سدوا الخلل

إبراهيم بن سلطان العريفان
1443/08/07 - 2022/03/10 22:04PM

الْحَمْدُ للهِ الْمُتَفَرِّدِ بِالْبَقَاءِ وَالدَّوَامِ، الْمُتَفَضِّلِ عَلَى عِبَادِهِ بِالْإِحْسَانِ وَالْإِنْعَامِ. أَحْمَدُهُ حَمْدًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ وَأَزْكَاهَا. اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ. ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[ إِخْوَةُ الْإِيمَانِ وَالْعَقِيدَةِ .. اتَّقُوا اللهَ، وَرَاقِبُوهُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَاشْكُرُوهُ أَنْ وَفَّقَكُمْ وَأَنْعَمَ عَلَيْكُمْ بِنِعَمٍ كَثِيرَةٍ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى.  يقول الله U ]إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ[ عُمَّارُ المسَاجِدِ هُمْ أَوْلِياءُ اللهِ U وَأَحْبَابُهُ وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ. فَالمسَاجِدُ بُيُوتُ اللهِ فِي الْأَرْضِ، أَطْهَرُ سَاحَاتِ الدُّنْيَا، وَأَنْقَى بِقَاعِ الْأَرْضِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ r (أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا) الْمَسَاجِدُ بُيُوتُ اللهِ فِيْهَا تَتَآلَفُ الْقُلُوبُ المؤْمِنَةُ، وَفِيهَا تَنْزِلُ الرَّحَمَاتُ، وَتَهْبِطُ الملَائِكَةُ، وَتَحُلُّ السَّكِينَةُ وَالْخُشُوعُ. وَلِلصَّلَاةِ مَكَانَةٌ رَفِيعَةٌ عِنْدَ اللهِ وَرَسُولِهِ r وَالمؤْمِنينَ، إِذْ هِيَ الرُّكْنُ الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ، وَقَدْ حَثَّ اللهُ المؤْمِنينَ عَلَى إِقَامَتِهَا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ]قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ[ وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ r أَنْ تُؤَدَّى هَذِهِ الصَّلَاةُ فِي المسَاجِدِ فَقَالَ ﷺ (مَن تَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ فأسْبَغَ الوُضُوءَ، ثُمَّ مَشَى إلى الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ، فَصَلَّاهَا مع النَّاسِ، أَوْ مع الجَمَاعَةِ، أَوْ في المَسْجِدِ غَفَرَ اللَّهُ له ذُنُوبَهُ) وَأَمَرَ r بِأَنْ تُسَوَّى الصُّفُوفُ، وَيُسَدَّ الْخَلَلُ فِيهَا. وَهَا نَحْنُ بِفَضْلِ اللهِ وَمِنَّتِهِ قَدْ بَلَّغَنَا اللهُ U هَذَا الْأَمَلَ، وَكَشَفَ اللهُ عَنَّا هَذِهِ الْغُمَّةَ، حَيْثُ صَدَرَتِ التَّوْجِيهَاتُ الرَّسْمِيَّةُ بِرَفْعِ الْإِجْرَاءَاتِ الِاحْتِرَازِيَّةِ وَالْوِقَائِيَّةِ المتَعَلِّقَةِ بِمُكَافَحَةِ جَائِحَةِ كُورُونَا، وَأَصْبَحْنَا نَسْمَعُ الْإِمَامَ يَقُولُ: سُدُّوا الْخَلَلَ، سَوُّوا الصُّفُوفَ، وَإِنَّ مِمَّا يَنْبَغِي ذِكْرُهُ فِي هَذَا المقَامِ مَا قَامَتْ بِهِ حُكُومَةُ خَادِمِ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ -حَفِظَهُ اللهُ- مِنْ جُهُودٍ مُتَوَاصِلَةٍ فِي التَّعَامُلِ مَعَ آثَارِ وَتَبِعَاتِ جَائِحَةِ هَذَا الْبَلَاءِ وَاتِّخَاذِ جَمِيعِ الْإِجْرَاءَاتِ، وَقَدْ كَانَ مِنْ تِلْكَ الْإِجْرَاءَاتِ تَطْبِيقُ التَّبَاعُدِ فِي الْمَسَاجِدِ بَيْن الْمُصَلِّينَ. وَبَعْدَ الْعَوْدَةِ لِلْوَضْعِ الطَّبِيعِيِّ وَجَبَ التَّنْبِيْهُ عَلَى بَعْضِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ المتَعَلِّقَةِ بِذَلِكَ. فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (أَقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بَينَ المنَاكِبِ، وَسُدُّوا الْخَلَلَ، وَلِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ، وَلَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ، وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ) وَعَنْ أَنَسٍ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (رُصُّوا صُفُوفَكُمْ، وَقَارِبُوا بَيْنَهَا، وَحَاذُوا بِالْأَعْنَاقِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّي لَأَرَى الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ منْ خَلَلِ الصَّفِّ، كَأَنَّها الْحَذَفُ) وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ، ثُمَّ الَّذِي يَلِيْهِ، فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ في الصَّفِّ المُؤَخَّرِ). فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الثَّلَاثَةُ وَغَيْرُهَا مِنَ الْأَحَادِيِثِ فِي الْأَمْرِ بِإِقَامَةِ الصُّفُوفِ وَسَدِّ الْخَلَلِ وَالتَّقَارُبِ ، فَالْوَاجِبُ إِقَامَةُ الصُّفُوفِ وَسَدُّ الْخَلَلِ وَعَدَمُ تَرْكِ فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ، [وَلِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ]، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا جَذَبَكَ أَخُوكَ لِسَدِّ الْخَلَلِ كُنْ لَيِّنًا لَا تَأْبَى حَتَّى تَسُدَّ الْخَلَلَ، وَكَذَلِكَ رَصُّ الصُّفُوفِ وَالْمُحَاذَاةُ بَيْنَ الْأَعْنَاقِ، [وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ]، وَصَلَهُ اللهُ بِفَضْلِهِ وَأَلْطَافِهِ وَبِرِّهِ وَجُودِهِ. [وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ]، كَوْنُهُ يَتْرُكُ فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ وَهَذَا فِيهِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ، وَفِيهِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى وُجُوبِ اتِّصَالِ الصُّفُوفِ، وَكَذَلِكَ التَّقَارُبُ بَيْنَ الصُّفُوفِ. عِبَادَ اللهِ: وَالَّذِي يَنْبَغِي عَلَى المسْلِمِينَ الْيَوْمَ الِاهْتِمَامُ بِهَذِهِ الْأَوَامِرِ النَّبَوِيَّةِ، وَخُصُوصًا فِي أَمْرِ الصَّلَاةِ. فَاللهَ اللهَ فِي أَنْفُسِكُمْ وَمَنْ وَلَّاكُمُ اللهُ أَمْرَهُمْ مِنْ أَوْلَادِكُمْ وَأَزْوَاجِكُمْ وَأَقَارِبِكُمْ، فَعِظُوْهُمْ وَذَكِّرُوْهُمْ بِأَهَمِّيَّةِ هَذَا الرُّكْنِ الْعَظِيْمِ. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا.. وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.     اَلْحَمْدُ للهِ عَلىَ إِحْسَانِهِ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلىَ تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ. أَمَّا بَعْدُ فَاتَّقُوا اللهَ I وَأَطِيعُوهُ وَلَا تَعْصُوهُ. عَبَادَ اللهِ: بَوَّبَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ: «بَابُ إِلْزَاقِ الْمَنْكِبِ بِالْمَنْكِبِ، وَالْقَدَمِ بِالْقَدَمِ»، وَذَلِكَ فِي الصَّفِّ، وَذَكَرَ عِدَّةَ آثَارٍ مِنْهَا مَا رَوَاهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ t أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ: (أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي،)، قَالَ أَنَسٌ: (وَكَانَ أَحَدُنُا يَلْزِقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ، وَقَدَمَهُ بِقَدَمِ صَاحِبِهِ، وَكَعْبَهُ بكَعْبِهِ)، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَدَّ الْخَلَلِ بَيْنَ الصَّفِّ، وَإِلْصَاقَ الْكَعْبِ بِالْكَعْبِ الْمُرَادُ بِذَلِكَ المبَالَغَةُ فِي تَعْدِيلِ الصَّفِّ، وَسَدِّ خَلَلِهِ، وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِسَدِّ خَلَلِ الصَّفِّ، وَالتَّرْغِيبِ فِيهِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ. أَيُّهَا الـمُسْلِمُوْنَ: لَقَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْنَا فِي هَذِهِ الْبِلَادِ بِنِعَمٍ عَظِيْمَةٍ، وَمِنَنٍ وَآلَاءٍ جَسِيْمَةٍ، لَا نُحْصِيْ لَهَا قَدْرًا، وَلَا نُحِيْطُ بِهَا شُكْرًا، وَمِنْ نِعَمِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا عَلَيْنَا نِعْمَةُ اجْتِمَاعِ الْكَلِمَةِ وَوَحْدَةِ الصَّفِّ، وَنَحْنُ وَللهِ الْحَمْدُ نَعِيْشُ فِي أَمْنٍ وَأَمَانٍ، وَرَاحَةٍ وَاطْمِئْنَانٍ، وَهَذَا غَايَةُ مَا يَتَمَنَّاهُ كُلُّ إِنْسَانٍ عَاقِلٍ، وَمِمَّا يُعِينُ عَلى صَلَاحِ أُمُوْرِنَا وَاسْتِقْرَارِ حَالِنَا طَاعَةُ وُلَاةِ أَمْرِنَا فِي الْـمَنْشَطِ وَالْـمَكْرهِ. فَاللَّهُمّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَأَيِّدْ بِالْحَقِّ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا خَادِمَ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيْفَيْنِ، وَوَفِّقْهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ وَوُزَرَاءَهُ وَأَعْوَانَهُ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَالْعَمَلِ بِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَهَيِّئْ لَهُمَا الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ الَّتِي تُعِينُهُما عَلَى الْخَيْرِ، يَا رَبَّ العَالَمِينَ .اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِيْنَا وَلِجَمِيْعِ الْـمُسْلِمِيْنَ وَالْـمُسْلِمَاتِ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِيْ الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

المرفقات

1646949864_سدُّو الخلل.docx

1646949872_سدُّو الخلل.pdf

المشاهدات 837 | التعليقات 0