سنة الصراع بين الحق والباطل في ضوء القران الكريم
الشيخ السيد مراد سلامة
سنة الصراع بين الحق والباطل في ضوء القران الكريم
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، ✍أيها الآباء الكرام أيها الإخوة الأحباب: حديثنا في هذه اليوم الطيب الميمون الأغر عن سنة ربانية وسنة كونية ألا وهي سنة الصراع بين الحق وبين الباطل في ضوء القران الكريم فأعيروني القلوب والأسماع لنقف على ما يثبت الله به الفؤاد ويزول به الشكوك والظنون
✍أولا: الصراع بين الحق والباطل سنة من سنن الله عز وجل:
أيها الآباء الكرام أيها الإخوة الأحباب: إن الصراع بين الحق والباطل سنة من سنن الله التي بنى عليها ذلك الكون، فلله عز وجل في ملكوته العظيم وكونه الفسيح سننٌ لا تتبدل ونواميس لا تتحول (والقرآن يقرر هذه الحقيقة ويعلمها للناس) يقول الله تعالى { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} [فاطر: 43] ( ومن تلك السنن الربانية سنة التدافع و الصراع بين الحق والباطل) ✍أيها الإخوة: الصراع بين الحق والباطل ليس وليد اليوم، بل هو ممتد في عمق التاريخ مقارن لخلق آدم عليه السلام أبي البشرية، فقد حسده إبليس وتوعّد أن يفتنه وذريته فقال فيما حكاه عنه رب العزة: {فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 82] و الآيات التي تؤكد هذه الحقيقة كثيرة لا يسعف المقام بذكرها، لكن نذكر بعضاً منها لإثبات ما نسعى لإثباته. من تلك الآيات التي تقرر هذه الحقيقة قوله تعالى: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ } [الرعد: 17] ، وقوله سبحانه: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ } [الكهف: 56] ، وقوله عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ } [محمد: 3] ، فهذه الآيات - وغيرها ليس بالقليل - تبين حقيقة مسار التاريخ، وأنه صراع بين الحق والباطل، وتصارع بين الخير والشر. ولا تخفى في هذا المقام دلالة تسمية القرآن بـ {الفرقان} (الفرقان:1)؛ فالصراعَ بين الحق والباطل لم يُرفع بموت الرسل عليهم الصلاة والسلام، بل هو سنةٌ ماضية باقية ما بقي على وجه الأرض طائفة على الحق ظاهرة، فقال تعالى عن المشركين وأهل الكتاب الكفرة: ({وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا } [البقرة: 217] وقال تعالى {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} [البقرة: 120] ...................................... ✍يقرر الشيخ محمد عبده-رحمه الله-أن المصارعة بين الحق والباطل (كما أنه سنة من سنن الاجتماع البشري في المصارعة بين الحق والباطل، والقوة والضعف، وذلك قوله عز وجل: { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60] الإعداد تهيئة الشيء للمستقبل )([1]) ✍و يقرر الشيخ ابن عاشور –رحمه الله (فيعلم أن الاختلاف شنشنة قديمة في البشر، وأن المصارعة بين الحق والباطل شأن قديم، وهي من النواميس التي جبل عليها النظام البشري،([2])
✍💥حوار بين الحق والباطل ✍قال الباطل: للحق أنا اعلى منك رأسا ✍
قال الحق: أنا اثبت منك قدما
✍قال الباطل: أنا اقوى منك
✍قال الحق: أنا أبقي منك ✍
قال الباطل: أنا معي الأقوياء والمترفون
قال الحق: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [الأنعام: 123]
✍قال الباطل: أستطيع أن أقتلك الآن
✍قال الحق ولكن أودي سيقتلونك ولو بعد حين
✍ثانيا: سلاح الباطل في صارعه مع الحق: أمة الإسلام إن الباطل في كل زمان ومكان يحشد جنده من أجل محاربة الحق ولا يأنف أن يستخدم أقذر الأسلحة التي لدية لمواجهة الحق فلا ميداء ولا أخلاق في صراعهم مع الحق والقران الكريم يحدِّثنا عن أسلحةٍ متنوّعةٍ يلجأ إليها الباطل ليواجه الحقّ، وراقبوا كيف هي عمليَّة التّدرّج:
✍أ-أوَّل سلاح هو تشويه صورة قادة الحقّ والتَّشكيك فيهم و ذلك باستخدام آلته الإعلامية: {قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}.[الأعراف: 60]. {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}.[الأعراف: 66]...
✍ب-السّلاح الثّاني للباطل هو الإعراض عن سماع الحقّ وصدّ أيّ كان عن محاولة سماعها: و ذلك بالتشويش على الحق و على دعاته حتى لا يسمعهم احد و لا يتهدى احد إلى الحق {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}[فصّلت: 26]. وفي تجربة النبيّ نوح مثال على الصّدّ: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا}[نوح: 7]...
✍ج-استخدام سلاح الجدال والتّنفنّن بالكلام ليدحض الحقّ: {وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا}[الكهف: 56] وقال جل شأنه. {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}[الأنعام:
121 ✍هـ-ومن الأسلحة، تشويه رسالة الحقِّ نفسها، بعيداً عمَّن أتى بها، بتحريف مضمونها، وبتشويه أهدافها، والتَّخويف من نتائجها، وترويج إشاعات مضلَّلة حولها: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً{[الفرقان: 5].
وقال تعالى {قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى}[طه: 63]... وتلك هي الحرب القديمة والحديثة التي نشاهد فصولها عبر الإعلامي الغربي الماسوني وعبر الفضائيات المشبوهة، فقد كال الباطل للحق تهما معلبة تحت شعار حرب الإرهاب والعنف ويتغاضى هؤلاء عما يحدث للإسلام وأهله في ربوع الأرض من تقتيل وتنكيل و إبادة جماعية ................... ثم نسمع من يقول الإرهاب الإسلامي
في زخرف القـول تزيين لبـاطله والحق قد يعتريه سوء تعبير
تقـول هـذا مجاج النحل تمدحه وإن تشأ قلت ذا قىء الزنانير
مدحا وقدحا وما جاوزت وصفهما والحق قد يعتريه سوء تعبير
الخطبة الثانية
✍ثالثا: العاقبة للحق
اعلموا أيها الأحباب علم يقين بأن الحق منتصر على صولة الباطل فالباطل ساعة والحق إلى قيام الساعة يخبرنا القرآن حول هذه الحقيقة في آيات كثيرة، تبين أن النصر دوماً في جانب الطرف الذي يدافع عن الحق، وأن الهزيمة في النهاية واقعة في جانب الطرف المدافع عن الباطل. نجد هذا المعنى في قوله سبحانه: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ} [الأعراف: 117 -119] وقوله عز وجل: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [الأنفال: 8] ، وقوله تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا } [الإسراء: 81] وقوله عز من قائل: { بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق } (الأنبياء:18) { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء: 18] ، وقوله سبحانه: {قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: 49] ، وأخيراً لا آخراً قوله تعالى: {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِ} [الشورى: 24]. وقوله تعالى في سورة الأنفال (وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) [الأنفال : 7 ، 8]. وقوله تعالى (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم: 47] ونصر الله لهم لأنهم على الحق لأن الإيمان حق والكفر باطل. وقوله تعالى (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) [غافر: 51]. وقوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة : 33]. ✍عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، قَالَ: " فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: لَا، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ " ([3]) ✍عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ " وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ، يَقُولُ: " قَدْ عَرَفْتُ ذَلِكَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، لَقَدْ أَصَابَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمُ الْخَيْرُ وَالشَّرَفُ وَالْعِزُّ، وَلَقَدْ أَصَابَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَافِرًا الذُّلُّ وَالصَّغَارُ وَالْجِزْيَةُ " ([4]). نسأل الله تعالى أن يحق الحق ويبطل الباطل ويمكن أهل الحق ويخزي ويذل أهل الباطل وأسأل الله -عز وجل -أن يشرفنا بنصرة دينه، وإعلاءِ كلمته وأن يمكن لنا ديننا الذي ارتضاه لنا.
[1] - تفسير المنار (10/ 52)
[2] - التحرير والتنوير (12/ 192)
[3] - صحيح مسلم (1/ 137)
[4] - مسند أحمد ط الرسالة (28/ 154)
المرفقات
1615993612_سنة الصراع بين الحق والباطل في ضوء القران الكريم.docx