سلسلة خطب عن يوم القيامة / العلامات الكبرى (النفخ في الصور والبعث والنشور)
عبدالله منوخ العازمي
( أهوال يوم القيامة ) (النفخ في الصور والبعث والنشور) |
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المختار، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الأخيار ، ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار . أما بعد . أسألكم وأسأل نفسيَ الخاطئة: لماذا فسدت أحوالنا ، وكثرت ذنوبنا ، وقست قلوبنا ، وضعفت نفوسنا؟ . الإيمان باليوم الآخر ركن من أركان الإيمان .. وسبب لرسوخ القلب في العرفان .. وكثيرًا ما يَقْرِن الله تعالى بين الإيمانِ به والإيمانِ باليوم الآخر ، (ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر) ، (يؤمنون بالله واليوم الآخر) ، (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) . لا تغرنكم الحياة الدنيا ، فـإنه (كل من عليها فان) ، كلُّ حيٍ سيفنى ، وكلُّ جديدٍ سيبلى .. وما هي إلا لحظةٌ واحدة ، تخرج فيها الروح إلى بارئها ، فإذا العبد في عداد الأموات . ينزل فيها العبد وحيداً فريداً لا أنيس له ولا رفيق إلا عمله الصالح . فيأمرَ إسرافيلَ عليه السلامُ بالنفخ في الصور ، فإذا نَفَخَ إسرافيلُ في الصور النفخةَ الأولى نفخةَ الصعق ، صَعِقَ الناس وماتوا ، وانتهت الدنيا بأكملها .. كل ما تراه سيفنى .. لن تبقى القوى البشرية ، ولا قدراتهم التكنلوجية ، ولا وكالاتهم الفضائية ، ولا مراكبهم وأقمارهم الصناعية . حتى إذا مات الأحياء كلهم ، ولم يبق إلا الله جل جلاله ، نادى سبحانه:لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ . أين ملوك الأرض؟ أين الجيوش الجرارة؟ أين الدول العظمى المتجبرة؟ لا شيء إلا الله .. (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه عما يشركون) . فإذا نبتت أجساد الخلق ، نفخ إسرافيلُ في الصور النفخةَ الثانية ، نفخةَ البعث ، فتتطاير الأرواح وتعود إلى الأجساد ، فإذا هم قيام ينظرون ، ينفضون التراب عن رؤوسهم . ويُكرِم اللهُ أنبياءَه في عَرَصَات القيامة بالحوض المورود ، ولكل نبيٍ حوض، وحوضُ نبينا صلى الله عليه وسلم أعظمُها وأفضلُها، طوله شهر وعرضه شهر، يَصُب فيه مِيزَابان من نهر الكوثر في الجنة، ماؤه أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، وريحُه أطيبُ من ريح المسك، آنيتُه كنجوم السماء عددًا ووصفًا ولمعانًا، من يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدًا.. يَرده المؤمنون بالله ورسوله ، المتبعون لشريعته، ويُطرد عنه الذين استنكفوا واستكبروا عن اتباعه. فسألوه الشفاعة إلى ربهم ، فيقول: أنا لها ، أنا لها، فيذهب فيستأذن على ربه ، ثم يخر ساجداً تحت العرش ، ويفتح الله عليه من محامده والثناء عليه ، ثم يشفِّعه في خلقه . ثم ملائكة السماء الثانية من ورائهم حتى السابعة، ثم يجيء الله سبحانه كما يليق بجلاله وعظمته على عرشه ليفصل بين العباد ، ويحمل عرشه يومئذٍ ثمانيةٌ من الملائكة. فأما المؤمن فيأخذ كتابه بيمينه ويقول: (هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ . إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ) ، يعني تيقنتُ الحساب وعملتُ له . وأما الكافر فيأخذ كتابه بشماله من وراء ظهره إذلالاً وتقريعًا ويقول: (يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ، وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ، يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ، مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ ، هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ) . ويخلو الله بعبده المؤمن، ويضع عليه سِتره فلا يسمعه أحد، ولا يراه أحد، ويقرّره بذنوبه: عملت كذا، وعملت كذا، فيقرّ ويعترف، ثم يقول الله: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم . وأما الكفار فيُنادَى بهم على رؤوس الخلائق: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، ألا لعنة الله على الظالمين . ويختم الله على أفواههم، وتشهد عليهم ألسنتهم وأسماعهم وأبصارهم وأيديهم وأرجلهم وجلودهم بما كانوا يعملون، (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) وفي آخر مشاهد القيامة ، يُنصب الصراط على مَتْن جهنم، وهو جسرٌ دَحْضٌ مَزلَّة، أدقُّ من الشعر ، وأحدُّ من السيف، عليه كَلالِيبُ تخطِف الناس .. ويُعطى المؤمنون نورَهم فيعبرون، ويُطفأ نورُ المنافقين فيسقطون ، ويكون مرور الناس على الصراط ، على قدر أعمالهم ومسارعتهم إلى طاعة الله في الدنيا، فمنهم من يمر كلَمْح البصر، ومنهم من يمر كالبرق، ثم كالريح، ثم كالفرس الجواد، ثم كركاب الإبل، ومنهم من يعدو، ثم من يمشي، ثم من يزحف، ومنهم من تَخْطَفه الكَلالِيبُ فتلقيه في النار ، (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ، ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً) . نفعني الله وإياكم بهدي كتابه ، وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب . الخطبة الثانية أما بعد . من أراد صلاح قلبه ، واستقامة أمره ، فليستحضر لقاء ربه ، ووقوفه بين يديه . أين فلان ابن فلان؟ هلم إلى العرض على الله، فقمت ترتعد فرائصك، وتضطرب قدمك ، وتنتفض جوارحك من شدة الخوف .. وتصور وقوفَك بين يدي جبار السموات والأرض، وقلبك مملوء من الرعب، وطرفك خائف، وأنت خاشع ذليل. قد أمسكت صحيفة عملك بيدك، فيها الدقيق والجليل، فقرأتها بلسان كليل، وقلب منكسر، وداخَلَكَ الخجل والحياء من الله الذي لم يزل إليك محسنا وعليك ساتراً . فبالله عليك، بأي لسان تجيبه حين يسألك عن قبيح فعلك وعظيم جرمك؟ وبأي قدم تقف بين يديه؟ وبأي طرف تنظر إليه؟ تذكر عندما يقول الرب تبارك وتعالى بحقهم : يا ملائكتي، خذوا بعبادي إلى جنات النعيم، خذوهم إلى الرضوان العظيم، فأصبحوا بحمد الله في عيشة راضية، وفتحت لهم الجنان، وطاف حولهم الحور والولدان، وذهب عنهم النكد والنصب، وزال العناء والتعب. وتذكر أخي في المقابل تلك النفس الظالمة المعرضة عن دين الله ، عندما يقول الله تبارك وتعالى بحقها: يا ملائكتي، خذوه فغلوه، ثم الجحيم صلوه، فقد اشتد غضبي على من قل حياؤه مني، فسيقت تلك النفس الآثمة الظالمة إلى نارٍ تلظى ، وجحيمٍ تَغَيَّظ وتَزْفِر، وقد تمنت تلك النفس أن لو رجعت إلى الدنيا لتتوبَ إلى الله وتعملَ صالحاً، وهيهات هيهات أن ترجع، فكبكبت على رأسها وجبينها، وهوت إلى أسفلِ الدركات ، وتقلبت بين الحسرات والزفرات . فلا إله إلا الله ، ما أعظمَ الفرقَ بين هؤلاء وأولئك ، وصدق الله تعالى إذ يقول: (إن الأبرار لفي نعيم ، وإن الفجار لفي جحيم) . واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهو لا يظلمون . |
المرفقات
في-الصور-والبعث-والنشور5
في-الصور-والبعث-والنشور5