سلسلة مفهوم العبادة - تعريف العبادة وبيان ركناها - 1

ماجد بن سليمان الرسي
1446/02/11 - 2024/08/15 09:14AM

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون).

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا).

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما).

أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، واعلموا أن عبادة الله (سبحانه وتعالى) هي الغاية من خلق الجن والإنس، قال تعالى: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾.

à   تعريف العبادة

عباد الله، لقد عرف شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله) العبادة بتعريف جامع فقال: «هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة.

فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد للكفار والمنافقين والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكـين وابن السبيل والمملوك، من الآدميين والبهائم، والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة.

وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمته، والرضا بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه، وأمثال ذلك، هي من العبادة لله».([1]) انتهى.

à   ركنا العبادة

أيها المؤمنون، والعبادة مبنية على أمرين عظيمين هما المحبة والتعظيم، فبالمحبة تكون الرغبة، وبالتعظيم تكون الرهبة والخوف والذل والخضوع، قال ابن القيم (رحمه الله): «والعبادة تجمع أصلين: غاية الحب بغاية الذل والخضوع، والعرب تقول: طريق معبد أي مذلل، والتعبد؛ التذلل والخضوع، فمن أحببته ولم تكن خاضعًا له لم تكن عابدًا له، ومن خضعت له بلا محبة لم تكن عابدًا له، حتى تكون محبًّا خاضعًا».([2]) انتهى.

وقال ابن تيمية (رحمه الله): «النفس ليس لها نجاة ولا سعادة ولا كمال إلا بأن يكون الله معبودها ومحبوبها الذي لا أحب إليها منه، ولفظ العبادة يتضمن كمال الذل بكمال الحب، فلا بد أن يكون العابد محبًّا للإلـٰه المعبود كمال الحب، ولا بد أن يكون ذليلًا له كمال الذل.

فالنفوس محتاجة إلى الله من حيث هو معبودها ومنتهى مرادها وبغيتها، ومن حيث هو ربها وخالقها، فيؤمن بالله رب كل شيء وخالقه، ولا يعبد إلا الله وحده بحيث يكون الله أحب إليه من كل ما سواه، وأخشى عنده من كل ما سواه، وأعظم من كل ما سواه، وأرجى عنده من كل ما سواه.

ومَن سوَّى بين الله وبين بعض المخلوقات في الحب بحيث يحبه مثل ما يحب الله، ويخشاه مثل ما يخشى الله، ويرجوه مثل ما يرجو الله، ويدعوه مثل ما يدعوه؛ فهو المشرك الشرك الذي لا يغفره الله، ولو كان مع ذلك عفيفًا في طعامه ونكاحه، وكان حليمًا شجاعًا»([3]). انتهى.

à   تحقيق العبادة

عباد الله، وتحقيق العبادة لله تعالى ليس بالدعاوى المجردة من الأفعال، بل هو بفعل الأوامر التي أمر بها واجتناب النواهي، فبالمحبة يحصل فعل الطاعات، وبالتعظيم يحصل اجتناب النواهي.

قال العلامة ابن القـيم (رحمه الله) في «الكافية الشافية» في تعريف العبـادة:

وعبادة الرحمـٰن غاية حبه
.
 
مع ذلِّ عابدِه هما قطبان
.
وعليهما فَـــلَـــكُ العبادة دائر
.
 
ما دار حتى قامت القطبان
.
ومداره بالأمر أمر رسوله
.
 
لا بالهوى والنفس والشيطان
.
***

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

à   الخطبة الثانية في نوعي العبادة

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن العبادة نوعان؛ عامة وخاصة، فأما العامة فمعناها الخضوع لأمر الله الكوني، قال تعالى: ﴿إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمـٰن عبدا﴾.

والعبودية العامة يشترك فيها جميع الخلق من إنسهم وجنهم، ومؤمنهم وكافرهم، والحيوان والجماد، والملائكة والشياطين، وغير ذلك، فكلها خاضعة لأمر الله الكوني، فإذا قدر الله عليها شيئًا كان، شاءت أم أبت.

أمَّا العبودية الخاصة فمعناها الخضوع لأمر الله الشرعي، وهذه خاصة بمن استجاب لشرع الله (سبحانه وتعالى)، وهم أهل الإيمان، ومنها قوله: ﴿وعباد الرحمـٰن الذين يمشون على الأرض هونا﴾، وقوله: ﴿ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده﴾.

à   خاتمة

ثم اعلموا رحمكم الله أن الله سبحانه وتعالى أمركم بأمر عظيم فقال (إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تسليما)، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض عن أصحابه الخلفاء، وارض عن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلهم هداة مهتدين. اللهم وفق جميع ولاة المسلمين لتحكيم كتابك، وإعزاز دينك، واجعلهم رحمة على رعاياهم.

اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بشر فاشغَله في نفسه، ورد كيده في نحره. اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا، والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

أعد الخطبة: ماجد بن سليمان، واتس: 00966505906761



([1]) «مجموع الفتاوى» (10/149، 150)، بتصرف يسير.
([2]) «مدارج السالكين» (1/160)، فصل: فاتحة الكتاب وما اشتملت عليه من أمهات المطالب.
([3]) «الجواب الصحيح» (6/31-33)، بتصرف يسير.

المرفقات

1723702459_تعريف العبادة وبيان ركناها - 1.doc

1723702460_تعريف العبادة وبيان ركناها - 1.pdf

المشاهدات 49 | التعليقات 0