سلسلة حقوق المصطفى 4 - وجوب طاعة المصطفى (صلى الله عليه وسلم)

ماجد بن سليمان الرسي
1445/08/05 - 2024/02/15 06:50AM

الخطبة الأولى

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون).

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا).

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما).

أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الله أكرم هذه الأمة باختيار خير خلقه ليكون نبيا لها ورسولا، وهو محمد (صلى الله عليه وسلم)، فكان بحق خير الناس خُلُقا وعِلما وعملا، وقد أمر الله بالنصيحة له، فعن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: الدين النصيحة.

قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.[1]

قال النووي رحمه الله ملخصا كلام بعض العلماء في معنى النصيحة للنبي (صلى الله عليه وسلم):

وأما النصيحة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فتصديقه على الرسالة، والإيمان بجميع ما جاء به، وطاعته في أمره ونهيه، ونصرته حياً وميتاً، ومعاداة من عاداه، وموالاة من والاه، وإعظام حقه وتوقيره، وإحياء طريقته وسنته، وبث دعوته، ونشر شريعته، ونفي التهمة عنها، واستثارة علومها، والتفقه في معانيها، والدعاء إليها، والتلطف في تعلمها وتعليمها، وإعظامها وإجلالها، والتأدب عند قراءاتها، والإمساك عن الكلام فيها بغير علم، وإجلال أهلها لانتسابـهم إليها، والتخلق بأخــلاقه، والتأدب بآدابه، ومحبة أهل بيته وأصحابه، ومجانبة من ابتدع في سنته أو تعرض لأحد من أصحابه ونحو ذلك.[2] انتهى كلامه رحمه الله.

 

أيها المسلمون، إن طاعة النبي (صلى الله عليه وسلم) مِن أعظم النصح له كما تقدم من كلام العلماء، كيف لا وقد قَرن الله تعالى طاعته بطاعـة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وأعلمَ خلقَه بأن من أطاع الرسول فقد أطاعه، فقال تعالى ﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً﴾، وَوَجْــهُ ذلك أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) إنما جاء بهذا الدين من عند الله عز وجل، فهو مبلِّغ عن الله، ولم يأت بشيء من عند نفسه، قال تعالى لنبيه ]قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي[.

وقد أمر الله تعالى بطاعة الرسول (صلى الله عليه وسلم) في ثلاثة وثلاثين موضعا من القرآن[3]، منها قوله تعالى ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾، وقوله تعالى ]قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين[، وقوله تعالى ]يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون[، وقوله تعالى }يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم{.

كما تواترت النصوص النبوية في الحث على اتباعه وطاعته، والاهتداء بهديه، والاستنان بسنته، وتعظيم أمره ونهيه، ومن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى.

قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟

قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى.[4]

وعنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله.[5]

وعنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم.[6]

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): والذي نفسي بيده، لتدخلن الجنة كلكم إلا من أبى وشرَد على الله كشِرادِ[7] البعير.

قال: يا رسول الله، ومن يأبى أن يدخل الجنة؟

قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى.[8]

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه كان للتوابين غفورا.

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن مما يدخل في طاعة النبي (صلى الله عليه وسلم) الرجوع إليه عند التنازع، قال تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً﴾.

قال ابن القيم رحمه الله: إن الناس أجمعوا أن الرد إلى الله سبحانه هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) هو الرد إليه نفسه في حياته، وإلى سنته بعد وفاته.[9]

ثم اعلموا رحمكم الله أن الله سبحانه وتعالى أمركم بأمر عظيم فقال (إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تسليما)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خُلِق آدم عليه السلام، وفيه قُبِــــض، وفيه النفخة[10]، وفيه الصَّعقة[11]، فأكثروا عليَّ من الصلاة، فإن صلاتكم معروضة علي)[12]، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض عن أصحابه الخلفاء، وارض عن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلهم هداة مهتدين.

اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بشر فاشغَله في نفسه، ورد كيده في نحره.

اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا، والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.

اللهم وفق جميع ولاة المسلمين لتحكيم كتابك، وإعزاز دينك، واجعلهم رحمة على رعاياهم.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

أعد الخطبة: ماجد بن سليمان الرسي، في العشرين من شهر ربيع الأول لعام 1442، في مدينة الجبيل، في المملكة العربية السعودية، وهي منشورة في:

www.saaid.net/kutob

https://t.me/jumah_sermons



[1] رواه مسلم برقم (55).
[2] شرح النووي على صحيح مسلم.
[3] قال شيخ الإسلام رحمه الله: وقد أمر الله بطاعته في أكثر من ثلاثين موضعا من القرآن، وقرن طاعته بطاعته، وقرن بين مخالفته ومخالفته، كما قرن بين اسمه واسمه، فلا يذكر الله إلا ذكر معه. «مجموع الفتاوى» (19/103).
[4] رواه البخاري (7280).
[5] رواه البخاري (7137)، ومسلم (1835).
[6] رواه البخاري (7288)، ومسلم (1337).
[7] أي كما يشرد البعير إذا نفر وذهب عن صاحبه، والمقصود بالشرود هنا الخروج عن طاعة الله.
[8] رواه ابن حبان (1/196 – 197) برقم (17)، ورجاله رجال مسلم، والحديث له شواهد تقويه كحديث أبي هريرة المتقدم، وحديث أبي هريرة الذي رواه أحمد (2/361) وغيره، وسنده على شرط الشيخين كما قال الحافظ في «الفتح»، شرح حديث (7280).

 باختصار من حاشية الشيخ شعيب على الحديث أعلاه.
[9] «إعلام الموقعين»، فصل في تحريم الإفتاء في دين الله بالرأي المتضمن لمخالفة النصوص.
[10] أي النفخة الثانية في الصور، وهو قرنٌ يَنفخ فيه إسرافيل، وهو الـمَـلك الـمُـوكَل بالنفخ في الصور، فيقوم الخلائق من قبورهم.
[11] أي يُصعق الناس في آخر الحياة الدنيا، فيموتون كلهم، والصعقة تكون بسبب النفخة الأولى في الصور، وبين النفختين أربعون عاما.
[12]  رواه النسائي (1373)، وأبو داود (1047)، وابن ماجه (1085)، وأحمد (4/8)، وصححه الألباني في «صحيح أبي داود»، ومحققو «المسند» برقم (16162).

 

المرفقات

1732342047_‫‫خطبة مختصرة في وجوب طاعة المصطفى.docx

1732342047_‫‫خطبة مختصرة في وجوب طاعة المصطفى.pdf

المشاهدات 306 | التعليقات 0