سوءُ الظنِّ, الآفةُ التي تفتك بالأفراد والمجتمعات, خطرُه وضرره ومعناه (1) 18-6-1435
أحمد بن ناصر الطيار
1435/06/15 - 2014/04/15 15:09PM
الحمدُ لِلَّهِ الذَّي منَّ على الصالحين بذِكره وطاعَتِه ، فَرَتَعوا في رياض الجنَّة لشُغْلِهم بمُراقَبَتِه وعِبَادَتِه.
وَأشْهَدُ أنْ لا إِله إِلا اللهُ وَحْدَه لا شَرِيكَ لَه, في ربوبيَّته وإلهيَّته وأسمائِهِ وصفاتِهِ ، وأَشْهَدُ أَنَّ سيَّدَنَا محمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه من مخلوقاتِه ، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وأتباعِهِ, أهلِ دينِه ووُلاته, وسلَّم تسليمًا.
أما بعد, فاتقوا الله معاشر المسلمين, واعلموا أنَّ مَنْ يُوفَّقُ للأخلاق الحسنة, والمعاملة اللينة, ينبغي أنْ يشكر الله على ذلك ليله ونهاره, فكم همُ الذين لا تُطاقُ أخلاقهم, ولا تُحتَمَلُ طِبَاعُهُم, وبعضُهم كلَحْمِ جَمَلٍ غَثٍّ, عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ وَعْرٍ, لاَ سَهْلٍ فَيُرْتَقَى, وَلاَ سَمِينٍ فَيُنْتَقَلَ.
أحدُهم يمرُّ على أخيه فيُسلم عليه فلا يردُّ, ويُكرر ذلك فيتمادى في الصدِّ, وآخرُ يمدُّ يده بالسلام على أهل المجلس, فيكتفي أحدُهم بِمدِّ يدِه, دون أنْ يُكلِّفَ نفسه القيامَ له, وآخرُ يُصافحُه رجلٌ فيهشُّ في وجهه, فلا يردُّ عليه بكلمةٍ واحدة, وآخر يستقرضُ من آخر فلا يردُّ عليه قرضه, بل ولا يستقبل منه اتِّصالاً ولا كلامًا.
إنها قصصٌ مرَّتْ وتكرَّرتْ كثيرًا, أليس هذا هو الكبر بعينه؟, أليس من فعل ذلك يكون آثماً وعاصيًا؟.
لا, نعم لا؛ فليس هؤلاء مُتكبرون ولا آثمون, بل مَن ظنَّ بهم ذلك فهو الآثم الْمُذنب؛ لأنَّ الأول كان أصمًّا لا يسمع, والثاني كان مُقعدًا لا يقف على قدميه, والثالث أبكم لا يتكلَّم, والرابع في فراش المرض أو مُوَسَّدٌ في قبره!!.
نعم - يا أمة الإسلام- إنه الظنُّ السيء بالآخرين, والعجلةُ في إصدار الأحكام على الناس, وعدمُ التماس الأعذار.
كم اتَّهمنا أُناسًا دون أنْ نتيَّقن ونتأكَّد من ذلك, كم اغتبنا وحكمنا على نوايا آخرين, بسبب موقفٍ أو كلامٍ يحتمل أوجهاً كثيرة, ولكننا لا نأخذ إلا بأسوأ الأوجه والاحتمالات.
أين نحن من قول سفلنا الصالحِ رحمهم الله: إذا بلغك عن أخيك شيْءٌ تكرهه، فالتمس له العذْر جُهدَك، فإن لم تجد له عذراً فقل في نفسك: لعل لأخي عذراً لا أعلمه.
يا لها من قاعدةٍ عظيمة, ونصيحةٍ سديدة, ووالله لو طبقناها لزالتْ ثلاثةُ أرباع مشاكلنا وخلافاتنا, أو أقل من ذلك أو أكثر.
لا تكون عداوةٌ ولا قطيعةٌ إلا بسبب سوء الظنّ غالباً.
لا تحدُثُ قطيعةٌ بين أحدٍ بسبب مزاحٍ, إلا لظنِّه أنَّ المازح يستخفُّ به.
ولا تكونُ قطيعةٌ بين أحدٍ بسبب مالٍ وتجارة, إلا لظنِّ أحدهما أنَّ الآخر يستأثر ويستولي عليه.
لا تكونُ قطيعةٌ بين أحدٍ بسبب نصيحةٍ أو مُصارحة, إلا لظنِّه أنَّ الناصح يتصيَّد أخطاءه أو يتعالى عليه.
ولا غيبةَ ولا نميمةَ ولا تجسسَ إلا بسبب سوء الظن.
وهذا على وجه العموم والأغلب, والأمثلةُ كثيرةٌ لا تُحصى.
وما نراه من الاتهامات والردود والسِّباب في وسائل الإعلام, بين الْمثقفين أو بعضِ الدعاةِ وغيرِهم, إلا بسبب سوء ظنِّ بعضِهم ببعض.
إنَّ سوءَ الظنِّ هو الداء الذي عمَّ بلاؤه, والمرضُ الخبيثُ الذي صعُب شفاؤه, والسمُّ القاتلُ الذي من تجرَّعه تُيُقِّنَ هلاكُه, والسيفُ الذي من أشهره قَتَلَ به ثم ارتدَّ عليه, فصاحبُ الظنون السيئة, يُسبِّبُ الشر والفرقة بين الناس, وهو الخاسر الأول من ذلك, فيُصاب بالإحباط والوسواس, ويُحسُّ بأنَّ الناس أعداءه حتى الأقربين, حتى إني سمعت أحدَهم يقول: أنا لا آمَنُ أقربائي وأمي وإخوتي, وأحسُّ الذي من حول أعداءً لي!!.
نعم, بلغ الْمَرْضَىَ بسوء الظنِّ مثلَ ذلك وأشدّ.
فلْنحذر أشدَّ الحذر من سوء الظنّ, ولْنتعامل فيما بيننا بأحسن النوايا, ولْيعذُر بعضُنا بعضًا, حينما نرى من أحدنا ما نكرهه.
وعلموا - معاشر المسلمين- أنَّ الْمَقصودَ بالظنِّ الْمنهيِّ عنه: أنْ يتَّهم أحداً بلا بيِّنةٍ أو قرينةٍ مُؤَكَّدة, كمن يتهم غيره بأن فاسقٌ أو مُنافق, أو مُتكبِّرٌ أو بخيلٌ أو نحوُ ذلك.
وهذا الظنُّ إنما هو إثمٌ وذنبٌ على صاحبه, قال العلامةُ الغزاليُّ رحمه الله: اعلم أن سوءَ الظن حرامٌ مثلَ سوءِ القول, فكما يحرم عليك أنْ تُحَدِّثَ غيرك بلسانك بمساوئ الغير, فليس لك أن تُحَدِّثَ نفسك وتسيءَ الظن بأخيك.
والظن : عبارةٌ عمَّا تركن إليه النفس, ويميل إليه القلب.
وكما يجب عليك السكوتُ بلسانك عن مساويه, يجب عليك السكوتُ بقلبك, وذلك بترك إساءة الظن, فسوءُ الظن غيبةُ القلب, وهو منهيٌّ عنه أيضاً, وَحَدُّهُ: أَنْ لَا تَحْمِلَ فِعْلَهُ على وجهٍ فاسد, ما أمكن أن تحمله على وجه حسن. ا.ه كلامه
والظنُّ يا أمة الإسلام, هو أكذب الحديث, قال : ( إياكم والظن, فإن الظن أكذب الحديث ) متفق عليه
وَإِنَّمَا كَانَ الظَّنُّ أَكْذَبَ الْحَدِيثِ ؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ مُخَالَفَةُ الْوَاقِعِ, مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إلَى دليل, وَأَمَّا الظَّنُّ, فَيَزْعُمُ صَاحِبُهُ أَنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى شَيْءٍ, وعنده أدلةٌ وبراهينُ على ما يدَّعيه, فَيَخْفَى عَلَى مَن سَمِعه كَوْنُهُ كَاذِبًا, فَكَانَ أَكْذَبَ الْحَدِيثِ.
كَمْ نَخَرَ هذا المرضُ القتَّال في أجساد الناس, وكم فرق بين الأحباب, وكم تقاطع بسببه الأصدقاءُ والأصحاب.
وكثيرًا ما يندمُ الإنسان على ظنه, ويأثم جرَّاء اعتقاده, قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً}.
قال الحافظُ ابن كثيرٍ رحمه الله: يقول تعالى ناهيا عباده المؤمنينَ عن كثير من الظن، وهو التهمة والتخون للأهل والأقاربِ والناسِ في غير مَحَلِّه؛ لأن بعض ذلك يكون إثما محضًا، فلْيَجْتَنِبْ كثيرًا منه احتياطا، وروينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم إلا خيرا، وأنت تجد لها في الخير محملا. ا.ه كلامه
وما نَجَمَتِ العقائِدُ الضالة, والمذاهبُ الباطلة, إلا من الظنون الكاذبة, قال تعالى {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} وقال {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}.
وقد قال العلماء: إن الظن القبيح بمن ظاهره الخيرُ لا يجوز.
ومعنى الأمرِ باجتناب كثير من الظن: الأمرُ بالتثبت فيه وتمحيصِه, والتشككِ في صدقه, إلى أن يتبين صدقُه.
وما أروح الحياة - يا أمة الإسلام- في مجتمعٍ بريءٍ من الظنون!.
والأمر لم يقفْ في الإسلام عند هذا الأفقِ الكريم الوضيء, في تربية الضمائر والقلوب, بل إنَّ هذا النصَّ يُقيم مبدأً في التعامل ، وسياجاً حول حقوق الناس, الذين يعيشون في مجتمعِه النَّظِيْفِ ، فلا يُؤْخَذُون بِتُهْمة ، ولا يحاكمون بريبة؛ ولا يصبح الظنُّ أساساً لمحاكمتهم, بل لا يصلح أن يكون أساساً للتحقيق معهم ، ولا للتحقيق حولهم.
ومعنى هذا أنْ يظلَّ الناسُ أبرياء ، مصونةً حقوقُهم واعتبارُهم, حتى يتبين بوضوحٍ أنهمُ ارتكبوا ما يُؤَاخذون عليه, ولا يكفي الظنُّ بهم لتعقبهم, بُغْيَةَ التَّحَقُّقِ مِنْ هذا الظنِّ الذي دار حولهم!.
فأيُّ صيانة ٍلِكَرامة الناسِ وحقوقِهم أعظمُ من هذا؟ وأين أقصى ما تتفاخرُ به أحسنُ البلادِ تَقَدُّمًا وحُرِّيَّةً, وصيانةً لحقوق الإنسان فيها من هذا الْمَدَى, الذي هتف به القرآنُ الكريمُ للذين آمنوا؟.
نسأل الله تعالى, أنْ يُزيل عنْ قلوبنا ظنَّ السوء بالأبرياء, وأنْ ينزع مِنْ صُدورنا الغلَّ والحقد على المسلمين, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.
الحمد لله رب العالمين، حذَّرنا أسباب عداوةِ الْمُسلمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين, وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين... أما بعد:
معاشر المسلمين, وبعد أن نهانا ربنا تبارك وتعالى عن كثيرٍ من الظنون, نهانا عن التجسس فقال: {وَلا تَجَسَّسُوا} أي خذوا ما ظهر من أحوال الناس, ولا تبحثوا عن بواطنِهم أو أسرارِهم, أو عوراتهم ومعايبهم ، فإن من تتبع عورات الناس فضحه اللّه - تعالى -.
والتجسس هو من آثار الظن؛ لأنَّ الظنَّ يُحرِّضُ عليه, حين تدعو الظَّانَّ نفسَه إلى التَّحقُّقِ والتَّأكُّدِ مِـمَّا ظنه.
والتجسس: هو البحث عن أسرار الناس بوسيلةٍ خفية, وهو نوعٌ من الكيد والتطلع على العورات.
وقد يرى الْمُتَجَسِّسِ من الْمُتَجَسَّسِ عليه ما يسوؤه, فتنشأ عنه العداوة والحقد, ويدخل صدرَه الحرجُ والتخوفُ, بعد أن كان خاطرُه وضميرُه سَلِيْمًا تجاهه, وذلك من نكد العيش, ومن المآسي التي يجنيها صاحبُ الظُّنون السَّيَّئة.
وذلك ثلمٌ للأخوة الإسلامية, وهو يبعث على انتقام كليهما من أخيه.
ثم قال تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} والغيبةُ من آثار الظنِّ أيضاً, فمن ظنَّ بأخيه سوأً اغتابه غالبًا, وقدَحَ فيه وفي أمانته وخُلُقه.
هذه يا أمة الإسلام بعضُ آثار الظنِّ السيئ, وأضرارِه وآفاتِه على الأفراد والمجتمع, وبقي الحديثُ عن علاجه وكثيرٍ من مسائله, أتطرَّق لها في الجمعةِ القادمة بحول الله تعالى.
نسأل الله تعالى, أنْ يُوفقنا لِحُسْنِ الظن بالمسلمين, وأنْ يُجنبنا سوء الظن بهم, إنه على كل شيءٍ قدير.
وَأشْهَدُ أنْ لا إِله إِلا اللهُ وَحْدَه لا شَرِيكَ لَه, في ربوبيَّته وإلهيَّته وأسمائِهِ وصفاتِهِ ، وأَشْهَدُ أَنَّ سيَّدَنَا محمَّدًا عبدُه ورسولُه وصفيُّه من مخلوقاتِه ، صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وأتباعِهِ, أهلِ دينِه ووُلاته, وسلَّم تسليمًا.
أما بعد, فاتقوا الله معاشر المسلمين, واعلموا أنَّ مَنْ يُوفَّقُ للأخلاق الحسنة, والمعاملة اللينة, ينبغي أنْ يشكر الله على ذلك ليله ونهاره, فكم همُ الذين لا تُطاقُ أخلاقهم, ولا تُحتَمَلُ طِبَاعُهُم, وبعضُهم كلَحْمِ جَمَلٍ غَثٍّ, عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ وَعْرٍ, لاَ سَهْلٍ فَيُرْتَقَى, وَلاَ سَمِينٍ فَيُنْتَقَلَ.
أحدُهم يمرُّ على أخيه فيُسلم عليه فلا يردُّ, ويُكرر ذلك فيتمادى في الصدِّ, وآخرُ يمدُّ يده بالسلام على أهل المجلس, فيكتفي أحدُهم بِمدِّ يدِه, دون أنْ يُكلِّفَ نفسه القيامَ له, وآخرُ يُصافحُه رجلٌ فيهشُّ في وجهه, فلا يردُّ عليه بكلمةٍ واحدة, وآخر يستقرضُ من آخر فلا يردُّ عليه قرضه, بل ولا يستقبل منه اتِّصالاً ولا كلامًا.
إنها قصصٌ مرَّتْ وتكرَّرتْ كثيرًا, أليس هذا هو الكبر بعينه؟, أليس من فعل ذلك يكون آثماً وعاصيًا؟.
لا, نعم لا؛ فليس هؤلاء مُتكبرون ولا آثمون, بل مَن ظنَّ بهم ذلك فهو الآثم الْمُذنب؛ لأنَّ الأول كان أصمًّا لا يسمع, والثاني كان مُقعدًا لا يقف على قدميه, والثالث أبكم لا يتكلَّم, والرابع في فراش المرض أو مُوَسَّدٌ في قبره!!.
نعم - يا أمة الإسلام- إنه الظنُّ السيء بالآخرين, والعجلةُ في إصدار الأحكام على الناس, وعدمُ التماس الأعذار.
كم اتَّهمنا أُناسًا دون أنْ نتيَّقن ونتأكَّد من ذلك, كم اغتبنا وحكمنا على نوايا آخرين, بسبب موقفٍ أو كلامٍ يحتمل أوجهاً كثيرة, ولكننا لا نأخذ إلا بأسوأ الأوجه والاحتمالات.
أين نحن من قول سفلنا الصالحِ رحمهم الله: إذا بلغك عن أخيك شيْءٌ تكرهه، فالتمس له العذْر جُهدَك، فإن لم تجد له عذراً فقل في نفسك: لعل لأخي عذراً لا أعلمه.
يا لها من قاعدةٍ عظيمة, ونصيحةٍ سديدة, ووالله لو طبقناها لزالتْ ثلاثةُ أرباع مشاكلنا وخلافاتنا, أو أقل من ذلك أو أكثر.
لا تكون عداوةٌ ولا قطيعةٌ إلا بسبب سوء الظنّ غالباً.
لا تحدُثُ قطيعةٌ بين أحدٍ بسبب مزاحٍ, إلا لظنِّه أنَّ المازح يستخفُّ به.
ولا تكونُ قطيعةٌ بين أحدٍ بسبب مالٍ وتجارة, إلا لظنِّ أحدهما أنَّ الآخر يستأثر ويستولي عليه.
لا تكونُ قطيعةٌ بين أحدٍ بسبب نصيحةٍ أو مُصارحة, إلا لظنِّه أنَّ الناصح يتصيَّد أخطاءه أو يتعالى عليه.
ولا غيبةَ ولا نميمةَ ولا تجسسَ إلا بسبب سوء الظن.
وهذا على وجه العموم والأغلب, والأمثلةُ كثيرةٌ لا تُحصى.
وما نراه من الاتهامات والردود والسِّباب في وسائل الإعلام, بين الْمثقفين أو بعضِ الدعاةِ وغيرِهم, إلا بسبب سوء ظنِّ بعضِهم ببعض.
إنَّ سوءَ الظنِّ هو الداء الذي عمَّ بلاؤه, والمرضُ الخبيثُ الذي صعُب شفاؤه, والسمُّ القاتلُ الذي من تجرَّعه تُيُقِّنَ هلاكُه, والسيفُ الذي من أشهره قَتَلَ به ثم ارتدَّ عليه, فصاحبُ الظنون السيئة, يُسبِّبُ الشر والفرقة بين الناس, وهو الخاسر الأول من ذلك, فيُصاب بالإحباط والوسواس, ويُحسُّ بأنَّ الناس أعداءه حتى الأقربين, حتى إني سمعت أحدَهم يقول: أنا لا آمَنُ أقربائي وأمي وإخوتي, وأحسُّ الذي من حول أعداءً لي!!.
نعم, بلغ الْمَرْضَىَ بسوء الظنِّ مثلَ ذلك وأشدّ.
فلْنحذر أشدَّ الحذر من سوء الظنّ, ولْنتعامل فيما بيننا بأحسن النوايا, ولْيعذُر بعضُنا بعضًا, حينما نرى من أحدنا ما نكرهه.
وعلموا - معاشر المسلمين- أنَّ الْمَقصودَ بالظنِّ الْمنهيِّ عنه: أنْ يتَّهم أحداً بلا بيِّنةٍ أو قرينةٍ مُؤَكَّدة, كمن يتهم غيره بأن فاسقٌ أو مُنافق, أو مُتكبِّرٌ أو بخيلٌ أو نحوُ ذلك.
وهذا الظنُّ إنما هو إثمٌ وذنبٌ على صاحبه, قال العلامةُ الغزاليُّ رحمه الله: اعلم أن سوءَ الظن حرامٌ مثلَ سوءِ القول, فكما يحرم عليك أنْ تُحَدِّثَ غيرك بلسانك بمساوئ الغير, فليس لك أن تُحَدِّثَ نفسك وتسيءَ الظن بأخيك.
والظن : عبارةٌ عمَّا تركن إليه النفس, ويميل إليه القلب.
وكما يجب عليك السكوتُ بلسانك عن مساويه, يجب عليك السكوتُ بقلبك, وذلك بترك إساءة الظن, فسوءُ الظن غيبةُ القلب, وهو منهيٌّ عنه أيضاً, وَحَدُّهُ: أَنْ لَا تَحْمِلَ فِعْلَهُ على وجهٍ فاسد, ما أمكن أن تحمله على وجه حسن. ا.ه كلامه
والظنُّ يا أمة الإسلام, هو أكذب الحديث, قال : ( إياكم والظن, فإن الظن أكذب الحديث ) متفق عليه
وَإِنَّمَا كَانَ الظَّنُّ أَكْذَبَ الْحَدِيثِ ؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ مُخَالَفَةُ الْوَاقِعِ, مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إلَى دليل, وَأَمَّا الظَّنُّ, فَيَزْعُمُ صَاحِبُهُ أَنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى شَيْءٍ, وعنده أدلةٌ وبراهينُ على ما يدَّعيه, فَيَخْفَى عَلَى مَن سَمِعه كَوْنُهُ كَاذِبًا, فَكَانَ أَكْذَبَ الْحَدِيثِ.
كَمْ نَخَرَ هذا المرضُ القتَّال في أجساد الناس, وكم فرق بين الأحباب, وكم تقاطع بسببه الأصدقاءُ والأصحاب.
وكثيرًا ما يندمُ الإنسان على ظنه, ويأثم جرَّاء اعتقاده, قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً}.
قال الحافظُ ابن كثيرٍ رحمه الله: يقول تعالى ناهيا عباده المؤمنينَ عن كثير من الظن، وهو التهمة والتخون للأهل والأقاربِ والناسِ في غير مَحَلِّه؛ لأن بعض ذلك يكون إثما محضًا، فلْيَجْتَنِبْ كثيرًا منه احتياطا، وروينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم إلا خيرا، وأنت تجد لها في الخير محملا. ا.ه كلامه
وما نَجَمَتِ العقائِدُ الضالة, والمذاهبُ الباطلة, إلا من الظنون الكاذبة, قال تعالى {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} وقال {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}.
وقد قال العلماء: إن الظن القبيح بمن ظاهره الخيرُ لا يجوز.
ومعنى الأمرِ باجتناب كثير من الظن: الأمرُ بالتثبت فيه وتمحيصِه, والتشككِ في صدقه, إلى أن يتبين صدقُه.
وما أروح الحياة - يا أمة الإسلام- في مجتمعٍ بريءٍ من الظنون!.
والأمر لم يقفْ في الإسلام عند هذا الأفقِ الكريم الوضيء, في تربية الضمائر والقلوب, بل إنَّ هذا النصَّ يُقيم مبدأً في التعامل ، وسياجاً حول حقوق الناس, الذين يعيشون في مجتمعِه النَّظِيْفِ ، فلا يُؤْخَذُون بِتُهْمة ، ولا يحاكمون بريبة؛ ولا يصبح الظنُّ أساساً لمحاكمتهم, بل لا يصلح أن يكون أساساً للتحقيق معهم ، ولا للتحقيق حولهم.
ومعنى هذا أنْ يظلَّ الناسُ أبرياء ، مصونةً حقوقُهم واعتبارُهم, حتى يتبين بوضوحٍ أنهمُ ارتكبوا ما يُؤَاخذون عليه, ولا يكفي الظنُّ بهم لتعقبهم, بُغْيَةَ التَّحَقُّقِ مِنْ هذا الظنِّ الذي دار حولهم!.
فأيُّ صيانة ٍلِكَرامة الناسِ وحقوقِهم أعظمُ من هذا؟ وأين أقصى ما تتفاخرُ به أحسنُ البلادِ تَقَدُّمًا وحُرِّيَّةً, وصيانةً لحقوق الإنسان فيها من هذا الْمَدَى, الذي هتف به القرآنُ الكريمُ للذين آمنوا؟.
نسأل الله تعالى, أنْ يُزيل عنْ قلوبنا ظنَّ السوء بالأبرياء, وأنْ ينزع مِنْ صُدورنا الغلَّ والحقد على المسلمين, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.
الحمد لله رب العالمين، حذَّرنا أسباب عداوةِ الْمُسلمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين, وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين... أما بعد:
معاشر المسلمين, وبعد أن نهانا ربنا تبارك وتعالى عن كثيرٍ من الظنون, نهانا عن التجسس فقال: {وَلا تَجَسَّسُوا} أي خذوا ما ظهر من أحوال الناس, ولا تبحثوا عن بواطنِهم أو أسرارِهم, أو عوراتهم ومعايبهم ، فإن من تتبع عورات الناس فضحه اللّه - تعالى -.
والتجسس هو من آثار الظن؛ لأنَّ الظنَّ يُحرِّضُ عليه, حين تدعو الظَّانَّ نفسَه إلى التَّحقُّقِ والتَّأكُّدِ مِـمَّا ظنه.
والتجسس: هو البحث عن أسرار الناس بوسيلةٍ خفية, وهو نوعٌ من الكيد والتطلع على العورات.
وقد يرى الْمُتَجَسِّسِ من الْمُتَجَسَّسِ عليه ما يسوؤه, فتنشأ عنه العداوة والحقد, ويدخل صدرَه الحرجُ والتخوفُ, بعد أن كان خاطرُه وضميرُه سَلِيْمًا تجاهه, وذلك من نكد العيش, ومن المآسي التي يجنيها صاحبُ الظُّنون السَّيَّئة.
وذلك ثلمٌ للأخوة الإسلامية, وهو يبعث على انتقام كليهما من أخيه.
ثم قال تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} والغيبةُ من آثار الظنِّ أيضاً, فمن ظنَّ بأخيه سوأً اغتابه غالبًا, وقدَحَ فيه وفي أمانته وخُلُقه.
هذه يا أمة الإسلام بعضُ آثار الظنِّ السيئ, وأضرارِه وآفاتِه على الأفراد والمجتمع, وبقي الحديثُ عن علاجه وكثيرٍ من مسائله, أتطرَّق لها في الجمعةِ القادمة بحول الله تعالى.
نسأل الله تعالى, أنْ يُوفقنا لِحُسْنِ الظن بالمسلمين, وأنْ يُجنبنا سوء الظن بهم, إنه على كل شيءٍ قدير.
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق