سفينة المجتمع ... من يحميها !!

إبراهيم بن سلطان العريفان
1438/07/24 - 2017/04/21 08:04AM
عبادَ الله: إنِّنا مُطالَبونَ بالتَّمسُّكِ بِشَرِيعَتِنا الغَرَّاءِ والعَضِّ عليها بالنَّواجذِ، ومُطالبونَ بالدِّفاعِ عنها, وتَعْرِيَةِ الْمُفسدينَ، الذينَ يَتَلاعَبُونَ بأحكامِها ومُسَلَّماتِها كيفَما شاءوا! ومُطالبونَ بالقيامِ بَواجِبِ الْحِسبَةِ والإنكار، وَرَدِّ المَظَالِمِ إلى أهلها, والسَّعيِ لإصلاحِ أحوالِ النَّاسِ ومُتَطَلَّباتِهم, وحفظِ المالِ العامِ, والأخذِ على أيدِ الفَاسِدينَ والعَابثينَ, فهذا فَرْضٌ مُحَتَّمٌ على المسلمينَ، كلٌّ حَسْبَ علمِهِ واستطاعتِهِ، ويتأكَّدُ ذلكَ على العُلمَاءِ والفُقهاءِ, وأهلِ القَضَاءِ والإفتاءِ!ِفإنَّ عليهم أمانةً ثقيلةً،ومَهَمَّةً خطيرةً، فأمَّتُنا اليومَ تَمرُّ بأيَّامٍ عَصِيبَةٍ,ومُستَجَدَّاتٍ عاصِفةٍ, وفسَادٍ يَتَكَشَّفُ في كُلِّ وقتٍ وحينٍ,وفتنٍ أطبقَت غُيومُها وانتشرَت سُمُومُها, وتَغيراتٍ داخِلِيَّةٍ أَثَارَوا نَقْعَها,واستفتَحوا بابَها. ولَو علِموا ما يُعقِبُ البَغيُ قَصَّروا ولكنَّهم لم يفكِّروا في العواقبِ.
لذا كانَ على العلماءِ الرَّبَّانِينَ مَسؤوليةٌ كُبرى,وأمانةٌ عظمى بِنُصحِ الرُّعاةِ والرعيَّةِ,فاللهُ أخذَ عليهمُ العهدَ والميثاقَ كما قالَ ( وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ لَتُبَيّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ ) وهُم مُستَشعِرُون خُطبَةَ النَّبِيِّ حينَ قالَ: (لا يمنعنَّ رجلًا هيبةُ الناسِ أن يقولَ بحقٍّ إذا رآه أو شهِدَه فإنه لا يقرِّبُ من أجلٍ ولا يباعِدُ من رزقٍ أو يقولَ بحقٍّ أو يُذكِّرَ بعظيمٍ ) فَكانَ اللهُ في عونِكم يا علماءَ الأمَّةِ: فامضُوا وبَلِّغُوا رسالةَ الله،ومُروا بالمعروفِ وانهوا عن المنكَّرِ لِتُحَقِّقُوا الْمَصَالِحَ والْمَرابِحَ، وتدفعوا الْمَفَاسِدَ والمَظَالِمَ والقَبَائِحَ.فالسَّلامةُ من الفَتَنِ, إنَّما هو بِتبليغِ الدِّينِ وإحياءِ شَعِيرَةِ ربِّ العالَمينَ ( وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْكَـٰفِرِينَ ) فيا جنودَ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المٌنكَرِ،انصَحُوا لِلرَّاعي والرَّعيَّةِ ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ) فإنَّ الخَطْبَ جَلَلٌ,والحِملَ ثَقِيلٌ،وإنَّ السُّكوتَ عن الإثمِ والعِصيَانِ, عَيبٌ في أهلِ الإسلامِ, وَدليلٌ على ضَعفِ الإيمانِ, وقِلَّةِ تَوكُّلِهم على المَلِكِ الدَّيَّانِ ( إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَـٰتِ وَٱلْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّـٰهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلْعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللَّـٰعِنُونَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ ) وإنَّ السُّكوتَ سَيزيدُ الأَمرَ سُوءَاً,والمُنكَرَ مُنْكَراَ,والفُرقَةَ فُرقةً!
أيُّها المُؤمنِونَ:اعلموا علمَ اليقين أنَّ الأمرَ بالمعروفِ والنهيَ عن المُنكرِ مَسؤوليةُ الجميعِ وهو حَقٌ واجبٌ على الجميعِ، كما أنَّ نفعَه وخيرَه سَيكونُ لِصَالِحِ الجَمِيعِ,ألم يَقُل مَولانَا ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) فِتنةٌ تَتَعَدَّى المُذنِبَ المُباشِرَ,والظَّالِمَ المُجَاهِرَ لِتُصِيبَ الصَّالِحَ والطَّالِحَ، بِسَبَبِ عُصبَةٍ فَاسِقَةٍ, وبِطانَةٍ فاسِدَةٍ, ومُنكَرَاتٍ ظَاهِرَةٍ لَم تُقمَعْ. وَتَجاوُزاتٍ لِلشَّرعِ لَم تُمنَع ولم تُدفَع!أَمَا سَمِعتُم يا مؤمنونَ قَولَ رَسُولِ اللَّهِ ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ ) فَدِينُنا قَائِمٌ على النَّصيحة قَال:نبيُّنا ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ) قالَ الصَّحَابَةُ: لِمَنْ يارسُولَ اللهِ قَالَ ( لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ).
إِذاً الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عن المنكرِ واجبٌ على الجميع ودينُ الله للجميعِ ليس لأحدٍ دونَ سِواهُ.وإذا تَظاهرَ النَّاسُ بالمنكرِ وأَعلَنُوهُ جَهَاراً وَجَبَ إِنكارُهُ!فَإنْ سَكَتُوا جَميعاً فَالكُلُّ عُصَاةٌ هذا بِفعلهِ وذَاكَ بِرضاهُ, قال رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( مَا مِنْ رَجُلٍ يَكُونُ فِي قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا عَلَيْهِ فَلَا يُغَيِّرُوا إِلَّا أَصَابَهُمْ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَمُوتُوا ) فلا إله إلا الله !! غايةٌ في التَّشدِيدِ وَنِهَايَةٌ في التَّهديدِ والوَعِيدِ.
فيا أهلَ الإيمانِ: مُروا وَأَنكِرُوا,ولا تَوانَوا ولا تَكَاسَلُوا وابذُلُوا الوُسعَ قَبلَ أنْ يَستَعلِيَ البَاطِلُ وأهلُهُ,قالَ «إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِى الأَرْضِ كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا وأَنْكَرَهَا,كَمَنْ غَابَ عَنْهَا,وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا ) ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ )
نَسأَلُ اللهَ أنْ يَتَدَارَكَنا بِعفوهِ ولُطفِهِ,وأنْ يَهديَنا جَميعَا صِراطَهُ المُستَقِيمَ,وأن يجعلَنا مَفَاتِيحَ خيرٍ مَغَالِيقَ شَرِّ,وأن يَرزُقَنا شُكرَ نِعَمِهِ وحُسنَ عبادَتِهِ.
أقول ما تسمعون ....


الحمدُ لله كرَّمَ المُؤمنينَ بالطَّاعاتِ, وتوعَّد أهلَ المَعَاصِي بِأنَواعِ العُقُوبَاتِ, أَمرَ المُؤمنينَ بِإنكَارِها في جَميعِ الحَالاتِ, نشهدُ ألاَّ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَه رَبُّ الأَرضِ والسَّماواتِ, ونشهد أنَّ مُحمَّداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ تَرَكنا على مَحجَّةٍ بَيضَاءَ لا يَزِيغُ عَنها إلاَّ أَهلُ الضَّلالِ والأَهواءِ, صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وأَصحابِهِ الأَتقياءِ الأوفياءِ, ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الِّلقَاءِ.
معاشر المؤمنين ... اتَّقوا اللهَ وراقِبوه، وأَطيعُوهُ ولا تَعصوهُ... لقد مثَّلَ النَّبيُّ مُجتَمَعَنا من أعلى راعٍ فيهِ,إلى أصغرِ بَشَرٍ فيهِ,بِمثالٍ عجيبٍ, وتَشبيهٍ بَليغٍ, شَبَّهنا بأنَّنا جميعاً على ظَهرِ سَفينةٍ واحِدَةٍ تَموجُ بها البِحارُ, وتَتلاطَمُها الأمواجُ, والنَّاسُ على ظَهرها طَرائِقَ قِدَداً فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ. فأرادَ الظَّالِمونَ العَبَثَ بِها,والنَّخْرَ في أرجائِها! فإن تَرَكهم أهلُ العقلِ والحلِّ والعقدِ وما أرادوا فإنَّهم ولا شكَّ هالِكونَ جميعاً! وإنْ أخذوا على أيديهم ووجَّهُوهم ونصَحُوهم نَجَو جَميعاً, فذَلِكَ مَثَلُ الآمِرينَ بالمعروفِ والنَّاهينَ عن المُنكَرِ! في الحديثِ عن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،عَنِ النَّبِيِّ قَالَ ( مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا ).
أيُّها المسلمونَ: حقَّاً لا يَنجُو من البَلاءِ إلاَّ الآمِرونَ المُصلِحونَ،النَّاهونَ المُخلِصونَ, وَخَسِرَ هُنالِكَ الخُرْسُ المُدَاهِنُونَ!والعُصاةُ المُجَاهِرونَ, قَالَ جَلَّ في عُلاهُ ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) ويقولُ تعالى ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ) وقال ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ).
يا علماءَ الإسلامِ .. يا خادم الحرمين .. يا أمراء - أيُّها الصَّادِقونَ النَّاصِحونَ - فنحنُ باللهِ ثُمَّ بكمِ,بِنُورِ عِلمِكُم نَسِيرُ, وعلى خُطَاكُم نَهتدي, فَسَدَّدَ اللهُ أعمالَكُم وأقوالَكُم, وحَمَاكُم من كُلِّ شَرٍّ ومكروهٍ.
يـا ربِّ زَلْزِل مَنْ يُريـدُ بِجمعِهم *** سُـوءَاً وَشُـلَّ يَمينَـهُ والمِرفَقَاً
هـُم لِلورَى رَكبُ النَّجَـاةِ تَقَدُّمَاً *** وَبِدُونِهم تَمضِي الرِّكابُ إلى الوَرى
الآمرونَ بالمعروفِ والنَّاهونَ عن المُنكرِ أَصفَى النَّاسِ قُلُوبَاً, وأَطهَرُهم أَفئِدَةً,وأَصدَقُهم أَلْسُنَاً, وأَنْقَاهُم سَرِيرَةً, وأَعَفُّهم عن الحَرَامِ, لأنَّهم مُطِيعُونَ مُحِبُّونَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ! فَحَقُّهم الإِجلالُ والإكرَامُ, والتَّقرِيبُ والتَّقدِيمُ!
عباد الله ... قد آلمنا كثيراً ما حصل في مأرب من تحطم الطائرة السعودية وفيها عدد من الضباط والأفراد,والذين سطروا بدمائهم الزكية أروع أنواع التضحية والبذل،وأرفع أمثلة العطاء والجود،فقد لبوا نداء الواجب،إحقاقا للحق،ودفعا للباطل،وردا للعدوان،ونصرة للمظلوم،وردعا للظالم،وإغاثة للشعب اليمني المضطهد،وإثباتا للعزة والكرامة،ورفعا لراية الدين والوطن،وطاعة لولي الأمر،فسطروا أسماءهم في دواوين الشهداء،نحسبهم كذلك والهم حسيبهم, ونسأل الله عز وجل أن يتقبلهم في الشهداء وأن يعلي منازلهم في عليين وأن يربط على قلوب أهليهم. وأن ينصر جنودنا المرابطين ويثبت أقدامهم وأن ينصرهم على عدوهم نصراً عزيزا مؤزراً.
اللهمَّ وفِّق وُلاةَ أُمورِنا لِمَا تُحبُّ وَتَرضى وأَعنهُم على البِرِّ والتَّقوى,وأصلح لهم البِطانَةِ ووفِّقهم وأعنهم على أداء الأمانةِ, واجعلهم رحمةً وسكينَةً على رعاياهم, اللهمَّ ادفع عنَّا الغَلا والوَبَا والرِّبا والزِّنا والزَّلازلَ والمحنِ عن بلدِنا هذا خاصَّةً وعن سائرِ بلادِ المُسلمينَ. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عباد الله ... صلوا على من أمركم ...
المشاهدات 780 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا