سلسلة خطب عن علامات الساعة الصغرى خطبة رقم (2).

قاسم الهاشمي
1439/05/09 - 2018/01/26 07:11AM
الخطبة الأولى

الحمد لله الذي امتنّ على عباده فأنزل الكتاب المنير، وأرسل النبي البشير النذير، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وبيّن لنا علامات الساعة حتى نكون على حذر من هذا الموقف الخطير، والصلاة والسلام على رسوله الذي لم يدع لنا جانباً من الخير إلا بينه ودعا إليه، ولا جانباً من الشر إلا حذر منه، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه واتبع هداه إلى يوم الدين.

معاشر المؤمنين: أوصيكم بتقوى الله وطاعته، استجابة لأمره تعالى: (يا أيُّهاَ الّذِينَ آمَنُواْ اْتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأنتُم مَّسلِموُنَ)، وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).

أما بعد:

عباد الله، كنا قد بدأنا في الجمعة الماضية الحديث عن علامات الساعة وذكرنا أنها علامات صغرى، وعلامات كبرى.

وبينا أن العلامات الصغرى للساعة تقع قبل قيام الساعة بأزمان متطاولة.

وليُعلم - أيها الأحبة - أن أشراط الساعة الصغرى وعلاماتها ثلاثة أقسام:

أولاً: علامات ظهرت وانقضت.

ثانياً: علامات ظهرت ولم تنقض، بل هي في ازدياد.

ثالثاً: علامات لم تظهر.

وكنا قد بدأنا في الجمعة الماضية بسلسلة علامات الساعة وذكرنا شيئاً منها، ومن ذلك بعثة النبي ﷺ ووفاته؛ وفتْح بيت المقدس، وطاعون (عمواس)، وظهور الفتن، وفتح القسطنطينية. وهذه كلها من القسم الأول: علامات ظهرت وانقضت.

ونكمل بإذن الله ما بدأنا به الحديث عن علامات الساعة الصغرى.

وسنذكر اليوم -عباد الله- القسم الثاني من علامات الساعة الصغرى وهي علامات ظهرت ولم تنقض، بل هي في ازدياد.

فمن هذه العلامات، ما أخبر به ﷺ عن وقوعه أن ناراً عظيمة تخرج من أرض الحجاز، فتضيء بها أعناق الإبل في بُصرى الشام، جاء خبرها في حديث أبي هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ قال: " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتى تَخْرُجَ نَارٌ من أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الإِبِلِ بِبُصْرَى " رواه الشيخان.

وبصرى بلدة تقع في جنوب سوريا.

والذي يظهر أن هذه الآية العظيمة يتكرر وقوعها؛ ذلك أن لها ذكراً في تاريخ الجاهلية قبل الإسلام، ويُذكر أنها اشتعلت في عهد عمر t.

ثم وقعت في القرن السابع على نحو عظيم جداً، ووصف أحدهم في كتابه إلى أبي شامة بدايتها فقال:" ظهر بالمدينة دويٌّ عظيم ثم زلزلة عظيمة فكانت ساعة بعد ساعة إلى خامس الشهر، فظهرت نار عظيمة في الحرة…. والله لقد طلعنا جماعة نبصرها فإذا الجبال تسيل نيرانه … يخرج من وسطها مهود وجبال نار تأكل الحجارة … ولها الآن شهر وهي في زيادة، وقد عادت إلى الحرار … كلها نيران تشتعل نبصرها في الليل من المدينة كأنها مشاعل، وأما أم النيران الكبيرة فهي جبال نيران حمر، وما أقدر أصف هذه النار".

ومن قرأ الأوصاف المذكورة لهذه النار وآثارها في الأرض وما حدث قبلها غلب على ظنه أنها ما يسمى الآن بالبراكين، وقد كانت براكينَ عظيمة جداً، وصل ضوء نيرانها إلى الشام؛ ذلك أن البراكين تقذف بحممها فتسيل في الأرض أمثال الأودية ناراً على الوصف الذي ذكره المؤرخون في نار المدينة، وما يحصل قبلها من أصوات تصدر من الجبال تشبه صوت الرعد، ثم زلزلة متعاقبة، ثم اشتعال النار، هو عين ما يحصل قبل انفجار البراكين.

وكون هذه النار تكرر وقوعها، ثم وقعت في القرن السابع، فإن ذلك يدل على أن هذه الأمارة من أشراط الساعة قد تتكرر، ولا يلزم من وقوعها قبل سبعة قرون ونصف امتناع وقوعها مرة أخرى.

ودارسو الإعجاز العلمي في السنة النبوية يقررون أن بين أحاديث نار الحجاز، وبين كثرة الزلازل في آخر الزمان ارتباطاً وثيقاً.

ومن هذه العلامات، قوله ﷺ:"لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكُونَ أَسْعَدَ النَّاسِ بِالدُّنْيَا لُكَعُ ابْنُ لُكَعٍ" رواه أحمد والترمذي والضياء المقدسي من حديث حذيفة -رضي الله عنه-، واللكع: الأحمق، واللئيم، والمعنى: لا تقوم الساعة حتى يكون اللئام والحمقى ونحوهم رؤساء الناس.

وهو المقصود بإضاعة الأمانة، كما في قوله ﷺ: "إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ"، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ" رواه البخاري.

ومن هذه العلامات، قبض العلم ورفعه بقبض العلماء كَمَا قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ".

 قال النووي: "هَذَا الْحَدِيثُ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَبْضِ الْعِلْمِ لَيْسَ هُوَ مَحْوهُ مِنْ صُدُورِ حُفَّاظِهِ، وَلَكِنْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَمُوتُ حَمَلَتُهُ وَيَتَّخِذُ النَّاسُ جُهَّالًا يَحْكُمُونَ بِجَهَالَاتِهِمْ فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ".

وقال الذهبي -رحمه الله-: "وما أوتوا من العلم إلا قليلاً، وأما اليوم فما بقي من العلوم القليلة إلا القليل، في أناس قليل، ما أقل من يعمل منهم بذلك القليل، فحسبنا الله ونعم الوكيل!".

وهذا في زمان الذهبي رحمه الله؛ فما بالكم بزماننا هذا؟ ولا يزال يقبض العلم حتى لا يبقى من معاني الدين شيء، كما قال النبي ﷺ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ اللَّهُ اللَّهُ" رواه مسلم.

وفي حديث آخر: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَأْخُذَ اللَّهُ شَرِيطَتَهُ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَيَبْقَى فِيهَا عَجَاجَةٌ، لَا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفا، وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا" رواه أحمد، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح.

ومن هذه العلامات، كثرة موت الفجأة: عن أنس t قال: قال رسول الله ﷺ: «إن من أمارات الساعة أن يظهر موت الفجأة» (رواه الطبراني في الصغير والأوسط وحسنه الألباني).

كم من رجل صحيح معافى، فاجأنا خبر وفاته دون مرض.

ومن أسباب موت الفجأة: الحوادث المفاجأة، التي يهلك بها الناس فجأة كحوادث السيارات وسقوط الطائرات، وغرق السفن، فعلى العاقل أن يتنبه لنفسه، ويرجع ويتوب إلى ربه، ليكون مستعداً لبغتة المنية.

اغتنم في الفـراغ فضـل ركـوع *** فعسى أن يكون موتك بغته

كم من صحيح رأيتَ من غير سقم *** ذهبت نفسه الصحيحة فلته

 أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى وصلاة سلاماً على عباده الذين اصطفى، وبعد فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.

ومن القسم الثاني كذلك من علامات الساعة الصغرى وهي علامات ظهرت ولم تنقض، بل هي في ازدياد.

فمن هذه العلامات، ماورد عن أبي هريرة t أن رسول الله ﷺ قال: ((لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن ويكثر الكذب وتتقارب الأسواق)).

والأسواق تتقارب من عدة وجوه، من ناحية تقاربها في المكان، أو عبر وسائل الاتصال الحديثة، أو بسرعة جلب البضاعة منه ولو كانت مسافة الطريق بعيدة جدًا، فها هي السيارات والقطارات والطائرات والبواخر تجلب البضائع في أقصر وقت. وكل ذلك محتمل للمعنى، وقد وقع الذي أخبر عنه.

وكذلك من علامات الساعة التي ظهرت وتزداد خصوصاً في هذا الزمان: كثرة شهادة الزور وكتمان شهادة الحق، فعن ابن مسعود t قال: قال رسول الله ﷺ: "إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ… ظُهُورَ شَهَادَةِ الزُّورِ وَكِتْمَانَ شَهَادَةِ الْحَقِّ" رواه أحمد، وقال أحمد شاكر: صحيح.

وشهادة الزور هي الشهادة بالباطل، وخلاف الحق.

وكذلك من هذه العلامات، استفاضة المال والاستغناء عن الصدقة، قال ﷺ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ، فَيَفِيضَ حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ صَدَقَةً، وَيُدْعَى إِلَيْهِ الرَّجُلُ فَيَقُولُ: لَا أَرَبَ لِي فِيهِ" متفق عليه.

وهذا تحقق كثير منه فيما مضى بسبب ما وقع من الفتوح، ثم فاض المال في عهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله، فكان الرجل يعرض المال للصدقة فلا يجد من يقبله. وسيفيض المال أيضاً في زمن المهدي وعيسى فلا يقبله أحد.

ومن هنا دعا النبي ﷺ إلى التصدق والإنفاق قبل فوات الأوان، فيقول: "تَصَدَّقُوا، فَإِنَّهُ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يَمْشِي الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ فَلَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا، يَقُولُ الرَّجُلُ: لَوْ جِئْتَ بِهَا بِالْأَمْسِ لَقَبِلْتُهَا، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا" البخاري.

ألا.. وصلوا عباد الله على سيد الأولين والآخرين؛ فقد أمركم الله -تعالى- بالصلاة عليه في قوله -عز وجل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)

وقد قال ﷺ: " من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا "؛ اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.. اللهم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ....

اللهم ثبتنا على دينك يارب العالمين.. اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك.. اللهم أعذنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن برحمتك يا أرحم الراحمين..

اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة..

يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث.. أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين..

اللهم أنت رب العالمين الرحمن الرحيم.. أنت مجيب المضطرين.. اللهم أغثنا.. اللهم أغثنا ياكريم يارب العالمين يا أرحم الراحمين.. إنك على كل شيء قدير..

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح اللهم ولاة أمورنا.. اللهم وفق ولي أمرنا إمامنا لما تحب وترضى.. اللهم وفقه لهداك واجعل عمله في رضاك.. اللهم انصر إخواننا المرابطين على الحدود.

عباد الله :( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون).

المرفقات

الساعة-الصغرى-6-3-1439هـ-2-1

الساعة-الصغرى-6-3-1439هـ-2-1

المشاهدات 3435 | التعليقات 0