سبعة يظلهم الله في ظله

عنان عنان
1438/01/12 - 2016/10/13 12:51PM
بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله: قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: ((سبعة يظلهم الله في ظله يومَ لا ظلَّ إلا ظله إمامٌ عادلٌ وشابٌ نشأ في عبادة الله ورجلٌ قلبه معلق بالمساجد ورجلان تحابَّا في الله فاجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذاتُ منصبٍ وجمالٍ فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بيمينه فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُه ما أنفقت يمينُه ورجلٌ ذكرَ اللهَ خالياً ففاضت عيناه)) [متفق عليه].
قال ابن عبد البرِّ-رحمه الله-: ((هذا الحديث أحسنُ حديثٍ يُروى في فضائل الأعمال وأعمُّها وأصحها وحسبك به فضلاً أنه كلُّ من كان في ظلِّ الله يومَ القيامةِ لم يَهلْه هولُ الموقف))
وكلٌّ من هؤلاء خاف ربَّه وأخلص لله في عمله
فالإمام العادل تصلح به أمورُ الدينِ والدنيا قال عثمان بن عفان-رضي الله عنه-: ((إنَّ اللهَ ليزعُ بالسلطان ما لا يزع بالقرآن))
وقال الفضيل بن عياضٍ-رحمه الله-: ((لو كانت لي دعوةٌ مستجابةٌ لجعلتها للسطان لأنَّ في صلاحه صلاحَ العبادِ والبلاد.
ولولا السلطان لأصبحنا نعيش كمجتمع الغابة يأكل القويُّ الضعيفَ))
قال الحسن البصري-رحمه الله-: ((لولا السلطان لأكل النَّاسُ بعضهم بعضاً ولولا العلماء لكان النَّاس كالبهائم ولولا الصالحون لفسدت الأرض.))
والإمام العادل يوفر العدل في المجتمع ليسود المجتمع بالألفةِ والمحبة والأمن والأمان
عن حسن القصَّار قال: ((مررتُ براعٍ في عهد عمرَ بن عبد العزيز-رحمه الله- ومعه ثلاثون ذئباً فظننتهم كلاباً ولم أكن أرى الذئاب قبل ذلك قطُّ فقلت يا راعي: ماذا ترجوا بهذه الكلابِ كلِّها؟! قال: يا بني إنها ليست كلاباً إنما هي ذئاب
قلت: أذئاب مع غنم؟! قال: يا بني إذا صلح الرأس فليس على الجسد بأس)).
قال سفيان الثوري-رحمه الله-: ((صنفانِ إذا صلحا صلح العباد والبلاد وإذا فسدا فسد العباد والبلاد السلطانُ والعلماءُ.
والإمام العادل يستجيب الله له دعوته بسبب عدله))
قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: ((ثلاثٌ لا تُردُ دعوتُهم الإمام العادل والصائم حتى يفطر ودعوة المظلوم)) [رواه الترمذي].
والإمام العادل يدنيه الله-عز وجل-منه يومَ القيامة
قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: ((إنَّ المقسطينَ على منابرَ من نورٍ يومَ القيامةِ هم الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما وَلُوا)) [رواه مسلم].
والنصرُ يكون للعادلين قال شيخ الإسلام ابن تميمة-رحمه الله-: ((إنَّ الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة))
وقد قالوا: الكافر المخلص ينتصر على المؤمن المزيف.

عباد الله: ومن الأصنافِ السبعةِ شابٌ نشأ في عبادةِ الله
هذا الشاب وهبَ نفسَه ووقتَه ومالَه في مرضاةِ الله-عز وجل- ومرحلةُ الشبابِ مظنَّةُ انحرافٍ
قال الشاعر: إن الشبابَ والفراغَ والجدَه***مفسدةٌ للمرءِ أيُّ مفسدة.
لهذا قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: ((إنَّ الله ليعجب من شابٍ ليسَ له صُبوةٌ)) [رواه الطبراني)
صبوة: أي: مراهقة.
والتاريخُ أصدقُ صادقٍ على الشبابِ الذين نشأوا في طاعة الله قال سبحانه: ((إنهم فتيةٌ آمنوا بربِّهم وزدناهم هدىً)).
ومن علم أن الشباب طيف إذا جاء لم يعدْ مرةً أخرى اشتغلَ به في طاعة الله-عز وجل-
من هم شباب اليوم؟ ومن هم شباب الأمس؟ شباب الأمس
قال الشاعر عنهم: عُبَّادُ ليلٍ إذا جنَّ الظلامُ بهم***كم عابدٍ دمعُه في الخدِّ أجراه
وأُسُدُ غابٍ إذا نادى الجهادُ بهم***هبوا إلى الموتِ يستجدون لقياه
ياربِّ فابعث لنا منهم نفراً***يعيدون مجداً قد أضعناه
وشباب المسلمين اليومَ يصلون إلى الأربعين وهم غافلون لاهون لا يعلمون رسالتَهم في الحياة يغدون ويرحون من غيرِ فائدةٍ ولا عملٍ يقربهم إلى الله
حالُ شبابِ المسلمينَ اليومَ كما قال الشاعر النصراني:
جئت ولا أدري من أين أتيتْ***ولكن أبصرت طريقي أمامي فمشيتْ
وسأظلُّ ماشياً هذا أم أبيتْ***أنا أسيرُ في الدربِ أمِ الدربُ يسيرْ
أم كلانا واقف والدهرُ يسيرْ***لست أدري ولماذا لست أدري لست أدري.
قال تعالى: ((وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلا ليعبدونِ)) هذه هي رسالتنا في الحياة.
مات معاذ بن جبل-رضي الله عنه- وعمره ثلاثون وثلاثونَ سنةً في عزِّ الشباب فقال عند احتضاره:
اللهم إنك كنتَ تعلم أني لم أكن أحبُّ الدنيا وطولَ البقاءِ فيها لا لغرسِ الأشجارِ ولا لجري الأنهار ولكن لظمأِ الهواجر والسجودِ للهِ في جوفِ الليل ومزاحمةِ العلماءِ بالرُّكبِ عند حِلَقِ الذكر.
فتأملوا على ما كانوا يبكون
قالت حفصةُ بنتُ سيرين-رحمها الله-: يا معشرَ الشباب اعملوا فإنَّ الخيرَ كلَّه في الشباب.

عباد الله: ومن هذه الأصنافِ السبعةِ: رجلٌ قلبه معلق في المساجد
المساجد أحبُّ البقاعِ إلى الله قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: ((أحب البقاع إلى الله المساجد وأبغض الأماكن إلى الله الأسواق)).

المساجد مكان الراحة والطمنأنية وتفريج الهمِّ والغمِّ لأن الملائكةَ تَحفُّها قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: ((والملائكة تدعو لإحدكم فتقول: اللهم اغفرْ له اللهم ارحمه ما دامَ في مصلاه)).
بعض الناس يجلس على المبارة والتلفاز والإنترنت ساعاتٍ طويلةً ولا يمل ولا يسئم وإذا أطال الخطيب في خطبته قليلاً
يضجر قال أحد العلماء: المؤمن في المسجد كالسمكةِ في الماءِ والمنافق في المسجد كالعصفورِ في القفص.

عباد الله: ومن هذه الأصناف السبعة: رجلانِ تحابا في الله فاجتمعا عليه وتفرقا عليه
الإنسان يأنس بغيره والمحبة في الدنيا إن لم تكن قائمةً على محبةِ الله فستنقلبُ عداوةً يومَ القيامة قال تعالى: ((الأخلاء يومئذٍ بعضُهم لبعضٍ عدوٌّ إلا المتقين))
قال عمر-رضي الله عنه-: ((ما أُعطيَ العبدُ بعد الإسلام نعمةً خيراً له من أخٍ صالحٍ فإذا رأى أحدُكم وُدَّاً من أخيه فليتمسكْ به)) وقال عمر-رضي الله عنه-: ((أكثروا من الأصدقاء الصالحين فإنَّهم زينة عند الرخاء وعُدَّة عند البلاء))
وقال الحسن البصري-رحمه الله-: ((أكثروا من صحبة الصالحين فإنَّ لهم شفاعةً يومَ القيامة))
وقال ابن القيم-رحمه الله-: ((الأخ الصالح خير لك من نفسك لأن نفسك تأمرك بالمعصية والأخَ الصالح يأمرك بالخير))

عباد الله: ومن هذه الأصناف السبعة: رجل دعته امرأة ذاتُ منصبٍ وجمالٍ فقال: إني أخاف الله
امرأة العزيز عندما روادت يوسف-عليه السلام-قال: ((معاذ الله إنه ربي أحسنَ مثواي)) يقصد عزيزَ مصر فحفظ له عرضه لأنه أحسن مثواه
قال أحد السلف: ((إنَّ للعفةِ لذَّةً أعظمَ من لذِّةِ الذنب)) وقال عثمان بن عفان-رضي الله عنه-: ((ما زنيت في الجاهلية ولا في الإسلام تركته في الجاهليةِ كرهاً وتركته في الإسلام تعففاً)) وقال سفيان الثوري-رحمه الله-: ((إنَّ أوَّل ما نبدأ به في يومنا هذا عفِّة أبصارنا))
وفتنة النساء عظيمة قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: ((ما تركت فتنةً أضرَّ على الرجال من فتنةِ النساء))
وقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: ((اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإنَّ أوَّل فتنةِ بني إسرائيلَ كانت في النساء))
قال القرطبي-رحمه الله-: ((وإنما كانت النساء أقلَّ ساكني الجنة لما فيهنَّ من الهوى والميل إلى عاجلِ زينة الدنيا لذلك ضعفن للإستعداد للآخرة والتأهب لها ومع ذلك هنَّ أقوى الأسباب التي تصرف الرجال عن الآخرة))
قال عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-: ((النساء حبائل الشيطان))
وقال حكيم: ((النساء كلُّهنَّ شرٌّ ومن شرِّهنَّ قلة الإستغناءِ عنهنَّ))
تقول إحدى الفتيات: كانت بداية المحادثة فيسبوكية عفوية ثم تحولت إلى قصةِ حُبٍّ وهميةٍ أخبرني أنه يحبني ويريد الزواجَ مني ثم توالت المحادثات والرسائل ثم طلب مني مكالمةً صوتية ثم طلب مني صورتي قالت: فأرسلت له صورتي مع باقيةٍ ورديةٍ معطرة ثم طلب مني الخروجَ معه-فالحرام يتدرج لا يقف عند حدِّ معين-
قالت: فرفضت بشدة قالت: فهددني بقطع العلاقة ونشر صوري التي كنت أرسلها له قالت: فاضطررت للخروج معه
إلى أن أعودَ في أسرعِ وقتٍ ممكن قالت: فخرجت وعدت ولكن عدت وأنا أحمل العار
قلت: يا فلان الزواج الفضحية قال: أنا لا أتزوج بفاجرة.
قال الشاعر:
من يزني بقومٍ بألفي درهمِ***بأهلهِ يُزنَى برُبُعِ الدِّرهمِ
إنَّ الزنا دينٌ إذا أقرضته***كان الوفا من أهلِ بيتك فاعلمِ.

"الخطبة الثانية"

عباد الله: ومن هذه الأصناف السبعة: رجل تصدق بيمينه فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُه ما أنفقت يمينُه
قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: ((صنائع المعروف تقي مصارع السوء والصدقة خُفيةٌ تطفئ غضبَ الرَّبِّ وصلة الرحم تزيد في العُمُر وكُلُّ معروفٍ صدقةٍ وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة وأول من يدخل الجنَّةَ أهلُ المعروف)) [رواه الطبراني باسناد صحيح].
قال الإمام الزهري-رحمه الله-: ((استكثروا من شيءٍ لا تمسُّه النَّارُ قالوا: وما هو؟ قال المعروف)).
كان أحدُ الصالحين ثرياً ينفق مالَه في سبيل الله هكذا وهكذا فقيل له: لو ادخرت من مالك لأولادك قال: ادخرت مالي لنفسي عند ربِّي وادخرت ربِّي لأولادي.
والمتصدق إذا أراد فتح أبواب الخير لغيره وتشجيعَ غيره أعلن صدقتَه وإذا أراد البعد عن الرياء والسمعة وحظوظ النفس أخفى صدقته قال تعالى: ((إن تبدوا الصدقات فنعمَّ هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراءَ فهو خيرٌ لكم ويكفِّرُ عنكم من سيئاتِكم))

عباد الله: ومن هذه الأصناف السبعة: رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه
قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: ((عينان لا تمسهما النَّار عينٌ بكت من خشيةِ الله وعين باتت تحرس في سبيل الله))
والناس في هذه الزمن لا يبكون إلا على المسلسلات الحزينة
قال أحدهم: رجعت مرةً إلى البيت فدخلت إلى البيت فوجدت أمي وأخواتي يبكون فتعجبت وهالني الأمر أمصيبةٌ حلَّت بنا!
قال: وبعد السؤالِ في الحديث وجدتهم يبكون لأن البطل في المسلسل مات فانتهى دوره من المسلسل فمن شدة عاطفيتهم أصبحوا يبكون عليه.
عباد الله: الفتن في هذا الزمن زادت عن حدِّها فأوصي نفسيَ وإياكم بتقوى الله وطريق الحق
قال الفضيل بن عياض-رحمه الله-: ((عليك بطريقِ الحقِّ ولا تغترَّ بكثرةِ الهالكين وإياك وطريقَ الضلالة ولا يضرُّك قلةُ السالكين)).

[وصلِّ اللهمَّ وباركْ على سيدنا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين].
المشاهدات 2378 | التعليقات 0