سِرٌّ عَظِيْمٌ سَيُغَيِّر حيَاتَك(مشكولة مع الافتتاح والدعاء)

راشد بن عبد الرحمن البداح
1440/05/11 - 2019/01/17 21:18PM

12/5/1440هـ الحمدُ للهِ الذي أظهرَ لعبادهِ من آياتِه دليلاً، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له المتفردُ بالخلقِ والتدبيرِ جملةً وتفصيلاً، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه أصدقُ الخلقِ قِيلاً، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبهِ والتابعين لهم بإحسانٍ، وسلَّم تسليمًا. أما بعد: فاتقوا اللهَ؛ فتقوى اللهِ ما جاورَتْ قلبَ امرئٍ إلا وَصَل.

رجلٌ فقيرٌ،كثيرُ العيالِ هدّتْ كاهلَه الديونُ، وسالَ لبؤسهِ ماءُ العيون.

ثم أخبروه أن (عمَّه المغتربَ) في بلادٍ أوروبيةٍ قد ماتَ وخلّفَ ثروةً طائلةً تقدَّر بـ(100) مليون دولار، وليس له وارثٌ إلا هو!! لكنّ إجراءاتِ حصرِ الإرثِ والورثةِ ونقلِ الثروةِ ستتأخرُ قليلاً، ولن يستلمَ الثروةَ إلا بعدَ (سَنةٍ كاملةٍ)

أخبرني الآنَ: كيف سيعيشُ هذا الفقير الوارثُ سَنَتَه هذه؟!

لا شك أنه سيكونُ مسروراً جداً، مطمئناً جداً، رُغْمَ أنه مازال بعدُ مُعدماً، لكنَّ (يقينَه) بأنه بعدَ سنةٍ سيصبحُ غنياً جعلَ قلبَه مستقراً بالسعادة، ومُشعـّاً بالطُّمأنينة.

وكذلك (يقينُ) المؤمنِ بما أعدّه اللهُ له في الجنةِ سيجعلُه سعيداً مطمئناً، مهما كان فقرُه وبلاؤُه.

إن هذهِ القصةَ الرمزيةَ تقودُنا  لنفتِّشَ عن (السرِ) الذي أَوصلَ السلفَ الصالحَ والعُبَّادَ قديمًا وحديثًا لهذه المقاماتِ الرفيعةِ من الاجتهادِ في العبادةِ، وتسامي درجاتِهم في الإيمانِ، لعلّ (قلوبَنا) تصلحُ بما(صلَحت) به قلوبُ هؤلاءِ العظماءِ.

 لكنْ لتزدادُوا تعجُّبًا فاسمعوا لهذه المقالةِ التي قالها التابعيُّ الكبيرُ بكرٌ المُزَنيُّ، حيث يقول: (واللهِ ما سَبقهم أبو بكرٍ بكثرةِ صلاةٍ ولا صيامٍ، ولكنْ بشيءٍ وَقَرَ في قلبه)([1])! !

يا عجبًا! ! لا كثرةُ صلاةٍ ولا صيامٍ؟! إذاً ما هذا الذي وقرَ في قلبِه رضي الله عنه فـ(فاقَ) به الأمةَ جَمعاء؟!

ومِن بَعدِ أبي بكرٍ t قيلَ عنِ الإمامِ مالكٍ رحمه الله: ما رأيتُ رجلاً ارتفعَ مثلَ مالكِ ابنِ أنسٍ، ليس له كثيرُ صلاةٍ ولا صيامٍ، إلا أنْ تكونَ له (سَريرة)([2])! !

هل اشتقتَ لتعرفَ (سريرةَ) أولئكَ القومِ المصطفَين، وما وَقَرَ في قلوبِهم؟!

إذًا خُذِ الجوابَ من حديثٍ نبويٍ كريمٍ يطيرُ به قلبُ المؤمنِ فرحاً.

يقولُ النبيُّ e: صلاحُ أولِ هذهِ الأمّةِ بالزهدِ واليقينِ، ويَهلكُ آخرُها بالبخلِ والأملِ). أخرجه أحمدُ في "الزهدِ" والطبرانيُّ وصححهُ الألباني([3]).

* هل أدركتَ الآنَ ما (الشيءُ) الذي وقرَ في قلبِ أبي بكرٍ، وما (السرُ) الذي ارتفعَ به أمثالُ مالكٍ وأحمدَ بنِ حنبلٍ؟!

إنه (اليقينُ) يا سادَة.. اليقينُ الذي قال عنه طبيبُ القلوبِ ابنُ القيمِ رحمه الله: (اليقينُ من الإيمانِ بمنزلةِ الروحِ من الجسدِ، وفيه تَفاضَلَ العارفون، وفيه تنافَسَ المتنافِسون.. اليقينُ روحُ أعمالِ القلوبِ التي هيَ أرواحُ أعمالِ الجوارحِ)([4]).

اليقينُ هو الذي يقولُ عنه ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه: الصبرُ نصفُ الإيمان، واليقينُ الإيمانُ كلُّه([5]).

لذا كانَ السلفُ يتعلمونَه ويَحُثـــّون على تعلُّمه. يقولُ خالدُ بنُ مَعْدانَ: (تَعلَّموا اليقينَ كما تتعلمونَ القرآنَ حتى تعرفوه؛ فإني أتعلَّمُه)([6]).

يا عبدَ اللهِ: هل تريدُ من حسناتِكَ -حتى ولو قلَّتْ- أن تكفِّرَ كبائرَك وتمحوَ عظائمَك؟! إذاً تفقــــّدْ (يقينَك)

يقول شيخُ الإسلام ابنُ تيميةَ: (والحسنةُ الواحدةُ قد يَقترنُ بها من الصدقِ واليقينِ ما يجعلُها تُكفِّرُ الكبائرَ)([7]).

* هل دعوتَ اللهَ كثيراً، فلم ترَ بوادرَ إجابةٍ، ولم تَشْهَدْ علاماتِ قبولٍ؟

إذاً تفقــــّدْ يقينَك

يقولُ e: ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ. رواهُ الترمذيُّ وحسَّنه الهيثميُّ([8]).

* هل أتعبتْكَ لواعجُ الدنيا، وأمضـّتْ فؤادَك مصائبُ ومصاعبُ الحياة؟

إذاً تفقــــّدْ (يقينَك) فاليقينُ سببٌ رئيسٌ في (تهوينِ) المصائبِ و(تخفيفِ) البلايا

وتذكَّرْ دعاءَ رمضانَ: (وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا)([9]).

____2_____

فلا شيءَ كاليقينِ عبادةً تُرقِّيك، وتُنقِّيك؛ لقولِ رسولِنا e: فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ بَعْدَ اليَقِينِ خَيْرًا مِنَ العَافِيَةِ([10]).

* هل تاقَتْ نفسُك لإتقانِ عبادةِ (التفكرِ) وفَتْحِ قُفلِ قلبِك بـ (التدبرِ)؟

إذاً تفقَّــــدْ (يقينَك)

فاليقينُ يجعلُك تنتفعُ بآياتِ اللهِ المقروءةِ، وتعتبرُ بآياتِ اللهِ المنظورةِ.

فالأُولى (قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) والثانية (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ)

* اليقينُ - أيُّها المؤمنُ- يعينُك على التصديقِ والرضى بكمالِ أحكامِ اللهِ وشرعِه: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّه حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ).

* وقبلَ ذلكَ وبعدَه: فإن اليقينَّ يصحّحُ توحيدَك؛ فلا توحيدَ إلا بيقين. قال نبيُّك e لأبي هريرةَ: مَنْ لَقِيتُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ، [بَشِّرْهُ] بِالْجَنَّةِ. رواه مسلم([11]).

  • اللهم يا كاشفَ الظلمات، ومفرِّجَ الكربات، وغافرَ الخطيئات، وساترَ العورات، وقاضيَ الحاجات، ومجيبَ الدعوات، ورفيعَ الدرجات، وإلهَ الأرض والسموات:
  • يا مُنَوِّرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ نوِّر لنا حياتَنا، وقبورَنا، وصراطَنا.
  • يا مَن إذا شاءَ فعل، ولا يُسأل عما يفعلُ. ولا يُبْرمه سؤال مَن سأل. اللهم إنا لا نرجو إلا غفرانَك، ولا نطلبُ إلا إحسانَك.
  • إلهَنا: قد وجدناك رحيماً فكيف لا نرجوك، ووجدناك ناصراً فكيف لا ندعوك.
  • اللهم إنا نشكو إليك ضعفَ قوتِنا وقلةَ حيلتِنا، أنت ربُّنا وربُّ المستضعفين، نعوذُ بنور وجهِك الذي أشرقتْ له الظلمات، وصلُح عليه أمرُ الدنيا والآخرة: أن يَنزلَ بنا غضبُك، أو يَحلَّ بنا سخطُك، ولا حولَ ولا قوةَ إلَّا بك.
  • اللهم إنا نعوذ بك من زوالِ نعمتِك، وتحوُّلِ عافيتِك، وفُجاءةِ نِقمتِك، وجميعِ سخطِك.
  • اللهم وحسِّنْ أخلاقَنا، وطهرْ سرائرَنا، وآمنْ أوطانَنا، وطيبْ أقواتَنا، ووفقْ قيادتنا وولاتَنا، وانصر مجاهدينا، واشف مرضانا، وارحمْ أمواتَنا، واجمعْ على الهدى شؤونَنا، واقضِ ديونَنا، وأرخصْ أسعارَنا.

([1])نوادر الأصول في أحاديث الرسول للحكيم الترمذي (1/ 149)

([2])حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم (6/ 330)

([3]) الزهد لأحمد (ص 10) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (8/316/7646) . انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني (7/ 1263)

([4])مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 374)

([5])المعجم الكبير للطبراني (9/ 104)

([6])اليقين لابن أبي الدنيا (ص: 34)

([7])مختصر الفتاوى المصرية (ص: 577)

([8])مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (10/ 148)

([9])سنن الترمذي (3502) والسنن الكبرى للنسائي (10161)

([10])سنن الترمذي (3558)

([11])صحيح مسلم (52)

المرفقات

عظيم-سيغير-حياتك

عظيم-سيغير-حياتك

عظيم-سيغير-حياتك-2

عظيم-سيغير-حياتك-2

المشاهدات 1883 | التعليقات 0