ ماجهْ في سننه بإسنادٍ حسن عن جابربن عبد الله رضي الله عنهما قال:لما رجَعَ الصحابةُ الذين هاجروا إلى الحبشة قال لهم صلى الله عليه وسلم )ألا تُحدِّثوني بأَعاجِيْبِ ما رأيتم بأرض الحبشة(فقالوا بلى يا رسول الله ثم ذكروا له موقفاً شدَّ انتباههم وأثارعَجَبَهم واستغرابَهم قالوا بينا نحن جلوسٌ مرَّت بنا عجوزٌ من عجائز رهَابِيْنِهِم تحملُ على رأسها قُلَّـةً من ماء فمرّت بفتىً منهم فجعل إحدى يديه بين كَتِفَيْها ثم دفعها فخرَّتْ على ركبتَيْها فأنكسرتْ قُلَّتُها فلما ارتفعَتْ التفتَتْ إليه فقالت سوف تعلمُ ياغُدَرُ إذا وَضع الله الكرسيَّ وجَمَعَ الأوَّلين والآخِرين وتكلَّمت الأيدي والأرجُلُ بما كانوا يكسبون فسوف تعلمُ كيف أمْرِي وأمْرُكَ عنده غدًا فقال صلى الله عليه وسلم(صدقت صدقت كيف يُقَدِّسُ اللهُ أمةً لا يُؤخَذُ لضعيفِهم من شديدِهم)نعم يا عباد الله يرى الواحد منا اخاه يظلم فإن كان من جماعته ناصره وإلا فلا فالله لا يقدس أمة لا يؤخذ لضعيفِهم من شديدِهم والله لا يقدس تلك الأمة التي يُقال فيها للمظلوم اسْكُتْ ولا تَتَظَلَّم لايقدِّس الله أمَّةً يُحمَى فيها الظالم وتكون له الحصانة فلا يُطالَب ولا يُحاسَب ولا يُعاتَب تلك أمةٌ لا يقدِّسها الله لا يُعِزُّهالا يرفعُ منزلتَها ولا يُقيم لها وزناً بين الأمم لـمَّا تركتِ العدلَ الذي قامت عليه السماوات والأرض واستمرأتِ الظلم الذي حرَّمه الله على نفسه وعلى الناس تلك أمة لا يقدسها الله بل يعجِّلُ لها العقوبة والهوان قالصلى الله عليه وسلم) إن الناسَ إذا رَأَوا الظالمَ فلم يأخذوا على يديه أوشَكَ اللهُ أنْ يَعُمَّهُم بعقابٍ منه) أيها المؤمنون:إن قضية إقامة العدل ومنع الظلم هي قضية كبرى في هذا الدين وقيمة مطلقة ومبدأٌ راسخٌ لا تنازل فيه أمر الله جل وعلا به عباده مرارا وتكرارا فقال تعالى{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} وقال تعالى{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ}وقال سبحانه } وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}والآيات في هذا المعنى كثيرة وقد كان نبيُّنا صلى الله عليه وسلم يقرِّرُ لأصحابه قدسية العدل ويغرسه في قلوبهم وضمائرهم بأقواله وأفعاله صلوا ت الله وسلامه عليه لما كان يومُ بدرمرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه وقد اصْطَفُّوا وتهيَّؤوا قبل القتال وفي يده قِدْحٌ –عودٌ من خشب – يُعَدِّلُ به صفوفَهم فمرَّ بِسَوَّادِ بنِ غَزِيَّة وهو مُسْتَنْثِلٌ من الصَّف – أي:بارزٌ متقدِّم فغمزه بالعود في بطنه وقال استوِ يا سَوَّاد إنه أمرٌ نبويٌ لأجل مصلحة الجيش وتنظيمه وإذا بسواد يقول يارسول الله لقد أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل فَأَقِدْني وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع تلك المظلمة وهو يومئذٍ القائد الأعلى والحاكم والقاضي وإمام المسلمين صاحبُ أعظم منصب ديني ودنيوي سيدُ ولد آدم وخيرُ من مشى على الأرض وقف لتلك المظلمة ولم يكن خصمه فيها وجيها من الوجهاء ولا ثريا من الأثرياء لم يكن خصمه سيدا في قومه لقد كان المتظلِّمُ:سَوَّاد بن غزية رجلٌ مغمورٌ من آحاد المسلمين وعامتهم لا يُعرَف بثراء ولا جاه ولا سلطان ثم هو يطالب رسول الله أن يقتصَّ منه ويغمزه بالعصا أمام الناس جميعا يريد أن يقتصَّ من النبي أمامَ الصحابة ووقف الجميع ينظرون إلى فعل رسولهم صلى الله عليه وسلم هل برَّر موقفه ذلك بخطأِ سوَّاد واستحقاقِهِ العقوبةَ لإخلالِه بالصَّف؟هل حاول أن يرضيه بشيء من المال ليسكت ويتنازل عن الدعوى؟ هل أخَّر القضية إلى انتهاء المعركة ليكون القصاص على انفراد؟لقد ألغى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل تلك الاعتبارات فما كاد سوَّادُ يُنهي كلماته حتى مدَّ صلى الله عليه وسلم يده دون تردد ليكشف عن بطنه الشريف ويقول لصاحب المظلمة استقد فأقبل عليه سوَّاد فاعتنقه وألصق وجهه ببطنه وقبله وقال يارسول الله لقد حضر ما ترى يعني القتال فأردتُ أن يكون آخرُ العهد بك أن يمسَّ جِلدي جلْدَك (هكذا يا أمة محمد يكون العدل مع الناس جميعا دون استثناء في كبير الأمور وصغيرها وجليلها وحقيرها مهما كانت الأحوال وأيًّا كان المَقام فهاهو قائد الأمة فداه ابي وامي عليه الصلاة والسلام لا يرضى أن تكون لأحدٍ عنده مظلمة ولو كانت غمزةً بالعصا فأين من يضرب مسلما ظلما بأشد الضرب؟أين من يأكل أموال الناس ويمنعهم من حقوقهم ثم لا يشعر بشيء من تأنيب الضمير؟أين من يظلم الضعفاء لمنصبه أوجاهه أو علاقاته حتى تكون حياتُهم جحيما ثم ينامُ قريرَ العين كأنْ لم يفعل شيئا أين هؤلاء من أخلاق نبيهم الذي ينتسبون إليه فلقد عاش صلى الله عليه وسلم مُقرِّرا للعدل آمراً به مطبقا له فهاهو لما دنا منه الأجل وأصبح طريحَ فراشه قد اشتدَّ وجعُهُ وأنهكتْهُ الحمَّى كان في نفسه صلى الله عليه وسلم أمرٌ يُشغله يريد ألا يفارق الدنيا حتى يستوثق منه فخرج على الناس قبل وفاته بخمسة أيام وفوجِئَ أصحابه بخروجه مع شدة مرضه إذ كان لا يستطيع أن يصلي معهم الصلاة المفروضة فما الأمرالعظيم الذي أخرجه في هذه الساعة ؟وإذا به يصعد المنبر فاقبل عليه الناس فينادي فيهم ويكرر عليهم الدرس الخالد وهو يودعهم(يا أيها الناس من جلدتُ له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه ومن أخذتُ له مالاً فهذا مالي فليستقد منه ) يريدُ أن يخرج من الدنيا خفيفَ الحِمْل من مظالم الناس وحقوقهم الا فاتقوا الله عباد الله واحذروا الظلم وكونوا من المقسطين قال صلى الله عليه وسلم(إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورعَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبده ورسوله النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد أيها الناس اتقوا الله وأحذروا الظلم بأنواعه وصوره فكم من صورٍ للظلم تفشت بيننا حتى على مستوى الأقارب والأرحام والمصيبة أن البعضَ يظلم الناس ويعتدي عليهم بصورٍ شتى ولا يشعر أنه ظالم فمن صور الظلم الاعتداء على أعراض الناس وتتبع عوراتهم وهتك أسرارهم ونشر عيوبهم ومن صور الظلم ظلم العمال والأُجَراء بتأخير حقوقهم ومماطلتهم أو تكليفهم بما لم يُتَّفقْ عليه في العقد أو استغلالهم في مصالح شخصية لا صلة لها بالعمل
ومن صور الظلم أكل أموال الناس بالباطل وإنكار الحقوق وجحْدُ الديون ومن صور الظلم تقديم المعارف والأقارب وأصحاب الواسطات على من هو أكفأُ منهم وأقدر على العمل
ومن صور الظلم والبغي تعليق المرأة وتركها في بيت أهلها لا يُطلِّقُها ولا يُراجِعُها ومن صور الظلم ظلمُ المُطَلَّقة بمنعها من الحضانة أو منع الأبناء من زيارتها
ومن صور الظلم تفضيلُ بعضِ الأولاد على بعض في الهبات والهداياوعدم المساواة بينهم هذه بعض صور الظلم والعدوان فليعلم كل ظالم أنه سيجد عقوبة ظلمه وأثره في الدنيا قبل الآخرة قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (( ثنتان يُعَجِّلُهما الله في الدنيا : البغي وعقوق الوالدين )) .وقال:(( ما مِنْ ذنب أجدر أن يعجِّل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا ، مع ما يدَّخِرُه له في الآخرة ،من البغي وقطيعة الرحم ) فمن ظلم الناس في أموالهم أو حقوقهم أو أعراضهم فسيرى عقوبة ذلك في الدنيا سيراها في صحته وعافيته أو في شقاء قلبه وضيق صدره أو في أولاده وأهله أو في أمواله وتجارته وأما في الآخرة فقد توعَّده الله بأشد من ذلك {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ}اللهم انا نعوذ بك من الظلم والبغي والعدوان
المشاهدات 2905 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا