سمات وسلوك الشخصية الوطنية في ضوء الشرع الحنيف

الشيخ السيد مراد سلامة
1440/05/09 - 2019/01/15 09:24AM

Smiley face

سمات وسلوك الشخصية الوطنية في ضوء الشرع الحنيف
للشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى

أما بعد:

إخوة الإيمان أتباع النبي العدنان-صلى الله عليه وسلم-حديثنا اليوم في غاية الأهمية حيث سنتكلم عن {سمات وسلوك الشخصية الوطنية في ضوء الشرع الحنيف} فما هي تلك السمات التي تتصف بها الشخصية الوطنية التي تستمد سماتها من شرع ربها ومن سنة نبيها صلى الله عليه وسلم-؟

أعيروني القلوب و الأسماع:

السمة الأولى شخصية عالمة: أول سمة من سمات تلك الشخصية أنها صفة عالمة تعلم من ينفعها و من ينفع البلاد و العباد فالعلم هو أساس الشخصية المؤمنة و العلم هو أساس تقدم الأمم و الشعوب و الجهل هو أساس تخلف و تقهقر الشعوب لذا رفع الله تعالى من شان العلم و أهله لهذا لم يسوِ الله عز وجل بين أهل العلم والجاهلين بقوله تعالى:﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 7.]  .

ونصح أحد العلماء المسلمين بعدم مشاورة سبعة من الناس قائلاً: (سبعة لا ينبغي لذي عقل أن يشاورهم: جاهل، وعدو، وحسود، ومرَّاء، وجبان، وذو هوى، فالجاهل يُضل، والعدو يريد الهلاك، والحسود يتمنى زوال النعمة، والمرائي واقف على رضا الناس، والجبان من دأبه الهرب، والبخيل حريص على المال، فلا رأي له في غيره، وذو الهوى أسير هواه لا يقدر على مخالفته)  ([1])  .

فالجهل مصيبة المصائب، وآفة الآفات في المجتمعات، فإذا حلَّ الجهل في أمة من الأمم، لا يكون مصيرها إلاَّ الهلاك والبوار، لأنها لا تستطيع على شيء، وعندما لا تستطيع على شيء، فإنها ستكون عرضة دائماً وأبداً لبغي الأعداء..

وضرر الجاهل أشد وأنكى على المجتمع من غيره، وقد قيل: (عداوة العاقل أقل ضرراً من مودة الجاهل)، لماذا؟ لأن الأحمق ربما ضر وهو يقدر أن ينفع، والعاقل لا يتجاوز الحد في مضرته، فمضرته لها حد يقف عليه العقل، ومضرة الجاهل ليست بذات الحد، والمحدود أقل ضرراً ما هو غير محدود ([2]).

يصف شكيب أرسلان أحوال المسلمين بقوله: إن الانحطاط والضعف اللذين عليهما المسلمون شيء عام في المشارق والمغارب.

.ومن أعظم أسباب تأخر المسلمين الجهل، الذى يجعل فيهم من لا يميز بين الخمر والخل، يجادل في قضية مسلم بها، وأيضا العلم الناقص الذى هو أشد خطرا من الجهل البسيط، فصاحب العلم الناقص لا يدرى ولا يقتنع بأنه لا يدري، وابتلاؤكم بجاهل خير من ابتلائكم بشبه عالم. ومن أكبر عوامل انحطاط المسلمين الجمود على القديم، فكما أن آفة الإسلام هي الفئة التي تريد أن تلغى كل شيء قديم، دون النظر فيما هو ضار ونافع، كذلك آفة الإسلام هى الفئة الجامدة التى لا تريد أن تغير شيئا، ولا ترضى بإدخال أقل تعديل على أصول التعليم الإسلامي ظنا منهم بأن الاقتداء بالغربيين كفر. نعم.. أضاع الإسلام جاحد وجامد.

السمة الثانية: العمل بذلك العلم والعمل على تطبيقه على أرض الواقع:

 فالأمة الإسلامية و الوطن به من العلماء و العباقرة الذين باستطاعتهم أن يجعلوا الأمة شامة بين سائر الأمم و لكننا لا نستفيد من علمهم و لا نطبق ذلك العلم على أرض الواقع  و الله تعالى قرن بين الإيمان و العمل الصالح في غير ما آية من كتابه ففي سورة العصر يقول الله تعالى وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)(سورة العصر )

وفي الصحيحين من حديث أبي موسى قال: قال رسول الله –رسول الله صلى الله عليه وسلم- : ((إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ، كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا؛ فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ، قَبِلَتْ الْمَاءَ، فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ، أَمْسَكَتْ الْمَاءَ؛ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ؛ فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَرَعَوْا، وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً، وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَنَفَعَهُ بِمَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ))([3])

هذا الصحابي الجليل ابن مسعود –رضي الله عنه-يقول: " كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن". وعلي –رضي الله عنه-  يقول: "يهتف العلم بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل".

  السمة الثالثة:شخصية  محبة للأوطان:

و من سمات الشخصية الوطنية المؤمنة أنها محبة لوطنها تحن إليه تترجم تلك المحبة إلى حقيقة على أرض الواقع و قد عبر النبي عن محبته إلى وطنه التي تربى فيه و ترعرع في شعابه كما في حديث عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَكَّةَ: «مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ، وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ»([4])

وروى ابن الجوزي بسنده عن أبي بكر الهذلي، عن رجال من قومِه: أن أصيلًا الهُذَلي قدِم على رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، فقال: ((يا أصيل، كيف تركت مكة؟))، قال: يا رسول الله، تركتُها وقد ابيضَّت بطحاؤها، واخضرت مسلاتها، يعني: شعابها، وأمشر سلمها، والإمشار: ثمرٌ له حمرة، وأعذق إذخرها، والإعذاق: اجتماع أصوله، وأحجن ثمامها، والإحجان: تعقفه، فقال: ((يا أصيل، دع القلوب تقر، لا تشوقهم إلى مكة)).

وحب الوطن فطرة يُفطَر عليه الإنسان، وخلة يجبل عليها ويُعجَن بها، وطبيعة تولد معه وتوجد في البدن ولا تخرج إلا إن أدرج في الكفن، يقول ابن الجوزي: وفطرة الرجل معجونة بحب الوطن، ثم إن الإبل تحن إلى أوطانها، والطير إلى أوكارها، وما أروع قول ابن الرومي:

وحبَّب أوطانَ الرجالِ إليهمُ   مآربُ قضَّاها الشبابُ هُنالِكا
إذا ذكَرُوا أوطانَهم ذكَّرتْهمُ    عهودُ الصبا فيها فحنُّوا لذالكا

وعن علي كرم الله وجهه: عمرت الدنيا بحب الأوطان.

وعن إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه أنه قال: ما عالجتُ شيئًا أشد من منازعة النفس للوطن.

وقال عبد الملك بن قُرَيْبٍ الأصمعي: سمعتُ أعرابيًّا يقول: إذا أردتَ أن تعرف الرجل فانظر كيف تَحبُّبُه إلى أوطانه، وتشوُّقُه إلى إخوانه، وبكاؤه على ما مضى من زمانه.

السمة الرابعة :من سمات الشخصية الوطنية المؤمنة الدفاع عنه والذود عن أهله:

ثم اعلموا عباد الله أن الجهاد في سبيل الله والدفاع عن الوطن بالسلاح وبالكلمة والدفاع عن الوطن بالسلاح والكلمة جهاد ولا ريب فيه لمن أخلص نيته ومن قتل في ذلك فنرجو له الشهادة

عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ، فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ، أَوْ دُونَ دَمِهِ، أَوْ دُونَ دِينِهِ، فَهُوَ شهيد". ([5])

قُلْتُ- البغوي : ذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا أُرِيدَ مَالُهُ، أَوْ دَمُهُ، أَوْ أَهْلُهُ فَلَهُ دَفْعُ الْقَاصِدِ وَمُقَاتَلَتُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَدْفَعَ بِالأَحْسَنِ فَالأَحْسَنِ، فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ إِلا بِالْمُقَاتَلَةِ، فَقَاتَلَهُ، فَأَتَى الْقَتْلُ عَلَى نَفْسِهِ، فَدَمُهُ هَدَرٌ، وَلا شَيْءَ عَلَى الدَّافِعِ" ([6])

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي قَالَ: " فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ ". قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي , قَالَ: " قَاتِلْهُ " , قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي , قَالَ: " فَأَنْتَ شَهِيدٌ " , قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: " فَهُوَ فِي النَّارِ ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ([7])

فعلى هذا فان كل من قتل دون أرضه أو عرضه أو ماله أو دينه أو أهله فهو شهيد والوطن مال وعرض وأهل ودين ونشر الأمن في ربوعه غاية دينية شرعية

فيا حُماة العرين، وأُباة العِرنين: إن الله تعالى لما أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم – أرسله للحفاظ على الكليات الخمس

1- الدين 2- العقل 3-العرض 4-المال 5- النفس

وهذه الخمس مجتمعة في أي وطن إسلامي تقام فيه شعائر الإسلام وترفع فيه راية التوحيد

السمة الخامسة: شخصية محبة الخير لأهله

إخوة الإيمان محبي النبي العدنان – صلى الله عليه وسلم-ومن سمات الشخصية المسلمة المحبة لوطنها أنها تحب الخير لغيرها من أبناء جلدتها ووطنها كما تحبه لنفسها روى الشيخان عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ".([8])

ومن ذلك أنه رباهم على محبة الخير لإخوانهم المسلمين كما يحبونه لأنفسهم، وجعل ذلك من علامات كمال الإيمان، فمن لم يكن كذلك فقد نقص إيمانه، ويؤكد هذا المعنى –أن محبة الخير للآخرين من علامات الإيمان- ما رواه الترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: " ((أَحِبَّ للنَّاسِ ما تُحبُّ لنفسِك تكن مسلماً)) ".([9])

وهي سبب دخول الجنة: ثم إن هذه الصفة من أعظم أسباب دخول الجنة، روى الإمام أحمد عن يزيد القشيري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أَتُحِبُّ الْجَنَّةَ؟ "، قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: " فَأَحِبَّ لِأَخِيكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ "([10])

وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو مؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه".([11]).

خلد الله ذكر الأنصار ومدحهم بهذه الصفة وقد مدح الله أنصار نبيه صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم: (وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ {خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [الحشر: 9]

لا يكره الخير للمسلمين إلا أحد ثلاثة: منهم: رجل يسخط قضاء الله ولا يطمئن لعدالة تقديره سبحانه فهو يريد أن يقسم رحمة ربه على حسب شهوته وهواه ، ولو اتبع الحق هواه لما أذن هذا الساخط على أقدار الله لغيره أن يتنسم نسيم الحياة: (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْأِنْفَاقِ وَكَانَ الْأِنْسَانُ قَتُوراً) (الاسراء:100).

نعم لو كان الأمر لهؤلاء ضعاف النفوس ضعاف الإيمان لحجبوا عن الناس كل خير ، ولكن : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (الزخرف:32)

عن ابن بريدة الأسلمي قال: (شتم رجل ابن عباس فقال ابن عباس: إنك لتشتمني وفي ثلاث خصال، إني لآتي على الآية من كتاب الله عز وجل فلوددت أن جميع الناس يعلمون ما أعلم منها، وإني لأسمع بالحكم من حكام المسلمين يعدل في حكمه فأفرح به ولعلي لا أقاضي إليه أبداً، وإني لأسمع بالغيث قد أصاب البلد من بلاد المسلمين فأفرح وما لي به من سائمة)

ولما أراد محمد بن واسع أن يبيع حمارًا له، قال له رجل: أترضاه لي؟ فرد عليه: لو لم أرضه لك لم أبعه.

وكان عتبة الغلام إذا أراد أن يفطر يقول لبعض إخوانه المطلعين على أعماله: أخرج لي ماء أو تمرات أفطر عليها ليكون لك مثل أجري.

وذكر ابن خلكان في -وفيات الأعيان- أن السري كان يقول: منذ ثلاثين سنة، وأنا أستغفر من قولي مرة: الحمد لله، فقيل له: وكيف ذلك؟ فقال: وقع ببغداد حريق، فاستقبلني واحد، وقال: نجا حانوتك، فقلت: الحمد لله، فأنا نادم من ذلك الوقت على ما قلت، حيث أردت لنفسي خيرًا من الناس.

أقول قولي هذا، وأسأل الله سبحانه أن يمنَّ علينا بالاستجابة له ولرسوله، وبالثبات على ما يرضيه إلى أن نلقاه تعالى، وأن يغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات، إنه غفور رحيم.

الخطبة الثانية

أما بعد:

السمة السادسة:  شخصية تنبذ الفرقة والاختلاف

أيها الأحباب: ومن سمات الشخصية السوية المحبة لوطنها أنها تحب الجماعة وتكره الفرقة

أنها تؤلف ولا تفرق

أنها تبني ولا تهدم

أنها تعمر ولا تدمر  

و هذا هو نبع الإيمان و الالتزام بأوامر الرحمن و التمسك بهدي سيد ولد عدانان صلى الله عليه وسلم-  قال الله تعالى { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103]

ثم نهانا سبحانه وتعالى عن التشبه بالأمم السابقة التي دب إليها داء الفرقة و الاختلاف فقال سبحانه { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105]

و خاطب النبي صلى الله عليه وسلم البشرية جمعاء و أمرهم أن يلتزموا بالجماعة عن أبيه، عن رجل قال: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «أيها الناس، عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، أيها الناس، عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة» ، ثلاث مرار، قالها إسحاق ([12])

عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بِالجَابِيَةِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا فَقَالَ: أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلاَ يُسْتَحْلَفُ، وَيَشْهَدَ الشَّاهِدُ وَلاَ يُسْتَشْهَدُ، أَلاَ لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ، عَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الاِثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الجَنَّةِ فَلْيَلْزَمُ الجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ.([13])

السمة السابعة: شخصية الواقعية: والواقعية

هي أن يعيش المسلم على أرض الواقع لا يسبح في الرمال ولا يبني بيتا في الخيال ولا يحرث في البحر، بل يرى الأشياء على حقيقتها و الأمة و الوطن الإسلامي يمر بظروف عصيبة و بحرب شعواء على قيمه و على دينه و على ثوابته، حرب سياسية واقتصادية و اجتماعية تحتاج من المسلم أن يلبس لكل أزمة لبوسها

المسلم بالمعنى القرآني يدرك أنه ليس على الناس بجبار، وأنه ليس عليهم بمسيطر، وأنه ليس عليهم بحفيظ، وليس عليهم بوكيل.

قال الله تعالى {نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [ق 45]

قال الله تعالى {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ، إِلَّا مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ} [الغاشية 21-23]

قال الله تعالى {قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ} [الأنعام 104]

قال الله تعالى {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ} [يونس 108]

يدرك أن الاختلاف لا يعني التقاتل و لا التناحر و إنما هي سنة الله تعالى في خلقه {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود: 118، 119]

إخوة الإسلام و"تظهر واقعية الإسلام أيضا في إيجاد المخارج المشروعة للمسلم في أوقات الشدة والضيق، وعدم إلزامه بما كان لازما له أو واجبا عليه، أو محرما عليه في الأوقات العادية"

ففي الأزمات الاقتصادية يكون حاله الرضا والقناعة وترك الترف والبزخ وها هو صلى الله عليه وسلم عنْ جَابِرٍ، قَالَ: " لَمَّا حَفَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ الْخَنْدَقَ، أَصَابَهُمْ جَهْدٌ شَدِيدٌ، حَتَّى رَبَطَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَطْنِهِ حَجَرًا مِنَ الْجُوعِ " ([14])

واقعية في النفقة في الحياة الأسرية عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَ: قَالَتْ لِي عَائِشَةُ: يَا ابْنَ أُخْتِي، وَاللهِ إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلاَلِ، ثُمَّ الْهِلاَلِ، ثُمَّ الْهِلاَلِ ثَلاَثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَتْ نَارٌ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم، قُلْتُ: يَا خَالَةُ، وَمَا كَانَ يُعِيشُكُمْ؟ قَالَتْ: كَانَ لَنَا جِيرَانٌ  مِنَ الأَنْصَارِ نِعْمَ الْجِيرَانُ كَانُوا كَانَ لَهُمْ مَنَائِحُ وَكَانُوا يَبْعَثُونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم مِنْ أَلبَانِهَا، فَيَمْذُقُهُ لَنَا فَيَسْقِينَاهُ.([15])

الدعاء ........................................

[1] - روائع إسلامية: ج2 ص46.

[2] - انظر: أدب الدنيا والدين ص 168

[3] - أخرجه : البخاري 1/30 ( 79 ) ، ومسلم 7/63 ( 2282 ) ( 15 )

[4] - أخرجه الترمذي (5/723 ، رقم 3926)و قال شعيب الأرنؤوط : حديث صحيح

[5] - أحمد (1/190 ، رقم 1652) ، وعبد بن حميد (ص 66 ، رقم 106)

[6] - شرح السنة للبغوي (10/ 249)

[7] - أخرجه : مسلم 1/87 (140) (225) .

[8] - أخرجه البخاري في: 2 كتاب الإيمان: 7 باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه

[9] - سنن الترمذي (2305)، وسنن ابن ماجة (4217)

[10] مسند الإمام احمد  16706 , انظر الصحيحة: 72

[11] -صحيح مسلم 6/18-19 (1844) (46) و (47)

[12] - مسند أحمد ط الرسالة (38/ 221)حسن لغيره،

[13] - سنن الترمذي ت شاكر (4/ 466)[حكم الألباني] : صحيح

[14] - مسند أحمد ط الرسالة (22/ 129) والبيهقي في "دلائل النبوة" 3/422.

[15] - أخرجه: البخاري 3/201 (2567) ، ومسلم 8/218 ( 2972 ) ( 28 ) .

المرفقات

وسلوك-الشخصية-الوطنية-في-ضوء-الشرع-الح

وسلوك-الشخصية-الوطنية-في-ضوء-الشرع-الح

المشاهدات 3047 | التعليقات 0