سلسلة أركان الإيمان خامسًا الإيمان باليوم الآخر 2 علامات الساعة

عبد الله بن علي الطريف
1445/11/20 - 2024/05/28 18:35PM

سلسلة أركان الإيمان خامسًا الإيمان باليوم الآخر 2 علامات الساعة. 1445/11/23هـ

الحمد لله المتفرد بالخلق والتدبير، قدر مقادير كل شيء، فجعل للحياة الدنيا نهاية، وجعل الحياة الآخرة هي الغاية، ووضع لهذه النهاية علامات ظاهرات، والصلاة والسلام على سيد البريات، وعلى آله وأصحابه الطاهرين والطاهرات، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا.. يقول الحق تبارك وتعالى: (‌وَاتَّقُوا ‌يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281]..  ثم أما بعد أيها الإخوة: الإيمان باليوم الآخر هو الركن الخامس من أركان الإسلام وأحد مبانيه العظام، جعل الله مبدأه بالنسبة لكل إنسان بموته، أما عموم الخلق فبقيام الساعة، وجعل موعد قيامها من الغيب الذي استأثر الله عز وجل بعلمه، وأخفاه عن الخلق أجمعين، حتى عن الملك الذي ينفخ في الصور، فقال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) [الأعراف:187]، وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «كَيْفَ أَنْعَمُ ‌وَصَاحِبُ ‌الصُّورِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ وَحَنَا ظَهْرَهُ يَنْظُرُ تُجَاهَ الْعَرْشِ كَأَنَّ عَيْنَيْهِ كَوْكَبَانِ دُرِّيَّانِ، لَمْ يَطْرِفْ قَطُّ مَخَافَةَ أَنْ يُؤْمَرَ قَبْلَ ذَلِكَ» رواه الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة. وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «كَيْفَ أَنْعَمُ ‌وَصَاحِبُ ‌الصُّورِ قَدِ الْتَقَمَهُ وَأَصْغَى سَمْعَهُ، وَحَنَى جَبْهَتَهُ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ». فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «قُولُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب صحيح لغيره. أي أنَّ صاحبَ الصورِ مُتَرَصِّدٌ مُتَرَقِّبٌ لِأَنْ يُؤْمَرَ فَيَنْفُخَ فِيهِ.. ومن الآيات الدالة على أن قيام الساعة يأتي بغته وأن أشراطها قد جاءت قوله تعالى: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا) [محمد:18] والمقصود بأشراطها علاماتها وهي: العلامات التي تسبق يوم القيامة وتدل على قدومه.. وقد ذكر العلماء منها ما يقارب السبعين وقد قَسَّمُوها إلى علامات صغرى وكبرى، والمراد بالصغرى: العلامات التي تدلُّ على اقترابِ يوم القيامة.. وهي قسمين منها ما وقع ومنها مالم يقع، وقد أخبر ﷺ بها وَأَبَانَها بما لم يُؤْتَهُ نَبِيٌّ قبله.. وما وقع منها قسمين مِنْها ما ظهر في حياته ﷺ ومنها ما ظهرت مباديها من عهد الصّحابة رضي الله عنهم، وهي في ازدياد، ثمّ صارت تكثر في بعض الأماكن دون، بعض، ومنها مالم يقع.. أما العلامات الكبرى فلم يقع منها شيء..

أيها الإخوة: وللإيمان بأشراط الساعة وتذاكرها ثمرات جليلة منها: أن الإيمان بها إيمان بالغيب، الذي له مكانته في الإسلام، فهو أحد صفات المؤمنين المتقين.. ومنها أن الإيمان بها ودراستها وتعلمها وتعليمها يقوي الإيمان ويذكر بالآخرة، ويدعو للاستعداد لها بالأعمال الصالحة.. ثم أن الإيمان بها سبب للحد من إقبال الناس على الدنيا وزخرفها والتفكير الجاد بالمصير.. وفي إخباره ﷺ بها رحمة بالعباد، ليحذروا ويستعدوا، ويكونوا على بصيرة من أمرهم.. ثم إن تعلمها ومعرفتها من تعلم أمور الدين.. قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عَنْهُ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ.. وسأله عددًا من الأسئلة وكان آخر أسئلته: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ: مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا، قَالَ: أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ ‌يَتَطَاوَلُونَ ‌فِي ‌الْبُنْيَانِ، قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَ لِي: يَا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ، أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ.» رواه مسلم..

أيها الإخوة: اعلموا أن جواب النَّبِيِّ ﷺ عن علامات الساعة للتمثيل لا للحصر، فقد ذكر ﷺ غير كثير وقد قاربت السبعين ومعنى قوله: "أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا" أن الأمة المملوكة والتي كانت تباع وتشترى تلد من يكونون أسيادًا وملوكًا.. وقوله: "أَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ ‌يَتَطَاوَلُونَ ‌فِي ‌الْبُنْيَانِ" أي يتفاخر الناس بالبنيان الشاهق، وزخرفة البيوت بعد أن كانوا حفاة يعيشون في خيام الشعر ويرعون الشياه والبعير.. وقد نبه الإمام  النووي رحمه الله إلى تنبيه مهم فقال: "لَيْسَ كُلُّ مَا أَخْبَرَ ﷺ بِكَوْنِهِ مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ يَكُونُ مُحَرَّمًا أَوْ مَذْمُومًا؛ فَإِنَّ تَطَاوُلَ الرِّعَاءِ فِي الْبُنْيَانِ، وَفُشُوَّ الْمَالِ، وَكَوْنَ خَمْسِينَ امْرَأَةً لَهُنَّ قَيِّمٌ وَاحِدٌ لَيْسَ بِحَرَامٍ بِلَا شَكٍّ، وَإِنَّمَا هَذِهِ عَلَامَاتٌ، ‌وَالْعَلَامَةُ ‌لَا ‌يُشْتَرَطُ ‌فِيهَا ‌شَيْءٌ ‌مِنْ ‌ذَلِكَ بَلْ تَكُونُ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْمُبَاحِ وَالْمُحَرَّمِ وَالْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ" أهـ

أيها الإخوة: أولُ أمارات الساعة الصُغرى بعثته ﷺ فقد قَالَ: «بُعِثْتُ ‌أَنَا ‌وَالسَّاعَةُ ‌كَهَاتَيْنِ، وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى» رواه مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عَنْهُما. فكونه خاتم النبيين وآخر المرسلين ولا نبي بعده، يليه قيام الساعة، كما يلي في الأصابع السبابة الوسطى.. قال النووي: "يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لِتَقْرِيبِ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُدَّةِ وَأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَهُمَا كَنِسْبَةِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْإِصْبَعَيْنِ تَقْرِيبًا لَا تَحْدِيدًا".. وقد أكمل الله تعالى به الدين وأقام به الحجة على العالمين..

ومن علامات الساعة الصغرى كذلك انشقاق القمر، وقد وقع في حياته ﷺ وقد أخبر الله تعالى عنه بقوله: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ‌وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) [القمر:1] وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ «إِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ ﷺ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً ‌فَأَرَاهُمُ ‌انْشِقَاقَ ‌الْقَمَرِ.» رواه البخاري ومسلم.  قال القاضي عياض رحمه الله: "انشقاق القمر من أمهات معجزات نبينا ﷺ وقد رواها عدة من الصحابة رضي الله عنهم، مع دلالة ظاهر الآية الكريمة وسياقها".. وقال الزجاج: "وقد أنكرها بعض المبتدعة المضاهين لمخالفي الملة، وذلك لَمَّا أعمى الله قلبه، ولا إنكار للعقل فيه؛ لأن القمر مخلوق لله تعالى يفعل فيه ما يشاء كما يفنيه ويكوره في آخر أمره".. وقال ابن زيد: "وقد انشق القمرُ في زمان رسول اللَّه ﷺ فكان يرى نصفه على جبل قُعَيْقِعَانَ يقع غرب المسجد والنصف الآخر على جبل أبي قيس شرق المسجد، وقيل إن ذلك وقع قبل الهجرة بخمس سنوات.." أسأل الله تعالى لكم ولي العلم النافع والعمل الصالح...

الخطبة الثانية:

أيها الإخوة: وَأخبر النَّبِيُّ ﷺ عن أمارات أخرى فَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَقَالَ: «‌اعْدُدْ ‌سِتًّا ‌بَيْنَ ‌يَدَيِ ‌السَّاعَةِ: مَوْتِي ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ مُوتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لَا يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ الْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا.» رواه البخاري. مَوْتِي وقد مات ﷺ في سنة إحدى عشرة من الهجرة، وقد كان موته النّبيّ ﷺ من أعظم المصائب الّتي وقعت على المسلمين، فقد أظلمتِ الدُّنيا في عيون الصّحابة رضي الله عنهم عندما مات ﷺ. فَعَنْ أَنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «‌لَمَّا ‌كَانَ ‌الْيَوْمُ ‌الَّذِي ‌دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ أَضَاءَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَظْلَمَ مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ، وَمَا نَفَضْنَا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ الْأَيْدِيَ حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا». رواه ابن ماجة وصححه الألباني رحمهما الله.. قال ابن حجر: "يُرِيد أَنَّهُمْ ‌وَجَدُوهَا ‌تَغَيَّرَتْ ‌عَمَّا عَهِدُوهُ فِي حَيَاته مِنْ الْأُلْفَة وَالصَّفَاء وَالرِّقَّة، لِفِقْدَانِ مَا كَانَ يَمُدّهُمْ بِهِ ﷺ مِنْ التَّعْلِيم وَالتَّأدِيبِ" وَبِمَوتِه ﷺ انقطع الوحي من السَّماء.. فعَنْ أَنَسٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «قَالَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ لِعُمَرَ رَضيَ اللهُ عَنْهُما: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ رَضيَ اللهُ عَنْهَا نَزُورُهَا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَزُورُهَا، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهَا بَكَتْ، فَقَالَا لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ ﷺ. فَقَالَتْ: مَا أَبْكِي أَنْ لَا أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ ﷺ، وَلَكِنْ أَبْكِي أَنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّمَاءِ فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى الْبُكَاءِ، ‌فَجَعَلَا ‌يَبْكِيَانِ ‌مَعَهَا» رواه مسلم.. وكان موته كما قال القرطبي: "أول أمرٍ دَهَمَ الإِسلامَ ثمَّ بعده موتُ عمر، فبموت النّبيّ ﷺ انقطع الوحي، وماتت النبوَّة، وكان أول ظهور الشر بارتداد العرب، وغير ذلك، وكان أول انقطاع الخير، وأول نقصانه.. تقول صفيَّة بنت عبد المطَّلب رضي الله عنها:

لَعَمْرُكَ مَا أَبْكِي النَّبِيَّ لِفَقْدِهِ … ولكِنَ مَا أَخْشَى مِنَ الهَرْجِ آتِيا

أسأل الله تعالى أن يغفر لنا وللمسلمين ويجنبنا طريق المبطلين..

المشاهدات 4049 | التعليقات 0