سقوط فرعون
محمد مرسى
ولما كانت حياة النعمة والرخاء لا تتم للناس في ظل أنظمة سياسية استبدادية طاغوتية جعل الله مهمة الرسل عليهم السلام وأديان السماء عبر التاريخ البشري هو مقاومة الطاغوت واجتنابه (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ).
ومما يؤكد أهمية مقصد اجتناب الطاغوت في المنظور السماوي وأديان السماء أن جعل الله مقصد التوحيد والعبودية لله بمثابة ثورة تحررية سياسية واجتماعية لاجتناب حكم الطاغوت وولايته الجائرة الظالمة (أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ).
ويتعزز هذا الفهم الذي يؤكد المضمون الثوري التحرري لكلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ) أن كلمة التوحيد جاءت مركبة من نفي ( لا إله ) ثم إثبات ( إلا الله ) ذلك أن المدرك لفلسفة التغيير وسننه ومراحله سيعلم أن أي حركة تغييرية وثورة تحررية لا تتم إلا عبر مرحلتين هامتين :-
- مرحلة النفي والهدم لحكم الطاغوت والاستبداد.
- ثم الإثبات للنظام السياسي والاجتماعي العادل .
فجعل الله كلمة التوحيد مركبة من النفي والإثبات معاً ( لا إله ) ( إلا الله ) ليؤكد لنا أن العبودية لله لا تتم إلا عبر التحرر أولاً من عبودية الإنسان لأخيه الإنسان {أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ}آل عمران64، ثم بعد النفي لحكم الطاغوت واستعباد الإنسان لأخيه الإنسان يكون الإيمان بالله .
ويتعزز هذا الفهم لكلمة التوحيد كلمة الحرية ( لا إله إلا الله ) القائمة على النفي أولاً لحكم الطاغوت ثم إثبات الإيمان بالله بمنهجية تفسير القرآن بالقرآن بقوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ - اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ }البقرة256.
فصريح هذه الآية قد جعل شرط الإيمان بالله النفي أولاً للطاغوت والكفر به (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ) ثم إثبات الإيمان بالله (وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ).
وبهذه الدلالات القرآنية القطعية الدلالة يتضح لنا أن عقيدة التوحيد وأديان السماء والإسلام إنما تنـزلت على البشر رحمة لهم لتطلق ثورة تحررية سياسية واجتماعية تخرجهم من ظلمات الأنظمة السياسية الاستبدادية الطاغوتية إلى نور النظام السياسي الإلهي العادل {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ) .
أيام الله
ومصطلح الخروج من الظلمات إلى النور هو مقصد قرآني يقصد به التحرر من حياة العبودية والاستضعاف والذل إلى حياة الحرية والكرامة والعزة بدليل ورود هذا المصطلح في سياق الحديث عن موسى عليه السلام وحركته الثورية التغييرية لإخراج قومه من ظلمات العبودية والطاغوت الفرعوني إلى نور الحرية والكرامة يقول الله تعالى {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }إبراهيم5.
ففي هذه الآية جاء التوجيه الإلهي لموسى بأن يُخرج قومه من الظلمات إلى النور أي يخرجهم من حياة العبودية إلى الحرية والكرامة ثم وصفت الآية عملية الخروج والتحرر بأنها أيام الله، أي أن أيام الله هي أيام الخروج للتحرر من الطاغوت والاستبداد وإقامة النظام السياسي والاجتماعي الإلهي العادل.
وعلى نسق هذا المصطلح القرآني (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ) أطلقت على عنوان مقالي (سقوط فرعون مصر أيام من أيام الله ).
إلى أبناء مصر
فاخرجوا يا أبناء مصر في مظاهرات حاشدة واخرجوا يا أبناء مصر في ثورة شعبية هي واحدة من أعظم الثورات في العصر الحديث وأعلنوا لهذا الطاغية الشق الأول من كلمة التوحيد (لا) التي لا يتم الإيمان بالله إلا بها لأن مقتضيات الحرية أن يجهر الحر بكلمة (لا) أما العبد فيقول دائماً (نعم نعم) فأول مظاهر الحرية هو إعلان الرفض والنفي لحكم الطاغوت وأعلموا أن تحرركم من هذا الطاغية المستبد ليس شرطاً لإصلاح دنياكم بل شرطاً لإصلاح دنياكم وأخراكم فقد أوضحت لكم بأدلة قاطعة بأن التحرر من الطاغوت السياسي والاجتماعي هو الشرط الأول لإثبات عقيدة التوحيد وأن المؤمن لا يجتمع في قلبه الإيمان بالطاغوت والإيمان بالله لمن فهم المعنى الحقيقي لكلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ) فكلمة التوحيد بخلاف الفهم التقليدي الذي هو أثر من آثار ثقافة عصور الانحطاط كلمة لا تقال بلسان المقال فحسب بل لابد أن تقال بلسان المقال ولسان الحال، ولسان الحال هو الخروج وإعلان الثورة والرفض لحكم الطاغوت {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً }.
وأيام الخروج هذه لإعلان الرفض والكفر بحكم الطاغوت هي أيام الله أيام التغيير لما في نفوسنا من ذل وخوف بالعزم على ترديد كلمة النفي (لا) التي لا يرددها إلى الأحرار لا للطاغية لا لحسني مبارك لا للفرعون، وإذا غيرنا ما في نفوسنا التي ألفت على ترديد كلمة (نعم نعم) للطغاة والفراعنة خوفاً على نفوسنا ومصالحنا غيّر الله أحوالنا وأنزل نصره علينا وأخرجنا من ولاية الطاغوت الظالمة (وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) إلى النظام السياسي الإلهي العادل (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ).
والنظام السياسي الإلهي العادل هو النظام الشوروي الديمقراطي (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) أمر دولتهم وسلطتهم شورى بينهم أي أن أمر الدولة حق للأمة وليس للطاغية والمستبد وهذا الحق لا يتم إلا عبر مشاورتهم في إختيار قياداتهم عبر بيعة شرعية وإنتخابات حرة ونزيهة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}النساء59، فالآية قالت (وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) أي ولاية أمر وسلطة سياسية منبثقة عن المؤمنين وعموم الأمة والشعب عبر الشورى ولم يقل (وأولي الأمر فيكم) أي أولياء الأمر المفروضين عليكم فلا وصاية في الدين ولا حق إلهي مزعوم وليس هناك سلطة دينية مقدسة وإنما شريعة مقدسة {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }الأعراف3.
مدنيّة السلطة في الإسلام
فالسلطة الإسلامية سلطة مدنية لا قداسة لها، فليس هناك رجال دين مقدسين {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ}التوبة31، وإنما أمراء وعلماء محكومون بالشريعة المقدسة لا حاكمون عليها، مقيدين بثلاثة قيود تمنعهم عن الطغيان:
- قيد الشريعة المقدسة.
- قيد الشورى والديمقراطية والإختيار الحر للأمة.
- وقيد الرقابة الشعبية {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ}النساء59.
فإذا إنتفت الولاية الطاغوتية (ولاية الطاغوت) وقامت الولاية الإلهية (ولاية العدل) (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ) خرج الناس من الظلمات إلى النور (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ)، من ظلمات العبودية والفقر والشقاء إلى نور الحرية والغنى والنعمة ({الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }البقرة268.
فدين الله ونظامه السياسي هو دين النعمة والعمل به يؤدي إلى حياة الأمن والاستقرار والرفاة الاقتصادي والغنى، والكفر بنعمة الدين الإلهي يؤدي إلى الأزمات الاقتصادية والجوع، والأزمات الاقتصادية تؤدي إلى انعدام الأمن والاستقرار وحالة الخوف وصدق الله العظيم القائل (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) .
وأبشّر أبناء الشعب المصري بأن سقوط الأنظمة الطاغوتية الظالمة سنة إلهيه وحقيقة قرآنية وتوراتية وإنجيلية .
فالعدل هو قانون قيام الدول والحضارات والظلم هو قانون سقوطها وانهيارها وصدق الله العظيم القائل {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ }هود102.
{وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ }الأنبياء11.
{فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ}الحج45 .
وكما أن سقوط الفراعنة والطغاة حقيقة قرآنية متى غيّر الناس ما بأنفسهم وخرجوا لإعلان الرفض لحكم الطاغوت عبر ثورة شعبية سلمية أو عبر الثورة المسلحة {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً }النساء75، فهذه هي الشرعية الثورية لاقتلاع ولاية الطاغوت وحكمه.
المشاهدات 2928 | التعليقات 2
"الثورة السلمية" وإشكالية التكييف الفقهي
د. سعد بن مطر العتيبي
المصدر صيد الفوائد
http://www.saaid.net/Doat/otibi/90.htm
بسم الله الرحمن الرحيم
قبل بضعة أشهر طالب بعض المصريين من غير المسلمين مع بعض العلمانيين بتغيير المادة الثانية من الدستور المصري الحالي ، بحيث تحذف منها عبارة " الإسلام دين الدولة " ؟!
هذه الواقعة ، لا يمكن تجاهلها في ظل الحديث عن تكييف الثورة الشعبية المصرية الحالية في النظر الشرعي حالاً ومآلاً ؛ إذ إنَّ مصطلح الثورة من المصطلحات التي لها اتصال بالدستور وجوداً وإلغاء وتغييراً ، ولذلك فإنَّ الثورات الشعبية ، كما تكون فرص مكاسب ، يمكن أن تكون منشأ مخاطر ، وهنا تتعدد الأحكام المتفرعة بتعدد عللها ، والتابعة بتعدد ما تتبعه ؛ ومن ثم فإنَّ مصطلح ( الثورة الشعبية السلمية ) يتطلب تكييفا مختلفا عن غيرها من وسائل التعبير عن الرأي المعروفة عالميا .. فهي في الحقيقة من نوازل هذا العصر التي يعسر إلحاقها بحكم بعينه من الأحكام الفقهية المعتادة .
1) وإنَّ من مشكلات بعض الإعلام المعاصر : تحميل بعض الخطاب الإسلامي ما لا يحتمل - وتتبع زلل بعض قياداته مهما كان اجتهاداً مقبولاً ؛ وبغض النظر عن سببه ، جهلاً كان أو تشفياً أو تشنيعاً - فإنَّ ثمة إشكالات حقيقية ينبغي التنبه لها أيضاً ، منها : ما يتعلق بفهم الخطاب الشرعي لعموم النّاس ، كطريقة صياغة الخطاب ، اتكالاً على فهم الفقيه ومجتمعه ، ومن أمثلته : خلو الصياغة الفقهية أحياناً من بعض القيود المؤثرة ، اعتماداً على ظهورها لدى الفقيه ، بينما هي خفية بالنسبة لغيره ، كما ينبّه العلامة ابن عابدين رحمه الله ؛ وهذا أمر ظاهر في هذا العصر ، إذ تكون محل سوء فهم أو إساءة فهم ، ولا سيما في حال صناعة الخبر في صياغته . وكذا الشأن في حال ورود البيان في سياق بيان المخاطر ، لا قصد بيان الحكم المحرّر في التعامل مع الواقعة ، ومن أمثلة ذلك ما تداولته وسائل الإعلام عن بعض مشايخنا الفضلاء ، وتحميل كلامه ما لا يحتمله في واقع الحال ، وقصد المتكلم ؛ فقد وجدنا لهؤلاء الشيوخ تصريحات تضمنت بيان حكم التعامل مع الواقعة من خلال المطالبة بتحقيق المقاصد الشرعية للثائرين على استبداده مثلا . غير أنَّ الإعلام قد يتوقف أحيانا عند إشهار بيان دون بيان ، أو حكم دون قيود ؛ لأسباب قد تكون بريئة ، وقد لا تكون .
2) وعلى كل حال ، فإنَّ أهمَّ الإشكالات أيضاً ، ما يقع في التأصيل الشرعي لبعض القضايا السياسية ، ومن ذلك : إشكالية التكييف الفقهي للمسألة عند الفقيه ، كما هي في واقع الأمر ؛ وإشكالية فقه التعامل معها في الواقع بغض النظر عن الحكم الأصلي لديه .
ومثاله كما في العنوان : تكييف ( الثورة الشعبية السلمية ) ، هل هي خروج على الحاكم ؟
أو هي مظاهرات سلمية ؟ أو مظاهرات عنف ؟ أو اعتصامات احتجاج ؟
أو هي شيء آخر ؟
ويتبين الحكم من خلال النظر في الأوصاف الفقهية لكل حالة ، وهل المسألة مفردة يمكن إلحاقها بنظير أو تخريجها على حكم ، أو هي مركبة تتطلب نظراً مستقلا ، وحكماً جديدا ؟ فلا يصح إطلاق الأوصاف جزافاً ، ولا إلحاق المسائل المستجدة بغيرها تحكّما .
ومن يتأمل الثورات الشعبية السلمية المعاصرة ، ويراجع تاريخ الثورات الشعبية عموما ، وينظر فيما كتب في العلوم السياسية بشأنها ، يجدها أوسع شأناً من المظاهرات والاحتجاجات الأخرى ، ويجد لها سمات ، وبينها وبين غيرها فروقا تتمثل في نقاط عديدة ، ربما كان من أهمها بالنسبة للفقيه ما يلي :
- أنَّ الثورة انتفاضة شعبية عامة لا تمثل تياراً بعينه ، ولا تتطلب تصريحا بوجودها حتى لو بدأت بطريقة مأذون بها قانونيا . فهي تشمل المسلم وغير المسلم ، والرجل والمرأة ، والصغير والكبير ، و الغني والفقير ، وربما تشمل بعض المسؤولين أيضا ولا سيما في مراحلها المتقدمة .
- وأنَّها سلمية لا عسكرية ، فلا سلاح فيها ولا شوكة . وقد رأينا في الثورة المصرية الحالية كيف امتلأ ميدان التحرير بالقاهرة - مثلا- إلى اجتماع كبير للعوائل ، ففيه الرجال والنساء ، والشيوخ والأطفال ، فرأينا فيه ابن الثمانين ، كما رأينا فيه ذي الثلاثة أشهر ! وجاءت رمزية السلمية فيه في صور متعددة ، منها : إمضاء عقد النكاح الشرعي فيه منقولا على الهواء مباشرة بين شاب وشابة ! إضافة إلى ترحيب الناس بالجيش ، وتعهد الجيش بسلامتهم ، واعترافه بشرعية مطالبهم ؛ وهي مهمة في بيان مدى صحة إلحاقها بالخروج ؛ فهل يمكن أن توصف ثورة يلتزم الجيش بحمايتها بأنها خروج ؟!
- ومنها : أنَّها مفاجئة يعسر توقعها بدقة ، إن لم يكن غير ممكن ؛ فهي تأتي على نحو سريع ، بحيث تكون أمراً واقعاً ؛ وقد ذكرت من قبل في مقال ( خاطرة من وحي الثورة التونسية ) أنَّ الثورات كالزلازل الخطيرة ، لا يمكن التنبؤ بها قبل وقوعها في الغالب ، كما لا يغني التحذير منها ، ولا يصح الاكتفاء بالتفرج على آثارها ، دون إنقاذ أو مساهمة في البناء . وهذه النقطة مهمة جداً في التكييف الفقهي عند بيان الحكم ، حتى ممن لا يجيز بعض أدوات الثورة ؛ فمن المتقرر في قواعد الفقه وفقه الفتوى : التفريق بين حكم الشيء قبل وقوعه ، وحكمه بعد الوقوع . فالتعامل مع الواقع قد لا يستوفي شروط بعض الأحكام النظرية ، مما يجعل الفقيه ينظر إلى المسألة مع مراعاة الحكم من هذه الجهة .
وهذه النقاط مهمة من الناحية الفقهية ، في جوانب عدة ، ينبغي ملاحظتها في فقه التعامل مع الواقعة ، وإحسان توظيفها في تحقيق المصالح الشرعية دون توقف عند أضرار أدنى منزلة ، ومن هذه الأحكام على سبيل المثال : حكم قبول مشاركة - أو المشاركة مع غير المسلمين - أو أصحاب الفكر المتأثر ببعض الأفكار غير الإسلامية ، أو في ظل وجود النساء المتبرجات من مسلمات أو غير مسلمات ، ومدى الإفادة من الحضور المكثَّف لوسائل الإعلام المباشرة الإسلامية والأجنبية ، والعربية والعجمية ؛ وكذلك حكم الإفادة من هذا التجمع – الواقع - فيما يخدم الإسلام والمسلمين ، دعويا أو فكريا أو اجتماعيا مثلا . وهو ما يمكن تصوره في مثل : تصحيح صورة الإسلام المشوهة لدى العالم ، وذلك بالمشاركة الإيجابية في العمل السلمي الناضج ، وإقامة شعائر الإسلام ، كالصلاة جماعة أمام الشاشات بهذا العدد الهائل ، وكذا التوعية العامة ، ومدافعة اعتداءات المرتزقة الغاشمين ( البلطجية ) على الناس ، حفظاً للأنفس و الأموال والأعراض ، وتجهيز الموتى الذين سقطوا بسبب أجهزة النظام الحاكم ومرتزقته ، ومعالجة الجرحى ، وإطعام الناس ، وإعانة الناس ، وغيرها من المصالح المشروعة ، ولا سيما في ظل غياب الأجهزة الحكومية المعنية أو ممارستها لما فيه إضرار بالناس ، ووجود ما يشبه الفراغ السياسي ، أو احتمال وجوده .
- ومن ذلك : أنَّ الثورات الشعبية غرضها التغيير - لا مجرد التعبير - في النظام الحاكم ، بإصلاح إن كان قابلا للإصلاح ، أو بتغيير أو إسقاط ، إذا ما كان النظام فاسدا فاقدا للثقة فيه ؛ ولا تهدأ الثورة عادة إلا إذا تحققت مطالبها ، حتى لو أُقنِعت أو قُمِعَت في بدايتها ، فإنَّها تبقى كامنة لتثور في وقت لاحق . فهي ليست مجرد مظاهرات جماعية أو نقابية أو نحوها ، تخرج للتعبير عن مطالبها ، لتعود بعد تعبيرها عما تريد وإن لم تتحقق مطالبها ؛ بل هي عملية يتم من خلالها التغيير الجذري لنظام الحكم ويترتب عليه بالضرورة إلغاء الدستور . وهذه نقطة مهمة جداً في التكييف الفقهي ، وذلك من حيث النظر في النظام الحاكم وحكم وجوده ، ومدى شرعيته ، ومدى المصلحة في الحفاظ عليه أو في تعجيل زواله ، وكذا الدستور إذا ما كان إسلامياً لا يجوز تغييره ، أو علمانيا مختلطاً يجب إصلاحه ، أو غير إسلامي يجب تبديله بما لا يناقض الثقافة الإسلامية في المجتمعات المسلمة ، إلى غير ذلك من الاعتبارات المهمة في الحكم .. وهنا ترد مسألة حكم المبادرة الشرعية في الإصلاح أو التأسيس الصحيح ، بمختلف أنواع المساهمة استقلالاً في أحوال واشتراكاً في أخرى . وهي اعتبارات مهمة لا ينفك الحكم عنها .
- ومنها : أنَّ الثورة الشعبية يقوم بها الشعب وقياداته الشعبية عادة ، فإن لم يكن فيشترط في الثورة أن تكون معبرة عن إرادة الشعب ، إذا ما قام بها بعض قياداته ؛ وذلك كله دون اشتراط قانونيتها من عدمه ، بل قد لا تحتمل التنسيق مع الحكّام أصلا ، ولا التحاور بل ولا – حتى - التفاوض معهم أحيانا . بخلاف المظاهرات التي تبدأ عادة وفق قوانين تسمح بها ، وقد تحمل تراخيص لتنفيذها . بل قد تكون بإيعاز من الحاكم ، أو برعاية الحزب الحاكم ، ولا سيما حين يشعر بضغوط أجنبية لا تتوافق مع سياساته أو آماله . وفي الثورة المصرية الحالية سمعنا الاعتراف بالثورة الشعبية رسميا من قبل قيادات النظام الحاكم ، وهو اعتراف رسمي سواء كان اعترافا بالشرعية أو بالواقعية .
وعليه ؛ فإنَّ هذه الفروق وغيرها ، تجعل (الثورة الشعبية السلمية) ، مسألة مستقلة بذاتها ، تقع على نحو معين ، ومن ثم لا ينبغي أن يُستدعى في بيان حكمها فتاوى جزئية تتعلق ببعض أدواتها التابعة ، كالمظاهرة أو الاعتصام مثلا .
وإذا ما انتقلنا إلى فقه التعامل مع الثورة ؛ فسنجد أنَّنا أمام فقه آخر ، تحكمه جملة من الأحكام ، لما لها من امتدادات متنوعة ، ومسائل متفرعة ؛ تجعل المسألة محل نظر فقهي ، مداره على جلب المصالح ودرء المفاسد ، مع اعتبار النظر في المآلات ، وهو أمر يتطلب نظراً آخر يوظّف علوماً أخرى في فقه التعامل مع هذه الواقعة ، كأدواتٍ وعلومِ آلةٍ للفقه السياسي ، منها : جملة العلوم السياسية ، التي تتطلب توظيفا فقهيا شرعياً للفكر السياسي ، والتنظيمات السياسية ، والعلاقات الدولية ، ومؤسسات المجتمع الشعبي وجماعات الضغط ؛ وهي قضايا متشابكة . وأكثر النَّاس فقهاً لهذه الأمور هم أهل الحل والعقد من العلماء الشرعيين والخبراء القانونيين والأساتذة المتخصصين ، ورؤوس الناس في بلد الواقعة ، كما شهدنا من علماء مصر وقضاتها وخبرائها ، وقياداتها الشعبية ، وتبقى وظيفة غيرهم من أهل الإسلام مكمِّلة ، في نحو إبداء نصح أو مشورة .
وهنا ينبغي التنبيه إلى أنَّ الحكم يبنى على نظر كلي ؛ فلا يمكن الحكم على الثورة الشعبية العارمة من خلال ما قد يصحبها من عنف عارض من أفراد لا يمثلون مجموع الثورة ، ولا من خلال عنف منظم مصدره بعض أجهزة الحكومة التي تريد التخلص منها .
وبهذا يظهر أنَّ إشكالية التكييف ، أحد أهم أسباب الخلاف الفقهي بين بعض العلماء في هذه النازلة .
وهو أمر يدركه كبار الفقهاء ، ويظهر ذلك في فقه التعامل مع الثورة المصرية ؛ وبه تفسر مطالبة الرئيس المصري بالتنحي من بعض من يمنع التظاهر من العلماء ، سواء كان منعه منعاً للمظاهرات عموما تغليبا لجانب مفاسدها ، أو لما يعتقد من كونه جزءاً من خطة تقسيم جديدة للعالم العربي والإسلامي ؛ وذلك إدراكاً منهم للفرق بين الحكم على أصل الشيء قبل وقوعه ، وحكم التعامل معه بعد الوقوع .
كما يظهر أنَّ للإعلام أثراً إيجابياً أو سلبياً في خدمة الفقه أو التأثير فيه نقلاً أو توظيفا ، حسناً كان أو سيئاً ، وهو ما ينبغي على العلماء والدعاة ملاحظته .
وأخيراً ، فهذه إشارات عابرة ، قُصد منها لفت الانتباه إلى أهمية فهم كلام أهل العلم وطريقتهم في الخطاب ، وأهمية العناية بالمسائل على ما هي عليه ، دون الاكتفاء باستدعاء أحكام مسائل أخرى ليست إلا حكما بالنظر في الجزء ، لا يمكن اختزال حكم الكل فيه ، ولا تخريج حكم الواقعة على فتاوى علماء أجلاء ، جاءت في سياقات مختلفة ، كسياق بيان وسائل الدعوة ، لا بيان فقه التعامل في حال وقوع الثورات الشعبية .
وفي ظل الثورة العارمة ، ينبغي أن يدرك الثائرون أنَّ لحظة الانتصار قد تكون هي ذاتها لحظة الخطر الأكبر ، إذ هي محل للثقة المفرطة ، التي قد تحمل المنتصر على تفويت فرصة الانتصار بالإصرار على حصول ما قد لا يتحقق كله ، أو الثقة في وعد دون ضمانات قوية .
وفي تاريخ الثورة المصرية السابقة عبر كثيرة ، وغدر خطير ، كما أنَّ فيها مكاسب ، كان منها النّص في الدستور المصري على أنَّ الإسلام دين الدولة ، والذي كان مسودة حتى تقرر في الدستور الحالي وسابقَيه ، وهو ما لم يكن فيما قبلها ؛ وثقتنا في أهل الإسلام في مصر أن لا يقبلوا تغييرا في الدستور يمس دين الدولة ، بل أملنا فيهم بعون الله ، أن يضيفوا إليه – من خلال الأدوات الرسمية المتاحة - ما يجعل الشريعة الإسلامية العادلة مصدر القوانين المصرية ، وهي شرعية تحفظ حقوق المواطن المصري ، مسلماً كان أو قبطيا .
نسأل الله تعالى أن يبرم لأمة الإسلام أمر رشد يعز فيه الإسلام وأهله ، وأن يولي على المسلمين خيارهم من ذوي الأمانة والقوة ، ممن يحفظون الدين ويسوسون الدنيا به ، ويسوسون الأمة سياسة شرعية ، تحفظ كيانهم وهويتهم ، وتحقق الاستقرار والرغد لهم في أوطانهم .
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
مازن النجاشي-عضو الفريق العلمي
ولكل مجتمع ما يناسبه وإن كان القرآن قد إعتبر الثورة السلمية عبر الخروج وإعلان الموقف الرافض لحكم الطاغوت هي الأساس وهناك علم يسمى علم الثورات أو أدب الثورات يمكن لقيادات التغيير أن تتعمق فيه وتختار الوسيلة المناسبة بحسب الزمن والمكان.
وكما أن سقوط الطغاة والفراعنة حقيقة قرآنية هي حقيقة توراتية وإنجيلية أيضاً بدليل قوله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ) .
فكل رسالات السماء جاءت وجعلت مقصدها الأعظم هو اجتناب الطاغوت والكفر به كشرط من شروط التوحيد والعبودية لله .
ونجد في التوراة نبؤة وعلم غيب تشير إلى سقوط فرعون مصر، والتوراة في الحقيقة معظم ما فيها هو علم غيب ونبوءات تتعلق بآخر الزمان كأحاديث الفتن في كتب السنّة وهذه النبوءات وعلم الغيب هي مواكبة لظهور المسيح عليه السلام في آخر الزمان وهذا أمر يعلمه المسيحيين واليهود (نبوءات التوراة والإنجيل) ولا يعلمه الكثير من المسلمين والحقيقة أن القرآن الكريم قد زكى هذه النبوءات وعلم الغيب الموجودة في صحف موسى (التوراة) بقوله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى{33} وَأَعْطَى قَلِيلاً وَأَكْدَى{34} أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى{35} أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى{36}).
فلو تأملنا هذا النص التوراتي لوجدناه يؤكد عدة حقائق هامة هي :-
1. سقوط الفرعون (و أتركك في البرية أنت و جميع سمك أنهارك على وجه الحقل تسقط فلا تجمع و لا تلم بذلتك طعاما لوحوش البر و لطيور السماء).
2. مسؤولية الفرعون عن الفوضى وأحداث الشغب التي استهدفت أبناء مصر الثائرين الأحرار (عند مسكهم بك بالكف انكسرت و مزقت لهم كل كتف).
3. إدانة التوراة لاتفاقية السلام ووصف فرعون مصر بأنه عكاز بيت إسرائيل (و يعلم كل سكان مصر أني أنا الرب من اجل كونهم عكاز قصب لبيت إسرائيل).
لكن مشكلة الساسة الأمريكيين من العناصر البروتستانية الإنجيلية أنهم يقرءون نبوءات التوراة والإنجيل بعيون يهودية لا بعيون مسيحية، ومن أراد أن يفهم ويقرأ نصوص الكتب السماوية قراءة صحيحة فعلية أن يعتمد في أسلوب التفسير منهجية تفسير النص بالنص لا تفسير النصوص بفهوم الأحبار والرهبان (هذه الشهادة صادقة فلهذا السبب وبّخهم بصرامة لكي يكونوا أصحاء في الإيمان* 14 لا يصغون إلى خرافات يهودية ووصايا أناس مرتدين عن الحق* 15 كل شيء طاهر للطاهرين و أما للنجسين و غير المؤمنين فليس شيء طاهراً بل قد تنجس ذهنهم أيضا و ضميرهم* 16 يعترفون بأنهم يعرفون الله و لكنهم بالأعمال ينكرونه إذ هم رجسون غير طائعين و من جهة كل عمل صالح مرفوضون*) الإنجيل / رسالة بولس إلى تيطس (1).
فهذه الآيات البينات أوضحت بجلاء ذم الوحي الإلهي للاستعلاء والكبر الفرعوني وأن إرادة الله عبر التاريخ هي نصرة المستضعفين والمستعبدين والتمكين لهم وإعطائهم حقوقهم السياسية والاجتماعية {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} القصص5 .
- (لا تضطهد الغريب و لا تضايقه لأنكم كنتم غرباء في أرض مصر) الخروج21.
- (كالوطني منكم يكون لكم الغريب النازل عندكم و تحبه كنفسك لأنكم كنتم غرباء في ارض مصر أنا الرب إلهكم) اللاويين.
وهذه نصوص توراتية مصدقة لما جاء في القرآن بأن نصرة الله لا تكون إلا للمستبعدين والمستضعفين :-
- {وقال موسى للشعب: اذكروا هذا اليوم الذي فيه خرجتم من مصر من بيت العبودية فإنه بيد قوية أخرجكم الرب من هنا}سفر الخروج (13-3).
- (فاحترز لئلا تنسى الرب الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية) التثنية (6-12).
لكن نصوص التوراة تؤكد لنا أن بني إسرائيل قد أفسدوا في الأرض مرتين:
- الأولى في زمان موسى بعد خروجهم من أرض مصر.
- والمرة الثانية أخبرتنا التوراة على لسان موسى بأن بني إسرائيل سيفسدون من بعد موسى في آخر الأيام وأنه سيصيبهم الشر، وآخر الأيام المقصود بها عصرنا هذا.
- (فقال الرب لموسى اذهب انزل لأنه قد فسد شعبك الذي أصعدته من ارض مصر) الخروج 32-7.
- {زاغوا سريعا عن الطريق الذي أوصيتهم به صنعوا لهم عجلا مسبوكا و سجدوا له و ذبحوا له و قالوا هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر} الخروج32-8.
وجاءت نصوص القرآن مصدقة لما في التوراة عن فساد بني إسرائيل زمان موسى إثر خروجهم من مصر وعبادتهم للعجل .
- {وَلَقَدْ جَاءكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ} البقرة92.
وأما ما جاء عن فساد بني إسرائيل بعد موت موسى في زمان وعد الآخرة بالتعبير القرآني أو آخر الأيام بالتعبير التوراتي وعن تأكيد موسى عليه السلام بأن الشر سيصيب بني إسرائيل على فسادهم وظلمهم فقد جاء في التوراة ما يلي :-
فهذا النص التوراتي يؤكد بأن التوراة شاهدة على بني إسرائيل لا شاهدة لهم، ولأهمية هذه الشهادة على بني إسرائيل أطلقت التوراة على التابوت تابوت الشهادة (16 و تضع في التابوت الشهادة التي أعطيك) الخروج 25، وهذا التابوت ذُكر في التوراة والقرآن والإنجيل، حيث ورد عن التابوت في القرآن: {وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} البقرة248، فهذه الآية ذكرت التوراة والتابوت وأكدت حمل الملائكة له، كما ورد ذكر التابوت في الإنجيل وفي سياقه جاء ذكر المسيح عليه السلام حيث ورد في سفر رؤيا يوحنا: (19و انفتح هيكل الله في السماء و ظهر تابوت عهده في هيكله و حدثت بروق و أصوات و رعود و زلزلة و برد عظيم) الإصحاح (11).
ومن المعلوم لدى المسيحيين أن المقصود بهذا المولود المسيح عليه السلام، والدليل على أن المقصود به المسيح بمنهجية تفسير النص بالنص ما ورد في نفس سفر الرؤيا الإصحاح (19): (ثم رأيت السماء مفتوحة و إذا فرس أبيض و الجالس عليه يدعى أميناً و صادقاً و بالعدل يحكم و يحارب* 12 و عيناه كلهيب نار و على رأسه تيجان كثيرة و له اسم مكتوب ليس أحد يعرفه إلا هو* 13 و هو متسربل بثوب مغموس بدم و يدعى اسمه كلمة الله* 14 و الأجناد الذين في السماء كانوا يتبعونه على خيل بيض لابسين بزا أبيض و نقيا* 15 و من فمه يخرج سيف ماض لكي يضرب به الأمم و هو سيرعاهم بعصا من حديد)
فكلمة الله هو المسيح أما المقصود بعصاه التي يرعى بها الأمم فقوة حجته وبيانه بدليل ما ورد في النص (ومن فمه يخرج سيف ماض يضرب به الأمم).
كما أكد موسى عليه السلام بأن الشر سيصيب بني إسرائيل في آخر الأيام زمان وعد الآخرة.
والقرآن جاء مصدقاً لما في التوراة عن فساد بني إسرائيل زمان موسى وعن فسادهم في آخر الأيام زمان وعد الآخرة، وجعل القرآن علامة زمان وعد الآخرة والشر الذي سيصيب بني إسرائيل آخر الأيام عند مجيئهم لفيفاً إلى فلسطين ، ولنتدبر هذه النصوص القرآنية في قوله تعالى :-
كما أن المسيح في الإنجيل قد أكد نزع بشارة التوراة عن اليهود وإعطائها لأمة تصنع ثمرة الرب (لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم و يعطى لأمة تعمل أثماره) متى 21/43، كما أكد المسيح بأن الله قد جعل خلاصه في غير اليهود: (فليكن معلوماً عندكم أن الله أرسل خلاصه هذا إلى غير اليهود من الشعوب وهم سيستمعون إليه) [أعمال الرسل 28/28]، وكذا ما ورد في إنجيل متى الإصحاح 20 : (فهكذا يصير الآخرون أولين والأولين آخرين).
هذه وجهة نظر تتعلق بما يجري اليوم في مصر مستندة إلى نصوص القرآن والتوراة.
أما اليمن فليست مصر وليست تونس ووضعه السياسي معقد لا يفهمه إلا الراسخون في العلم، فالمفارقة في اليمن أن أحزاب المعارضة وقعت في شراك اللوبي الإمامي العنصري وأصبحت مطالبهم السياسية تستهدف وحدة اليمن عبر المطالبة بفيدرالية تنقل اليمن من ديمقراطية الأحزاب إلى ديمقراطية الدويلات الطائفية حيث أصبح أهم مطالبهم إلغاء دولة اليمن الواحدة (السلطة التشريعية – والسلطة التنفيذية – والسلطة القضائية) وإقامة دويلة في كل محافظة ومديرية يكون لها حكومة محلية (سلطة تنفيذية) وبرلمان محلي (سلطة تشريعية) ومحاكم خاصة (سلطة قضائية).
• مفكر إسلامي وباحث وله باع في حوار الأديان والحضارات
تعديل التعليق