سُنَّةُ اللهِ في الأُمم ــ يومُ عاشُوراء 10 – 1 – 1445هـ
عبدالعزيز بن محمد
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أَيُّهَا المُسْلِمُوْن: أُمَمٌ تَمُوجُ في فِجَاجِ الأَرْضِ وتَنْتَشِرُ في أَطْرافِها. اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُم، وتَنَوعَت طَرائِقُهُم، كَما اخْتَلَفَتْ أَلْوانُهُم وتَبايَنَتْ أِلسِنَتُهُم.
أُمَمٌ تَمْلأُ أَقْطَارَالأَرْضِ.. لِكُلِّ أُمَةٍ سَبِيْلٌ تَنْتَهِجُهُ، ولِكُلِّ أُمَةٍ عَقِيْدَةٌ تَدِيْنُ بِها.. في اخْتِلافٍ لا يَجْمَعُهُمْ دِيْن، وفي افْتِراقٍ لا يُوَحِدُهُم مَذْهَبْ.
وقَدْ كَانَ النَّاسُ كُلُّهُم جَمِيْعَاً عَلى مِلةٍ واحِدَةٍ.. عَلى التَّوحْيد لا يَفْتَرِقُون.لا يعْبُدُونَ إِلا اللهَ ولا يُشْرِكُونَ بِهِ شَيئاً. ظَلَّ النَّاسُ عَلى ذَلِكَ قُروناً مِن الزَمَنِ لا يَخْتَلِفُون.
وبَعْدَ عَشْرَةِ قُرُونٍ مِنْ زَمَنِ آدَمَ عليه السَّلامُ ظَهَرَ الشِّرْكُ في الأَرْضْ. وكَانَ أَولُ ما ظَهَرَ في قَومِ نُوحٍ عليه السَّلامُ ثُمَّ تَبِعَهُمْ عَلى ذَلِكَ أُمَمٌ مِمن بَعْدَهُم.
وكُلَّمَا انْحَرَفَتْ أُمَةٌ.. بَعَثَ اللهُ فِيْهِمْ رَسُولاً يُنْذِرُهُم{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ}
وما جاءَ رَسُولٌ بِرِسالَةٍ إِلى قَوْمِهِ.. إِلا انْبَرَى لَهُ مِنْهُم مَنْ يُناصِبُهُ العَداءَ ويُجاهِرُهُ بِه، وما بَعَثَ اللهُ رَسُولاً بِرِسالَةٍ إِلا أُوذِي {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} صِراعُ الأُمَمِ مَع أَنْبِيَائِهِم.. ومُناكَفَتِهِم لَهُم. صِراعٌ لَمْ يَهْدأَ ولَمْ يَتَوَقَّفْ. صِراعٌ بَيْنَ الحَقٍّ والباطِلٍ.صِراعٌ بَيْنَ أَولِياءِ الرَّحْمَنِ وأَولياءِ الشَّيْطان.
رُسُلٌ يَدْعُونَ النَّاسَ إِلى تَوحيدِ اللهِ وتَعْظِيْمِه، وإِلى طَاعَتِهِ وتَوقِيْرِهِ. وأُمَمٌ يَسُودُ فِيها أَكابِرُ مُجْرِمِيْها، يَصُدُّونَ الناسَ عَنْ دَعْوةِ المُرْسَلِين، ويَصْرِفُونَهم عَن سَبِيْلِ رَبِّ العالَمِين {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}
تَظَلُّ نَارُ الصِّراعِ بَينَ الحقِّ والباطِلِ مُسْتَعِرَةٌ.. ويَظَلُّ لَهِيْبُها في تَوَقُّد. حَتَّى إِذا اسْتَفْحَلَ أَمْرُ الباطِلِ وبَلَغَ ذِرْوَةَ الطُّغْيانِ. وطَالَ البَلاءُ واشْتَدَّ الكَرْبُ بالمُرْسَلِيْنَ وبأَهْلِ الإِيْمانْ. وسَاوَرَتْهُم ظَنُونُ اليأَسِ، وأَرْهَقَتْهُم شِدَّةُ البأَسْ، وبَلَغَتْ مِنْهُمُ الكُرُوبُ مَبْلَغَها. أَنْزَلَ اللهُ بِالباطِلِ بأَساً يُمَزِّقُ وَصْلَه، ويَسْتَأَصِلُ أَصْلَه، فَلا يُبْقِيْ مِنْهُ ولا يَذَرْ{حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}
* قَوْمُ نُوحٍ عليه السلامُ ــ وهُمُ القَوْمُالمُعَمَّرُونْ ــ لَبِثَ فِيْهِم نُوحٌعليه السلامُ أَلفَ سَنَةٍ إِلا خمسينَ عاماً. يَدعُوهُم إِلى اللهِ ويَدُلُهُم عَلِيْه.. فَما تَرَكَ وَسِيْلَةً في دَعْوَتِهِم إِلا سَلَكَها. ولا طَرِيْقَةً في هِدَايَتِهِم إِلا بَذَلَها. لَمْ يَفْتُرْ ولَمْ يَمَلّ، ولَمْ يَيْأَسْ ولَمْ يَكَلّْ. عامَلَهُم بِرِفْقٍ، وخاطَبَهُمْ بِتَوَدُّدٍ، ودَعاهُم بِلِيْن. فَما زادَهُم ذَلِكَ إِلا قَسْوَةً، وما زادَهُم ذلكَ إِلا نُفُوراً. سَخِرُوا بِه وبِمَنْ آمَنَ مَعَه {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} هَدَّدُوهُ بالقَتْلِ..إِنْ أَصَرَّ عَلى دَعْوَتَهُم إِلى اللهِ {قَالُوْا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ}فَكَانَتْ عاقِبَتُهُم أَقْسَى عاقِبَة، وكانَتْ نِهايَتُهُم أَشأَمَ نِهايَة. دَمارٌ وهَلاكٌ وغَرَقْ{وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا}
ثُمَّ تَوالَتْ بَعَدَهُمُ أُمَمٌ وأَمَمٌ لا يْعَلُمُهُم إِلا الله.. كَذَّبُوا الرُّسُلَ وحارَبُوهُم، وكَفَرُوا باللهِ واسْتَكْبَرُوا. فأَذاقَهُمُ اللهُ نِقْمَتَهُ، وأَحَلَّ بِهِم سَخَطَه، وصَبَّ عَلَيْهِمْ سَوطَ عَذاب {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ* إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ* الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ* وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ* وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ* الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}{وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ * وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ * فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}
أَهلَكَ اللهُ أُمَمَ الكُفْرِ والظُلْمِ والطُّغْيان. وَجَعَلَهُمْ لِمَنْ خَلْفَهُم مِن العَالَمِينَ عِبْرَةً وآيَة {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} { قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} {وَإِنَّ لُوطًا لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ * وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}
* في طَرِيْقِكُم إِلى بِلادِ الشَّامِ.. تَمُرُّونَ على دِيارِ المُعذَبِين فَتُشاهِدُونَ آثَارَها.. أَفلا كَانَ لَكُم عَقْلٌ تَتَفَكَّرُونَ بِهِ في مَصِيْرِهِم ومَآلِهِم، فَتَجْتَنِبُونَ سَبِيْلَهُم وأَعْمالَهُم؟!
* دِيارُ المُعَذَّبِينَ فِيْها لِلمُعْتَبِرِينَ مُعْتَبَرٌ.. تَهْتَزُّ القُلُوبُ لِمَرْآها، وتَنْفِرُ مِنْ قُرْبِها، وتَوْجَلُ مِنْ غِشْيانِها. * دِيارُ المُعَذَّبِين مُفْزِعَةٌ.. لا تُقْصَدُ سِيَاحَةً، ولا تُدْخَلُ نُزْهَةٍ، ولا تُؤْتَى تَسْلِيَةً. دِيارُ المُعَذَّبِينَ.. جاءَ التَوجِيْهُ النَّبَوِيُّ في شَأَنِها. قَالَ عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رضي الله عنهما : مَرَرْنَا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ علَى الحِجْرِ ــ يَعْنِيْ دِيارَ ثَمُودٍ قَوْمَ صالِح ــ فَقالَ لَنَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: (لا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، إلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، حَذَرًا أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصَابَهُمْ، ثُمَّ زَجَرَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ــ أَي زَجَرَ دَابَّتَهُ ــ فأسْرَعَ حتَّى خَلَّفَهَا) رواه البخاري ومسلم{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ}بارك الله لي ولكم..
الخُطبةُ الثانيةُ:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَن لا إِله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشهدُ أَن محمداً عبدهُ ورسولُهُ النبي الأَمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آلِهِ وأَصحابِه أجمعين. أَما بعد: فاتقوا الله عباد الله لعلكم ترحمون.
أَيُّهَا المُسْلِمُوْن: فِيْ إِهلاكِ اللهِ للظَّالِمِينَ آياتٌ وَعِظَاتٌ ومُعْتَبَر. فِيهِ للطَاغِينَ عَقابٌ وعَذابٌ ونِقْمَة. وفِيهِ للمؤْمِنِينَ.. نَجاةٌ ونَصْرٌ ونِعْمَة. إِهْلاكُ اللهِ للظَّالِمِينْ.. يَتَجَلَّى فِيْهِ وَعْدُ اللهِ الذي لا يُخْلَف {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}
نَصْرُ اللهِ للمُؤْمِنِينَ وَعْدٌ مُحَقَّقٌ.. ولا يَتَحققُ النَّصْرُ إِلا بَعْدَ بَلاءٍ وامْتِحانٍ وتَمْحِيِص {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}
نَصْرُ اللهِ للمُؤْمِنِينَ.. كَمْ اسْتَبْشَرَتْ بِهِ قُلُوبٌ طَالَ عَلى البَلاءِ اصْطِبَارُها، وطَالَ عَلى اللأَواءِ احْتِمالُها. واجَهَتْ مَرارَاتِ المِحَنِ بِفأَلْ، وقَابَلَتْ مَوَاقِفَ الشِّدَةِ بِيَقِيْن. تَعْلَمُ أَنَّ طَرِيْقَ الحَقِّ بالمَكَارِهِ مَحْفُوف. ولَولا المَكارِهُ ما امْتازَتْ لأَهلِ الإِيمانِ مَنازِلُهُم {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}
أَيَّامُ اللهِ في الظَالِمِينَ مَشْهُورَةٌ. وأَعْظَمُ أَيَّامِ اللهِ فِي الظَّالِمِين. يَومٌ نَجَّى اللهُ فِيهِ مُوسَى عليه السلامُ ومَنْ مَعَه، وأَغْرَقَ فِيْهِ فِرْعَونَ لَعنه اللهُ ومَنْ مَعَه.
ذَاكَ اليَومُ.. الذِيْ خُتِمَتْ بِهِ فُصُولُ مَمْلَكَةِ جَبَّارْ. وأُنْهِيَتْ بِهِ حَلَقَاتُ عَرْبَدَةِ طَاغُوتْ. {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ*آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ*فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}
أَغرَقَ اللهُ فِرْعَوَنَ وجُنُودَه.. أَغرَقَ فِرْعَونَ بالماءِ الذِيْ كانَ بالأَمسِ يَتَباهَى بِجَرَيانِهِ مِنْ تَحتِه {وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ}
أَهلَكَ اللهُ فِرْعَونَ.. فَما وَقاهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ حَذَرُه، وما نَجَّاهُ مِن بأَسِ اللهِ جُنْدُهُ وخَطَرُه.
أَهلَكَ اللهُ فِرْعَونَ وجُنودَهُ وأَبادَهُم. ومَكَّنَ للمؤْمِنِينَ في أَرْضٍ طَالما اسْتُعْبِدُوا وأُهِيْنُوا وعُذِّبُوا فيها. أَنْجَزَ اللهُ لَهُم ما وَعَد. وحَقَّقَ في فِرْعَونَ ما قَضَى {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ *وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ}
إِنَّهُ يَومُ النَّصْرِ المُبِين.. يَومُ العَاشِرِ مِنْ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّم.. وَهُوَ مَا يَوافِقُ يَومَكُمْ هذا.
صَامَهُ مُوسى عليه السلامُ شُكْراً للهِ. وصَامَهُ مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم شُكراً للهِ. ويَصُومُهُ المؤْمِنُونَ شُكْراً للهِ، وقَدْ أَعظَمَ اللهُ لِلصَّائِمِينَ فيهِ ثَواباً. عَنْ أَبِيْ قَتادَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:(صِيامُ يَومِ عاشُوراءَ، إِنِّي أحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السنَةَ التِي قَبْلَهُ) رواه مسلم
يَومُ عاشُوراءَ.. يَومُ شُكْرٍ شُرِعَ الصِّيامُ فيهِ اسْتِحْباباً. هَذَا هُوَ دَأَبُ المؤْمِنينَ المُتَّبِعِينَ للمُرْسَلِين. فَتَبّاً لِقَومٍ رَفَضُوا.
رافِضَةٌ جَعَلُوا مِنْ يَومِ عاشُوراءَ.. يَومَ مأَتَمٍ ومَلْطَمٍ وبُكاء. في انْحِرافٍ عَنِ الدِينِ، وفي افْتِراءٍ على شَرِيْعَةِ رَبِّ العَالَمِين {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}
اللهم..
المرفقات
1690440147_سُنَّةُ اللهِ في الأُمم ــ يومُ عاشُوراء 10 – 1 – 1445هـ.docx