سلسلة الزمان المبارك[وسائل أهل الخير في اغتنام العشر]

سعد النمشان
1446/08/29 - 2025/02/28 18:22PM
[وسائل الخير في اغتنام العشر]
 يوم الجمعة الموافق٢١/٩
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله الرَّحيمِ الرحمن،سابغِ الجودِ والإحسانِ،نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،شرعَ لنا الصيامَ والقيامَ،ونشهد أنَّ محمدًا عبد اللهِ ورسولُه أجودُ النَّاسِ،وجُدُوهُ يَتضاعَفُ في رمضان،صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وأصحابه الكِرامِ,الذين يسارعون في الخيراتِ، ويَتَنافَسُونَ في الطَّاعاتِ,ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ المَمَاتِ. أمَّا بعد:أيُّها المسلمونَ الصَّائِمونَ،اتَّقوا اللهَ تعالى,فتقوى اللهِ سبيلُ المؤمنين،وزادُ الصالحين،ونَجاةُ الدُّنيا وصلاحُ الدِّين، واشكروه أنْ هداكم للإيمانِ،ومنَّ عليكم ببلوغِ شهرِ الصِّيام،والقيامِ(فمن صامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه،ومن قامَ ليله إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه). كما صحَّ ذلكِ عن رسولِنا .
يَا أهلَ القُرآنِ والصِيام: نَحنُ في العشرِ الأواخرِ ذاتُ الفَضَائِلِ والمَنَازِلِ، وسبحانَ اللهِ:كنَّا قبل أيامٍ نَتَبَاشَرُ باستِقبالِهِ وها نحنُ في عَشْرهِ الأَواخِرِ!وعمَّا قليلٍ نُودِّعهُ!
 يَا أهلَ القُرآنِ والصِيام : إنَّ شهرَنا أخذَ في النَّقصِ فَلْنَزِد في العمَلِ،فَكلُّ شَهرٍ عسى أنْ يكونَ لَهُ خَلَفٌ،إلاَّ رَمَضَانَ مِن أينَ لنا عنهُ خَلَفٌ؟
ومِنْ نِعمِ اللهِ عَليْنا أنْ جعلَ عشرَنا مَوسمَ خيرٍ وعَطَاءٍ، فَها هيَ عشرُنا حلَّت لِتكونَ فُرصَةٌ لمن فرَّطَ أوَّلَ الشهر،أو تَاجاً وعزيمةً وخِتَامَاً لمن أصْلَحَ وأطاعَ رَبَّهُ واتَّبعَ الأمْرَ !
يَا أهلَ القُرآنِ والصِيام :عشرُنا سُوقٌ عظيمٌ يَتَنافسُ فيهِ المُتَنَافِسونَ،وَيَتَمَيَّزُ فيها الصَّائِمونَ المُخلِصونَ! استجابَ أناسٌ للنِّداءِ فخالطَ الإيمانُ قلوبُهم،فَسَلَكُوا سَبِيلَ المُؤمنينَ،وجَعلَ اللهُ لهم نُوراً فَكانوا من الرَّاكعينَ السَّاجِدِينَ. أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. وطائفةٌ أخرى عياذاً باللهِ سَمِعتِ النِّداءَ وكأنَّهُ لا يَعنِيها،تَرى المُؤمنينَ يُصَلُّون ويَتَهَجَّدُونَ وكأنَّهم عن رَحمَةِ اللهِ مُستغنونَ!وَصدَقَ اللهُ: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا .وربُّنا يُنادي ويقولُ: ( يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ).
يَا أهلَ القُرآنِ والصِيام :ظاهرةٌ مُؤسفةٌ حقَّاً تظهرُ في العَشرِ المباركة،ولا يُعرَفُ لها تَفسيرٌ إلاَّ الغفلةُ والحِرمانُ,فكثيرٌ من الصَّائمينَ قد نَشِطُوا للعبادة أوَّل الشَّهرِ في والطَّاعة!ثمَّ في مُنتَصَفِهِ تَضعُفُ الهِمَمُ وتَفتُرُ العَزَائِمُ!ومِمَّا يَزِيدُ الطِّينَ بِلَّةً أن تُقضى ليالِ العشر في التَّنَقُّلِ بينَ الأسواقِ بَحثاً عن أثَاثٍ أو ثِيابٍ،وسُبحانَ اللهِ ولا يحلو التَّسوُّقِ إلاَّ في عشرِ رمضانَ إنَّهُ الحِرمانُ! ورسولُنا يقولُ: (أحبُّ البلاد إلى الله مساجدُها وأبغضُ البلادِ إلى الله أسواقُها). فَكانَ لِزاماً عَلينَا أنْ نُذكِّرَ أنفُسَنا بِفَضائِل العَشرِ لِتَكونَ دافِعَا لَنا على الجدِّ والعملِ.
يَا أهلَ القُرآنِ والصِيام :لقد كَانَ رسولُنا عليهِ الصَّلاةُ وأزكى السَّلامُ يجتهدُ في العَشرِ الأواخِرِ ويخصُّها بمزيدٍ من الأعمالِ ما لا يَجْتهدُ في غَيرِها مِنْ الأيامِ والليالي, فهو يُحي الليلَ كُلَّه،ويَتجنَّبُ نساءَه، تقولُ أمُّنا عائشةُ رضي الله عنها قالت:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ.قال ابنُ رجبٍ رحمه اللهُ:ولم يكنِ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا بقيَ من رمضانَ عشرةُ أيامٍ يدعُ أحداً من أهله يُطيقُ القيامَ إلا أقامَهُ.
هكذا كان صلَّى الله عليه وسلَّم مُتفرِّغَاً للعبادةِ في هذه العشر مُقبلاً عليها،بل كان عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يعتكفُ في هذه العشرِ لينقطعَ عن الدُّنيا ومشاغِلِها مُتَحَرِّياً ليلةَ القدر. ومِنْ بَعدِه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ سارت قوافلُ الصالحينَ ,تقفُ عند العشرِ وقفةَ جدٍ وإخلاصٍ ويقينٍ بعفوِ أكرمِ الأكرمينَ. لقد كان قتادةُ رحمه الله يختمُ القرآنَ في كلِّ سبعِ ليالٍ مرةً، فإذا دخلَ رمضانَ ختمَ في كلِّ ثلاثِ ليالٍ مرةً، فإذا دخلتِ العشرَ خَتَمَ في كلِّ ليلةٍ مرةً. ومن شِدَّةِ تعظيمِ السَّلفِ لها كانوا يغتسلونَ ويتطيَّبُون ويتزيَّنونَ لها بأحسنِ ملابِسهِم كُلَّ ليلةٍ. فالله الله يا صائمونَ،لا تَفُوتَنَّكُم تلكَ الفرصةُ العظيمةُ،فوَ اللهِ لا ندري أندركُها أُخرى أم لا؟.
يَاأهلَ القرآنِ والصِيام : الإقبالُ على طاعةِ اللهِ مطلوبٌ كلَّ
 وقتٍ وحينٍ،وفي العشرِ الأواخِرِ أعظمُ فضلاً, وأكثرُ أجرًا,حيثُ يَقتَرِنُ فيها فضلُ العبادةِ وفضلُ الزَّمانِ. ولنا في رسولِناَ خيرُ أسوةٍ وإمامٍ. أيُّها الصَّائمون: اهجروا لذيذَ النَّومِ واطرُدٌوا عَنكمْ الكَسلَ، وانصبوا أقدامَكم، وارفعوا أكُفَّكم، واسْجُدوا لِربِّكم، وكُونوا مِمَّن أثنى اللهُ عَليهِم: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا .ردِّدوا اللهم إنِّك عفوٌ تحبُّ العفوَ فاعفُ عَنا، اللهم أعنَّا على ذِكركَ وشُكرِك وحُسنِ عِبادِتك، واستغفرُ اللهَ لي ولكُم ولِسائرِ المسلمينَ فاستغفروهُ إنهُ هُو الغفورُ الرحيم .
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ خلقنا من ترابٍ وفاوَتَ بيننا في العلمِ والآداب،وفَّقَ من شاءَ لطاعتهِ برحْمَتِهِ,وأضلَّ من شاءَبعدلهِ وحكمتِهِ,نشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ المتفرِّدِ بكلِّ جلالٍ وكمالٍ،ونشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه الرحمةُ المهداةُ،صلَّىَ اللهُ وسلَّم وباركَ عليهِ وعلى آلهِ الطيبين،وصحابتهِ الْمُكرَّمينَ والتابعينَ لهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الدِّينِ.
يَا أهلَ القرآنِ والصِيام : من دلائلِ توفيقِ اللهِ للعبدِ أنْ يَغتَنِمَ هذه الليالي المباركةِ،بأنواعِ العبادةِ والتَّذلُّلِ بين يدي ربِّه،يقومُ معَ النَّاسِ في جوفِ الليلِ وبِالأسحَار،ويَدْعُ ربَّهُ,فًاجتَهِدوا يا رَعاكُم اللهُ بالدُّعاء،وسَلُوا اللهَ ولا تَعْجَزُوا ولا تستبطئوا الإجابةَ،أملاً بالفوزِ بليلةِ القدر،ونيلِ بَركاتِها ، فقد قال : (من قامَ ليلةَ القدرِ إيماناً واحتساباً غُفر لهُ ما تقدمَ من ذنبه)وقد نَدبَ رسولُنا إلى التِمَاسِها في ليالِ الوترِ مِنْ العشرِ الأوَاخرِ، أو السَّبعِ البَواقي فعن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله : (التمسوها في العشر الأواخر، فإن ضَعُفَ أحدكم أو عَجَزَ فلا يُغلبَنَّ على السَّبعِ البواقي).وقد سألت أمُّ المؤمنين عائشةُ رضي الله عنها رسولَ الله بأيِّ شيءٍ أدعوا ليلةَ القدرِ؟ فأرشَدها أنْ تَقولَ: (اللهم إنَّك عفوٌّ، تحبُّ العفو، فاعف عني)
يَا أهلَ القرآنِ والصِيام : وخيرُ الذِّكرِ قَدْرَاً،وأعظَمُها أجراً تلاوةُ الكِتابُ الكَريم الذي لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَـٰطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (فمن قرأ حرفاً من كتابِ اللهِ فلهُ بهِ حسنةٌ، والحسنةُ بعشر أمثالها). واعلموا رحمكمُ اللهُ:أنَّ الجَمْعَ بين الصيامِ والصَّدقَةِ أبلغُ في تكفيرِ الخطايا والفوزِ بالجنَّةِ! صَحَّ عن النبيِّ أنَّه قال: (من أصبحَ منكم اليومَ صائمًا؟) قال أبو بكر: أنا، قال: (من تَبِعَ منكم اليومَ جنازةً؟) قالَ أبو بكرٍ: أنا، قال: (من تصدَّقَ بصدقةٍ؟) قال أبو بكر: أنا، قال: (فمن عادَ منكم مريضًا؟) قال أبو بكرٍ: أنا، قال: (ما اجتمعت في امرئٍ إلا دخلَ الجنةَ).
 يَا أهلَ القرآنِ والصِيام : أكثروا من الصَّدقاتِ فهي سببٌ لِزَكَاءِ نُفُوسِكم،وطهارةِ قُلُوبِكم،ونماءِ أموالِكُم، فَنحنُ في شهرِ رحمةٍ ومواساةٍ، فاللهُ تعالى يقول: وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ .
يَا أهلَ القرآنِ والصِيام:كَانَ رسُولُ اللهِ إذا دَخلتِ العشرُ لزمَ المسجدَ فلا يخرجُ مِنهُ إلاَّ ليلةَ العيدِ.ففي الاعتكافِ أسرارٌ ودروسٌ! فالمعتكفُ ذِكرُ اللهِ أنيسُهُ،والقرآنُ جليسهُ،والصلاةُ راحتهُ، ومناجاةُ الرَّبِّ مُتعَتُه،والدُّعاء لذَّتُه.فهنيئاً للمعتكفينَ.
أَلَا وَأَكْثِرُواْ مِنَ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى مَلَاذِ الْوَرَى فِي الْمَوْقِفِ الْعَظِيمِ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا تُحِبُّ رَبَّنَا وَتَرْضَى،فاللهمَّ تقبل صِيامَنا وقِيَامَنا ودُعَاءنا،اللهمَّ وفِقنا لليلةِ القدرِ,واجعل حَظنا فِيها موفوراً وسَعينا مشكوراً،اللهمَّ اجعل شَهرنا شَهرَ خَيرٍ وبَركةٍ للإسلامِ والمسلمينَ في كلِ مكان،اللهمَّ أعتق رِقَابَنا ووالدينا والمسلمينَ من النار.اللهم إنكَ عفوٌ تحبُ العفوَ فاعفُ عنا.اللهمَّ أعزَ الإسلامَ والمُسلمينَ وأذلَّ الكفرَ والكافرينَ.واحمِ حوزةَ الدينِ واجعل بِلادَنا وبلادَ المُسلمينَ آمنةً مُطمئنةً ياربَّ العالمين.اللهم انْصر إخوانَنا المُستضعفينَ في كلِ مكانٍ 
اللهمَّ وفق وأعن واحفظ ولي أمرنا خادمَ الحرمينِ الشريفينِ وولي عهدنا ياربَ العالمين، ربَنا ظَلمنا أنفُسنا وإنْ لم تغفرْ لنا وترحَمنا لنكوننَّ من الخاسرين. رَبنا آتنا في الدُنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقِنا عذابَ النار. وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تصنعون
 
المشاهدات 108 | التعليقات 0