سوانح حول رمضان

الخطيب المفوه
1433/08/23 - 2012/07/13 08:01AM

سوانح حول رمضان
خطبة ألقيت في جامع أبي عبيدة بحي الشفا
ألقاها / د : سعد بن عبد العزيز الدريهم
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمدَ لله ، نحمدُه ونستعينه ونستغفره ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا . من يهده الله ؛ فلا مضلَّ له ، ومن يضللْ ؛ فلا هاديَ له ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعدُ : فإنَّ أصدق الحديث كتابُ الله ، وخيرَ الهدي هديُ محمد e ، وشرَّ الأمور مُحـدثاتُها ، وكلَّ محـدثةٍ بدعــةٌ ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلَّ ضلالةٍ في النار .
أيها الأحبة في الله ، أيام معدودات وتكونون بعدها في رياض وارفة الجنان ، عذبة الرواء ، رحبة الأركان ؛ إنها الروح والريحان، فما أطيب ما نحن مقدمون عليه وما نحن إليه صائرون! إنها أيام شهر رمضان الكريم ولياليه ، وإذا ذكر الشهر ذكر الفضل . وحسبك به فضلاً أن العباد فيه يتخففون من الأوزار ؛ ليلحقوا بقوافل الموفقين .
لقد اقترب الخير بحذافيره ، لقد اقترب الأجر المطلق والخير العميم ؛ فأعدوا لذلك الخير نوايا حسنة وعزماً وحزماً ؛ فو الله إن الاستعداد الحق هو استعداد الروح لا استعدادُ الجسد بإحضار لوازمه من مأكل ومشرب ، وعندما تسبق النية العمل ويعضدها الحزم ، يلقَّى الإنسان من ربه إعانة وتوفيقاً ، لقد كنت تتمنى فهاهي الأمنيات قد حطت رحالها بين يديك ؛ فلا تدعها تغادرك كما غادرتك من قبل ولم تهتبلها ، فاليوم السباق وغداً الرهان ، وكل يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ، والله أسأل أن يجعلنا ممن أدرك هذا الشهر فاستحق عظيم الثواب والأجر .
أيها الأحبة في الله ، كل منا يستشعر عظيم هذا الشهر الكريم؛ لذا تجدنا ننوي النوايا الطيبة ، من صلاة وذكر وقراءة للقرآن وبذل للخير ، ولو تأملنا لوجدنا أن هذه النوايا تنقلب أعمالاً صالحة ، ولكن في أيام معدودة من الشهر، ولكن لا يكاد ينتصف الشهر أو قبلَ ذلك أو بعده بقليل ؛ حتى تجدَ النفوس بدأ يدركها الملل ، وأخذت تتقلب في أودية الغفلة ، وربما ساقها ذلك إلى الباطل واستبدلت الرفعة بالدنو ، وعندما تدخل العشر الأواخر وهي محل الليلة الفضيلة لا تكاد تجد له فيها موطئ قدم ، لقد خارت قواه وتلاشت همته ، واستبدل خسيساً بنفيس ، كم نرى من هؤلاء في كل عام في هذا الشهر الكريم المبارك ، وربما كنا منهم ؛ إنهم والله كثر ، وهذا بسبب من غياب فقه النفوس ومعرفة تقلباتها ، وإلا من أدرك مشاكسة النفوس لا ريب أنه قادر على كبح جماحها وتوجيهها الوجهة الحسنة .
فلو تأملنا لوجدنا أن أرباب السباق في المضمار لا يتعبون خيلهم في بداياتها ؛ وعند النهايات تجدهم يشدون عليها ، والناس في رمضان وهو موطن السباق يتعبون أنفسهم في البدايات وعند الغايات ومحل التنافس وهي الأواخر تجدهم قد خارت قواهم فلم تبلِّغهم الفوز ، وهذا خلاف الهدي النبوي الكريم فلقد كانت العشر الأولى والوسطى خليط من العبادة والراحة، ولكن إذا دخلت العشر الأوخر جدَّ واجتهد وشد مئزره وأحيى ليله وأيقظ أهله ، فكم البون شاسع بيننا وبين الهدي النبوي الكريم ، ولا خير في نفس لا تهتدي بهدي الحبيب r ، وهنا أقول لكم كونوا مع النبي r حيث كان ودوروا مع هديه حيث دار ، عندها تلقون الرشاد .
وهنا أيها الأحبة في الله ، لا بد أن أشير إلى أمر مهم جداً ، ومن فقهه كسب شهره ، وسرى منه إلى عمره كله ، وهو أن الشهر الكريم ما هو إلا محطة لتنظيم العمر، والمراجعةُ السنوية ؛ ففيه يحصل التناغم بين سعي الدنيا والآخرة ، كما أن الشهر محطة للتدرب على تعاهد القرآن وتدبره ، وهو كذلك حافز على المداومة على الصلوات في أوقاتها . وإقبالُ الإنسان على الطاعات، يطرد الشح من نفسه ؛ فتجده باذلاً لأمواله ، فهذه هي البدايات ، ومن أخذها بحكمة هدي إلى صراط مستقيم .
ولا بد أن تدركوا أن أكثر ما يضيع على الناس الفضائل في هذا الشهر خاصةً العشرُ الأواخرُ هي الأسواق لاشتراء حاجيات العيد ؛ خاصة مع قصر الليل ؛ لذا لو جرب الإنسان أن يقضي حاجاته قبل رمضان أو في العشر الأُول منه سيدرك حينها مدى الراحة النفسية والجسدية التي نالها ؛ لأنه بتقدم الأيام ترتفع الأسعار ، وينفذ الجديد والجيد ، كما أن الشوارع تزدحم بالسيارات ، فجرب ذلك وخذ أهلك بالحزم والجد ، وإلا لو ترك الأمر لأهواء النساء لجاء فجر يوم العيد وهن في الأسوق ، والله نسأل أن يصلح أحوال المسلمين ، وأن يريهم الحق حقاً ويرزقهم اتباعه ، والباطل باطلاً ويرزقهم اجتنابه ؛ إنه جواد كريم .
أقول قولي هذا ، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة، والسلام على إمام المتقين ، وقدوة الناس أجمعين، وحجة الله على الهالكين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد :
أيها الأحبة في الله ، التنظيم والأخذ بحسن التدبير يجعل الإنسان في راحة في أمر دينه ودنياه ؛ فلو قمت بوضع جدول لك تراعي فيه نفسك وقدرتك لكنت إلى الفلاح أقرب ؛ ومن نجح فبعد توفيق الله راجع لحسن تنظيمه وتدبيره ، ومن أخفق فهو راجع لحياته البائسة التي ضاعت فيها الأولويات . وحكمة الرجل تتضح خلال ذلك .
ولو ذهبت هذه الأيام لمحلات الأغذية لرأيت الحكمة رجالاً، فثمة من يسرف ، وثمة من يقتصد ، والتباين هنا عندما تجد الرجل المقتدر قد أخذ ما يحتاجه ، وتجد الإنسان الضعيف الحال قد أخذ ما يحتاجه ومالا يحتاجه ، ولا تكاد تتقدم أيام الشهر حتى تجده يشتكي الحاجة والضيق ، وهذا التدبير هو الذي جعل هذا غنياً وهذا فقيراً ، ولا يظلم ربك أحداً ، وإلا لو أخذ الإنسان حاجاته لاستقرت أوضاعنا المادية ، ولما كنا هدفاً لأهل الجشع من التجار ، فالحكمة الحكمة أيها الجمع الكريم ، لتربحوا دينكم ودنياكم ، وتذكروا وأنتم تتفيأون هذه النعم أن ثمة من لا يجد ما يسد جوعته ، وما إخوانكم في اليمن وما يعانون من مجاعة إلا مثال على ذلك ؛ فاحفظوا هذه النعم بشكر المنعم بها ، ومن الشكر ألا يسرف فيها ..
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه والباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ..
المشاهدات 1742 | التعليقات 0