سورة التكوير، وقفات مع معانيها

د صالح بن مقبل العصيمي
1437/01/29 - 2015/11/11 17:41PM
سورة التكوير، وقفات مع معانيها
الخطبة الأولى
إنَّ الْـحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتِغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا، وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُـحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ وَخَلِيلُهُ، وَصَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ صَلَّى اللهُ عليه، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). أمَّا بَعْدُ ...
اِعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْـجَمَاعِةِ؛ فَإِنَّ يَدَ اللهِ مَعَ الْـجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ؛ شَذَّ فِي النَّارِ.
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (مَنْ أَرَادَ الْعِلْمَ فَلْيُثَوِّرِ الْقُرْآنَ، فَإِنَّ فِيهِ عَلْمَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَمَعْنَى " يُثَوّرُ الْقُرْآنَ"، أَيْ: يَبْحَثُ عَنْ مَعَانِيهِ، وَعِلْمِهِ، وَمَقَاصِدِهِ. فَلْنَقِفِ الْيَوْمَ مَعَ سُورَةٍ عَظِيمَةٍ مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ الْكَرِيِم؛ لِنَتَدَبَّرَ مَعَانِيهَا، وَنَسْتَفِيدَ مِنْ دُرُوسِهَا،؛ أَلَا وَهِيَ سُورَةُ التَّكْوِيرِ، الَّتِي قَالَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ كَأَنَّهُ رَأْيُ عَيْنٍ؛ فَلْيَقْرَأْ: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وَإِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ، وَإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.
وتُسْتَهَلُّ هَذِهِ السّورَةُ بِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)، فَسُبْحَانَ رَبِّي! تِلْكَ الشَّمْسُ الـْمُضِيئَةُ؛ سَيَذْهَبُ ضَوْؤُهَا، وَيُلَفُّ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، فَتُرْمَى وَتُطْرَحُ، فَلَا حَاجَةَ إِلَيْهَا بَعْدَ
الْيَوْمِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:(وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ)، فَتِلْكَ النُّجُومُ المضِيئَةُ المنْتَظِمَةُ فِي مَسَارَاتِهَا وَأَفْلَاكِهَا، تُجَمِّلُ السَّمَاءَ، وَتُضِيءُ الْأَرْضَ؛ سَيَذْهَبُ ضَوْؤُهَا، وَتَتَنَاثَرُ، وَتَتَسَاقَطُ تَسَاقُطًا عَجِيبًا، مِنْ شِدَّةِ الْأَمْرِ، وَهَوْلِهِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ): فَتِلْكَ الجِبَالُ الْعَظِيمَةُ الرَّاسِيَةُ، الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ لِلْأَرْضِ أَوْتَادًا؛ قَضَى الجَبَّارُ الْيَوْمَ أَنْ تُقْلَعَ مِنْ أَمَاكِنِهَا، فَلَا قِـيمَةَ لَهَا الْيَوْمَ؛ فَصَارَتْ هَبَاءً مَنْثُورًا، تَسِيرُ فِي الْأجْوَاءِ كَالدُّخَانِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ): فَتِلْكَ النِّيَاقُ النَّفِيسَةُ عِنْدَ أَهْلِهَا، غَالِيَةُ الْأَثْمَانِ، النَّاسُ عَنْهَا فِي ذُهُولٍ، فَتُعَطَّلُ ؛ لِتَعَطُّلِ مَنَافِعِهَا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ): فَتِلْكَ الحَيَوَانَاتُ البَرِّيَّةُ المتَوَحِّشَةُ، ذَوَاتُ الْأَنْيَابِ الْفَتَّاكَةِ، الَّتِي تَقْطُنُ الْبَرَارِي؛ وَلَمْ تَأْنَسْ بِالْإِنْسَانِ، جُمِعَتْ مَعَهُ وَزَالَ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الاسْتِيحَاشِ، حَيْثُ أَصَابَهَا الهَوْلُ وَالرُّعْبُ؛ فَلَا يَدَعَانِ لهَا بَقِيَّةً مِنْ طِبَاعِهَا؛ فَتُري في مَشْهَدٍ عَجِيبٍ عَظِيمٍ، هَائِمَةً عَلَى وُجُوهِهَا، لا تَنْطَلِقُ مِنْ هَوْلِ هَذَا الْيَوْمِ بَحْثًا عَنْ فَرَائِسِهَا ،كَمَا هُوَ شَأْنُهَا قَبْلَ هَذَا الْيَوْمِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:(وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ): فَتِلْكَ المحُيِطَاتُ الْعَظِيمَةُ، وَالْبِحَارُ المتَلَاطِمَةُ، والْأنْهَارُ الجَارِيَةُ؛ سَتُزَالُ حَوَاجِزُهَا، فَيَخْتَلِطُ عَذْبُهَا مَعَ مَالحِهِا، ثُمَّ تَفِيضُ؛ فَيَذْهَبُ مَاؤُهَا، ثُمَّ تُوقَدُ فَتَشْتَعِلُ فِيهَا النِّيرَانُ. فَهَذِهِ الْآيَاتُ السِّتَّةُ السَّابِقَةُ -كَمَا قَال أُبَيُّ رَضْىَ اللهُ عَنْهُ - تَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا؛ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ! وَأَمَّا السِّتَّةُ الْآتِيةُ ، فَإِنَّهَا تَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ وَقَانَا اللهُ شَرّ ذَلِكَ الْيَوْمِ!
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:(وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ): يَا لِعِظَمِ هَذِهِ الْآيَةِ!، فَكُلٌّ يُحْشَرُ مَعَ جِنْسِهِ أَزْوَاجًا، فَالْأَشْخَاصُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ أَعْمَالًا مُتَشَابِهَةً يُقْرَنُ بَيْنَهُمْ؛ فَأَهُلُ الْإِيمَانِ، مَعَ أَهْلِ الْإِيمَانِ، وَأَهْلُ الْكُفْرِ مَعَ أَهْلِ الْكُفْرِ، قَالَ اللهُ جَلَّ فِي عُلَاهُ: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ)، فَالْأَخْيَارُ يُحْشَرُونَ مَعَ الْأَخْيَارِ، وَالْأَشْرَارُ مَعَ الْأَشْرَارِ، وَمَنْ أَحَبَّ قَوْمًا حُشِرَ مَعَهُم، فَفِي الدُّنْيَا هُمْ مُخْتَلِطُونَ ،الصَّالِحُ بِالطَّالحِ. أَمَّا فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَقَدْ جَاءَ الْأَمْرُ الِإلهِيُّ: (وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ).
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:(وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ): فَتِلْكَ البُنَيَّةُ الَّتِي دَفَنَهَا بَعْضُ أَهْلِهَا وَهِيَ حَيَّةٌ؛ خَوْفًا مِنْ عَارِهَا، كَمَا يَزْعُمُونَ، لِأَنّـَهُمْ يَحْزَنُونَ أَشَدّ َالْحــُزْنِ إِذَا بُشِّرُوا بِالْأُنْثَى، حَيْثُ قَالَ اللهُ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ حَالِهِمْ: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ)، فَالْيَوْمُ حَانَتْ سَاعَةُ الْقَصَاصِ مِمَّنْ وَأَدُوهَا ظُلْمًا وَعُدْوَانًا، فَتُسْأَلُ تِلْكَ المْــَوْءُودَةُ: (بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)، مَا مُبَرِّرِ قَتْلِهَا؟ وَلَا تَبْرِيرَ إِلَّا الْـجَهْلَ. فَالنِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ؛ فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ تَبْكِيتٌ لِقَاتِلِهَا، وَتَـهْوِيلٌ لِلْمَوْقِفِ الَّذِي يُسْأَلُ فِيهِ المْـَجْنِي عَلَيْهِ: لمِـَاذَا قُتِلَ؟ فَمَا ظَنُّكَ بِـمَا يُلَاقِيهِ المْــُقْتَرِفُ لِـهَذِهِ الْــجِنَايَةِ الْبَشِعَةِ؟! وَيُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ مَنْ يَقُومُونَ بـِجَرِيمَةِ الْإِجْهَاضِ، خَاصَّةً بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ.
ثُـمَّ قَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ):حَيْثُ تَطَايَرَتْ صَحَائِفُ الْأَعْمَالِ ، وَتَهَتَّكَتِ الْأَسْرَارُ وَالْأَسْرَارُ؛ فَلَمْ تَعُدْ خَافِيَةً ؛ وَلَا غَامِضَةً ، بَلْ أَصْبَحَتْ عَلَنِيَّةً.
وَإِذَا الصَّحَائِفُ نُشِّرَتْ وَتَطَايَرَتْ *** وَتَهَتَّكَتْ لِلْفَاجِرِينَ سُتُورْ
فَتِلْكَ الصُّحُفُ الَّتِي كُتِبَتْ بِهَا أَعْمَالُ الْعِبَادِ قَدْ فُتِحَتْ؛ لِيَقْرَأَ كُلّ ٌكِتَابَ أَعْمَالِهِ، وَهَذَا أَشَدُّ عَلَى النُّفُوسِ وَأَنْكَى، قَالَ تَعَالَى: (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا).
ثُـمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ): سُبْحَانَ رَبِّي! هَذِهِ السَّمَاءُ سَتُزُالُ وَتُنْزَعُ؛ كَمَا يُنْزَعُ الْجِـْلدُ مِنَ الذَّبِيحَةِ.
ثُـمَّ قَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ): حَيْثُ زِيدَ فِي لَـهِيبِهَا وَاشْتِعَالِـهَا؛ وَسَتُحْضَرُ عَلَى رُؤُوسِ الْأَشْهَادِ ، حَيْثُ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. صَرَفَنَا اللهُ وَوَالِدَيْنَا وَذُرِّيَاِتِنَا وَأَهْلِينَا وَأَحْبَابَنَا بِرَحْمَتِهِ عَنْهَا.
ثُـمَّ قَالَ تَعَالَى:(وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ): حَيْثُ أُدْنِيَتْ مِنَ الْـمُتَّقِيـنَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ)، فَقُرِّبَتْ مِنْ أَهْلِهَا؛ فَقَرَّتْ أَعْيُنُهُمْ بِـمُشَاهَدَتِـهَا.
وَإِذَا الْجِنَانُ تَزَخْرَفَتْ وَتَطَيَّبَتْ *** لِفَتَىً عَلَى طُولِ الْبَلَاءِ صَبُورُ
وَإِذَا تُقَاةُ الْـمُسْلِمِينَ تَزَوَّجُوا *** مِنْ حُورِ عِينٍ زَانَـهُنَّ شُعُورُ
ثُـمَّ قَالَ تَعَالَى: (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ): فَإِذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الْأَحْدَاثُ الْعَظِيمَةُ تَعْلَمُ كُلُّ نَفْسٍ مُؤْمِنَةٍ وَكَافِرَةٍ، مَا قَدَّمَتْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَتُـجْزَى بِهِ. قَالَ تَعَالَى: (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ)، فَسَوْفَ يُبْصِرُ أَعْمَالَهُ، وَيَـحْكُمُ عَلَى نَفْسِهِ. قَالَ تَعَالَى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا)، فَيَا لِهَوْلِ ذَلَكَ الْيَوْمِ وَشِدَّتِهِ! وَقَانَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ شَرَّهُ!
اقْرَأْ كِتَابَكَ يَا عَبْدِي عَلَى مَهَلٍ *** فَهَلْ تَرَى فِيهِ حَرْفاً غَيْرَ مَا كَانَا
لمَــَّا قَرَأْتَ وَلَمْ تُنْكِرْ قِرَاءَتَهُ *** إِقْرَارَ مَنْ عَرَفَ الْأَشْيَاءَ عِرْفَانَا
نَادَى الْـجَلِيلُ خُذُوهُ يَا مَلَائِكَتِـي *** وَامْضُوا بِعَبْدٍ عَصَى لِلنَّارِ عَطْشَانَا
المْــُشْرِكُونَ غَدًا فِي النَّارِ يَلْتَهِبُوا *** واَلْـمُؤْمِنُونَ بِدَارِ الْـخُلْدِ سُكَّانَا
ثُـمَّ قَالَ تَعَالَى:(فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ): وَ(الخُنَّسِ) هِيَ النُّجُومُ الَّتِي تـَخْتَفِي فِي النَّهَارِ فَتَخْنَسُ، وَهِيَ خَمْسُ نُجُومٍ: زُحَلُ وَالمْــُشْتَرَى وَالمْــَرِّيخُ وَالزَّهْرَةُ وَعَطَارِدُ، وَقِيلَ: إِنَّهَا سَبْعٌ بِإِضَافَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ. فَلَمَّا ذَكَرَ اللهُ الْآيَاتِ الَّتِي تَكُونُ فِي آخِرِ الْعَالَمِ ، وَفِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ أَتْبَعَهُ بِاْلقَسَمِ عَلَى صِـحَّةِ الْقُرْآنِ – وَلَهُ، جَلَّ وَعَلَا، أَنْ يُقْسِمَ بِمَا شَاءَ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، أَمَّا الْـخَلْقُ ، فَلَا يُقْسِمُونَ إِلَّا بِاللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَبِأَسْـمَائِهِ وَصِفَاتِهِ.
ثُـمَّ قَالَ تَعَالَى: (الْجَوَارِ الْكُنَّسِ): وَ(الْجَوَارِ): هِيَ النُّـجُومُ الَّتِي تَـجْرِي فِي أَفْلَاكِهَا، فَكُلُّ كَوْكَبٍ فِي فَلَكِهِ يَجْـرِي، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)، و(الْكُنَّسِ): هِيَ تِلْكَ النُّجُومُ الَّتِي اخْتَفَتْ فِي النَّهَارِ وَخَنَسَتْ ، فَلَمْ تَعُدْ تُرَى، وَعِنْدَ الْغُرُوبِ تَنْكُسُ وَتَعُودُ لِلْبُرُوزِ وَتَفِيءُ.
ثُـمَّ قَالَ تَعَالَى: (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ)، أَيْ: إِذَا أَظْلَمَ؛ فَاللَّيْلُ يُقْبِلُ بِظَلَامِهِ ، وَلِذَا فَإِنَّ مَنْ يَحْمُونَ النَّاسَ فِي اللَّيْلِ، وَيُرَاقِبُونَ الْأَسْوَاقَ؛ يُقَالُ لَهُمْ:(الْعَسَسَ)؛ لِأَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ فِي الظَّلَامِ. ثُـمَّ قَالَ تَعَالَى: (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ): فَأَقْسَمَ الْـجَـَّــبارُ باِلْفَجْرِ، إِذَا أَظْهَرَ نُورَهُ وَإِشْرَاقَهُ؛ فَأَقْسَمَ سُبْحَانَهُ بِإِدْبَارِ اللَّيْلِ وَإِقْبَالِ النَّهَارِ. فَتَعَاقُبُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنْ أَعْظَمِ آيَاتِ اللهِ وَنِعَمِهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعـَــلَ الدُّنْيَا لَيْلًا دَائِمًا، أَوْ نَـهَارًا دَائِمًا، فَتَفْسَدَ حَيَاةُ النَّاسِ، ثُمَّ ذَكَرَ الـْجَبَّارُ بَعْدَ ذَلِكَ جَوَابَ الْقَسَمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ)، فَهَذا الْقُرْآنُ الَّذِي يُكَذِّبُ بِهِ الْكُفَّارُ؛ لَيْسَ مِنْ إِنْشَاءِ الرَّسُولِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ هُوَ مِنْ كَلَامِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَيْثُ بَيَّنَ لـَهُمْ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَي سَنَدَ هَذَا الْقُرْآنِ، وَأَنَّهُ مِنْ عَنْدِهِ سُبْحَانَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَلَقَّاهُ مِنْ رَبِّهِ بِوَاسِطَةِ رَسُولٍ كَرِيمٍ، وَهُوَ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ.
ثُـمَّ قَالَ تَعَالَى: (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ): حَيْثُ ذَكَرَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ صِفَاتِ جِبْرِيلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ "ذُو قُوَّةٍ"، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى)، أَيْ: ذُو قُوَّةٍ؛ فَجِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، ذُو قُوَّةٍ عَظِيمَةٍ فِيمَا كُلِّفَ وَأُمِرَ بِهِ. وَ هُوَ (مَكِينٌ)؛ أَي ذُو مَكَانَةُ عَظِيمَةٌ عِنْدَ اللهِ، فَهُوَ قَوِيٌّ وَقَرِيبٌ مِنَ اللهِ؛ وَهُوَ أَعْلَى الْـمــَلَائِكَةِ مَنْزِلَةً عِنْدَهُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:(مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ): أَيْ: جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَهُوَ مُطُاعٌ فِي السَّمَاوَاتِ بِأَمْرِ اللِه، أَمِيـنٌ فِيمَا يُؤَدِّيهِ عَنْ اللهِ إِلَى أَنْبِيَائِهِ فَهُوَ لَـمْ يَـخُنْ، وَحَاشَاهُ أَنْ يَخُونَ، فَلَا يَزيدُ فِيمَا أُرْسِلَ بِهِ ، وَلَا يُنْقِصُ وَلَا يُغَيِّرُ. فَهَذِهِ الصَّفَاتُ بِـمَجْمُوعِهَا تُشِيرُ إِلَى مَكَانَةِ جِبْريلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، عِنْدَ رَبِّهِ، وَتَبَيَّنَ عِظَمُ هَذَا الْقُرْآنِ وَسُمُوُّهُ وَعُلُوُّه، وَتُشِيرُ إِلَى عِنَايَةِ اللهِ بِالْإِنْسَانِ، حَيْثُ إِنَّه اخْتَارَ سَيِّدَ المْلَاَئِكَةِ ؛ لِيَحْمِلَ هَذِهِ الرِّسَالَةَ إِلَى سَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ. فَيَا لِعِظَمِ الْقُرْآنِ وَدِقَّةِ تَعَابِيرِهِ! وَيَا لِعِظَمِ الْإِنْسَانِ إِذَا أَطَاعَ اللهَ! وَيا لحَقَارَتِهِ إِذَا عَصَاهُ!
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاِسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.













الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ... (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.
عِبَادَ اللهِ، ثُـمَّ يَأْتِي الـْحَــدِيثُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْعَظِيمَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ صِدْقِهِ فِيمَا بَلَّغَ؛ فَشَهِدَ لَهُ رَبُّ الْعِزَّةِ وَالـْجَلَالِ بِصِدْقِهِ، وَصِدْقِ خَبَرِهِ، فَقَالَ تَعَالَى:
(وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ): يـُخَاطِبُ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، أَهْلَ مَكَّةَ، حِينَمَا وَصَفُوا مُحَمَّدًا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِالْجُنُونِ فِيمَا جَاءَ بِهِ، فَأَقْسَمَ اللهُ لَهُمْ بِأَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَمْرِهِ جَلَّ وَعَلَا وَأَنَّ مـُحَمَّدًا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَيْس بِـمَجْنُونٍ، وَوَصْفُهُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِالـْجُنُونِ يَدُلُّ عَلَى جَهْلِ مَنْ عَادَوْهُ؛ حَيْثُ وَصَفُوا أَعْقَلَ النَّاسِ بِالـْجُنُونِ، وَهُمْ
يَعْلَمُونَ يَقِينًا رُجْحَانَ عَقْلِهِ، وَصِدْقِهِ وَأَمَانَتِهِ، وَخَاطَبَهُمُ اللهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ:(وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) فَسَمَّاهُ صَاحِبًا لـَهُمْ، لِأَنَّـهُمْ يَعْرِفُونَهُ حَقَّ المْـَعْرِفَةِ؛ وَلَمَ لَا ؛ وَقَدْ نَشَأَ وَتَرَبَّى بَيْـنَهُمْ؟! يَعْرِفُونَ أَمَانَتَهُ وَصِدْقَهُ، وَحَسَبِهِ وَنَسَبِهِ، وَلَكِنِ الْـهَوَى وَالْـحَسَدُ إِذَا غَلَبَا؛ غَيَّبَا الْعَقْلَ وَالْـمَنْطِقَ وَالـْحَقَّ. وَمَعْنَى الْآيَةِ: وَمَا مـُحَمَّدٌ الَّذِي لَازَمَكُمْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ عَامًا ،فَلَا تـَخْفَى عَلَيْكُمْ دَقَائِقُ أَحْوَالِهِ؛ مَا هُوَ بـِمَخْبُولٍ، وَلَا هُوَ مِنَ الـْجِنِّ بـِمَمْسُوسٍ كَمَا تَزْعُمُونَ أَيُّهَا الْكَافِرُونَ.
ثُـمَّ قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ): حَيْثُ بَيَّنَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ محمدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَأَى جِبْـرِيلَ عَلَى صُورَتِهِ الْمَلَكِيَّةِ الْـحَقِيقِـيَّـةِ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ الْوَاضِحِ.
ثُـمَّ قَالَ تَعَالَى: (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ): فَمُحَمَّدٌ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَيْسَ بِضَنِيـنٍ أَيْ: لَيْسَ بِبَخِيلٍ عَلَيْكُمْ، فَلَا يَبْخَلُ عَلَيْكُمْ بِـمَا بَلَغَهُ، فَلَا يَكْتُمُ شَيْئًا عَنْكُمْ، أَوْ يَطْلُبُ عَلَيْهِ أَجْرًا، فَمِنْ أَيِّ وَجْهٍ تَطْعَنُونَ فِي الْقُرْآنِ إِذَا كَانَ هَذَا شَأْنُهُ، وَشَأْنُ مَنْ حَـمَلَهُ؟! فَالنَّاقِلُ أَمِيـنٌ، وَالْمُبَلِّغُ أَمِيـنٌ.
ثُـمَّ قَالَ تَعَالَى: (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ): أَيْ لَيْسَ الْقُرْآنُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْطَانِ الْـمَرْجُومِ الَـمَلْعُونِ، وَلَكِنَّهُ مِنْ كَلَامِ اللهِ وَوَحْيِهِ. فَكَيْفَ تَاهَتْ عُقُولُكُمْ يَا كُفَّارَ مَكَّةَ وَغَابَتْ؛ فَلَمْ تَعُدْ تَعْرِفُ الْـحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَلَا تُـمَيِّزُ الْغَثَّ مِنَ السَّمِينِ، وَلَا الصِّدْقَ مِنَ الْكَذِبِ؟!
ثُـمَّ قَالَ تَعَالَى: (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ): فَمَا هِيَ الْـحُجَّةُ الَّتِـي تَسْتَنِدُونَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْيَوْمِ، وَبَعْدَ مَا بَانَتْ لَكُمُ الْـحَقَائِقُ وَاِنْكَشَفَتِ، بَعْدَ هَذَا الْبَيَانِ وَالإِيضَاحِ عَنْ صِدْقِ الْقُرْآنِ؛ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِقَوْلِ مُـحَمَّدٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا بِقَوْلِ الشَّيَاطِيـنِ كَمَا تَدَّعُونَ بِأَنَّ مَعَهُ رِئْــيًــا. وَأَيُّ طَرِيقٍ تَسْلُكُونَهُ، بِتَكْذِيبِكُمْ لِـهَذَا، فَإِذَا كُنْتُمْ تَبْحَثُونَ عَنْ الْـحَقِيقَةِ؛ فَقَدَ بَانَتْ لَكُمْ.
ثُـمَّ قَالَ تَعَالَى: (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ)، أَيْ: مَا هَذَا الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، الَّذِي ذُكِرَتْ لَكُمْ أَحْوَالَهُ؛ إِلَّا مَوْعِظَةٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُكَلَّفُونَ مِنَ الإِنْسِ وَالْـجِنِّ، وَحُجَّةٌ عَلَيْكُمُ؛ كَمَا قَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ثُـمَّ قَالَ تَعَالَى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ): فَمَنْ أَرَادَ الْـهِدَايَةَ فَالْقُرْآنُ طَرِيقُهَا، وَهَلْ يُرِيدُونَ هَادِيًا أَعْظَمَ مِنْ الْقُرْآنِ؟! فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسِتَقِيمَ؛ فَالْقُرآنُ خَيـرُ مُرْشِدٍ لَهُ، وَقَدْ أَثْبَتَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ السُّورَةِ؛ أَنَّ لِلْعِبَادِ مَشِيئَةً، وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ يَتَحَجَّجُونَ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ فِي اِرْتِكَابِ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَـحْجِبُ نَفْسَهُ عَنِ الْـهِدَايَةِ، قَالَ تَعَالَى: (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا).
ثُـمَّ قَالَ تَعَالَى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ): فَأَثْبَتَ الْقُرْآنُ أَنَّ للهِ مَشِيئَةً، وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ وَالْمُعْـتَـزِلَةِ، الَّذِينَ نَفَوا مَشِيئَةَ اللهِ؛ فَفِي هَذِهِ الآيَاتِ إِثْبَاتُ مَشِيئَةٍ للهِ، وَمَشِيئَةٍ لِلْعِبَادِ، فَمَنْ أَرَادَ الِاسْتِقَامَةَ؛ فَهَا هُوَ الْقُرآنُ، وَهَا هِيَ السُّــنَّــةُ. فَلَا تَقَعُ مِنْكُمْ إِرَادَةٌ -كَائِنَةً مَا كَانَتْ- إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ بِوُقُوعِهَا؛ لِأَنَّهُ رَبُّ جَـمِيعِ الْعَوَالِـمِ؛ فَلَا يَقَعُ فِي مُلْكِهِ إِلَّا مَا يَشَاءْ. اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا تُـحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِينَا لِلْبِـرِّ وَالتَّــقْوَى.
أَلَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ مُـحَمَّدٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). اللهُمَّ صَلِّ عَلَى نَبِيِّنَا، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَــوْمِ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُـحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى وَجْهِكَ. الَّلهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَلَا تَـجْعَلْ فِينَا وَلَا بَيْنَنَا شَقِيًّا وَلَا مَـحْرُومًا، الَّلهُمَّ اِجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيينَ غَيْـرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ، اللَّهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ وَالْـمُسْلِمِينَ مِنَ الفِتَنِ وَالمِحَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، اللَّهُمَّ اِحْفَظْ لِبِلَادِنَا أَمْنَهَا وَإِيمَانَهَا وَاِسْتِقْرَارَهَا، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاِجْعَلْهُ هَادِيًا مَـهْدِيًّــا، وَأَصْلِحْ بِهِ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاِقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ الْـمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاِكْفِهِمْ شَرَّ شِرَارِهِمْ، اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ. اللهُمَّ انصُرِ الْمُجَاهِدِينَ، الَّذِينَ يُـجَاهِدُونَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا، اللهُمَّ انصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكِ وَعَدُوِّنَا، اللهُمَّ ثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ وانصُرْهُمْ عَلَى الْقَوْمِ الظَّالِمِيـنَ، اللَّهُمَّ اخلُفْهُمْ فِي أَهْلِيهِمْ خَيْـرًا، اللَّهُمَّ انصُرْ قُوَّاتِ التَّـحَالُفِ عَلَى الْـحُوثِـيِّينَ الظَّلَمَةِ نَصْرًا مُؤَزَّرًا . اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرُوا مَعَنَا، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

المرفقات

مَشْكُولَةٌ.docx

مَشْكُولَةٌ.docx

غير مشكولة.docx

غير مشكولة.docx

المشاهدات 2822 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا