سلامة القلب للشيخ سلطان العمري

منصور الفرشوطي
1436/02/21 - 2014/12/13 20:27PM
الحمد لله الذي جعل النجاة في الآخرة لمن كان قلبُه سليماً، فقال جل وعلا: (( يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ))[الشعراء: 88- 89].
والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي كان يملكُ قلباً سليماً، وكان يملك روحاً تحب العفوَ والمسامحة ..
معاشر المؤمنين :
إن من الناس من يحملُ في قلبهِ أطناناً من الغل والحقد والحسد، وفي نفس الوقت هناك قلوبٌ لا تعرف الانتقام ولا البغي ولا العدوان .
هذا رسولنا صلى الله عليه وسلم يخرج للطائف لدعوتهم إلى دين الله وتوحيده ولكنهم رفضوا دعوته واستكبروا عنها بل وجعلوا الأطفال والمجانين يرجمونه بالحجارة .
ثم يسيرُ بهمومه وحزنه ولايدري أين تذهب به الخطا ولا يفيقُ إلا بعد عشرات الكيلوات .
سار بجسدٍ تتقاطر منه الدماء ولك أن تتخيل ذلك النبي المختار يسير والدماءُ تسيل من تلك الأقدام التي خرجت لله ولنصرة دينه .

في تلك اللحظات إذ بمَلَك الجبال ينزل من السماء ومعه سيد الملائكة جبريل عليه السلام .
يسلم جبريل على نبينا محمد ويقول : إن الله قد سمع قول قومك لك وماردوا عليه وهذا ملك الجبال إن شئت أن يطبق عليهم الأخشبين أي الجبلين فتنتهي قرية الطائف في تلك اللحظة .
يا ترى هل رسولنا في هذه اللحظة تذكر الخطأ وتذكر الدماء التي تسيل منه ؟ أم أنه نظر إلى جانب الرحمة والعفو والتفاؤل.
إن رسولنا كان يملك روحاً ترفرف نحو العلا وتعشق العفو وتنظر للأمل فكان الجواب من رسولنا: ( لا. لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً ".
أي قلب كان يملك صلى الله عليه وسلم ؟ إنه العفو وسلامة القلب .
إن رسولنا لم يأت للناس وهو يريد تنفيذ العقوبات على من يخطئ منهم، إن قلبهُ كان واسعاً يستوعب كل العيوب والمخالفات التي تصدر من أطياف المجتمع، وهكذا تكونُ صفات القادةِ العظماء .
أحبتي: في مجتمعاتنا نحتاجُ إلى سلامة القلب والتدرب على العفو .
في بيتك أيها الزوج ، لماذا تنتقم من زوجتك لإجل كلمةٍ عابرة أو خطأ فطري .
لماذا تُرسل كلماتك الجارحة على ولدك بسبب زلةٍ قادتهُ لها طفولته أو مراهقته .
أيها الأب ادخل لبيتك وأنت تحمل العفو لتوزعه على أسرتك .
ما أجمل العفو.. خُلقٌ راقي يضعُ لك محبةً في القلوب .
نحتاجُ العفو في أوساط الأقارب والأرحام ، هذا عمك وخالك وهذه عمتك وخالتك وهذه أختك وهذا أخوك كلهم من البشر الذين تقع منهم الزلة ، فهل ياترى يجدون منك عفواً ومسامحةً ؟.
في تعاملك مع الموظفين تحت إدارتك ، سوف ترى منهم زللاً ، فهل سيرون منك عفواً ؟
نحتاج العفو مع الجار الذي قد يصدر منه أو من أولادهِ بعض الخطأ .
ومع أصدقائك لابد من العفو، فهذا ربما نسي موعداً معك وربما تأخر عليك ، ولعله يخطىء في كلمةِ مزاحٍ معك، وربما تجاهل بعض الأمور التي تحبها، ولعله لم يسدد القرض الذي منتحته إياه قبل مدة .
يا أيها المحب:
هل تحب من الناس أن يعفو عنك حينما تخطئ عليهم، فكذلك الناس يحبون أن تعفو عنهم .
إن العفو عن الناس طريق للجنة الغالية فاسلك هذا السبيل، وحينما نتأمل أوصاف أهل الجنة التي ذكرها الله تعالى : نجد منها : ((وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ))[آل عمران:134].
عباد الله : إن من أسماء الله تعالى " العفو " والله عفا ولا يزال يعفو عن كثيرٍ من عباده .
" يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لاتشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة ".
معاشر المؤمنين ..
هيا بنا إلى بعض صور العفو عند نبينا صلى الله عليه وسلم :
عن أنس-رضي الله عنه-قال: كنت أمشي مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فأدركه أعرابي فجبذه جبذةً شديدة فنظرت إلى صفحة عنقه اليمنى، وقد أثرت بها حاشية البردة من شدة جذبته، فقال: يا محمد! أعطني من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه النبي-صلى الله عليه وسلم- فضحك ثم أمر له بعطاء.
ما أعجب أخلاق هذا الرسول الكريم ، يبتسم لمن يخطئ عليه .
وفي حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول : كأني أنظر إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يحكي نبياً من الأنبياء- صلوات الله وسلامه- عليهم ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون .
وكذلك كان العفو من هدي الرسل الكرام؛ فهذا نبي الله يوسف عليه السلام الذي حسده إخوته وألقوه في البئر، ونال منهم ألواناً من الأذى ثم يقول لهم بعد أن منّ الله عليه بالتمكين في الأرض : (( لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ))[يوسف:92].
يا سبحان الله، يعفو عن إخوته الذين حاولوا قتله ، وبعضنا يغضب على إخوته ويقطع التعامل معهم لسنوات لإجل خلافٍ دنيوي " ربما كان ذلك الخلاف بسبب الأولاد . أو تدخل الزوجات بين الإخوة أو غير تلك الأسباب الغريبة ..
ياكرام ، ليكن العفو هو منهجنا وطريقنا .

لنكن من أصحاب القلوب الكبيرة التي يسجل التاريخ قصتها على صفحاتٍ من ذهب .
تأكدوا يا فضلاء أنه من عفا عفا الله عنه، ومن صفح صفح الله عنه، ومن غفر غفر الله له .

اللهم ارزقنا قلوباً سليمة تعفو عن الآخرين .

الخطبة الثانية:
الحمد لله القائل: ((وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ))[النور:22].
الحمد لله القائل: ((فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إ ))[الشورى:40].
معاشر المؤمنين: في مجتمعاتنا ألوانٌ من الخلافات وهذه من طبيعة الحياة .
ولكن ليست المشكلة في هذه الخلافات، إنما الخلل في ما يترتب بعدها من النزاع والشقاق بين المؤمنين .
هذا يختلف مع قريب له لأجل قطعة أرض فيترك السلام عليه وزيارته شهوراً بل وسنوات، وهذا يخاصم أخته ويهجرها سنوات بسبب خلاف في وجهات النظر حول مواضيع لا تستحق .
وبين الزوجين يدخل الشيطان ويحدث الخلافات ويغيب العفو بينهما ويزداد القلبُ قسوةً وانتقاماً، بل ربما وقع الطلاق نتيجةً لاختلاف وجهات النظر حول بعض صغائر الأمور .
أيها الكرام ..
كم نحن بحاجةٍ إلى أن نتربى على العفو وقبول العذر وسلامة القلب .
كم نحن بحاجة إلى كلمة " آسف " في حياتنا، لعل الحب أن يعود ولعل شجرة المودة أن تنمو ولعل حبال الوصل أن تشتد .
إن بعض الناس يرى أن الانتقامَ شجاعةً ورجولة وأن العفو ضعف ومهانة، لا والله، فالعفو هو خلق الأنبياء والمرسلين وهدي العلماء والصالحين، ومن عفا فهو حري بأن يعفو الله عنه .
قال تعالى: ((وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ))[النور:22].
هيا يا عبد الله عاهد نفسك على أن تدخل في بستان أهل العفو .
أيها الوالد اعف عن ولدك ولاتطرده من حنانك .
أيها الزوج اعف عن زوجتك وارجع لها إن كانت في بيت أهلها وحتى لو وقعت طلقة فلعلك تعود وتمسح خطايا الماضي .
أيها الصديق عد لأحبابك واعف عنهم وتجاوز عن ما اقترفته أيديهم .
أيها المدير اعف عن موظفك الذي أخطأ معك قبل أيام .
أيها الكفيل اعف عن العامل الذي تحت يدك واقبل عذره لعل الله أن يعفو عنك .
إنك بعفوك تزداد رفعةً عند الله وعند الناس .
وفي الحديث الصحيح: ( وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزاً ) [ صحيح مسلم: 2588 ] .

اللهم ارزقنا قلوباً سليمة تحب العفو وتبادر إليه، اللهم اعف عنا وعن والدينا وجميع المسلمين .
اللهم أعز دينك، وانصر عبادك، اللهم كن للمسلمين المستضعفين في كل مكان .
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا العسرى .
http://www.denana.com/supervisor/articles.aspx?article_no=14071
المشاهدات 2364 | التعليقات 0