ســـــــــر سعــــــــــــادة البيـــــــوت
محمد بن سليمان المهوس
الخُطْبَةُ الأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: سَعَادَةُ الْبُيُوتِ مَطْلَبٌ نَفِيسٌ، وَأُمْنِيَةٌ عَزِيزَةٌ غَالِيَةٌ تَنْشُدُهَا كُلُّ الْأُسَرِ فِي بُيُوتِهَا الَّتِي أَنْعَمَ اللهُ بِهَا عَلَيْهِمْ وَجَعَلَهَا سَكَنًا لَهُمْ، يَأْوُونَ إِلَيْهَا، وَيَسْتَتِرُونَ بِهَا، وَيَنْتَفِعُونَ بِهَا سَائِرَ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا﴾ [النحل: 80].
وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ بِاسْتِقْرَاءِ الأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّهُ ثَمَّتَ أَسْبَابٌ لِلْحُصُولِ عَلَى سَعَادَةِ الْبُيُوتِ مِنْ أَهَمِّهَا: الإِيمَانُ الْمَقْرُونُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ الَّذِي هُوَ سِرُّ الْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ، وَسَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الأَمْنِ وَالطُّمَأْنِينَةِ، وَوَسِيلَةٌ مِنْ وَسَائِلِ الْكَرَامَةِ وَالْفَلاَحِ؛ فَبِتَحْقِيقِ الإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ تَسْعَدُ وَتَنْعَمُ الْبُيُوتُ! فَلاَ قَلَقَ وَلاَ مَشَاكِلَ وَلاَ اضْطِرَابَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ [ الأنعام: 82 ] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97].
وَمِنْ أَسْبَابِ سَعَادَةِ الْبُيُوتِ: الاِسْتِقَامَةِ عَلَى دِينِ اللهِ تَعَالَى؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [فصلت:30].
فَالاِسْتِقَامَةُ طَرِيقُ النَّجَاةِ، وَمِفْتَاحُ بَابِ سَعَادَةِ الْبُيُوتِ، وَدَلِيلُ الْيَقِينِ، وَمَرْضَاةُ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَمِنْ أَسْبَابِ سَعَادَةِ الْبُيُوتِ: التَّفَاؤُلُ بِالْخَيْرِ وَحُسْنِ الظَّنِّ بِاللهِ مَهْمَا اشْتَدَّتِ الأَزَمَاتُ، وَطَالَتْ سَاعَاتُ الضَّائِقَاتِ وَالشَّدَائِدِ وَالْكُرُبَاتِ ؛ مَعَ إِظْهَارِ الْعُبُودِيَّةِ وَالْفَاقَةِ وَالْحَاجَةِ إِلَى رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ الْقَائِلِ: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
[الْبَقَرَة: 216].
وَمِنْ أَسْبَابِ سَعَادَةِ الْبِيوتِ: الْوَفَاءُ بَيْنَ أَفْرَادِ الأُسْرَةِ الْمُتَمَثِّلُ فِي حُسْنِ الْعِشْرَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَبَذْلِ الْمَعْرُوفِ وَأَدَاءِ الْحُقُوقِ، وَكَذَلِكَ بَيْنَ أَفْرَادِ الأُسْرَةِ عُمُومًا مِنْ تَلاَحُمٍ وَتَرَاحُمٍ، وَبَذْلِ النَّدَى وَكَفِّ الأَذَى؛ فَالْوَفَاءُ خُلُقٌ عَظِيمٌ لاَ يَتَّصِفُ بِهِ إِلاَّ الْعُظَمَاءُ، وَهُوَ وَلِيدُ الأَمَانَةِ، وَعُنْوَانُ الصِّدْقِ، وَنُبْلُ الْخُلُقِ، وَسَلاَمَةُ الصَّدْرِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً﴾ [ الإسراء: 35 ].
وَقَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : «اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمُ الْجَنَّةَ: اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ، وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ، وَأَدُّوا إِذَا ائْتُمِنْتُمْ، وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ، وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ، وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ» [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم ( 1470)].
وَمِنْ أَسْبَابِ سَعَادَةِ الْبُيُوتِ: الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ بَيْنَ أَفْرَادِ الأُسْرَةِ، وَلاَ سِيَّمَا الزَّوْجَانِ، وَتَتَمَثَّلُ فِي حُسْنِ الْعِبَارَةِ، وَاخْتِيَارِ الأَلْفَاظِ الرَّاقِيَةِ فِي الْمُخَاطَبَةِ وَالْمُنَاقَشَةِ وَالرُّدُودِ وَالْمُنَادَاةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا﴾ [الإسراء: 53].
وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَ المؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلاَ اللَّعَّانِ وَلاَ الفَاحِشِ وَلاَ الْبَذِيءِ» [روَاه الترمذي، وصححه الألباني].
فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى –عِبَادَ اللهِ– وَتَخَلَّقُوا بِهَذِهِ الأَخْلاَقِ الْحَمِيدَةِ، وَالأَفْعَالِ الْحَسَنَةِ الْكَرِيمَةِ تَفُوزُوا بِسَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَسْبَابِ سَعَادَةِ الْبُيُوتِ: احْتِسَابَ الْوَالِدَيْنِ فِيمَا يُقَدِّمَانِهِ مِنْ جُهْدٍ وَتَضْحِيَاتٍ وَمَالٍ وَوَقْتٍ فِي بِنَاءِ أُسْرَةٍ سَعِيدَةٍ؛ مَعَ التَّسَلُّحِ بِسِلاَحِ الرِّفْقِ وَالتَّحَمُّلِ وَالصَّبْرِ لِمَا قَدْ يُصِيبُ الْوَاحِدَ مِنْهُمَا مِنْ تَعَبٍ أَوْ هَمٍّ أَوْ مَرَضٍ أَوْ جُحُودٍ؛ قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَنْفَقَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً يَحْتَسِبُهَا فَهِي لَهُ صدقَةٌ» [مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ].
وَعنْ أَبي سَعيدٍ وأَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حَزَن وَلاَ أَذًى وَلاَ غمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» [متفقٌ عَلَيهِ].
وَمِنْ أَسْبَابِ سَعَادَةِ الْبُيُوتِ: صَلاَحُ الْوَالِدَيْنِ؛ فَهُمَا الْقُدْوَةُ، وَمِنْهُمْ يَتَعَلَّمُ الأَوْلاَدُ الْخِصَالَ الْحَمِيدَةَ فِي دِينِهِمْ وَأَخْلاَقِهِمْ، وَكَمَا قِيلَ: النَّاسُ لاَ يَتَعَلَّمُونَ بِآذَانِهِمْ بَلْ بِعُيُونِهِمْ؛ فَإِنَّ لِلأَفْعَالِ تَأْثِيرًا لاَ يَقِلُّ أَثَرُهُ عَلَى الأَقْوَالِ وَالتَّوْجِيهَاتِ؛ وَقَدْ أَوْصَى أَحَدُ السَّلَف مُعَلِّمَ وَلَدِهِ قَائِلاً: "لِيَكُنْ أَوَّلَ إِصْلاَحِكَ لِوَلَدِي إِصْلاَحُكَ لِنَفْسِكَ؛ فَإِنَّ عُيُونَهُمْ مَعْقُودَةٌ بِعَيْنِكَ، فَالْحَسَنُ عِنْدَهُمْ مَا صَنَعْتَ، وَالْقَبِيحُ عِنْدَهُمْ مَا تَرَكْتَ».
اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا؛ اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَجْزِيَ آبَاءَنَا وَأُمَّهَاتِنَا عَنَّا خَيْرَ الْجَزَاءِ، اللَّهُمَّ اجْزِهِمْ عَنَّا رِضَاكَ وَالْجَنَّةَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ، وَعَافِهِمْ واعْفُ عَنْهُمْ، وَتَجَاوَزْ عَنْهُمْ، اللَّهُمَّ وَاجْعَلْ بُيُوتَنَا عَامِرَةً بِالإِيمَانِ وَالأَمَانِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56]، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» رَوَاهُ مُسْلِم.
المرفقات
سر-سعادة-البيوت
سر-سعادة-البيوت
المشاهدات 1534 | التعليقات 2
نفع الله بكم جميعا
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق