سكرةُ الموت وفتنةُ القبر

عبدالعزيز عثمان التويجري
1444/08/11 - 2023/03/03 15:16PM

                 خطبةُ الجُمُعةِ ٥/ ٧/ ١٤٤٤هـ

                 ( سكرةُ الموت وفتنةُ القبر)

الحمدُ للهِ ، حَكمَ بالفَناءِ على العِبادِ ، وأَمرَهُم بالاسْتِعدادِ لِيومِ المَعادِ، وجَعلَ لهُم أَجلاً لاريبَ فيه ، لِيَجْزِيَ كُلَّ عامِلٍ بِعَمَلِهِ ، فَمَن عَمِلَ صالِحًا فلِنَفْسِهِ، ومَن أَساءَ فَعلَيها، وما رَبُّكَ بِظلّامٍ لِلعَبيدِ، وأشْهدُ أن لا إِلَهَ إلا اللهُ وحْدَهُ لا شَرِكَ لَهُ إِلَهُ الأَوَّلِينَ والآخِرِنَ، وأشْهدُ أنّ مُحمَّداً عبْدُهُ ورَسُولُهُ إِمامُ المُتَّقِنَ صلى اللهُ عَليهِ وعلى آلِهِ وأصْحابِهِ والتَّابِعينَ وسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً

أمَا بعدُ:

﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنوا بِرَسولِهِ يُؤتِكُم كِفلَينِ مِن رَحمَتِهِ وَيَجعَل لَكُم نورًا تَمشونَ بِهِ وَيَغفِر لَكُم وَاللَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ﴾ [الحديد: ٢٨]

 

 

أيها المؤمنون لقد حَطَطْنا الرِّحالَ في هذه الدُّنْيا لِهَدفٍ وغايَةٍ فَإِذا انْتَهَتِ الآجالُ و تَصَرَّمَتِ الأعْمارُ ارتَحَلْنا ، وإنَ الواحِدَ مِنّا سَيَمُرُّ بِمَواقِفَ شَدِيدَةٍ صَعْبَةٍ وعَقَباتٍ كَؤودَةٍ فيها أهوالٌ وكُرُوبٌ ، ورعْبٌ وفَزَعٌ . وأوَّلُ هذه المَواقِفَ :=  المَوتُ وسْكْرَتُهُ :

كانَ عمرُو بنُ العاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - يقولُ : عَجبًا لِمَن نَزلَ بِه المَوتُ وعَقلُهُ مَعهُ كَيفَ لا يَصِفُهُ فلما نَزلَ به المَوتُ ذَكَّرَهُ ابْنَهُ بِقولِه وقالَ: صِفْهُ. ( قالَ : بَابُنَيَّ ! المَوتُ أَجَلُّ مِن أن يُوصَفَ، ولَكِن سَأصِفُ لك؛ أجِدُنِي كأنَّ جِبالَ رَضْوَى على عُنُقِي، وكَأنَّ فِي جَوفِي الشَّوكَ، وأَجِدُنِي كَأنَّ نَفَسِي يَخْرجُ مِن إِبْرَةٍ )  وفي هَذِه الَّلحَظاتِ

 

 

و الغَمَراتِ و السَّكَراتِ ثَبَّتَهُ اللهُ ، و كانَ رَضِيَ اللهُ عنه يَقولُ : (الّلهُم إنكَ أَمَرتَنا فَضَيّعْنا، و نَهْيتَنَا فَركِبْنا، فَلا بَرِيءٌ فَأَعْتَذِرُ، ولا عَزِيزٌ فانْتَصِرُ ؛ولكنْ لا إلَهَ إِلا أَنْتَ ) ومَازَالَ يَقُولُها حَتى ماتَ!

ورَبُّنا تَعالى يَقُولُ وقَولُه أتَمُّ وأَبْلَغْ: ﴿وَجاءَت سَكرَةُ المَوتِ بِالحَقِّ ذلِكَ ما كُنتَ مِنهُ تَحيدُ﴾ [ق: ١٩] وجاءَت سَكراتُ المَوتِ و شَدائدُهُ وأَهوالُهُ ، حِيْنها تَبْرُدُ القَدَمانِ ويَعْرَقُ الجَبينُ ، ويَضِيقُ النَّفَسُ ، وتُسَلُّ الرُّوحُ مِن البَدَنِ ، وقَدْ تُنْتَزَعُ انَتِزاعًا، وقد شُدِّدَّ على النَّبِيِّ صَلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ في سَكراتِ المَوتِ ، فقد روى البخاريُّ عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت : " إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ فِيهَا مَاءٌ ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي

 

المَاءِ ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ ، وَيَقُولُ : ( لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ )  رواه البخاري (6510)

عِبَادَ اللهِ، إِنَّ تَأَمُّلَ سَكَرَاتِ المَوتِ وَرُؤيَةَ المُحتَضَرِينَ، وَشُهُودَ الجَنَائِزِ وَزِيَارَةَ القُبُورِ، وَتَذَكُّرَ صُورَةِ المَيِّتِ بَعدَ مَمَاتِهِ، يَقطَعُ عَلَى النُّفُوسِ لَذَّاتِهَا، وَيَطرُدُ عَنهَا مَسَرَّاتِهَا، وَيُوقِظُ القُلُوبَ مِن سُبَاتِهَا وَ غَفَلاتِهَا ، وَ يَزجُرُهَا عَنِ التَّمَادِي في غَيِّهَا وَشَهَوَاتِهَا. الأَيَّامُ تَمضِي مُسرِعَةً، وَحَوَادِثُ اللَّيالي مُوجِعَةٌ ، وَمُعظَمُ النَّاسِ عَمَّا يَصِيرُونَ إِلَيهِ في غَفلَةٍ، عَنِ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: بَينَمَا نَحنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَبصَرَ بِجَمَاعَةٍ فَقَالَ: " عَلامَ اجتَمَعَ عَلَيهِ هَؤُلاءِ؟ " قِيلَ: عَلَى قَبرٍ يَحفِرُونَهُ، قَالَ: فَفَزِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ

 

فَبَدَرَ بَينَ يَدَي أَصحَابِهِ مُسرِعًا، حَتى انتَهَى إِلى القَبرِ فَجَثَا عَلَيهِ، قَالَ: فَاستَقبَلتُهُ مِن بَينِ يَدَيهِ لأَنظُرَ مَا يَصنَعُ، فَبَكَى حَتى بَلَّ الثَّرَى مِن دُمُوعِهِ، ثم أَقبَلَ عَلَينَا، قَالَ: " أَيْ إِخوَاني، لِمِثلِ اليَومِ فَأَعِدُّوا } رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.

{ إنّ المَوتَ  أَمرٌ كُبَّارٌ، وَكَأسٌ بَينَ النَّاسِ تُدَارُ، يُسْقَى به الأَبْرارُ والفُجَّارُ، وَيَخرُجُ بِصَاحِبِهِ إِمَّا إِلى الجَنَّةِ وَإِمَّا إِلى النَّارِ،

فَيا أخِي : تَأَهَّبْ لِلَّذِي لاَ بُدَّ مِنهُ

                               فَإِنَّ المَوتَ مِيعَادُ العِبَادِ

                       •     •     •

هُوَ المَوتُ مَا مِنهُ مَلاذٌ وَمَهرَبُ

                        مَتى حُطَّ ذَا عَن نَعشِهِ ذَاكَ يَركَبُ

عِبادَ اللهِ: = الموقِفُ الثانِي القَبْرُ وفِتْنَتُهُ :

{إن العَبدَ إذا ماتَ إنْتَقَلَ مِن الدَّارِ الدُّنْيا الى دَارِ البَرْزَخِ و الْبرْزخُ دارٌ بينَ الدُّنْيا والآخِرَةِ ، فَهُو مُشْتَرَكٌ بينَهُما ؛ فَمَكانُهُ في الأرضِ وهِي مِن الدُّنْيا، وفَترَةُ بَقاءِ المَيّتِ فيه هِي مِن زَمَنِ الدُّنْيا ، ولَكنَّ المَقْبورَ يُعامَلُ في قَبْرِهِ مُعامَلَةَ الآخِرَةِ ؛ لِذا كانَ القَبْرُ أَوّلَ مَنازِلِ الآخِرَةِ. والقَبْرُ حُفْرَةٌ  مُظْلِمَةٌ مُوحِشَةٌ، أَقَضَّتْ مَضاجِعَ الصَّالِحِينَ ،خَوفًا وفَزَعًا ، وابْتِهالاً ودُعاءً بِطَلَبِ النَّجاةِ مِن فِتْنتِها وعَذابِها ،

حُفْرَةٌ ضَيِّقَةٌ يُوسَّدُ المَّيتُ فِيها كِسْرَةَ لَبِنَةٍ، وتُصَفُّ عَليه الّلبِناتُ و يُهالُ عَليه التُّرابُ  فَلا مُتَنَفَّسَ فِيها ولا نُورَ ولا هَواءَ ولا طَعامَ ، ولا شَيْءَ مَعهُ إلا كَفنَهُ وعَمَلَهُ، و سَيَبْلَى الكَفنُ ويَبقَى العَمَلُ.

 

 

إِنّ آخِرَ لَمسَةٍ لِلميِّتِ من انْسانٍ مِثلِهِ هِي لَمسَةُ مَن يُوسِّدَهُ في لَحدِهِ ، وآخِرَ نَظرَةٍ تُصِيبُهُ هِي نَظْرَةُ مَن يَضَعُ آخرَ لَبِنَةٍ عليه، ثُّم يَنْقَطِعُ عن البَشَرِ، وآخِرُ إحْساسٍ لَه بالبَشَرِ في تِلك الَّلحَظاتِ ، حِينَ يَنْتَهونَ مِن دَفْنِهِ ويَتَولَّونَ عنه،  وهُو يَسمَعُ قَرْعَ نِعالِهِم؛ } الألوكة د/ إبراهيم الحقيل خطبة ماذا في القبور بتصرف بين

يا لَها مِن نِهايَةٍ مُرْعِبةٍ ، تَستَحِقُّ الوقُوفَ عِندَها، والتَّفَكُّرَ فِيها، والاسْتِعْدادَ لَها..

رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ إِذَا انْصَرَفُوا ؛ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولانِ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ مُحَمَّدٍ؟ فَأَمّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ : أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ لَهُ انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا

 

مِنَ الْجَنَّةِ فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا ، وَأَمَّا الْكَافِرُ أَوِ الْمُنَافِقُ فَيَقُولُ لا أَدْرِي كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهِ، فَيُقَالُ لا دَرَيْتَ وَلا تَلَيْتَ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ بَيْنَ أُذُنَيْهِ فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ).

عبادَ الله / إِنَّ النّاسَ يُفتَنونَ في قُبُورِهِم ويُمتَحنُونَ ويُنعَّمُونَ أو يُعَذَّبُونَ وهُو حَقٌّ ، والإِيْمانُ بِه واجِبٌ ، وَمِمّا يَدُلُّ على ذَلِك ، قَولُ اللهِ عزَّ وجَلَّ عن آلِ فِرعَونَ : ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 46]،

يُبَيِّنُ اللهُ تَعالى أنَه لَمَا أَغْرَقَ فِرْعونَ وقَومَهُ أَحَلَّ عَليهِم العَذابَ في الْبَرْزَخِ كُلَّ يومٍ أولَ النَّهارِ وآخِرَهُ ، ثمّ يومَ القِيامَةِ :﴿ أَدْخِلُوا  آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾

 

وقالَ جَلّ وعَلا عن الظالمينَ : ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [الأنعام: 93]،

والْمَعنى ولو تَرَى إِذْ الظَّالِمُون فِي سَكراتِ الموتِ وَنَزَعاتِهِ وأَهْوالِهِ ، والمَلائِكةُ﴿ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ﴾ بالضَّربِ والعَذابِ،: ﴿ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ ﴾ أي عذابَ الْهَوانِ والذُّلِّ وهذا حالُهُم في الْبَرْزَخِ ذُلٌّ وهَوانٌ وعَذابٌ و هَوامٌّ.

أَخْرَجَ مُسلِمٌ عن زيدِ بن ثابِتِ رضيَ اللهُ عنه قالَ :بيْنَما النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في حَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ علَى بَغْلَةٍ له وَنَحْنُ معهُ، إذْ حَادَتْ به فَكَادَتْ تُلْقِيهِ، وإذَا أَقْبُرٌ سِتَّةٌ، أَوْ خَمْسَةٌ، أَوْ أَرْبَعَةٌ فَقالَ: مَن يَعْرِفُ أَصْحَابَ هذِه

 

الأقْبُرِ؟ فَقالَ رَجُلٌ: أَنَا، قالَ: فَمَتَى مَاتَ هَؤُلَاءِ؟قالَ: مَاتُوا في الإشْرَاكِ، فَقالَ: إنَّ هذِه الأُمَّةَ تُبْتَلَى في قُبُورِهَا،فَلَوْلَا أَنْ لا تَدَافَنُوا، لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِن عَذَابِ القَبْرِ الَّذي أَسْمَعُ منه. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بوَجْهِهِ، فَقالَ: تَعَوَّذُوا باللهِ مِن عَذَابِ النَّارِ، قالوا: نَعُوذُ باللَّهِ مِن عَذَابِ النَّارِ، فَقالَ: تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِن عَذَابِ القَبْرِ، قالوا: نَعُوذُ باللَّهِ مِن عَذَابِ القَبْرِ، قالَ: تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِنَ الفِتَنِ، ما ظَهَرَ منها وَما بَطَنَ، قالوا: نَعُوذُ باللَّهِ مِنَ الفِتَنِ ما ظَهَرَ منها وَما بَطَنَ، قالَ: تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِن فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، قالوا: نَعُوذُ باللَّهِ مِن فِتْنَةِ الدَّجَّالِ.}

أيُّها المُؤمِنونَ : إِنَّنا سنُمْتَحَنُ في قُبورِنا ونُناقَشُ ونُسْأَلُ عن أُمُرٍ واضِحَةٍ جَلِيَّةٍ  : مَنْ ربُّكَ ؟ ما دِينُكَ ؟ مَن نَبِيُّكَ ؟

 

فَمَن اسْتَقامَ على دِينِ اللهِ في دُنْياهُ وامْتَثَلَ أمْرَ مَولاهُ وأمْرَ نَبِيِّهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلّمَ واجْتَنَبَ المَناهِيَ والمُوبِقاتِ ثَبَّتَهُ اللهُ في حالِ الاحْتِضارِ وفي القَبْرِ عِندَ السُّؤالِ، كما

جاءَ عن النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قالَ :( إِنَّ العبدَ المؤْمن إذا كان في انْقِطَاعٍ من الدُّنْيَا،وإِقْبالٍ من الْآخِرَةِ، نزلَ إليه من السَّمَاءِ ملائكةٌ بِيضُ الوجُوهِ، كأَنَّ وجوهَهُمُ الشمسُ…ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ المَوْتِ فيَجلِسُ عندَ رأسِهِ فيَقولُ : أيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إلى مغْفِرةٍ من اللَّهِ ورِضْوَانٍ، فتخْرُجُ تَسِيلُ كما تسِيلُ القَطْرَةُ من فِيِّ السِّقَاءِ ،( يعني تَخرُجُ بِيُسْرٍ وسُهُولةٍ )  ثُمَّ تُعادُ رُوحُه إلى الأرضِ، فيَأتِيهِ مَلَكانِ ، فيُجْلِسانِه ، فيَقولانِ له : مَن ربُّكَ ؟ فيقولُ : رَبِّيَ اللهُ ، فيَقولانِ له : ما دِينُكَ ؟ فيَقولُ : دِينِيَ الإِسلامُ ،

 

فيَقولانِ له : ما هذا الرجلُ الذِي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ فيَقولُ : هو رسولُ اللهِ ، فيَقولانِ له ومَا عِلْمُكَ ؟ فيَقولُ : قَرأتُ كِتابَ اللهِ فآمَنتُ به وصَدَّقْتُ ، فيُنادِي مُنادٍ من السماءِ أنْ

صَدَقَ عَبدِي ، فَأفْرِشُوه من الجنةِ ، وألْبِسُوهُ من الجنةِ ، وافْتَحُوا له بابًا إلى الجنةِ ، فيَأتِيهِ من رَوْحِها وطِيبِها ، ويُفسحُ له في قَبرِهِ مَدَّ بَصرِهِ ، ….الحديث

وأَمَّا مَن حادَ عن الطَّرِيقِ القَوِيمِ ، واتَّبَعَ سُبُلَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ، وغَرِقَ في دُنْياهُ ، ونَسِيَ العَمَلَ لِأُخْراهُ ، خَارَتْ قُواهُ وطَارَ فُؤادُهُ وتَلعْثَمَ لِسانُهُ وحَادَ عن الجَوابِ ولَم يَنْطِقْ بالصَّوابِ. كَما في الحدِيثِ :{وإنَّ العبدَ الكافِرَ إذا كان في انقِطَاعٍ من الدنيا، وإقبالٍ من الآخِرةِ ، نزل إليه من السماءِ ملائكةٌ سُودُ الوجُوهِ، معَهُمُ المُسُوحُ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الموتِ فَيَجْلِسُ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: يَا أيَّتُهَا النَّفْسُ

الْخَبِيثَةُ اخْرُجِي إلى سَخَطٍ من اللَّهِ وغَضَبٍ ، فَتَفْرُقُ في جَسَدِهِ فيَنتَزِعُهَا كَما يُنتَزَعُ السَّفُّودُ من الصُّوفِ المَبْلُولِ  : ثُمَّ تُعَادُ رُوحُهُ في جَسَدِهِ، ويَأْتِيهِ ملَكَانِ فَيُجْلِسَانِه،

فيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فيَقُولُ: هَاهَا لا أدْرِي، فَيَقُولَانِ لَهُ: ومَا دِينُكَ؟، فَيَقُولُ: هَاهَا لا أدْرِي فيَقُولانِ له : ما هذا الرَّجلُ الذي بُعِثَ فِيكُم ؟ فيَقولُ : هَاه هَاه لا أدْرِي ، فيُنادِي مُنادٍ من السماءِ : أنْ كَذَبَ عَبدِي ، فأفْرِشُوهُ من النارِ، وافْتَحُوا له بابًا إلى النَّارِ، قال : فَيَأْتِيهِ من حَرِّهَا وسَمُومِهَا، ويُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ، حتى تَخْتَلِفَ عَلَيْهِ أضْلَاعُهُ…الحديث   قالَ اللهُ تعالى

 ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا بِالقَولِ الثّابِتِ فِي الحَياةِ الدُّنيا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظّالِمينَ وَيَفعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ﴾

[إبراهيم: ٢٧].

عباد اللهِ : كلُّ واحِدٍ مِنّا سَيَمُرُّ بِهذهِ الأَحداثِ العَصِيبَةِ المُفْزِعَةِ ، فَعلامَ التَّمادِي في الغَفْلةِ ،والمَوعِدُ آتٍ لا مَحالةَ،           فَأَعِدُّوا لِلرّحِيلِ زادًا ولِلسُّؤالِ جَوابًا ، ولِلجَوابِ صَوابًا

﴿يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقوا رَبَّكُم وَاخشَوا يَومًا لا يَجزي والِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَولودٌ هُوَ جازٍ عَن والِدِهِ شَيئًا إِنَّ وَعدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الحَياةُ الدُّنيا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الغَرورُ﴾ [لقمان: ٣٣]        بارك الله لي ولكم

                      الخُطبةُ الثانِيةُ

الحَمدُ للهِ الذِي خَلقَ المَوتَ والحَياةَ لِيبْلُوَكُم أَيُّكم أَحسَنُ عَمَلاً وهو العَزِيزُ الغَفُورُ . والصّلاةُ والسَّلامُ على المَبْعُوثِ رَحْمَةً للعالَمِينَ ، وإِمامًا لِلمُتَّقِينَ ، وعلى آلِه وأصْحابِهِ والتَّابِعِينَ إلى يومِ الدِّينِ.

أمّا بعدُ :اتَّقُوا اللهَ أيُّها المُؤمِنُونَ {وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَن سَبيلِهِ } فَسَبيلُ اللهِ واضِحٌ ،والطَّرِيقُ بَيِّنٌ، والأَمْرُ جِدٌّ لَيسَ بالهَزْلِ ، فَخُذُوا مِن حَياتِكُم لِمَوتِكُم، وجاهِدُوا أنْفُسَكُم على طاعَةِ رَبِّكُم،واسْتَعِدُّوا لِلقَائه، تَنْعَمُوا بِرِضاهُ و تَسْعَدُوا بِلُقْياهُ .

أيُّها المُؤمِنون :﴿ إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا ﴾

اللهم صلي وسلم على نبينا محمد

اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الكفر والكافرين .

اللهم انصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك يا ذا الجلال والإكرام

اللهم اجعل بلادنا آمنة مطمئنة ، رخاء سخاء وسائر بلاد المسلمين يارب العالمين .

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أُمورنا وأعوانَهم  .ووفقهم لما فيه صلاح العباد والبلاد

اللهم انصر المجاهدين والمرابطين في سبيلك في كل مكان

اللهم توفنا مسلِمين وألحِقنا بالصالِحين واغفر لنا خطايانا يوم الدين .اللهم هون علينا سكراتِ الموتِ وثَبتْنا عند السؤالِ وآنس وحشتنا وأكرم نزلنا ووسع مُدْخَلنا ونَور لنا في قبورنا ، واجْعلْنا يَومَ الفَزَعِ الأَكبَرِ مِن الآمِنِين بِرحمتِكَ يا أَرحم

اللَّهُمَّ احْفَظنا بالإِسْلاَمِ قائِمين، واحْفَظْنِا بالإِسْلاَمِ قاعِدين، واحْفَظنِا بالإِسْلاَمِ راقِدين، ولا تُشْمِتْ بِنا عَدُوّاً ولا حاسِداً.  اللَّهُمَّ إِنِّا نسْألُكَ مِنْ كُلِّ خَيْر خزائِنُهُ بِيَدِكَ، ونعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ شَرَ خَزَائِنُهُ بِيَدِكَ)

اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها ، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة .

﴿ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ ٢٠١﴾ البقرة

.

 

 

 

المرفقات

1677845824_سكرةُ_الموت_وضمةُ_القبر_٥_٧_١٤٤٤هـ.docx

1677845831_سكرةُ_الموت_وضمةُ_القبر_٥_٧_١٤٤٤هـ.pdf

المشاهدات 821 | التعليقات 0