سلسلة باطن الإثم ( الكِـــبْر )
إبراهيم بن صالح العجلان
1435/07/30 - 2014/05/29 21:28PM
إيها المؤمنون بجلال الله ، يقول الله جلَّ في علاه: ( وذروا ظاهر الإثم وباطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون ).
فالآثام لها ظاهر وباطن، وكثير منا يتوقى الآثام الظاهرة ، وينسى ويتغافل عن خطايا البواطن، مع أنها أشدُّ فتكًا وأعظم أثرًا على القلب والإيمان.
الآثام الباطنة لا يستشعر كثيرٌ من الناس أنَّها تذهب فضل الصيام، وثواب القيام، وتأكُل الحسنات كما تأكل النَّارُ الحطب .
فإلى حديث مع إثم من الخطايا الغائرة ، ووزر من المعاصي الخفية.
هو أول الذنوب التي عصي بها علام الغيوب، (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ).
إنه الكِبْر ، تلك الصفة التي يبغضها الله في المخلوق ويمقتها ، فهو سبحانه المستحق المتفرد بهذا الوصف (وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ).
وفي الحديث القدسي يقول الله عزَّ وجل : ( العزُّ إزاري، والكبر ردائي، فمن نازعني فيها عذبته ) خرجه مسلم في صحيحه.
أهل الإعراض تجمعهم صفة العلو والكبرياء ، وعذبت الأمم السالفة حين سيطرت عليهم نوازع الكبر ، فقوم نوح أعرضوا عن هدايات ربهم الغفور ، واستنكفوا عن دعوة العبد الشكور ، بل بلغ من تَمَنُّعِهِمْ واعراضهم أن (جعلوا أصابعم في آذانهم وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ).
وأما قوم هود فغَرَّتهم قوتُهم، فقادهم هذا الغرور إلى الكبر والتزاهي(فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وقالوا من أشدُّ منَّا قوَّة ).
وأما فرعونُ وجنودُه وبطانتُه فقال الله عنهم: (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ )، ولذا استعاذ بالله منهم كليمُ الرحمنِ فقال (إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ).
لقد استحبَّتْ قريشٌ العمى على الهدى بسبب الكبْرِ الغائرِ في بواطنِهم (إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ )
وتخلف اليهود عن الإيمان برسالة النبي rمع أنهم كانوا يتحينون خروجه، ولما رأوه عرفوا صحة نبوته لكن كفروا به حسداً وكِبْراَ.
والكِبْر من أبرز أوصاف أهل النفاق التي أبانها القرآن : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ) .
المستكبرون يبغضهم الله(إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)
المستكبرون من أبعد الناس عن الهداية وسلوك طريق التقوى (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ)
المتكبر متبع لهواه، ينظر إلى نفسه بعين الكمال، وإلى غيره بعين النقص ، مطبوع على قلبه (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ )
المستكبرون هم أهل الصد عن دين الله وإضلال الناس عن الخير بالحيلة،أو بالقوة (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) (اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)
والمستكبرون هم أهل الاستهزاء بالدين والسخرية بالمؤمنين (قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ مستكبرين به سامراً تهجرون)
والمستكبرون مصيرهم النار ومأواهم جهنم(أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ)
وجنة الرحمن محرمة على اهل الاستعلاء والتعالي ، يقول النبيr ) :لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر). رواه البخاري في صحيحه .
عباد الله : إن سألتم عن سكان أهل النار ـ عياذا بالله من النار ـ فهم أهل الكبر والبذَخِ، والزهو والشمَخِ ، يقول عليه الصلاة والسلام: ( ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عُتُلّ جواظ مستكبر ) متفق عليه .
ويقول عليه الصلاة والسلام : ( احتجت الجنة والنار ، فقالت النار : فيَّ الجبارون والمتكبرون ، وقالت الجنة في ضعفاء الناس ومساكينهم ) رواه مسلم في صحيحه.
أهل الكبر قد يعجل الله لهم العقوبة في الدنيا قبل الآخرة ، خسفت الأرض برجل لأنه انتفخ وتعاظم في نفسه ، يقول النبي r ) بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ مُرَجِّلٌا رأسه ، إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ). متفق عليه .
وشلت يدر رجل في عهد النبوة بسبب الكبر ، أكل رجل عند النبي rبشماله ، فقال له : ( كل بيمينك) فقال : لا أستطيع ـ ما منعه إلا الكبر ـ فقال له النبي r: (لا استطعت ) فما رفع يده إلى فيه.
أما الآخرة فعذابها أشد وأبقى يعاقب المتكبر بنقيض قصده فمن تطاول على العباد في الدنيا يجازى بأن يجعل تحت الأقدام في الآخرة، يقول النبي r :( يحشر الجبارون والمتكبرون في صور الذر يطؤهم الناس بأرجلهم ) رواه الترمذي
تترحل لذة العبودية ويغيب طعم الإيمان حين تسيطر نوازع الكبر في الصدور ، لذا فأهل الكبر هم أعجز الناس عن حياة التذلل لرب البريات ، والأنس بالطاعات، وهذه عقوبة عاجلة قبل العقوبة الآجلة .
أخوة الإيمان : ويقبح التكبر ويعظم، حينما يتكبر الإنسان من غير سبب يدعوه للتكبر ولذا كان أصحاب هذا الصنف من شر الناس منزلة ، يقول النبي r : (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم ، شيخ زان ، وملك كذاب وعائل مستكبر ) رواه مسلم .
أما حقيقة الكبر فقد بيَّنها لنا نبينا rبأنه : ( بطر الحق وغمط الناس).
أي رده وعدم قبوله ، وغمط الناس : أي احتقارهم وازدراؤهم ، فكل من رد الحق الواضح البين وأنفته نفسه فقد وقع في الكبر.
وكل من احتقر الناس سواء لجنسهم أو عرقهم أو لغتهم أو لونهم فقد وقع في الكبر ، فليس الكبر في الملبس الحسن، ولا المركوب الجميل، ولا المسكن الفاره، الكبر استشعار داخلي يرى المرء فيه فضلاً لنفسه على غيره، إما لمال، أو منصب، أو جاه ، أو أرض ، وهذه خلال يبغضها الرحمن ويمقتها، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ )
أما بعد فيا يا أهل الإيمان :
الإنسان بطبعه ضعيف جهول، ينسى حقيقة نفسه مع طنين الدنيا ورنين زهرتها، فيرى فضل نفسه على غيره ، فربما صعَّر خده للناس، ومشى في الأرض مرحاً ، ربما فاخر بأعماله وسمَّع ، ونفخَ ذاتَه ولمَّع ، وهذه بذور من الكبر تخلق في النفوس الزهوَّ والطاؤوسيَّة.
فيا كل من غرَّته نفسُه، وتحركت بين جوانحه عقارب الكبر، تذكر حقيقة قرآنية قال الله فيها : ( من أي شيء خلقه * من نطفة خلقة فقدرة ) هذه بداياتك،
وأما نهاياتك فأنت ستتوسَّدُ التراب ، وسيحثى عليك التراب ( ثم أماته فاقبره).
يا من يرى فضل نفسه على غيره دونك سيرة من جمع المكارم التي لم ولن يجمعها مخلوق ، فمع ما حباه الله له من الخصائص العالية في الدنيا والآخرة إلا أن ذلك لم يزيده إلا تواضعهاً .
اقرأ في سيرته صلى الله عليه وسلم ترى خلق التواضع يتجسد أمام ناظريك في أعلى صورةه، وأبهى حلله.
كيف لا ، وهو الذي أوصى أمته فقال : ( إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ، ولا يبغي أحد على أحد )
فمن تواضعه صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الإطراء في مدحه، ونهى عن تفضيله على الأنبياء، مع أنه صلى الله عليه وسلم خير العباد وصفوة الخلق وسيد ولد آدم .
كان عليه الصلاة والسلام يكره أن يقوم له الناس عند رؤيته وقدومه ، ولم يكن يتميز على أصحابه بمجلس ولا هيئة، حتى إن الرجل الغريب إذا قدم لا يعرف النبي صلى الله عليه وسلم بين الناس حتى يسأل عنه .
كان عليه الصلاة والسلام ليِّناً متواضعاً، مع جميع طبقات المجتمع ، كبيرهم وصغيرهم ، ذكرهم وانثاهم ، عرضت عليه امرأة في طريق من طرق المدينة فقالت يا رسول الله: إن لي إليك حاجة ، فقعد إليها عليه الصلاة والسلام حتى قضى حاجتها .
بل إن الأَمَةَ كانت تأخذ بيده صلى الله عليه وسلم فما ينزع يده حتى تذهب به حيث شاءت من المدينة في حاجتها .
كان عليه الصلاة والسلام يجالس المساكين ، ويمشي مع الأرملة واليتيم، ويأكل مع الخدم، ويسلم على الصبيان، وكان بيده الشريفة يخصف نعله ، ويرقع ثوبه ويحلب الشاة لأهله، ويعلف البعير .
كان يعود المريض، ويشهد الجنازة ، ويبادر من لقيه بالسلام، ويجيب دعوة من دعاه، ولو إلى ذراع أو كراع، وقدم له مرة على مائدته الخل، فجعل يقول : (نعم الإدام الخل ).
يقول أنس رضي الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعى إلى خبز الشعير والإهالة السنخة – أي المتغيرة ريحها .
أتاه رجل غريب فكلمه، فجعل ترعد فرائصه، هيبة من النبي r ،فقال له : (هوِّنْ عليك فإني لست بملك، إنما أن ابن امرأة تأكل القديد) .
حمله خلق التواضع على عفاف لسانه، وأدب كلامه، فما استعلى على أحد بشرفه، ولا تفاخر على غيره بنبوته ، وما نهر خادماً ، ولا تأفف في وجه أحد .
قال أنس بن مالك رضي الله عنه : خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي: أف قط،ولا قال لشيء صنعته لم صنعته ولا لشيء تركته لما تركته)
فسبحان من خلق المحامد كلها ثم سلمها لنبيه rوصدق الله عزوجل (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)
فاتقوا الله أيها المؤمنون، وتأسوا بقدوتكم rواحذروا من الكبر والاستعلاء ، والفخر والخيلاء ، وتواضعوا لله ثم لعباده المؤمنين تكونوا من الفائزين المفلحين .
صلوا بعد ذلك على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه.
فالآثام لها ظاهر وباطن، وكثير منا يتوقى الآثام الظاهرة ، وينسى ويتغافل عن خطايا البواطن، مع أنها أشدُّ فتكًا وأعظم أثرًا على القلب والإيمان.
الآثام الباطنة لا يستشعر كثيرٌ من الناس أنَّها تذهب فضل الصيام، وثواب القيام، وتأكُل الحسنات كما تأكل النَّارُ الحطب .
فإلى حديث مع إثم من الخطايا الغائرة ، ووزر من المعاصي الخفية.
هو أول الذنوب التي عصي بها علام الغيوب، (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ).
إنه الكِبْر ، تلك الصفة التي يبغضها الله في المخلوق ويمقتها ، فهو سبحانه المستحق المتفرد بهذا الوصف (وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ).
وفي الحديث القدسي يقول الله عزَّ وجل : ( العزُّ إزاري، والكبر ردائي، فمن نازعني فيها عذبته ) خرجه مسلم في صحيحه.
أهل الإعراض تجمعهم صفة العلو والكبرياء ، وعذبت الأمم السالفة حين سيطرت عليهم نوازع الكبر ، فقوم نوح أعرضوا عن هدايات ربهم الغفور ، واستنكفوا عن دعوة العبد الشكور ، بل بلغ من تَمَنُّعِهِمْ واعراضهم أن (جعلوا أصابعم في آذانهم وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ).
وأما قوم هود فغَرَّتهم قوتُهم، فقادهم هذا الغرور إلى الكبر والتزاهي(فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وقالوا من أشدُّ منَّا قوَّة ).
وأما فرعونُ وجنودُه وبطانتُه فقال الله عنهم: (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ )، ولذا استعاذ بالله منهم كليمُ الرحمنِ فقال (إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ).
لقد استحبَّتْ قريشٌ العمى على الهدى بسبب الكبْرِ الغائرِ في بواطنِهم (إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ )
وتخلف اليهود عن الإيمان برسالة النبي rمع أنهم كانوا يتحينون خروجه، ولما رأوه عرفوا صحة نبوته لكن كفروا به حسداً وكِبْراَ.
والكِبْر من أبرز أوصاف أهل النفاق التي أبانها القرآن : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ) .
المستكبرون يبغضهم الله(إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)
المستكبرون من أبعد الناس عن الهداية وسلوك طريق التقوى (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ)
المتكبر متبع لهواه، ينظر إلى نفسه بعين الكمال، وإلى غيره بعين النقص ، مطبوع على قلبه (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ )
المستكبرون هم أهل الصد عن دين الله وإضلال الناس عن الخير بالحيلة،أو بالقوة (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) (اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)
والمستكبرون هم أهل الاستهزاء بالدين والسخرية بالمؤمنين (قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ مستكبرين به سامراً تهجرون)
والمستكبرون مصيرهم النار ومأواهم جهنم(أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ)
وجنة الرحمن محرمة على اهل الاستعلاء والتعالي ، يقول النبيr ) :لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر). رواه البخاري في صحيحه .
عباد الله : إن سألتم عن سكان أهل النار ـ عياذا بالله من النار ـ فهم أهل الكبر والبذَخِ، والزهو والشمَخِ ، يقول عليه الصلاة والسلام: ( ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عُتُلّ جواظ مستكبر ) متفق عليه .
ويقول عليه الصلاة والسلام : ( احتجت الجنة والنار ، فقالت النار : فيَّ الجبارون والمتكبرون ، وقالت الجنة في ضعفاء الناس ومساكينهم ) رواه مسلم في صحيحه.
أهل الكبر قد يعجل الله لهم العقوبة في الدنيا قبل الآخرة ، خسفت الأرض برجل لأنه انتفخ وتعاظم في نفسه ، يقول النبي r ) بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ مُرَجِّلٌا رأسه ، إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ). متفق عليه .
وشلت يدر رجل في عهد النبوة بسبب الكبر ، أكل رجل عند النبي rبشماله ، فقال له : ( كل بيمينك) فقال : لا أستطيع ـ ما منعه إلا الكبر ـ فقال له النبي r: (لا استطعت ) فما رفع يده إلى فيه.
أما الآخرة فعذابها أشد وأبقى يعاقب المتكبر بنقيض قصده فمن تطاول على العباد في الدنيا يجازى بأن يجعل تحت الأقدام في الآخرة، يقول النبي r :( يحشر الجبارون والمتكبرون في صور الذر يطؤهم الناس بأرجلهم ) رواه الترمذي
تترحل لذة العبودية ويغيب طعم الإيمان حين تسيطر نوازع الكبر في الصدور ، لذا فأهل الكبر هم أعجز الناس عن حياة التذلل لرب البريات ، والأنس بالطاعات، وهذه عقوبة عاجلة قبل العقوبة الآجلة .
أخوة الإيمان : ويقبح التكبر ويعظم، حينما يتكبر الإنسان من غير سبب يدعوه للتكبر ولذا كان أصحاب هذا الصنف من شر الناس منزلة ، يقول النبي r : (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم ، شيخ زان ، وملك كذاب وعائل مستكبر ) رواه مسلم .
أما حقيقة الكبر فقد بيَّنها لنا نبينا rبأنه : ( بطر الحق وغمط الناس).
أي رده وعدم قبوله ، وغمط الناس : أي احتقارهم وازدراؤهم ، فكل من رد الحق الواضح البين وأنفته نفسه فقد وقع في الكبر.
وكل من احتقر الناس سواء لجنسهم أو عرقهم أو لغتهم أو لونهم فقد وقع في الكبر ، فليس الكبر في الملبس الحسن، ولا المركوب الجميل، ولا المسكن الفاره، الكبر استشعار داخلي يرى المرء فيه فضلاً لنفسه على غيره، إما لمال، أو منصب، أو جاه ، أو أرض ، وهذه خلال يبغضها الرحمن ويمقتها، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ )
الخطبة الثانية
أما بعد فيا يا أهل الإيمان :
الإنسان بطبعه ضعيف جهول، ينسى حقيقة نفسه مع طنين الدنيا ورنين زهرتها، فيرى فضل نفسه على غيره ، فربما صعَّر خده للناس، ومشى في الأرض مرحاً ، ربما فاخر بأعماله وسمَّع ، ونفخَ ذاتَه ولمَّع ، وهذه بذور من الكبر تخلق في النفوس الزهوَّ والطاؤوسيَّة.
فيا كل من غرَّته نفسُه، وتحركت بين جوانحه عقارب الكبر، تذكر حقيقة قرآنية قال الله فيها : ( من أي شيء خلقه * من نطفة خلقة فقدرة ) هذه بداياتك،
وأما نهاياتك فأنت ستتوسَّدُ التراب ، وسيحثى عليك التراب ( ثم أماته فاقبره).
يا من يرى فضل نفسه على غيره دونك سيرة من جمع المكارم التي لم ولن يجمعها مخلوق ، فمع ما حباه الله له من الخصائص العالية في الدنيا والآخرة إلا أن ذلك لم يزيده إلا تواضعهاً .
اقرأ في سيرته صلى الله عليه وسلم ترى خلق التواضع يتجسد أمام ناظريك في أعلى صورةه، وأبهى حلله.
كيف لا ، وهو الذي أوصى أمته فقال : ( إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ، ولا يبغي أحد على أحد )
فمن تواضعه صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الإطراء في مدحه، ونهى عن تفضيله على الأنبياء، مع أنه صلى الله عليه وسلم خير العباد وصفوة الخلق وسيد ولد آدم .
كان عليه الصلاة والسلام يكره أن يقوم له الناس عند رؤيته وقدومه ، ولم يكن يتميز على أصحابه بمجلس ولا هيئة، حتى إن الرجل الغريب إذا قدم لا يعرف النبي صلى الله عليه وسلم بين الناس حتى يسأل عنه .
كان عليه الصلاة والسلام ليِّناً متواضعاً، مع جميع طبقات المجتمع ، كبيرهم وصغيرهم ، ذكرهم وانثاهم ، عرضت عليه امرأة في طريق من طرق المدينة فقالت يا رسول الله: إن لي إليك حاجة ، فقعد إليها عليه الصلاة والسلام حتى قضى حاجتها .
بل إن الأَمَةَ كانت تأخذ بيده صلى الله عليه وسلم فما ينزع يده حتى تذهب به حيث شاءت من المدينة في حاجتها .
كان عليه الصلاة والسلام يجالس المساكين ، ويمشي مع الأرملة واليتيم، ويأكل مع الخدم، ويسلم على الصبيان، وكان بيده الشريفة يخصف نعله ، ويرقع ثوبه ويحلب الشاة لأهله، ويعلف البعير .
كان يعود المريض، ويشهد الجنازة ، ويبادر من لقيه بالسلام، ويجيب دعوة من دعاه، ولو إلى ذراع أو كراع، وقدم له مرة على مائدته الخل، فجعل يقول : (نعم الإدام الخل ).
يقول أنس رضي الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعى إلى خبز الشعير والإهالة السنخة – أي المتغيرة ريحها .
أتاه رجل غريب فكلمه، فجعل ترعد فرائصه، هيبة من النبي r ،فقال له : (هوِّنْ عليك فإني لست بملك، إنما أن ابن امرأة تأكل القديد) .
حمله خلق التواضع على عفاف لسانه، وأدب كلامه، فما استعلى على أحد بشرفه، ولا تفاخر على غيره بنبوته ، وما نهر خادماً ، ولا تأفف في وجه أحد .
قال أنس بن مالك رضي الله عنه : خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي: أف قط،ولا قال لشيء صنعته لم صنعته ولا لشيء تركته لما تركته)
فسبحان من خلق المحامد كلها ثم سلمها لنبيه rوصدق الله عزوجل (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)
فاتقوا الله أيها المؤمنون، وتأسوا بقدوتكم rواحذروا من الكبر والاستعلاء ، والفخر والخيلاء ، وتواضعوا لله ثم لعباده المؤمنين تكونوا من الفائزين المفلحين .
صلوا بعد ذلك على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه.
المرفقات
باطن الإثم ( الكبر ).docx
باطن الإثم ( الكبر ).docx
المشاهدات 3217 | التعليقات 3
بوركت ياشيخ إبراهيم خطبةرائعة .نفع الله بك اﻹسلام والمسلمين.
بارك الله فيك شيخنا ونفع بعلمك وكتاباتك
عبدالله محمد الطوالة
جزاك الله خيراً شيخ إبراهيم وبارك الله فيك وفي علمك وقملك ..
تعديل التعليق