سلسلة حقوق المصطفى 8 - توقير زوجاته (صلى الله عليه وسلم)

ماجد بن سليمان الرسي
1445/08/12 - 2024/02/22 06:32AM

الخطبة الأولى

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون).

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا).

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما).

أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، واعلموا أن من أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة؛ توقير أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) ، فقد بوّأهن الله تعالى منـزلة عالية، بل رفعهن إلى منزلة الأمومة لجميع المؤمنين، كما في قوله تعالى }النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم{، وفي ذلك من الـحُرمة والاحترام والتوقير والإكرام والإعظام ما يوجب على كل مسلم أن يحفظ لهن هذا الحق، ويؤديه على الوجه المطلوب منه شرعاً.

عباد الله، ومما يُوجِب توقير زوجات النبي (صلى الله عليه وسلم) أنهن حفِظن هديه في بيته ونقلنه للأمة، لاسيما عائشة رضي الله عنها، فإنها من المكثرين من الرواية عن النبي (صلى الله عليه وسلم).

وأما خديجة رضي الله عنها فهي أول أزواجه (صلى الله عليه وسلم)، وكانت تُـــثَـــبِّــــتُهُ وتطمئنه إلى أن ما هو عليه هو الحق، وأن الله تعالى لن يخزيه أبدا، كما هو معلوم من قصته لما جاءها يرجف فؤاده لما نزل عليه جبريل بالوحي أول مرة في غار حراء، فطمأنته ثم ذهبت به لابن عمها ورقة بن نوفل، وكان قد تنصَّر في الجاهلية، فزاده طمأنينة، وبين له أن الذي نزل عليه هو الوحي من الله تعالى.[1]

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ومن أصول أهل السنة والجماعة أنهم يتولون أزواج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمهات المؤمنين، ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة، خصوصاً خديجة رضي الله عنها أمُّ أكثر أولاده، وأولُ من آمـن به وعاضده على أمره، وكان له منها المنـزلة العالية.

والصديقة بنت الصديق رضي الله عنها، التي قال فيها النبي (صلى الله عليه وسلم): فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام.[2] انتهى كلامه رحمه الله.

عباد الله، ومما يدل على عِظم حق أمهات المؤمنين تخصيصهن بالصلاة عليهن في التشهد في الصلاة، ومن المعلوم أن الصلاة عليهن تعني الدعاء لهن بأن يثني الله عليهن ويرفع قدرهن، فعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أنهم قالوا: يا رسول الله، كيف نصلي عليك؟

قال: قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.[3]

عباد الله، ومن حقـوق أمهات المؤمنين الاستغفار لهن، وذكر مدائحهن وفضائلهن وحسن الثناء عليهن، وذلك لمكانتـهن من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وزيادة فضلهن على غيرهن من نساء هذه الأمة.

أيها المؤمنون، وقد نص القرآن على طهارة زوجات النبي (صلى الله عليه وسلم) من الرجس، كما في قوله )إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا(، قال ابن جرير رحمه الله: إنما يريد الله ليذهب عنكم السوء والفحشاء يا أهل بيت محمد، ويطهركم من الدنس الذي يكون في أهل معاصي الله تطهيرا. انتهى.

وعلى هذا فالوقيعة في زوجات النبي (صلى الله عليه وسلم) واتهامهن بالباطل من أعظم الإيذاء للنبي (صلى الله عليه وسلم)، وقد حرم الله إيذاء النبي (صلى الله عليه وسلم) في قوله ]إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا عظيما[.

أيها المسلمون، ومما يناقض توقير زوجات النبي (صلى الله عليه وسلم) ما عليه الرافضة قبحهم الله، فقد تَـبِعوا المنافقين في اتهام أم المؤمنين عائشة بالزنا، فهم يدينون الله بهذا الاعتقاد الفاسد، وهو كفر عياذا بالله، لأن الذي يتهم عائشة بالزنا لم يصدق بخبر براءتها الوارد في القرآن في صدر سورة النور، وقد وصف الله تعالى اتهامها بالزنا في هذه السورة بأنه إفك وبهتان، أي كذب، قال الله تعالى ﴿إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم * لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرًا وقالوا هذا إفك مبين﴾ إلى أن قال ﴿ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم * يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين﴾.

قال ابن كثير رحمه الله: وقد أجمع العلماء رحمهم الله قاطبة على أن من سبها بعد هذا ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذُكر في هذه الآية؛ فإنه كافر، لأنه معاند للقرآن.[4]

وبعد عباد الله، فهذه فوائد يسيرة تتعلق بتوقير أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) وما ينافي ذلك، رضي الله عنهن أجمعين.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه كان للتوابين غفورا.

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) هُنَّ من دخل بهنَّ من النساء، وهن إحدى عشرة:

1-       خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.

2-       عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها وعن أبيها.

3-       سودة بنت زَمعة رضي الله عنها.

4-       حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها وعن أبيها.

5-       أم حبيبة، رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها وعن أبيها.

6-       أم سلمة، هند بنت أبي أمية بن المغيرة، القرشية، رضي الله عنها.

7-       زينب بنت جحش رضي الله عنها.

8-       زينب بنت خزيمة الهلالية رضي الله عنها.

9-       جويرية بنت الحارث رضي الله عنها.

10-   صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها.

11-   ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها.

ثم اعلموا رحمكم الله أن الله سبحانه وتعالى أمركم بأمر عظيم فقال (إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تسليما)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم حاثا أمته على الإكثار من الصلاة والسلام عليه يوم الجمعة: (إن من خير أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا من الصلاة عليَّ فيه، فإن صلاتكم معروضة علي)، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض عن أصحابه الخلفاء، وارض عن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلهم هداة مهتدين، اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بشر فأشغله في نفسه، ورد كيده في نحره.

اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا، والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.

اللهم وفق جميع ولاة المسلمين لتحكيم كتابك، وإعزاز دينك، واجعلهم رحمة على رعاياهم.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

أعد الخطبة: ماجد بن سليمان الرسي، في التاسع عشر من شهر ربيع الثاني لعام 1442، في مدينة الجبيل، في المملكة العربية السعودية، وهي منشورة في:

www.saaid.net/kutob

https://t.me/jumah_sermons

 



[1] انظر القصة في صحيح البخاري (3) وصحيح مسلم (160).
[2] انظر «مجموع الفتاوى» (3/154)، والكلام منقول من «العقيدة الواسطية»، والحديث رواه البخاري (3769) ومسلم (2446) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
[3] رواه البخاري (6360) ، ومسلم (407).
[4] «تفسير ابن كثير»، سورة النور: 23 .

المرفقات

1708572743_خطبة في توقير زوجات المصطفى - عليه الصلاة والسلام.docx

1708572744_خطبة في توقير زوجات المصطفى - عليه الصلاة والسلام.pdf

المشاهدات 179 | التعليقات 0