سلسلة مفهوم العبادة - بيان شرطي قبول العبادة - 2

ماجد بن سليمان الرسي
1446/02/18 - 2024/08/22 21:00PM

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون).

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا).

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما).

أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، واعلموا أن عبادة الله (سبحانه وتعالى) هي الغاية من خلق الجن والإنس، قال تعالى: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾.

à   شروط قبول العبادة

عباد الله، تقدم الكلام في الخطبة الماضية عن تعريف العبادة وركناها ونوعاها، واليوم نتكلم بما يسر الله عن شروط قبول العبادة.

أيها المسلمون، إن كل عبادة في الإسلام لا بدَّ لتحقيق قبولها من تحقيق شرطين أساسيين:

الأول: إخلاصها لله، أي أن يكون قصد العبد بها هو التقرب لله (سبحانه وتعالى) وليس لغيره، فمن توجَّه بعبادة من العبادات لغير الله فقد وقع في الشرك عياذًا بالله.

الشرط الثاني: التأسي بالنبـي (صلى الله عليه وسلم) ومتابعته في كيفية أداء تلك العبادة.

وتحقيق شروط قبول العبادة هو معنى قول الفضيل بن عـياض([1]) (رحمه الله) في قوله تعالى: ﴿ليبلوكم أيكم أحسن عملا﴾، قال: أخلصه وأصوبه. قالوا: يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص ما كان لله، والصواب ما كان على السُّنة.([2])

à   تفصيل في الشرط الثاني من شروط العبادة

عباد الله، ولكي يكون الإنسان متأسيًا بالنبي (صلى الله عليه وسلم) في عبادته، فعليه أن يلاحظ أمورًا ستة:

أولًا: أن تكون العبادة موافقة للشريعة في سببها، فإذا تعبد الإنسان لله بعبادة مبنية على سبب لم يثبت بالشرع فعبادته مردودة، ودليل ذلك قول الله تعالى: ﴿أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله﴾، فإذن الله بتلك العبادة مطلوب لكي تكون تلك العبادة مقبولة عنده، وقال النبـي (صلى الله عليه وسلم): «من أحدث في أمرنا هذا (أي الدين) ما ليس منه فهو ردٌّ»([3])، وفي رواية: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد».([4])

فمن أحدث عبادة في أمر الدين، أي أتى بعبادة محدثة، غير واردة في الكتاب والسنة، فعبادته مردودة عليه، غير مقبولة، وهي المعروفة بالبِـدعة.

ومن أمثلة البدع المنتشرة في أوساط المسلمين؛ الاحتفال بمولد النبي (صلى الله عليه وسلم)، والاحتفال بليلة السابع والعشرين من رجب، والذين يفعلون ذلك يقصدون بهذا التقرب لله (سبحانه وتعالى) بتلك الاحتفالات التي يفعلونها على أنها عبادات، ومن المعلوم أن هذه الاحتفالات لم يفعلها النبي (صلى الله عليه وسلم) ولا صحابته (رضوان الله عنهم)، ولم تُعرف في التابعين ولا أتباعهم، أصحاب القرون الثلاثة المفضلة الأولى، التي شهد لها النبي (صلى الله عليه وسلم) بالخيرية في قوله: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»([5]).

ومن المعلوم أن كل عبادة لم يأمر بها النبي (صلى الله عليه وسلم) أو لم يفعلها أو يُـقِر أحدًا من الصحابة عليها، فإن فعلها يكون بدعة.

فالبدع وإن كان ظاهرها خيرًا في بعض الأحيان إلا أنها لا تُقرِّب من الله (سبحانه وتعالى) بل تُـباعد منه، لأنها تتضمن القدح في الرسالة، لأن مقتضى هذه البدعة أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يُـتم تبليغ الشريعة، فجاء صاحب هذه البدعة ليتمها، وهذا باطل لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) بلَّغ الشريعة كلها، قال تعالى: ﴿اليوم أكملت لكم دينكم﴾.

ثانيًا: أن تكون العبادة موافقة للشريعة في جنسها، فلو ضحى إنسان بفرس لم تقبل أضحيته، لأن الشريعة قد دلت على أن الأضحية لا تكون إلا من بهيمة الأنعام وهي: الإبل والبقر والغنم.

ثالثًا: أن تكون العبادة موافقة للشريعة في قَدرِها، فلو أن إنسانًا صلى الظهر ست ركعات، لكانت عبادته غير مقبولة، لأنها مخالفة للشريعة في قدرها.

رابعًا: أن تكون العبادة موافقة للشريعة في كيفيتها (أي صفتها)، فلو أن إنسانًا توضأ، فغسل رجليه ثم مسح رأسه، ثم غسل يديه، ثم غسل وجهه، فوضوءه هذا غير مقبول، وبالتالي صلاته غير صحيحة، لأنه لم يتأس بالنبي (صلى الله عليه وسلم) في صفة عبادته، فخالف الشريعة في كيفية الوضوء الواردة عن النبي (صلى الله عليه وسلم).

خامسًا: أن تكون العبادة موافقة للشريعة في زمانها، فلو أن إنسانًا صام صيام الفرض في شعبان أو في شوال، أو صلى الظهر قبل الزوال، فهذا صيامه غير صحيح، وكذا صلاته، لأنه خالف الشريعة في زمن العبادة المحدد لها من قبل الشارع الحكيم.

سادسًا: أن تكون العبادة موافقة للشريعة في مكانها، فلو أن إنسانًا وقف في يوم عرفة بمزدلفة لم يصح وقوفه، وعليه إعادة حجه، لأن عبادته لم توافق الشريعة في المكان الذي حددته.

وكذلك لو أن إنسانًا اعتكف في منزله فاعتكافه غير صحيح، لأن مكان الاعتكاف في الشريعة هو المسجد.

فهذه ستة أوصاف لا تتحقق المتابعة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلا باجتماعها في العبادة: سببها، جنسها، قدرها، كيفيتها، زمانها، مكانها.

***

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


à   الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الله سبحانه وتعالى أمركم بأمر عظيم فقال (إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تسليما)، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض عن أصحابه الخلفاء، وارض عن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلهم هداة مهتدين. اللهم وفق جميع ولاة المسلمين لتحكيم كتابك، وإعزاز دينك، واجعلهم رحمة على رعاياهم.

اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بشر فاشغَله في نفسه، ورد كيده في نحره. اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا، والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

أعد الخطبة: ماجد بن سليمان، واتس: 00966505906761



([1]) هو الإمام القدوة الثَّــبت، شيخ الإسلام، روى عنه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه، اشتُهِر بالورع والعبادة، توفي سنة 186. انظر ترجمته في «سير أعلام النبلاء» (8/421).
([2]) رواه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (8/98).
([3]) رواه البخاري (2697)، ومسلم (1718) عن عائشة (رضي الله عنها).
([4]) رواه البخاري تعليقًا مجزومًا به في كتاب البيوع باب «النجش ومن قال لا يجوز ذلك البيع»، ورواه مسلم (1718)، وأحمد (6/146) عن عائشة (رضي الله عنها).
([5]) رواه البخاري (2652) ومسلم (2533) عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه).

المرفقات

1724349595_شرطا قبول العبادة - 2.doc

1724349596_شرطا قبول العبادة - 2.pdf

المشاهدات 429 | التعليقات 0