سوء الظن داء خطير في المجتمع

سوء الظن داء خطير في المجتمع[1]
الحمدلله الذي نهى عباده عن سوء الظن, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريِك له, وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً رسول رب العالمين صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين, أما بعد:
فاتقوا الله أيها المؤمنون واتبعوا ما أمركم الله به, واجتنبوا ما نهاكم عنه فإنكم على أعمالكم محاسبون وعليهافي الآخرة مجزيُّون, إن خيرا فخير وإن شرَّا فلا يلومنَّ امرؤٌ إلا نفسه.
عباد الله: إنَّ القلب مُسْتقرٌّ لما أودعَ فيه, فمن أودعَ فيه خيراً سيجني خيراً, والخيرُ كلُّ الخير في سلامته من الآفات والمنغِّصات, ومن أعظم الآفات سوء الظن, ذلك الداءُ العضال الذي جرَّع الغصصَ والآلام وجرَّ إلى التباغض والتدابر, وإلى القطيعة والإيذاء, وسوءُ الظنِّ هو أن يعتقد المرء جانبَ الشرِّ وأن يُرجِّحهُ على جانبِ الخير مع احتمال الأمرين معاً.
أيها المسلمون: من الناس أقوامٌ يسيئون الظن بالناس, وقد يصل بأحدهم الحال أن يسئ الظن بأمه وأبيه وأخته وأخيه, وجاره وصديقه, وقريبه وذي رحمه, ظَنونٌ بالشرِّ, يُفسِّرُ الكلام والأفعال تفسيراً دلَّه عليه الوهم, فيتيقنُ أنَّ وهمَه حقيقة, فيبني حياته على وهمٍ يشقى به, متنقِّلاً من وهمٍ إلى آخر ومن همٍّ وكدر إلى هموم ومكدِّراتٍ أخر, قال بعضهم: سوءُ الظن يُدمِّر صاحبَه, فيقطَعُ أرحامَه ويُشتِّتُ أصدقاءه ويخسر علاقاته ويفوِّتُ مصالحه, وفي النهاية يعيش وحيداً منبوذاً, عبدَ الله: إنَّ سوء الظن بالأخ والأخت والعم والعمة والخال والخالة وابن العم أو بأحد الأقارب قد يجرُّ إلى قطيعتهم وقد يصل الحال إلى تحريض الأبناء عليهم ونهيهم عن صلتهم فالحذر الحذر من سوء الظن فإنَّه جامعٌ لشرور عظيمة.
أيها المسلمون: لقد أمركم الله باجتناب سوء الظن؛ لأنَّه خُلقٌ مذموم يُوقِعُ في أخلاقٍ سيئةٍ أخرى قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} قال السعدي رحمه الله: (نهى الله تعالى عن كثير من ظن السوء بالمؤمنين فـ {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} وذلك كالظنِّ الخالي من الحقيقة والقرينة وكظنِّ السوء الذي يقترن به كثيرٌ من الأقوال والأفعال المحرمة، فإنَّ بقاء ظنِّ السوء بالقلب، لا يقتصرُ صاحبه على مجردِ ذلك، بل لا يزال به، حتى يقولَ ما لا ينبغي، ويفعلَ ما لا ينبغي، وفي ذلك أيضًا، إساءة الظن بالمسلمِ، وبغضهِ، وعداوته)[2]. انتهى ما قاله رحمه الله. وإنَّ من الجهل وضعف الإيمان أن يحسِب البعض أنَّ في سوء الظنِّ نباهةٌ وفطنةٌ وذكاء, فنقول له: الفطنة والذكاء لا تكون بارتكاب ما حرَّم الله بل تكونُ بطاعته عزوجل.
عباد الله: إنَّ النبيَ صلى الله عليه وسلم نهى أمته عن سوء الظنِّ, في الصحيحين أنَّه عليه الصلاة والسلام قال: (إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث) قال النووي رحمه الله: المرادُ النهيُ عن ظنِّ السوء, وقال الخطَّابي رحمه الله: هو تحقيقُ الظنِّ وتصديقُه دونَ ما يهجِسُ في النفس, فإنَّ ذلك لا يُملَك...قال النووي رحمه الله: ومراد الخطَّابي أنَّ المحرَّمَ من الظنِّ ما يستمرُّ صاحبُه عليه ويستقرُّ في قلبه دون ما يعرِضُ في القلب ولا يستقرُّ, فإنَّ هذا لا يُكَلَّفُ بهِ كما في حديث تجاوز اللَّهُ تعالى عمَّا تحَدَّثَتْ به الأمة مالم تتكلَّم أو تَعْمِدْ...ونقلَ القاضي عن سفيانَ أنَّهُ قال الظَّنُّ الذي يأثمُ بهِ هو ما ظَنَّهُ وتكلَّمَ به فإنْ لم يتكلَّم لم يأثم)[3] ونقل ابن حجر عن القرطبي أنَّه قال: (المرادُ بالظنِّ هنا التُّهمةُ التي لا سببَ لها كمن يتَّهِمُ رجلاً بالفاحشةِ من غير أن يظهرَ عليه ما يقتضِيها)[4].
أيها المسلمون: إنَّ سوء الظن يجرُّ صاحبه للتجسس المنهيِ عنه, وقد يجرُّه إلى الغيبة والنميمة, قال ابن حجر رحمه الله:(فإن قال الظَّانُّ أبحثُ لأتحقَّقَ قيل له: ولا تجسَّسوا فإنْ قال: تحقَّقتُ من غيرِ تجسُّسٍ قيلَ له: ولا يغتب بعضكُم بعضًا)[5]. انتهى فلا تسيئوا الظن بالناس فإنَّه مدعاةٌ لإفسادهم, قال صلى الله عليه وسلم:(إنَّ الأميرَ إذا ابتغى الرِّيبةَ في النَّاسِ أفسدَهم) أخرجه الإمام أحمد وغيره وصححه الألباني. قال في عون المعبود: الرِّيبة: أي: طَلَبَ أن يُعاملَهم بالتهمة والظنِّ السوءِ ويجاهرَهم بذلك, وقال ابن الأثير أي: إذا اتَهمَهم وجاهَرَهم بسُوء الظن فيهم، أدَّاهم ذلك إلى ارتكاب ما ظَنَّ بهم، ففسدوا)[6].
أيها المؤمنون: لقد حذر السلف الصالح من سوء الظن فعن سعيد بن المسيِّب رحمه الله قال: «كتب إليّ بعض إخواني من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أن ضع أمرَ أخيكَ على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبك، ولا تظنَّنَّ بكلمةٍ خرجت من امرئٍ مسلمٍ شرَّاً، وأنتَ تجدُ لها في الخير مَحمَلا، ومن عرَّض نفسه للتهم فلا يلومنَّ إلا نفسه، ومن كتم سرّه كانت الخَيَرةُ في يده، وما كافيتَ من عصى الله تعالى فيك بمثل أن تطيع الله تعالى فيه).
أيها المسلمون:
إنَّ سوء الظن بالمسلمين من الذنوب الكبائر فقد ذكرها ابن حجر الهيتمي رحمه الله: أنها الكبيرة الحاديةُ والثلاثون لعظم مفسدتها وسوء أثرها ودوامه, فكم قطعَ يا عباد الله سوءَ الظن أحسنَ العلاقات, وفرَّق شمل الأقارب والأصحاب, ورحم الله من تغافل وستر الزلة وسامح لأجل بقاء وُدٍّ ودوام محبَّة.
أيها المسلمون: إنَّ لسوء الظن مضآر منها: أنَّه يدل على فساد النية ويُفضي إلى التباغض والتدابر ويجلب الذل والهوان ودليل على ضعف الإيمان, وهو من أخلاق المنافقين ويوصِلُ إلى غضب رب العالمين. فاجتنبوا يا عباد الله هذا الداء العضال ومن كانت فيه هذه الآفة فليتب إلى الله منها وليجاهد نفسه على مدافعة سوء ظنِّه بأن يحسن ظنَّه بإخوانه المسلمين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
[1] خطبة تم إعدادها ضحى الثلاثاء 21/3/1438هـ, عمر بن عبدالله بن مشاري المشاري (الداخلة).
[2] تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 801)
[3] شرح النووي على مسلم (16/ 119)
[4] فتح الباري لابن حجر (10/ 481)
[5] فتح الباري لابن حجر (10/ 481)
[6] سنن أبي داود ت الأرنؤوط (7/ 252) النهاية (2/ 286).
المرفقات

سوء الظن داء خطير في المجتمع.docx

سوء الظن داء خطير في المجتمع.docx

المشاهدات 2046 | التعليقات 2

جزيت خيرا وفضلا شيخ عمر وسلمت أناملك خطبة ماتعة نافعة مختصرة نفع الله بك وشكر الله لك


زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية;34257 wrote:
جزيت خيرا وفضلا شيخ عمر وسلمت أناملك خطبة ماتعة نافعة مختصرة نفع الله بك وشكر الله لك


اشكر لكم تعليقكم يا شيخ زياد وجزاكم الله خيرا