سرٌ عظيمٌ للتغييرِ للأفضلِ-9-4-1441هـ-مستفادة من خطبة الشيخ راشد البداح

محمد بن سامر
1441/04/09 - 2019/12/06 08:55AM
    الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وليُ الصالحينَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا رسولُه الأمينُ، عليه وآلهِ الصلاةُ وأتمُ التسليمِ.
"يا أيها الذينَ آمنوا اتقوا اللهَ حقَ تقاتِه ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون".
أما بعدُ: فيا إخواني الكرامِ.
رجلٌ فقيرٌ، كثيرُ العيالِ، هدّتْه الديونُ، وبكتْه العيونُ، ثم أخبروه أن عمَّه المغتربَ في أوروبا قد ماتَ، وخلّفَ ثروةً طائلةً تقدَّر بـمئةِ مليونِ دولارِ، وليس له وارثٌ إلا هو!! لكنّ إجراءاتِ حصرِ الإرثِ والورثةِ ونقلِ الثروةِ ستتأخرُ قليلًا، ولن يستلمَ الثروةَ إلا بعدَ سَنةٍ كاملةٍ.
كيف سيعيشُ هذا الفقيرُ الوارثُ سَنَتَه هذه؟! مع أنه مازال فقيرا، إنَّ يقينَه وتثبتَه وتصديقَه التامَ بهذا الخبر ِأنه بعدَ سنةٍ سيصبحُ غنيًا جعلَه سعيدًا مطمئنًا.
وكذلك يقينُ المؤمنِ بما أعدّه اللهُ له في الجنةِ سيجعلُه سعيدًا مطمئنًا، مهما كان فقرُه وبلاؤُه في الدنيا.
إن هذهِ القصةَ تجعلُنا نفتِّشُ عن السرِ الذي وَصَّلَ الصالحينَ والعابدينَ قديمًا وحديثًا إلى تلك المقاماتِ الرفيعةِ والدرجاتِ العاليةِ.
 قال التابعيُّ الكبيرُ بكرُ بنُ عبدِاللهِ المُزَنيُّ-رحمه اللهُ تعالى-: "واللهِ ما سَبقهم أبو بكرٍ-رضي اللهُ عنه-بكثرةِ صلاةٍ ولا صيامٍ، ولكنْ بشيءٍ وَقَرَ في قلبِه".
عجيب! دونَ كثرةِ صلاةٍ ولا صيامٍ؟! إذًا ما هذا الذي وقرَ في قلبِه-رضي الله عنه-فـتفوقَ به على الأمةِ كلِّها؟
وقيلَ عنِ الإمامِ مالكٍ-رحمه الله-: ما رأينا رجلًا ارتفعَ في أعينِ الناسِ مثلَ مالكِ بنِ أنسٍ، ليس له كثيرُ صلاةٍ ولا صيامٍ، إلا أنْ تكونَ له سَريرةٌ".
هل اشتقتَ لتعرفَ سريرتَهم، وما وَقَرَ في قلوبِهم؟!
إذًا خُذِ الجوابَ من حديثٍ نبويٍ كريمٍ يطيرُ به قلبُ المؤمنِ فرحا، قالَ النبيُّ-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وسلمَ-: "صلاحُ أولِ هذهِ الأمّةِ بالزهدِ واليقينِ، ويَهلكُ آخرُها بالبخلِ والأملِ".
هل أدركتَ الآنَ ما وقرَ في قلبِ أبي بكرٍ، وما السرُ الذي ارتفعَ به أمثالُ الإمامِ مالكٍ؟!
إنه اليقينُ الذي قال عنه ابنُ القيمِ-رحمه الله-: اليقينُ من الإيمانِ مثلُ الروحِ في الجسدِ، وفيه تَفاضَلَ العارفون، وفيه تنافَسَ المتنافِسون، اليقينُ روحُ أعمالِ القلوبِ التي هيَ أرواحُ أعمالِ الجوارحِ.
يقولُ ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه: "الصبرُ نصفُ الإيمان، واليقينُ الإيمانُ كلُّه"، لذلك كانَ السلفُ يتعلمونَه ويَحُثـــّون على تعلُّمه، يقولُ أحدُهم: "تَعلَّموا اليقينَ كما تتعلمونَ القرآنَ حتى تعرفوه؛ فإني أتعلَّمُه".
هل تريدُ من حسناتِكَ-حتى ولو قلَّتْ-أن تكفِّرَ كبائرَك وتمحوَ عظائمَك؟! إذًا تفقــــّدْ يقينَك، يقول ابنُ تيميةَ-رحمَه الله-: "والحسنةُ الواحدةُ قد يَقترنُ بها من الصدقِ واليقينِ ما يجعلُها تُكفِّرُ الكبائرَ".
هل دعوتَ اللهَ كثيرًا، فلم ترَ بوادرَ إجابتِها، ولم تَشْهَدْ علاماتِ قبولِها؟ إذًا تفقــــّدْ يقينَك، قالَ النبيُّ-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وسلمَ-: "ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ".
هل أتعبتْكَ وأمرضتْكَ منغصاتُ الدنيا ومصائبُها ومصاعبُها؟ إذًا تفقــــّدْ يقينَك، فاليقينُ سببٌ رئيسٌ في تهوينِ المصائبِ وتخفيفِ البلايا، ومن دعاءِ النبيِّ-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وسلمَ-: "اللهم اقسمْ لنا َمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا".
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فلا شيءَ كاليقينِ يُرقِّيك، ويُنقِّيك؛ لقولِ رسولِنا-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وسلمَ-: فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ اليَقِينِ خَيْرًا مِنَ العَافِيَةِ".
هل تاقَتْ نفسُك لإتقانِ عبادةِ التفكرِ، وفَتْحِ قُفلِ قلبِك بـ التدبرِ؟ إذًا تفقَّــــدْ يقينَك، فاليقينُ يجعلُك تنتفعُ بآياتِ اللهِ المقروءةِ في المصحفِ، " قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ"، وتعتبرُ بآياتِ اللهِ المنظورةِ في الكونِ، "وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ".
اليقينُ يعينُك على التصديقِ والرضى بكمالِ أحكامِ اللهِ وشرعِه: "وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّه حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ".
وقبلَ ذلكَ وبعدَه: فإنَّ اليقينَّ يصحّحُ عقيدتَك وتوحيدَك؛ فلا توحيدَ إلا بيقين، قالَ النبيُّ-صلى اللهُ عليهِ وآلِه وسلمَ-لأبي هريرةَ-رضيَ اللهُ عنه-: "مَنْ لَقِيتَه يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ، بَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ".
اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا والمسلمينَ سيِئ الأخلاقِ والأعمالِ، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وولاةَ أُمورِ المسلمينِ، وارزقهمْ البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اغفرْ لنا ولوالدينا وللمسلمينَ، أسألُك لي ولهم من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأُعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهم عليك بأعداءِ المسلمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ.
المرفقات

عظيمٌ-للتغييرِ-للأفضلِ-9-4-1441هـ-مستفادة-من

عظيمٌ-للتغييرِ-للأفضلِ-9-4-1441هـ-مستفادة-من

المشاهدات 1174 | التعليقات 0